لعلك شاهدت كثيرًا أسماء أندية مثل «مكابي حيفا» و«مكابي تل أبيب» في مجموعات دوري أبطال أوروبا. تعرف بالطبع أنها تنتمي للكيان الصهيوني، وقد تكون لديك معلومات أعمق بعض الشيء وتعلم أن لها علاقة ما بالمنطقة العربية ما قبل نشأة دولة الاحتلال خصوصًا في مصر.

لكنك على الأرجح لا تعلم أن أندية «المكابي» تلك لها جذور تاريخية تعود لما قبل الميلاد، وأن لها يدًا تتعامل معها إسرائيل بقدسية حين يتعلق الأمر بدورها في إنشاء هذه الدولة. كيف ذلك؟

جيش المكابيين

يعود الأمر إلى نحو 170 عامًا قبل الميلاد، حين خاض ما يعرف بجيش المكابيين اليهود حربًا للاستقلال عن الإمبراطورية الإغريقية السلوقية في منطقة «يهودا» أو «جبل الخليل» في الأراضي المحتلة، انتهت بحصولهم على الاستقلال عام 134 قبل الميلاد، وبات المكابيون، الذين تعود تسميتهم في التاريخ اليهودي إلى «يهوذا المكابي» رمزًا للفتوة والعنفوان والشبيبة، والقدرة البدنية والإرادة.

مع تأسيس الأفكار اليهودية المتطرفة المعروفة بـ«الصهيونية» وذروتها في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومع بدء المشروع الذي يهدف إلى زراعة إسرائيل وسط المنطقة العربية، بات هناك تواصل فكري بين الحركة الصهيونية والأندية الرياضية، ثيودور هرتزل نفسه قال إن المهرجانات الرياضية للشبيبة اليهودية «قيمتها تفوق 100 خطاب!».

مع المنظور الاضطهادي اليهودي الدائم لذاته، بات مفهوم القوة ذا تقدير كبير، ولا ينبع استخدام القوة الأعمى الذي نراه بحق المدنيين الفلسطينيين إلا من نظرة الاستضعاف لأنفسهم، فيرون في كل طفل حديث الولادة مشروع محارب محتمل يستهدف الفتك بإسرائيل.

وقبل أن يحل القرن العشرون، كانت منظمة «المكابي» الرياضية قد تأسست عن طريق اليهود الأتراك، قبل أن تدخل المنطقة العربية في فلسطين عام 1906 من خلال نادي مكابي تل أبيب، ثم مكابي حيفا في 1913، ومنها إلى مصر التي تأسس أول نادٍ مكابي بها عام 1919.

هل أندية المكابي أصلها مصري؟

هناك سرد مصري يذكر أن أندية المكابي بالأساس تأسست في مصر، لكنه سرد يحتاج إلى تدقيق، حتى لو كان نشاط أندية المكابي أكثر تأثيرًا حقًا في مصر، وبالأخص في الإسكندرية والقاهرة.

في فترة العشرينيات زاد تأثير أندية المكابي في مصر، وزاد ارتباطها بالفكرة الصهيونية، وعلاقتها الوثيقة بالمجتمع المصري ككل، حتى إن أحد فروع المكابي كان يسمى «ها عبري ها صغير» وهو ما يعني العبرانيين الصغار باللغة العبرية، وكان اختصاص هذا النادي نشر المبادئ الصهيونية ودعم نشاطها بفلسطين.

جمع النادي تبرعات من أجل المشاريع الصهيونية في الأراضي المقدسة، وكانت به لجنة خاصة لدعم مشروع الجامعة العبرية في القدس باسم «أصدقاء الجامعة العبرية» وكان هدفها إرسال الطلبة المصريين من اليهود في بعثات إلى الأراضي المحتلة لتوطينهم ضمن مشروع استبدال السكان الأصليين الذي استهدفه الكيان الصهيوني في الثلث الأول من القرن العشرين.

انتشرت أندية المكابي عبر فروع عديدة في قلب القاهرة والمدن العربية، وحينها لم يكن لفظ «صهيوني» شيئًا يقابله المجتمع العربي بنفس الاستهجان الحالي، لأن اليهود بالأساس كانوا ضمن النسيج المجتمعي المصري والعربي، بالتالي كان دعم الصهيونية يوضع على عناوين المقرات ويعد من أهداف المنظمات.

حينها كانت أندية المكابي مكانًا يتم فيه تدريب الشباب اليهودي على حمل السلاح كهدف رئيسي من أجل تقوية سواعدهم وشد أيديهم قبل الهدف الأعلى وهو اغتصاب الأراضي الفلسطينية.

المكابيون الجدد

بنفس العقلية كان الشباب اليهود العرب والغربيون، يدخلون بتنسيق مع المكابي في الحربين العالميين الأولى والثانية، من أجل إعدادهم للحظة التي ينتظرونها، وبنفس الهدف تم تأسيس مهرجان «المكابياه» الرياضي أو «المكابياد» على غرار «الأولمبياد» لتشارك فيه الشبيبة اليهودية من العالم كله في فعاليات رياضية. قليل من هؤلاء الرياضيين كانوا رسميين، والباقون بدرجة الهواية أو حتى أقل.

حينما أتت اللحظة المرتقبة، وجد اليهود ضالتهم في شباب قوي، يرى أن الرياضة من أهم دعائم الحركة الصهيونية، والحق أن المقاتلين الأوائل من جنود الاحتلال لم يكونوا كالموجودين الآن ممن يركضون هلعًا من قذائف الياسين وعبوات العمل الفدائي، بل كانوا مقاتلين متمرسين تدربوا سواء داخل بلدانهم أو في حروب فعلية على القتال، لذلك كانت اللحظة التي هاجمتهم فيها الجيوش العربية ولو كانت أقل منهم عددًا في 1948 لحظة انتصار كبرى حربيًا للمقاتلين اليهود.

إسرائيل شديدة التشبث برمزياتها العامة، والمسمّى لديهم له قيمة كبيرة، حتى في أسماء أطفالهم، وربط النشاط الرياضي بقصة جيش المكابيين لها دلالات كبيرة في العقل اليهودي، لذلك تجد الأندية التي تحمل اسم «مكابي» في إسرائيل شديدة التطرف تجاه العرب والمسلمين، باختصار لأننا «السلوقيون الجدد» الذين يحاربهم الشباب المكابيون من وجهة نظرهم.

لست أبالغ، ذكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ذلك علنًا قبل أيام، حين أعلن أن جيش الاحتلال يخوض الآن حربًا هي استمرار لمسيرة جيش المكابيين، تمامًا مثل نبوءة أشعياء التي تحدث عنها بوضوح. اليهودي لا يسمي الأشياء صدفة أبدًا وهذا ما يمكن أن تراه في كل ما هو «مكابي»، حتى لو اختفى خلف ستار كرة القدم.