رجل وامرأة يجلسان متقابلين… لا تلتق نظراتهما… فالرجل الجالس على العرش منشغلًا بتقبيل ابنته، بينما الملكة تولت الجزء الأكبر من المهمة فحملت أختيها؛ إحداهما على كتفها، وأجلست الثانية على ساقيها… هكذا أظهرت إحدى اللوحات المنحوتة عائلة الملك الفرعوني أمنحتب الرابع (إخناتون) وزوجته نفرتيتي، والتي أنجب منها 6 بنات.

أطفال ملوك مصر القديمة كما يظهر في تلك اللوحة حظوا بقدر وافر من الاهتمام والحنان، لكن ماذا عن أطفال عامة المصريين في ذلك الوقت، وكيف كانت أوضاع الأم المصرية القديمة؟

مرحلة الإنجاب وما قبلها

الأسرة النووية التي تقتصر على أب وأم وأطفال كانت هي الشكل الأساسي للعائلة في مصر القديمة، ورغم ترابط العلاقات الذي ساد بين الأقارب وبعضهم، كان هناك أزمة في توظيف اللغة للتعبير عن درجة القرابة بمن هم خارج الأسرة الصغيرة، فالكلمة المستخدمة بمعنى «أم»، كانت تعني كذلك «جدة»، واستعانوا بلفظة «أب» كذلك للحديث عن الجد… وهكذا.

وبمجرد أن تصل الفتاة إلى سن البلوغ، فهذا يعني، بالنسبة لأجدادنا القدماء، أنها باتت مستعدة للزواج، وتكوين عائلة جديدة، فيما تراوحت سن الزواج للذكور بين السادسة عشرة والعشرين عامًا.

وقد أشار الباحثان «دوجلاس بروير» أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة إلينوي الأمريكية، و«إيميلي تيتير» الباحثة في جامعة شيكاغو، في كتابهما «مصر والمصريين» إلى أن المجتمع المصري القديم لم يكن يُفضِّل إنجاب الذكور عن الإناث أو العكس، فالقادمون إلى الحياة من كلا الجنسين يضمنون الحصول على الاهتمام والتقدير ذاته.

وما إن تتأكد المرأة من حملها، تبدأ الاستعانة بعدد من الطقوس التي تحرص على أدائها، على رأسها الصلاة إلى «تواريت»، إله الميلاد عند المصريين القدماء، و«بيس»، إله الحرب الذي يساهم- في اعتقادهم- في حماية الأمهات والصغار.

الحلي أيضًا كان لها دور في هذه المرحلة، فتضع الحامل التمائم داخل القلائد والأساور التي ترتديها. أمّا عملية الوضع، فكان من أهم طقوسها وجود ما يُعرف بأحجار الولادة التي كانت تُزيِّن بالصور الملونة، ويعتقد المصريون القدماء أنها تخاطب الآلهة لضمان سعادة وصحة الأم وطفلها.

استعانت الأم في مصر الفرعونية بالقابلة أيضًا، لمساعدتها في إتمام حدث الولادة السعيد، إلا أن سبب وحيد كان وراء حالة من القلق سادت لفترات، وهو ارتفاع معدلات الوفاة بين الأطفال في سنواتهم الأولى، ومن هنا كان الاهتمام بتغذية الطفل في هذه الفترة.

يُشيِر نص «تعليمات آني»، الحكيم الذي عاش في عصر الدولة الحديثة، إلى أن فترة الرضاعة الطبيعية امتدت حتى ثلاثة أعوام، وهو الأمر الذي وصفه الباحثان الأمريكيان بأنه أحدث توازنًا مهمًا بين: حماية الأبناء من خطر الوفاة، والحفاظ على صحة الأم، واحتياجات التناسل، إذ تقل فرص الحمل بطفل جديد خلال تلك الفترة، بخلاف ما عرفوه من وسائل أخرى لتنظيم النسل.

تمتعت الأم في مصر القديمة كذلك بالحق في تسمية أبنائها، وظهرت مكانتها بارزة في حديث «آني» لنجله، والذي قال فيه، كما جاء في كتاب «ديانة مصر القديمة»:

أعد لأمك كل ما فعلته من أجلك، أعط المزيد من الخبز وأحملها كما حملتك ثقلاً. وحين وُلدت وبعد تمام شهورك، حملتك على عنقها وظل ثديها في فمك ثلاث سنوات، ولم تكن تشمئز من قاذوراتك، وأرسلتك إلى المدرسة كي تتعلم الكتابة، وفي كل يوم كانت تنتظرك بالخبز والجعة في بيتها.

اللهو والعمل

المصريون القدماء سمحوا لأبنائهم كذلك بأوقات طويلة من اللهو واللعب، وعرفوا الدمى، وألعاب الأطفال، إلا أن التدريب على حياة البالغين كان يبدأ مباشرة بعد مرحلة الفطام، بدايةً من مساعدة الفتيات لأمهاتهم في أعمال المنزل، أو تكليفهن ببعض المهام أثناء العمل في الحقول، وهكذا كانت العلاقة بين الذكور وآبائهم.

اللافت أن الاهتمام بالأطفال كان أمراً يشغل بال الأسرة آنذاك في مرحلة مبكرة للغاية، إذ وصلنا عقد زواج يعود تاريخه إلى وقت متأخر من العصر الفرعوني، تطرَّق إلى مسألة حماية الأبناء، كما تعهّد فيه الرجل بأن يقدم راتباً شهرياً لزوجته.

وعلى غير المعتاد، تمتعت المرأة من الطبقات الدنيا من المجتمع بالمزيد من الحرية في العمل إلى جانب رعاية الأسرة، فنجد النساء والرجال يعملون سوياً في مجال الزراعة على سبيل المثال، في الوقت الذي تبقى فيه زوجات الكثير من الحرفيين والموظفين في المنزل، بينما الرجل منشغل في عمله.

الأمر لم يقتصر على العمل في المزارع، بل عملت النساء كذلك في صناعة السلال، والمنسوجات، وصناعة الأحذية، علاوة على تملك العقارات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.

التعليم

أمّا عن تعليم الأطفال آنذاك، فاختلف بحسب المستوى الاجتماعي للعائلة، إذ اقتصر تلقي التعليم الرسمي على فئات معينة: كأبناء الكُتّاب والطبقات العليا من الشعب، وكان يشمل تعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب. أمّا أبناء عامة الشعب والمزارعين فكان تعليمهم مسئولية الأبوين، بحسب مقال نشرته جامعة ميتشجان الأمريكية.

ولم تكن الفتيات تلتحق بالتعليم الرسمي كذلك، إلّا أن أعدادًا كبيرة منهن تمكّنت من التعلم على يد أحد أفراد الأسرة، أو معلم خاص.

وقد تضمن القانون المصري القديم سلسلة طويلة من القواعد المُنظِّمة لمسألة الطلاق، بهدف تبغيض الطرفين في الانفصال، إلا أن هذه القوانين تمكّنت من ضمان حقوق النساء بعد انتهاء العلاقة مع أزواجهن. فبحسب موقع World History Encyclopedia، كانت حضانة الأطفال من حق المرأة بعد الطلاق، علاوة على السماح لها بالبقاء في منزل الزوجية ما لم يكن مملوكاً لعائلة الزوج.

قضية علاقة الأطفال بوالديهما بعد الطلاق لم تمثل- كما نعتقد- أزمة كبرى في المجتمع الفرعوني، لقصر مرحلة الطفولة التي تنتهي مبكرًا، ليبدأ هؤلاء الأبناء في تأسيس حياة منفصلة.

عمل الأبناء

انتشر في عصر أجدادنا توارث الوظائف أيضاً، فكثيراً ما كان يسلك الابن الأكبر للعائلة نفس مسار والده العملي سواء كان دينياً أو حرفياً أو غيره. كما كان يقع على عاتقه رعاية أبويه في الكبر، وإقامة مراسم دفن تليق بهم بعد رحيلهم عن الحياة، وهو الأمر الذي تساوى فيه الذكور والإناث.

وعند وفاة الزوج، كان للزوجة مقدار الثلث من الميراث، قبل أن يتم توزيع الجزء المتبقي على الأبناء، بالتساوي بين الذكور والإناث، وعائلة المتوفى أيضاً. غير أن الابن الأكبر للأسرة كان مكلفاً، في بعض العصور، بمهمة الإشراف على ممتلكات الأسرة، دون التصرف بها، قبل أن ظهور التشريعات التي أنهت هذا الأمر.

وكما هو الحال الآن، حرص الفراعنة على الاحتفاظ بمنازل العائلة دون تقسيم قيمتها على الورثة، بل كان الأمر يقوم على الاستخدام المشترك بين أفراد الأسرة.

وتحكّمت المرأة كذلك فيما ستورثه لأطفالها، إذ كان لها الحق في حرمان أبنائها العاقين من الحصول على نصيبهم من التركة، عقاباً لهم على نسيانهم لها وبقائها «أسيرة» لهم، كما يصفها «آني».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.