عندما اندلعت الحرب الأوكرانية تداول العالم آلاف الأخبار والصور التي كشفت كثيرًا من جوانب تلك الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا. من هذه الصور خرجت العديد من الشعارات مثل عباد الشمس التي نُظر لها كرمزٍ للأمة الأوكرانية، ومؤخرًا تصاعَدت شعبية رمز أوكراني آخر هو «الجرّار».

على مواقع التواصل الاجتماعي، شاع استخدام «الجرّار» للإشارة إلى نضال الأوكرانيين ضد الاحتلال الروسي، فما قصة هذا الرمز، وما الذي يُعبّر عنه تحديدًا؟

جرّار يجرَّ دبابة

في هذه التدوينة احتفى الحساب الرسمي لوزارة الدفاع الأوكرانية بإحدى ألعاب الحروب التي صُمّمت على عَجل بواسطة مبرمجين أوكرانيين تأثرًا بالحرب الدائرة على بلادهم. في هذه اللعبة يلعب الجرّار دور البطولة عبر قيامه بجرِّ أكبر عددٍ ممكن من الدبابات والآليات العسكرية الروسية.

ووفقًا لقوانين لعبة «Ukrainian Farmy» فإنّك- بِاستخدام الجرّار- كلّما تمكّنت من مراوغة نيران المدفعية الروسية وجمع قطعٍ أكبر من الآليات الحربية المعادية حصدت نقاطًا أكثر، ويُمكن فهم المزيد عن آلية عمل اللعبة عبر مشاهدة هذا الفيديو..

وبحسب مطوّري اللعبة، فإنهم جعلوا منها بابًا غير مباشرٍ لتلقّي التبرعات، فبعدما حدّدوا سعرًا مقترحًا لاستخدام اللعبة قدره 3.9 دولار أمريكي فإنهم رحّبوا بتلقّي المزيد من الأموال، التي ستُخصص كلها لجهود إغاثة اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب.

فكرة اللعبة لم تأتِ من فراغ، وإنما ابتكرها المصممون من واقع ذلك المشهد الذي تكرّر كثيرًا على الساحة الأوكرانية، والتي يتصدّى فيها المزارعون الأوكرانيون لدبابة روسية حتى ينجحوا في إعطابها ثم يسحبونها بعدها بجرّاراتهم بعيدًا عن منطقة الصراع.

هذه المشاهد تكرّرت كثيرًا خلال أيام القتال حتى باتت إحدى أيقونات الصراع ورمزًا لقُدرة الأوكرانيين على مواجهة الآلة العسكرية الروسية الجبارة.

لذا لم يكن غريبًا، أن تشهد مدينة تورنتو الكندية تظاهرة مؤيدة لأوكرانيا حرص فيها المتظاهرون على أن يتقدّمهم جرار كرمزٍ لمقاومة الفلاحين للغزو الروسي.

ما وراء الجرّار

في تدوينتها المنشورة سلفًا، لمحت وزارة الدفاع الأوكرانية إلى مدى خصوصية الجرّار كسلاح محلّي متوفّر في أغلب القطاعات، كما أن الحصول عليه لا يحتاج إلى الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي يفرضها الغرب على أوكرانيا قبل تزويدها بما تحتاج إليه من أسلحة.

كما أن عمليات «أيقنة» الجرّار تعيد رسم شخصية المزارعين الأوكرانيين بعيدًا عن الصورة المعتادة عنهم كأفرادٍ بسطاء خائفين لا يستطيعون حماية أنفسهم، وبدلاً من ذلك تقدّمهم تلك السردية الجديدة كأبطال شعبيين لا يتورّعون استخدام كل وسيلة متاحة لحماية أرضهم، وفي ظِل التفوق الروسي الكاسح والنجاح في إعطاب معدّات الجيش الأوكراني فإن الفلاحين لن يعدموا اختراع وسيلة يدافعون بها عن أنفسهم.

وبلا شك فإن القطاع الزراعي يمثّل حيزًا كبيرًا من «سلة خبز أوروبا» وإحدى أهم الدول التي تزرع الحبوب في العالم، وبالتالي فإن تصوير روح المقاومة في هذا القطاع الحيوي دليل واضح على أن القلب النابض لأوكرانيا لا يزال مشبّعًا بالثورة وروح التمرّد، وهو ما خلق نكتة محلية بأن تحول المزارعين إلى جنود والجرّارات إلى سيارات عسكرية جعل أوكرانيا «صاحبة أقوى جيش في أوروبا».

وبحسب ما صدر في نهاية مارس عن أوكرانيا، فإنها نجحت في الاستيلاء على 586 دبابة و1694 عربة عسكرية من الجيش الروسي.

فيما راج في وسائل الإعلام العالمية نضال آخر يُمارسه الفلاحون الأوكرانيون بالجرّارات، وهو الإصرار على مواصلة العمل في حقولهم رغم الظروف القاسية التي يمرّون بها.

ورغم الخسائر الجمّة، فإن العديد من الفلاحين الأوكرانيين أعلنوا مرارًا استمرارهم في العمل رغبةً منهم في عدم تأثر الحصة الضخمة التي تقدّمها أوكرانيا للعالم من الحبوب بالسلب.

والمفارقة المدهشة هنا، أن الأوكرانيين لم يعرفوا استخدام الجرّارات إلا على أيدي الروس أنفسهم، ففي عام 1930م وبينما كانت أوكرانيا خاضعة للسيطرة السوفييتية سعَى الروس لتطوير الزراعة في أوكرانيا فروّجوا لاستخدام الجرّارات بدلاً من المحاريث الخشبية التي تجرّها الخيول.

وبذل السوفييت في سبيل تحقيق هذا الغرض الكثير من الجهود لإقناع الأوكرانيين بِاستخدام الجرّارات عبر الاستعانة بأساليب الدعاية المكثفة كالأغاني والمسيرات والاحتفالات الشعبية.

الانتشار المدوّي

بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، حقّق ذلك الرمز انتشارًا مدويًّا بعدما ظهر في عدٍة صور، تارة يجرُّ فيها الجرّار صاروخًا أو غواصة أو حتى طرّادًا بحريًّا. طُبعت تلك المشاهد على الملابس ونُقشت على الجدران واستُخدمت في ألعاب الفيديو ورُفعت في المظاهرات.

وبالطبع فإن موقع «يوتيوب» لا يتوقّف عن استقبال عشرات الفيديوهات التي تظهر ذات المشهد المكرّر لجرّار أوكراني يسحب معدّة حربية روسية خلفه.

وهو ما استدعى إشادة مباشرة من الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي منح المزارعين في خطابٍ رسمي لقب «قوات الجرّارات»، مشيدًا بجهود الفلاحين في التصدّي للغزو عبر الاستيلاء على المعدات العسكرية الروسية بجرّاراتهم ثم تسليمها للجيش الأوكراني.

كما تعدّدت تدوينات كثيرين على موقع «تويتر» التي تشيد بنضال الأوكرانيين ومحاربتهم الروس بالجرّارات. منها تلك التدوينة التي كتبها السياسي البريطاني جوني ميرسر، الذي كتب «من دون الحاجة إلى خبراء، الغزو لا يسير على ما يُرام، الجرّارات تسرق ناقلات الجنود».

أو ما كتبه أوليكساندر سكيربا سفير أوكرانيا السابق في النمسا بعدما نشر فيديو مماثلًا معلّقًا عليه «كم أن الأوكرانيين قُساة».