ينتظر عشاق الأفلام في جميع أنحاء العالم يوم الـ 14 من فبراير/شباط كل عام، لمشاهدة أهم وأقدم حفل جوائز للسينما، حفل الأوسكار، الذي يتم فيه الإعلان عن أصحاب الشرف السينمائي لهذا العام. انتهى الحفل منذ أسابيع، وفجّر الفيلم الكوري Parasite مفاجأة بحصوله على 4 جوائز، وفاز خواكين فينكس وبراد بيت وغيرهما، ولكن بالضبط ما قيمة هذه الجائزة؟ وكيف بدأت؟ ومن يختار الفائزين؟

الأكاديمية

في العام 1927 اقترح أحد كبار منتجي هوليوود Louis B. Mayer صاحب ومؤسس Metro-Golden-Mayer، منتج توم وجيري بشعار الأسد الشهير، اقترح على باقي المنتجين وصنّاع السينما إنشاء جوائز تشجيعية للنهوض بالسينما، وتطوير صناعة الأفلام بشكل عام.

اقتنع الاغلبية بالفكرة وبدأ التنفيذ حتى ظهرت الأكاديمية المسئولة عن الجوائز، أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة (الأفلام) The Academy of Motion Picture Arts and Science، بعدد محدود من الجوائز، على أن تتولى هذه الأكاديمية كل عام عقد حفل لتقديم الجوائز بعد التصويت على الفائزين.

أول من تولى رئاسة الأكاديمية وقدم أول حفل كان Douglas Fairbanks، الممثل والكاتب والمخرج والمنتج، الذي كان يُلقَّب بـ «ملك هوليوود». كانت الحفلة عبارة عن 12 جائزة للأفلام من عامي 1927-1928 معًا، واستمرت 15 دقيقة فقط في أحد الفنادق في لوس أنجلوس بكاليفورنيا. اكتسبت الأكاديمية صخب واهتمام العامة بعد إذاعة الحفل على الراديو عام 1930، ثم على التليفزيون بدايةً من عام 1953. تطور نظام الحفل والجوائز وزاد العدد حتى وصل إلى 24 جائزة حاليًا لكل المجالات المتعلقة بالأفلام تقريبًا.

سبب التسمية

من المفارقات الظريفة أنه لا أحد يعرف سبب التسمية أو من أين جاء اسم أوسكار، بالرغم من أن جائزة الأوسكار عمرها 92 عامًا، إلا أن الاسم يظل لغزًا ينتظر الحل. ظهرت بعض النظريات والافتراضات عن أصل الاسم، حيث يقال إن إحدى العاملات في مكتبة الأكاديمية، سيدة تُسمى Margret Herrick عندما رأت تمثال الأوسكار، قالت إنه يشبه خالها أوسكار، ومن ثَمَّ تنقّل الاسم بين الصحافيين حتى وجد طريقه إلى أحد المقالات في عام 1934، أعجب الناس بالاسم وتم اعتماده رسميًا في 1939. وتم إطلاق اسم هذه السيدة على مكتبة الأكاديمية Margret Herrick Library.

بينما ادّعت الممثلة الأسطورية والحاصلة على الجائزة مرتين Bette Davis، أنها من أطلق الاسم أوسكار، عندما حصلت عليها في 1936 وحملت التمثال، قالت إنه يشبه زوجها Harmon Oscar Nelson Jr بعد الانتهاء من الاستحمام عاريًا.

الجائزة الفعلية

يتم تقديم تمثال يمثل فارس يحمل سيفًا ويرتكز على بكرة فيلم، يخرج من البكرة 5 أفرع تمثل الأفرع الأساسية للأكاديمية، الممثلين والمخرجين والمنتجين والتقنيين والمؤلفين. لم يتغير التصميم كثيرًا منذ البداية غير الحجم والوزن، يزن التمثال حوالي 3.8 كيلو وطوله 34.3 سنتيمترًا، ويتكون من البرونز المطلي بالذهب، عدا ثلاث سنوات خلال الحرب العالمية الثانية، تم تقديم تمثال من الألباستر بسبب قلة المعادن خلال الحرب، ولكن تم تعويض الفائزين في وقت لاحق بعد حلول السلام.

الجائزة لا تمثل شيئًا في ذاتها، حيث إنها غير مصحوبة بأي مكاسب مادية مثل نوبل مثلاً، ومنذ 1950 لا يمكن بيع التمثال إلا للأكاديمية مقابل دولار واحد، إنما الأوسكار جائزة فخرية ومعنوية في المقام الأول، يصاحب الفائزين غالبًا زيادة كبيرة في الشعبية وارتفاع في الأجور، مثل Jennifer Lawrence بعد فوزها غير المبرر في 2013، أصبحت أكثر النساء أجرًا في هوليوود، وبعض الأفلام أيضًا ارتفعت أرباحها بعد إعلان ترشيحهم للجائزة.

شروط الترشح للجائزة

تفرض الأكاديمية شروطاً واضحة وغير قابلة للطعن للترشح لجائزة الأوسكار:

  1. أن يكون الفيلم أطول من 40 دقيقة (عدا الأفلام القصيرة والوثائقي طبعًا).
  2. أن يُعرض في السينما لمدة أسبوع على الأقل في لوس أنجلوس في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني حتى 31 ديسمبر/كانون الأول من السنة السابقة للحفل، بمعنى أن الفيلم يُعرض حتى ديسمبر/كانون الأول 2019 ويستلم الجائزة في فبراير/شباط 2020.
  3. يتم التصوير في هيئة 24 Frame في 35MM أو 70MM.

تتقدم كل دولة بترشيح رسمي للأكاديمية، ضمن جائزة أفضل فيلم أجنبي أو دولي، ويتم التصويت على اختيار 5 أفلام للتنافس على الجائزة النهائية. بالإضافة إلى أن هذه الأفلام يمكنها أيضًا المنافسة في باقي الجوائز، ومن ضمنها أفضل فيلم في العام، على سبيل المثال Parasite الفيلم الكوري فاز بأفضل فيلم في العام وأفضل فيلم دولي وأفضل مخرج وأفضل سيناريو أصلي. وكذلك فاز المخرج المكسيكي Alphonso Curarón بأفضل مخرج عن الفيلم الميكسيكي Roma. ولعل أبرز الأجانب الذين فازوا بالأوسكار، في مرة لن تتكرر كأفضل ممثل، هو الأسطورة الإيطالي روبيرتو بينييني Roberto Benigni عن فيلم it’s a wonderful life.

عملية التصويت

عملية التصويت معقدة وطويلة وسنحاول شرحها باختصار. تُقسم الأكاديمية لـ 17 فرعًا تشمل أغلب المجالات المختصة بالأفلام، كل فرع له رئيس وإدارة وأعضاء، يقوم كل فرع بالتصويت على الفئة المختصة ما عدا أفضل فيلم، مثلاً الكُتّاب يُصوِّتون على جوائز السيناريو، الممثلون يصوتون على الـ 4 جوائز الخاصة بالتمثيل.

بعد التصويت الأولي لاختيار المرشحين، يتم البحث عن الرقم السحري (مجموع الأصوات في كل فئة حيث يتم تلقائيًا تحويل المرشح المحتمل إلى مرشح رسمي). ولتحديد الرقم السحري، يتم إحصاء إجمالي عدد الترشيحات للفئة، وتقسيمها على مجموع المرشحين المحتملين زائد واحد. على سبيل المثال، إن كان إجمالي أوراق الاقتراع 600 عن فئة أفضل ممثل، تتم القسمة على 6 (خمسة مرشحين محتملين زائد واحد)، ما يجعل الرقم السحري لهذه الفئة 100، ومن يحصل على 100 ترشيح، يصل رسميًا للقائمة النهائية.

ويتم إعلان قائمة الترشيحات النهائية في منتصف يناير/كانون الثاني من كل عام. في المرحلة النهائية يُتاح لجميع أعضاء الأكاديمية، وحاليًا عددهم يفوق 8000، يُتاح لهم التصويت في جميع الفئات للوصول للفائز النهائي: أعضاء الأكاديمية من الممثلين والمخرجين والنقاد والمغنين والصحفيين وكل من له علاقة بالأفلام، يتم تقديم طلب الانضمام للأكاديمية، أو تقوم الأكاديمية بدعوة بعض الأعضاء للانضمام إليها.

تتم عملية التصويت من خلال الإنترنت أو عن طريق تقديم بطاقة ترشيح للأكاديمية، وإن كان الأغلبية يستخدمون الإنترنت، كل بطاقة ورقية تحمل كودًا خاصًا بالعضو لمنع التزوير أو البطاقات الوهمية. وتتولى شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» مسئولية جمع وعدّ الأصوات في أماكن سرية ووضع النتائج داخل مظاريف، لا يتم فتحها إلا عند إعلان الفائز في الحفل.

استثناء

تختلف عملية التصويت على أفضل فيلم في العام، حيث يتم استخدام نظام preferential voting أو الاختيار المفضل، لتجنب فوز فيلم بمجموع أصوات قليل، 15% مثلاً، حيث يقوم كل عضو بترتيب خمسة اختيارات وليس اختيارًا واحدًا، ثم يتم حساب نسبة الاختيار الأول لكل فيلم، ثم إعادة الفرز وحساب الاختيار الثاني وهكذا، لو حصل فيلم على 50% من الأصوات كاختيار أول، فإنه يفوز بالجائزة مباشرةً، أمّا إذا لم يحصل فيلم على النسبة، يتم الاتجاه لنسبة الاختيار الثاني وهكذا.

انتقادات

واجهت الأكاديمية انتقادات لاذعة في قضية التنوع العرقي وتمثيل النساء، حيث لم يترشح سوى 12 فيلمًا فقط من إخراج نساء لأفضل فيلم من أكثر من 560 فيلمًا، وفاز منهم واحد فقط The Hurt locker عام 2010، وكذلك فازت مخرجته «كاثرين بيجلو» بأفضل مخرج في المرة الوحيدة التي تفوز فيها امرأة بالجائزة.

وأيضا تُتهم الأكاديمية بغياب التنوع العرقي في الترشيحات الفائزين، حيث يغلب عليهم اللون الابيض مع تجاهل الأقليات السوداء أو حتى اللاتينيين او الآسيويين. بينما تفوز أفلام الدراما فقط بالجوائز، فوفقًا لتحليل في قاعدة بيانات الأكاديمية فاز 47 فيلم دراما من أصل 91 أفضل فيلم، بينما في المركز الثاني أفلام الكوميديا بـ 11 فوزًا. كذلك تتجه الجوائز غالبًا ناحية الأفلام السياسية أو الشخصيات الحقيقية، وتنبذ الأكاديمية أفلام الرعب والخيال أو الأبطال الخارقين، بينما تتجه نحو الخيال العلمي والفضاء والحرب، ويظهر التحيز تجاه قضايا المثلية الجنسية بشكل واضح للغاية.

فقدت الجائزة الكثير من قيمتها التاريخية في الأعوام الأخيرة، وهبطت أسهمها بشكل ملحوظ، حيث لم يعد الجمهور يثق في الاختيارات التي يغلب عليها المجاملات والتحيز، وسجّلت حفلة الأوسكار لهذا العام (2020) أقل نسبة مشاهدة في التاريخ، حيث سجلت 23.6 مليون مشاهدة، بعد أن كانت 29.5 مليون مشاهدة في حفل العام الماضي (2019)، ومن المُتوقع أن تستمر أسهم الأوسكار في الهبوط إذا استمرت على نفس المنوال.

إنجازات العرب

إنجازات العرب في الأوسكار ضعيفة جدًا وقليلة، بسبب الجهل بالجائزة أو تقديم الأفلام الخطأ والفشل في التسويق الخارجي، بالمقارنة مع بعض البلاد الأخرى، التي دائمًا ما تتواجد بالأوسكار.

ويظل الأسطورة «عمر الشريف» هو الممثل العربي الأول الذي يترشح للأوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم Lawrence of Arabia (1962)، ثم ترشح الممثل الصومالي «برخد عبدي» عن فيلم Captain Philips (2013)، ثم أخيرًا «رامي مالك» بالفوز بأفضل ممثل رئيسي عن فيلم Bohemian Rhapsody (2018).

وعلى مستوى الأفلام، فكان الفوز العربي الوحيد من حظ الفيلم الجزائري الفرنسي «Z (1969)»، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم أجنبي. وقد ترشّح أكثر من فيلم عربي لنفس الجائزة؛ من الجزائر: («لي بال 1983»، «غبار الحياة 1995»، «أيام المجد 2006»، «خارجون عن القانون 2010») ومن فلسطين («الجنة الآن 2005»، «عمر 2013») والفيلم الموريتاني «تومبوكبتو 2016» والأردني «ذيب 2016» واللبناني («قضية 23 – 2018»، «كفر ناحوم 2018»).

أرقام سريعة

  • أول ممثل فاز بالأوسكار: Emil Jannings.
  • أول ممثلة تفوز بالأوسكار: Janet Gaynor.
  • أكثر الممثلين فوزًا (3 مرات): Walter Brennan و Daniel Day LewisوJack Nicholson.
  • أكثر الممثلات فوزًا (4 مرات): Katharine Hepburn.
  • أكثر الممثلين ترشحًا (12 مرة): Jack Nicholson .
  • أكثر الممثلات ترشحًا: (21 مرة): Meryl Streep.
  • أكثر المخرجين فوزًا (4 مرات): John Ford.
  • أكثر المخرجين ترشحًا (12 مرة): William Wyler.
  • أكثر المؤلفين فوزًا (3 مرات): Billy Wilder و Francis Ford Coppolaو Charles Brackettو Woody Allen وPaddy Chayefsky.
  • أكثر المؤلفين ترشحًا (16 مرة): Woody Allen.
  • أكثر الأفلام ترشحًا (14 مرة): All about Eve (1950) و Titanic (1997)و La La Land (2016).
  • أكثر الأفلام فوزًا (11 جائزة): Ben-Hur 1959 و Titanic 1997و The lord of the Rings: The return of the King 2003.
  • أكثر الدول فوزًا بأفضل فيلم دولي: إيطاليا بـ 10 مرات.
  • أصغر من فاز بالأوسكار (10 سنوات): Tatum O’Neal عن فيلم Paper Moon 1973.
  • أكبر من فاز بالأوسكار (89 عام): James Ivory عن سيناريو فيلم Call me By your Name 2017.
  • صاحب أكبر عدد ترشيحات ومرات فوز في التاريخ: Walt Disney (22 فوزًا و59 ترشيحًا).

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.