في هوليوود، الأبطال الخارقون، شيرلوك هولمز، روكي بالبوا، لا أحد منهم يكتفي بفيلم واحد. يجب أن يراهم الجمهور في سلسلة من عدة أجزاء. تحدٍ ثم آخر أصعب من سابقه، وفي كل مرة يرتقي البطل لمستوى الحدث. لكن لماذا لا يدرك لاعبو البريميرليج هذا الأمر؟

في نهاية الموسم ينتج لنا الدوري الإنجليزي بطلًا، يراه الجميع الأفضل بينهم. في إنجلترا فقط يرونه كذلك؛ لأن الحقيقة تقول بأن الدوري الأقوى في العالم لا ينتج اللاعب الأفضل في العالم. وبالنظر إلى الستة المواسم الماضية نجد أن الاتحاد الإنجليزي و رابطة اللاعبين المحترفين اتفقا على الأفضل، باستثناء موسم ليستر سيتي الشهير، حيث حصل جيمي فاردي على جائزة الاتحاد، والجزائري رياض محرز على جائزة رابطة اللاعبين.

تحولت جائزة الأفضل في إنجلترا إلى لعنة، لم ينجُ منها سوى لويس سواريز، ونجولو كانتي الذي بالنظر إلى مركزه، لم يواجه نفس الضغوطات التي واجهها البقية. بيل، محرز، هازارد، وأخيرًا صلاح، قد وقعوا في نفس الفخ، ولكل منهم أسبابه التي سنحاول التعرف عليها.

جاريث بيل: زواج بالإكراه

لقد ظنوا أنهم تعاقدوا مع ظهير أيسر. اليوم هو شيء آخر وقد يكون الحظ قد لعب دوره فيما حدث.
ماوريسيو بوتشيتينو عن جاريث بيل

هكذا تحدث «ماوريسو بوتشيتينو» عن مسيرة جاريث بيل مع توتنهام قادمًا من ساوثهامبتون. اللاعب الويلزي بدأ مسيرته كظهير أيسر، وبعد عامين ونصف من المعاناة، كاد السبيرز أن يتخلص منه لصالح نادي نوتنجهام فورست، لكن اللاعب تمسك بحظوظه وقرر البقاء.

اللاعب الذي يُلام اليوم على ضعف أدائه الدفاعي تدرج في المراكز من الخلف إلى الأمام. فانتقل إلى خط الوسط ليلعب كجناح أيسر، معتمدًا على سرعته الخارقة. وكان الهاتريك ضد إنتر ميلانو على ملعب السان سيرو بداية انفجاره.

تحول الويلزي إلى الأفضل بعد أن منحه المدرب البرتغالي فيلاش بواش مزيدًا من الحرية في الثلث الهجومي، ومن هنا بدأ الجميع يشبهه برونالدو. فقرر بيل أن يرتكب خطيئته الكبرى بالانتقال إلى ريال مدريد واللعب مع شبيهه في فريق واحد. لم يكن يعلم أن ثنائيات الأجنحة لا تتشابه، رونالدو لم يكن يشبه دي ماريا، ريبيري لم يشبه روبين، وساني لا يشبه ستيرلنج، الاختلاف يكسب الفريق التنوع، أما التشابه فيؤدي إلى ما يشبه تداخل السلطات.

هجوم الفريق يدور حول محور واحد فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك. كان على بيل أن يسأل إبراهيموفيتش عن تجربته مع ميسي. ازداد الطين بلة مع حظ بيل العاثر مع الإصابات، إضافة إلى عدم إتقانه اللغة الإسبانية حتى الآن. خمس سنوات ونصف من عدم التواصل مع زملائه في الفريق أو المجتمع الذي يعيش فيه. ورغم ذلك أراد النادي واللاعب إنجاح الأمر رغمًا عن الظروف، لكن الفشل ظل يطاردهم. حتى نال أفضل لاعب بالبريميرليج سابقًا صافرات استهجان جماهير ريال مدريد.

محمد صلاح: ما لم يخبرك به ستيرلنج

من المبكر إعلان وقوع اللاعب المصري في فخ أفضل لاعب، لكن ما ظهر من علامات لا يمكن تجاهله. في هذا الموسم فقد محمد صلاح أفضل ميزة له في الموسم الماضي، وهي الحضور في المباريات الكبرى، باستثناء هدفيه ضد نابولي وأرسنال. الأمر يبدو واضحًا، الكل أخذ احتياطاته أمام اللاعب الأفضل. وفقًا لموقع Football Whispers، فإن إحصائيات نجم ليفربول قد شهدت انخفاضًا منذ بداية النصف الثاني من الموسم مقارنة بنصفه الأول.

انخفض معدل تسديداته للمباراة الواحدة من 3.46 إلى 2.3، ومعدل صناعته للفرص من 0.51 إلى 0.14. صلاح أصبح محاصرًا بمزيد من المدافعين، أو يستلم الكرات بعيدًا، فأصبح مضطرًا لعمل مزيد من المراوغات، لكن مع نسبة نجاح أقل. بات لاعب تشيلسي السابق يعاني من فقدان الثقة، لكن يمكننا أن ننظر للأمر من خلال لاعب مانشستر سيتي رحيم ستيرلنج.

محمد صلاج
إحصائيات «محمد صلاح» تشهد انخفاضًا ضئيلًا مقارنة بالموسم الماضي

يتشابه اللاعبان كثيرًا في التقييم وحصر قدراتهما بقدر كبير في السرعة. لكن ستيرلنج الآن يعتبر واحدًا من أبرز لاعبي الموسم، بتسجيله – حتى الآن – 14 هدفًا. الغريب أن أكثر من نصف هذا العدد أتى من داخل منطقة الست الياردات، أي من مسافة قريبة جدًّا. ومع الأخذ في الاعتبار أن ستيرلنج مسدد سيئ، قرر موقع The Ringer الإجابة على السؤال: إلى أي مدى يتوقف إنهاء الفرص على مهارة اللاعب وجودة التسديد؟

أشار التقرير إلى ما يعيب إحصائية الأهداف المتوقعة، حيث إنها لا تفرق بين ميسي ولوكاكو مثلًا. لذلك حاولوا إضافة جودة اللاعب إلى الأرقام، لمحاولة تقدير ما قد تضيفه جودة التسديد إلى احتمال تحويل الفرصة إلى هدف. على سبيل المثال، في موسم 2016 / 2017 قلل العديد من المهاجمين من فرصهم بسبب سوء تسديداتهم، وكان أبرزهم: إدينسون كافاني، ماورو إيكاردي، إيدين دزيكو، ومحمد صلاح. لكن في النهاية أثبت لهم ستيرلنج أن هذا لا يهم كثيرًا.

أثبت ستيرلنج أن الحصول على الفرص «chance-getting ability» قد يكون أكثر أهمية من القدرة على إنهائها «finishing skill». فمنظومة مانشستر سيتي تساعده بخلق الكثير من الفرص. أضف إلى ذلك العمل الكبير الذي قام به جوارديولا لتطوير تكنيك اللاعب الإنجليزي في الاستلام مع حركة جانبية بدل من الاستلام وظهره للمدافعين، مما زاد قدرته في الحصول على الفرص.

حالة صلاح تشبه كثيرًا حالة ستيرلنج، لكن مع تقصير من اللاعب، وضعف في منظومة الفريق. فانخفاض معدل ضغط الليفر، وقلة حيلة وسط الميدان على مستوى خلق الفرص، أصبح الدولي المصري أكثر ارتباكًا،وأكثر ارتجالًا بالاعتماد على مهارته التي لم نلحظ عليها أي تطور لا على مستوى التكنيك، ولا مستوى التنوع.

محرز وهازارد: طال الانتظار

دائمًا ما يشعرك النجم البلجيكي بأنه تائه، لا يعرف ماذا يريد. يكره الأسلوب الدفاعي، على الرغم من فوزه بلقبين للبريميرليج مع هذا الأسلوب. بل إنه قدم أفضل مبارياته الدولية مع منتخب بلاده ضد البرازيل في كأس العالم 2018، عندما ركنت بلجيكا إلى الدفاع. وعندما قدم مدرب بصبغة هجومية لم يكن مستوى إيدين ثابتًا معه، ولم يحب كل تقليعاته التي كان آخرها وضعه كمهاجم وهمي.

مع عدم تقديره لما يملك من موهبة تأخر هازارد في أخذ خطوة للأمام، واستسلم لروتين عدم الاستقرار الفني بفريقه. وعندما اقترب من اتخاذ قراره، تم حرمان تشيلسي من دخول سوق الانتقالات، بل تم رفض استئنافه.

أما الجزائري محرز فقصته لا تختلف كثيرًا عن قصة هازارد. فمحرز قرر البقاء مع ليسر سيتي عقب قيادتهم لتحقيق اللقب المعجزة. رغم أن ليستر لم يبذل جهدًا في إقناع نجمه بالبقاء، فكانت أبرز تحضيراتهم لخوض غمار دوري أبطال أوروبا صفقة الجناح النيجيري أحمد موسى. انخفض مستوى اللاعب وقرر إضاعة وقته في موسم آخر، لم يضف إليه شيئًا.

اليوم أصبح الدولي الجزائري الاختيار الرابع لبيب جوارديولا في مركز الجناح، بعد ليروي ساني، رحيم ستيرلنج، برناردو سيلفا، لأن التوافق مع تكتيكات بيب يتطلب المزيد من الوقت والعمل. تعتقد صحيفة التليجراف في تقرير لها أن إبراهيم دياز المنتقل إلى ريال مدريد في يناير/كانون الثاني الماضي كان أحق بالفرصة من محرز. ولا يمكن لمحرز إلا لوم نفسه، لأنه وصل متأخرًا على موعد القطار.

اجتمع هؤلاء اللاعبون فقط على النتيجة لكن بظروف مختلفة. فكل واحد منهم حصل على الترقية «Upgrade» التي يستحقها بعد التتويج بالأفضل، فنالوا جميعًا عقودًا جديدة بمرتبات أكبر. لكن بقيت الترقية الأهم غائبة.

التطور الذهني، ذلك الذي سيمكِّن صلاح من التعامل مع الموقف بدلًا من زيادته سوءًا بسوء التمرير والاستلام، أو يمكِّن بيل من اتخاذ قرار يحيي مسيرته، أو منع هازارد ومحرز من إضاعة الوقت. لا أحد من هؤلاء امتلك ذلك الجوع الذي امتلكه رونالدو وميسي، وهذا هو الفيصل. لا علاقة للجائزة بالأمر، وإن كان الأمر يبدو أن الجائزة تلعن صاحبها، فالحقيقة أن صاحبها هو الذي يلعنها.