في الثاني من مايو/ آيار الحالي أُعلن عن استشهاد الأسير الفلسطيني «خضر عدنان» بعد إضراب عن الطعام استمر لمدة 86 يومًا، في معركة أطلق عليها البعض «الأسير والسجان»، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عدنان 13 مرة، وبعد قرابة التسعين يومًا من الإضراب المفتوح عن الطعام في معتقلات الاحتلال. رحل عدنان عن عالمنا بعدما فقد الوعي في زنزانته، فجر الثلاثاء الثاني من مايو/ آيار الماضي، وتم نقله لمستشفى آساف هاروفيه في محاولة لإنعاشه، لكنه قد فارق الحياة، وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت.

عقب ذلك، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي لها عدنان بأن الاحتلال سيدفع الثمن جراء جريمته في حق «محارب المعدة الفارغة» كما أُطلق عليه، والذي اعتقل في المرة الثالثة عشرة في فبراير/ شباط الماضي، وبعدها دخل في إضراب مفتوح للمرة الخامسة إجمالًا منذ اعتقاله أول مرة.

ردود الفعل

احتل نبأ الوفاة جزءًا كبيرًا من الاهتمام، سواء الإعلامي أو الرسمي وغير الرسمي، بسبب معركة عدنان ضد بطش الاحتلال، وفور إعلان استشهاد عدنان، نعته حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي لها، وأصدرت بيانًا جاء فيه:

قتال الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني ماضٍ ولن يتوقف، وسيدرك العدو المجرم أن جريمة استشهاد القائد خضر عدنان لن تمر دون رد.

ودعت الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الجريمة ودعت إسرائيل إلى وقف أي اعتقال إداري وضرورة توجيه تهم لأي معتقل ومحاكمته أو إطلاق سراحه في حالة عدم وجود أي تهم، ووصفت الاعتقال الجماعي التعسفي للفلسطينيين بأنه «قاسٍ» و«غير إنساني»، وبحسب ما نشره الموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تجاهلت تدهور صحة عدنان ولم تطلق سراحه أو تنقله إلى المستشفى، واستمرت في احتجازه، دون تقديم رعاية صحية كافية، وقال خبراء في الأمم المتحدة:

إن وفاة خضر عدنان هي شهادة مأساوية على سياسة وممارسات الاعتقال القاسية واللاإنسانية التي تتبعها إسرائيل، فضلًا عن فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل في مواجهة الأعمال غير القانونية القاسية التي تُرتكب ضد السجناء الفلسطينيين.

وبدورها أصدرت وزارة الخارجية الفلسطينية بيانًا حول استشهاد الشيخ خضر عدنان جاء فيه:

إن استشهاد الشيخ عدنان يمثل جريمة قتل متعمدة ومكتملة الأركان، بدءًا من اعتقاله الإداري دون تهمةٍ أو محاكمةٍ أو سقفٍ زمنيٍّ، مرورًا بتجاهل جميع الدعوات والمطالبات بالإفراج عنه، وليس انتهاءً بإهمال حالته الصحية ووضعه في المركز الصحي داخل السجن في ظروف صحية لا تليق بكرامة الإنسان، وصولًا إلى استشهاده، ومن الواضح أن الشيخ عدنان قد تعرَّض لعملية إعدام بطيء وممنهج بغرض كسر عزيمة الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال.

ووصف رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية استشهاد عدنان بأنه عملية اغتيال متعمدة بعدما رفض الاحتلال طلبه بالإفراج عنه، وأهملته طبيًّا، وأبقت عليه في زنزانته متجاهلة خطوة الوضع الصحي الذي يمر به، بحسب ما نشرته شبكة بي بي سي.

ردود فعل إسرائيلية

سلط الإعلام الإسرائيلي الضوء على نبأ وفاة الشهيد خضر عدنان، وبعيدًا عن التناول الخبري، أثار نبأ الوفاة ردود فعل بين الانتقاد والترقب والاعتراف بجريمة الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين القابعين في معتقلات إسرائيلية دون وجه حق.

بداية وقبل استعراض ما قاله الإعلام الإسرائيلي بعد استشهاد خضر عدنان، نستعرض بيانًا أصدرته منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية قالت فيه:

توفي خضر عدنان في سجن إسرائيلي أثناء إضرابه عن الطعام، وهو شكل من أشكال الاحتجاج السلمي على اعتقاله وظلم الاحتلال، إن حقيقة بقاء شخص كانت حياته في خطر في السجن رغم الطلبات المتكررة بنقله إلى المستشفى تعكس التجاهل المطلق لحياته، كجزء من نظام الفصل العنصري وطوال 56 عامًا من الاحتلال، وسجنت إسرائيل ولا تزال تسجن مئات الفلسطينيين الذين لم يتلقوا محاكمة عادلة، وفي بعض الحالات لا يخضعون لأي محاكمة على الإطلاق، ويوجد حاليًّا حوالي 4900 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، من بينهم أكثر من 1000 معتقل إداري، وهو أعلى مستوى له منذ 20 عامًا، سياسة الاعتقال هذه جزء لا يتجزأ من فرض سيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين.

وشهد شاهد من أهلها

حينما يصف الإعلام الإسرائيلي حكومة بلاده بالمحتلة والمغتصبة لأرض فلسطين، وهي حقيقة ثابتة تاريخيًّا، يعتبر الأمر في غاية الأهمية، خاصة أن المعترف هو نفسه المغتصب للأرض الفلسطينية، وبجولة سريعة في الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعبرية نجد سيطرة كلمة محتل على عناوين عدد من وسائل الإعلام وكذلك كُتَّاب الرأي في أبرز الصحف مثل هآرتس ويديعوت أحرونوت وغيرها.

ففي افتتاحية صحيفة هآرتس والتي تحظى بانتشار واسع داخل الأراضي المحتلة، نجد هجومًا شديدًا على الحكومة في الافتتاحية الصادرة الجمعة الخامس من مايو/ آيار، وقالت عن الشهيد عدنان خضر:

كان معتقلًا سياسيًّا يقوم الاحتلال مثل أكثر من 1000 فلسطيني يتواجدون في السجون دون محاكمة، وهو رقم لا يثير أي اهتمام داخل إسرائيل مثله مثل إضراب عدنان عن الطعام لمدة 86 يومًا انتهت بوفاته»، وأضافت الصحيفة في الافتتاحية: «بينما تقاتل إسرائيل من أجل ديمقراطيتها ويتظاهر بعض مواطنيها بقوة وبشكل مؤثر ضد الأخطار التي تهددها، هناك تقريبًا تجاهل شامل لواحدة من أكثر الظواهر غير الديمقراطية التي تمارس فيها الاعتقالات الإدارية دون محاكمة، لا توجد مثل هذه الأشياء في أي ديمقراطية في العالم.

واختتمت الصحيفة بقولها: «خسر عدنان معركة تهدف إلى تحطيم روحه وجسده، بينما خسرت إسرائيل أكثر من ذلك، طالما استمر وصمة الاعتقالات الإدارية، وبهذه الأعداد».

محارب الحرية في بلد العار

وصف الكاتب الإسرائيلي الشهير، جدعون ليفي، في صحيفة «هآرتس» الشهيد خضر عدنان بأنه محارب الحرية، واعتبره مناضلًا قويًّا ضد مستبد شرير وهي الحكومة الإسرائيلية التي لم تجد له اتهامًا واضحًا بحسب الكاتب، وقارن الكاتب بين موقف عدنان الذي اعتقل 13 مرة وبين أليكسي نافالني المعارض الروسي الشهير الذي اعتقل عشر مرات، وأكد أن عدنان لو كان روسيًّا أو إيرانيًّا لافتخر به الإسرائيليون واعتبروه محاربًا من أجل الحرية، لكن كونه فلسطينيًّا فيراه الإسرائيليون شخصًا إرهابيًّا، لذلك لم يهتم أحد بمعاناة الرجل، ووصف ليفي تلك الأيام بأنها أيام عار على إسرائيل بعد رحيل خضر عدنان، الذي سيؤدي موته إلى مزيد من التصعيد في الجنوب بحسب الكاتب، وكان من الممكن منع هذا الغليان لو اهتمت الحكومة به، وكذلك ألف معتقل إداري دون تهمة.

وكشف جدعون ليفي عن مقابلة جمعته سابقًا بالشهيد خضر عدنان بعدما أفرجت عنه إسرائيل حينما أضرب 54 يومًا عن الطعام، وبحسب ليفي قال عدنان له: «لقد جعلتني إسرائيل رمزًا، نجحت في إظهار وجهها القبيح»، وبعدما هاجم الكاتب الإسرائيلي السياسة الإسرائيلية اختتم مقالته بعبارة تصف حال الشهيد خضر عدنان بقوله: «رحل باحترام، من المؤسف أنه لا يوجد الكثير من الإسرائيليين يقدرونه كما يستحق».

قتلته إسرائيل بدم بارد..

اعترف عضو الكنيست الإسرائيلي «عوفير كيسيف» بأن إسرائيل قتلت الشهيد خضر عدنان بدم بارد، وكتب كاسيف:

حصل الاحتلال على ما يريد بعد عشرة اعتقالات إدارية دون توجيه اتهامات أو أدلة وعشرة إضرابات عن الطعام، تمكن الاحتلال من اغتيال خضر عدنان بدم بارد.

وبحسب ما نشره موقع سروجيم الإسرائيلي، قال كيسيف: «لم يمت عدنان بل قُتل بسبب آرائه»، وألقى كيسيف باللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيث توقع إراقة مزيد من الدماء بعد استشهاد عدنان، حيث سيصعد الجهاد انتقامًا، كما سيرد الجيش الإسرائيلي، وهو ما سيوقع مزيدًا من الضحايا بحسب عضو الكنيست.

ويرى الكاتب الإسرائيلي «كوبي نيف» في صحيفة «هآرتس» أن الحكومة قتلت خضر عدنان بدافع الحقد والغموض، لأن القاضي رفض الإفراج عنه، وبعدها بخمسة أيام توفي في زنزانته، رغم سوء حالته الصحية والتي رآها الجميع داخل المعتقل، لكن رغم ذلك لم تفرج إسرائيل عن المعتقل الإداري، ولام الكاتب الإسرائيلي الحكومة والجميع داخل دولة الاحتلال بعدم الإفراج عن خضر عدنان ولو بدافع إنساني، وبعدها حدث مزيد من التصعيد من قبل سكان غزة بإطلاق صواريخ ورد الجيش الإسرائيلي، وبين الأمرين يراق مزيد من الدماء.