هذه الطقوس نقوم بها دائمًا، الفارق هذه المرة أننا جعلناها علنية!
هنري أشانتي تووم، المتحدث الرسمي للاتحاد الغاني لكرة القدم

بهذه الكلمات افتتح المتحدث الرسمي للاتحاد الغاني لكرة القدم هنري أشانتي تووم، حديثه لـ«إضاءات» حول الطقوس التي ظهرت بقوة في غانا قبل انطلاق بطولة كأس العالم 2022 في قطر.

تضرع إلى الله في صلوات الجمعة وخدمات مستمرة في الكنيسة، يتم كل هذا بإعلان رسمي من الاتحاد الغاني لكرة القدم، وليس مجرد مبادرات فردية، كل شيء مسخر في هذه البلاد «المتدينة بطبعها» من أجل تقديم «البلاك ستارز» نسخة مشرفة في قطر، بعد إخفاقات متتالية على المستوى القاري والدولي منذ بدء أفول شمس أحد أقوى أجيال الكرة الغانية، مؤخرًا، بقيادة مايكل إيسيان وأسامواه جيان وستيفن أبياه وسولي مونتاري وعديد من النجوم الآخرين.

هذا الجيل لم تأفل شمسه إلى النهاية، لأن هناك عناصر مهمة لا تزال تتألق ممن حسبوا على هذا الجيل الذهبي، وفي مقدمتهم الأخوان أندريه وجوردان أيو، اللذان يحظيان بنفس المكانة فنيًّا في تشكيلة البلاك ستارز.

لكن حول هذين الاسمين، بدأت غانا خلال آخر عامين عملية من بين أقوى ثورات التجنيس والاستقطاب للعناصر التي تصلح للعب لمنتخب غانا، حتى من لعبوا سابقًا لمنتخبات كبرى مثل إسبانيا.

إنياكي ويليامز الذي مثل منتخب إسبانيا الأول قرر ارتداء قميص غانا في كأس العالم مستغلًّا التعديلات التي أحدثها «فيفا» في هذه الحالات منذ حالة منير الحدادي مع منتخب المغرب، حاولوا إقناع شقيقه الأصغر نيكو ويليامز، لكنه اختار تمثيل إسبانيا في المونديال.

طارق لامبتي، محمد ساليسو، كمال سواح، كمال سليماني، محمد قدوس، وأسماء أخرى عديدة تم الانتقاء منها لتشكيل جيل جديد من خارج الصندوق لتقديم كرة قدم قوية تليق بمنتخب يطمح للوصول إلى أبعد مما حققه جيل أسامواه جيان حين نجح في الوصول إلى ربع نهائي مونديال 2010 قبل أن يخرج بـ«يد سواريز» حرفيًّا!

فضائح «أنس» وبداية الثورة

تستطيع أن تلمس بوضوح تلك الشحنة الكبيرة المحيطة بالمنتخب الغاني من أي ملم بالوسط الكروي هناك، طقوس التعبد والصلوات ليست سوى مظهر لخلفيات مشحونة يأمل كل منتسب للكرة الغانية أن يمثل مستوى البلاك ستارز في قطر نقطة الانطلاق للخروج منها بسلام.

الثورة الشاملة في الكرة الغانية بدأت من 2018، وبالتحديد حين تم كشف وقائع فساد كبرى نالت رئيس الاتحاد الغاني لكرة القدم «كويسي نيانتاكاي» على يد أحد أهم الصحفيين الاستقصائيين في القارة السمراء «أنس أريمياو أنس»، وهو ما يرجح أن يكون اسمًا رمزيًّا لوضعه على تقاريره بالغة الخطورة، التي تكشف عادة وقائع فساد عديدة في القارة السمراء برمتها، ويحرص أن يخفي وجهه دائمًا.

تورط في هذه القضية 100 مسئول وحكم غاني، واتهموا بالتلاعب في نتائج مباريات محلية وقارية، نيانتاكاي كان متورطًا في هذه الملفات وهو الذي كان محسوبًا على رجال أحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي السابق، الذي تم طرده من منصبه على خلفية وقائع فساد هو الآخر تضمنت حالات نيانتاكاي.

تم إيقاف نيانتاكاي الذي كان نائب أحمد أحمد في «كاف» وعضوًا في المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» مدى الحياة، وبدأت الكرة الغانية عملية تطهير شاملة على جميع المستويات إثر قرار فوري من وزارة الرياضة بإقالة مجلس الاتحاد بالكامل.

في 2019، تم إسناد إدارة الاتحاد الغاني لصحفي له خلفية أكاديمية ورياضية لا يستهان بها وهو «كورت أوكراكو»، الذي بدأ خطوات عملية على كل الأصعدة لإظهار غانا بشكل مغاير تمامًا في السنوات اللاحقة.

البرنامج الأكثر أهمية كان عمليات استقطاب لاعبين من أصول غانية ليمثلوا المنتخب، وليس الاعتماد على العناصر الاعتيادية مع بدء أفول شمس الجيل الذهبي، وضعف المسابقة المحلية، خصوصًا في أعقاب فضائح الفساد التي كشفها الصحفي أنس.

يقول الصحفي الغاني «أليكساندر أنيانكوا» عضو الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في تصريحات خاصة لـ«إضاءات»: «قضية الفساد أثرت على كرة القدم الغانية بشكل عام التي أديرت بلجنة تسيير أعمال لفترة، كما أن الدوري المحلي لم يعد جاذبًا للرعاة في أعقاب كشف فضائح الفساد، أن يركض الرعاة من مسابقتك بهذا الشكل أمر صعب، ولكن الآن تغيرت الأمور».

يضيف أنيانكوا في شأن أهمية ما قام به كورت أوكراكو لبناء الجيل الحالي الرائع لغانا، الذي قدم مستوى رائعًا في كأس العالم رغم الخروج من دور المجموعات: «لقد قام بعمل رائع، كان استثنائيًّا داخل الاتحاد الغاني، لأن هناك عددًا من اللاعبين الذين زارهم بشكل شخصي في أوروبا لإقناعهم بتغيير البلد الذي سيحملون ألوانه وعلى رأسهم ساليسو وويليامز ولامبتي».

يذهب تووم بدوره على لسان الاتحاد الغاني في تصريحاته الخاصة لـ«إضاءات» إلى أن فضائح الفساد التي كشفها الصحفي أنس لم تكن ذات تأثير في بناء الجيل الحالي للمنتخب الغاني، مجيبًا بكلمات واضحة ومقتضبة: «إجابتي على سؤالك هي لا! لم تكن لتلك الملفات أي علاقة بالمنتخب».

وأيًّا كان مدى تأثر عملية تشكيل الجيل الحالي الجديد تمامًا للمنتخب الغاني بفضائح الفساد التي كشفت في 2018، فإن ثورة التصحيح التي حصلت فيما بعد واكبتها ثورة مشابهة على المستوى الكروي، والكل يستطيع أن يرى ذلك من مقارعة الغانيين لكبار الفرق العالمية في مونديال قطر وتمسكهم بحظوظهم حتى النهاية ووقوفهم الند للند لمدارس عملاقة في كرة القدم.

وحين نقول «ثورة» فلا بد أن نتحدث أنها تواجه أيضًا ثورة مضادة، يمكن أن نستشف هذا بوضوح من مقتل الصحفي أحمد حسين سولي الذي شارك في تحقيقات الصحفي أنس لكشف وقائع الفساد، بعد عام من خروجها للنور، على يد مسلحين أطلقوا النار على رأسه وعنقه وأردوه قتيلًا في ملابسات غامضة.

صيام 3 أيام من أجل «البلاك ستارز»

غانا تتطهر من كل ما ألمَّ بكرة قدمها في السنوات الأخيرة، الشحنة الروحية التي ذكرناها بدءًا في المساجد والكنائس مظهر رمزي لذلك التطهر.

يتحدث أنيانكوا عن هذه الطقوس قائلًا: «غانا بلد متدين للغاية، لقد صام غالبية الشعب لثلاثة أيام سواء مسلمين أو مسيحيين، كي نصلي من أجل أن يقدم البلاك ستارز بطولة جيدة، حتى الرئيس والوزراء صاموا».

يؤكد لنا أنيانكوا ما قاله المتحدث الرسمي للاتحاد الغاني لكرة القدم تووم حول أن هذه ليست المرة الأولى التي تجرى فيها هذه الطقوس، ويعلل إظهارها بهذا الشكل العلني قائلًا: «هذه ليست المرة الأولى ولكنها كانت خاصة جدًّا، لأننا فشلنا بشكل ذريع في كأس العالم الأخيرة لنا (2014 حين تأهلوا بعد سداسية على حساب مصر) وكذلك في آخر كأس أمم أفريقية ولا نريد تكرار ذلك».

أضاف لنا عن توقعاته في شأن البلاك ستارز قبل البطولة: «لقد بنينا فريقًا شابًّا ليضع البلاك ستارز في شكل جيد بعد هذه الفضائح، وتستطيع أن ترى كيف أن اللاعبين قدموا بطولة جيدة مع رواد الجيل السابق ديدي (أندريه أيو) وجوردان (أيو) وبابا رحمن».

هنري أشانتي تووم المتحدث الرسمي للاتحاد الغاني لكرة القدم يختم قائلًا لـ«إضاءات» إن هذا الجيل من لاعبي غانا «قوي للغاية داخل الملعب وخارجه، يحاربون من أجل بعضهم، ويملكون الانسجام والقدرة على التفهم، المنافسة على المراكز موجودة لأن اللاعبين يريدون أن يضعوا أسماءهم في التاريخ لذلك آمنَّا أنهم سيفعلون شيئًا مشرفًا في كأس العالم».