ترتدي قميص فريقك المفضل، الأحمر والأزرق بالطبع فأنت من عشاق «سان لورينزو». تحمل راية القديسين بنفس ألوان القميص، ثم تذهب إلى ملعب ناديك، منتظرًا أن تجد زحام المشجعين حول الملعب يرتدون نفس القميص.

أن تسمع أغاني تمجيد «سان لورينزو» التي تعلمت ترديدها منذ أن لفظتَ كلماتك الأولى طفلًا، فلا تجد شيئًا من كل ذلك. تبدأ عيناك في الإنقباض في محاولات يائسة لإدراك ما حولك، أو ربما كي تتفادى هذا الضوء الأزرق الساطع المنبعث من لوحة كتب عليها «كارفور ماركت»!

تشعر بالغربة بين أفواج من المشترين الداخلين والخارجين، من وإلى المتجر الشهير. أم تصطحب أطفالها لشراء ما يلزمها من طعام، رجل عجوز ينتظر أن يفسح له أحد المجال ليقتنص أحد المعروضات بثمن أقل، مجموعة شباب لم تجد مكانًا آخر لتتسكع به سوى هذا الزحام.

هل أخطأت الطريق؟ مستحيل، فلا أحد يخطئ طريقًا اعتاد الذهاب خلاله منذ الطفولة، تستطيع أن تذهب إلى ملعب سان لورينزو وأنت معصوب العينين، فمن أتى بهؤلاء إلى هنا؟ وأين ملعب سان لورينزو العريق؟

يقترب منك أحدهم، رجل يراقب المشهد منذ بدايته، تجد في عينيه جوابًا لأسئلتك الخائفة، ابتسامته الثابتة توحي بجواب مطمئن رغم أنك تعرف أن أي إجابة لن تريحك إلا أنه على الأقل يملك إجابة: «ربما كنت خارج البلاد العام الماضي، لقد دمروا الملعب منتصف العام الماضي 1983 وشيد فوق أنقاضه هذا العبث! هل تصدق؟

إنهم يبيعون الوطن من أجل حفنة دولارات، انتظر لدي شيء خاص لك، لم يتبقّ معي سوى ثلاثة أكياس فقط، أكياس مليئة بتراب ملعب سان لورينزو الحبيب، إنهم يبيعونها ولكنك تبدو عاشقًا حقيقيًا لسان لورينزو فلن آخد منك مقابلاً».

تمسك ملء يديك بحفنة من تراب الملعب وتضعها في جيبك، تمامًا مثلما يفعل مغترب مع تراب وطن يدرك تمامًا أنه لن يراه مرة ثانية أبدًا.


كيف ضاع ملعب «سان لورينزو»؟

عملية إعادة التنظيم الوطنية، هكذا كان النظام الذي ضاع من خلال تطبيقه ملعب سان لورينزو، فخلال الحقبة الديكتاتورية العسكرية التي حكمت الأرجنتين من 1976 إلى 1983، كان نادي سان لورينزو مثقلاً بالديون وكان الملعب في حالة مزرية تمامًا.

لجأت الحكومة إلى الضغط على النادي الأرجنتيني العريق لبيع الملعب، بداعي أن المكان المتميز الذي يحتله الملعب في «بويدو»، سيتم استخدامه لبناء شبكة طرق سريعة جديدة، تربط بين حي بويدو، وبقية أحياء بينوس إيريس. لم يجد النادي بدًا من بيع الملعب للحكومة الأرجنتينية.

وبعد خمس سنوات، وكما هو متوقع تمامًا لم تنفذ الحكومة شيئًا من شبكة الطرق المزعومة، ولم تعرف المنطقة أي تطور ملحوظ. هنا قررت الحكومة الأرجنتينية بيع الأرض إلى المتجر الفرنسي الشهير «كارفور»، بعشرة أضعاف المبلغ الذي اشترت به الملعب من النادي.

والنتيجة أن نادي سان لورينزو، أحد أعرق أندية أمريكا الجنوبية وأحد أهم خمس فرق في الأرجنتين، أصبح بلا ملعب كشكلٍ واضح من أشكال إعادة التنظيم الوطنية. إعادة التنظيم تقتضي بإعادة ملكية الأرض، وربح بيعها من النادي إلى الحكومة.

ولأنها الحكومة، فتلك هي الوطنية بالطبع، أما سان لورينزو وكرة القدم ولاعبوها ومحبوها، فذلك لا يهم أحدًا في شيء. أصبح على سان لورينزو أن يلعب كضيف دائم على ملاعب الفرق المنافسة، لكنه لم يتجرد أبدًا من داعميه.


حملة استرجاع الملعب

في عام 1993 أصبح لنادي سان لورينزو أخيرًا ملعب خاص به، وهو ملعب «نوفو جاسيمترو»، الذي يقبع في منطقة «باجو فلوريس» القريب من الموطن الحقيقي للنادي. رغم أن هذه المنطقة من أخطر المناطق في الأرجنتين وأكثرها تعرضًا للجريمة، إلا أن محبي سان لورينزو وجدوا أنفسهم أخيرًا في ملعب خاص بهم، وهو أمر يقدرونه كثيرًا خاصة بعد الحرمان من ملعب خاص لما يقرب من 14 عامًا، إلا أن حلم العودة إلى بويدو كان لا يزال يراودهم بقوة.

إذا كنت من محبي «البريمييرليج»، فمن المؤكد أنك تتذكر المدافع الأرجنتيني «فابريسيو كولوتشيني» الذي حمل قميص فريق نيوكاسل لثماني سنوات، إلا أنه قرر أن يعود للوطن. فالأرجنتيني رغم أن بدايته كانت في نادي «بوكا جونيورز» إلا أنه يحمل داخل قلبه الانتماء لفريق «سان لورينزو» والذي لعب له لمدة عام على سبيل الإعارة من نادي إيه سي ميلان الإيطالي.

وفي مؤتمر للحديث عن رجوعه لسان لورينزو ظهر «كولولتشيني» حاملًا بطاقة في يديه وهي البطاقة التي تُشترى بمبلغ من المال مقابل شراء متر مربع رمزي من أرض ملعب «فيجو جاسوميترو»، داعيًا الجميع لشراء البطاقة ضمن حملة تبرعات لاستعادة أرض ملعب النادي القديم.

تشبه تلك الحملة كثيرًا ما كان يفعله محبو «سان لورينزو» قديمًا بعد أن تم تدمير النادي، حيث كانوا يشترون حفنة من تراب أنقاض الملعب، وهو ما أوحى لهم بفكرة الحملة الشعبية لاستعادة ملعب «سان لورينزو».

بالتوازي مع تلك الحملة الشعبية لاستعادة الأرض والتي لم تقتصر على جمع التبرعات لاستعادة أرض الملعب فقط ولكنها اتضحت أيضًا في مظاهرة شارك بها الآلاف للمطالبة باستعادة أرض الملعب، تلك الحملة استطاعت أن تكتسب شكلاً شرعيًا أيضًا من المحاكم الأرجنتينية بأحقية نادي «سان لورينزو» بالأرض المباعة.

ولأن المصير يحدده إصرار البشر، قبلت أخيرًا شركة كارفور عرضًا بـ 7.7 مليون دولار في 23 ديسمبر عام 2013 وسط احتفالات حي «بويدو» بأكمله.


يومًا ما ستعود إلى «فيجو جاسوميترو»

أحد محلات السوبر ماركت العملاقة، وهو سوبر ماركت كارفور، فـي دّيُ بوينس آيرس، شيد فوق أنقاض إستاد نادي «سان لورينزو». وعندما جرى تدمير الإستاد كان المشجعون الباكون يلتقطون حفنات من التراب ويضعونها فـي جيوبهم.
«إدواردو جالياني» في كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل»

ربما أصبحت الآن في الخمسين من عمرك، ما زلت تحتفظ في جيب أحد المعاطف القديمة للغاية لديك بحفنة من أنقاض ملعب فيجو القديم، شاركت في تبرعات لبناء النيو جاسوميترو، شاركت الآلاف في مظاهرات المطالبة بالعودة للملعب القديم، دفعت الكثير من أموالك في حملة المتر المربع الشهيرة ولا زلت تحلم باليوم الذي سترتدي فيه ذات المعطف العتيق لتلتقط حفنة التراب بين يديك وتدعها تطير في هواء ملعب فيجو الجميل.

إنه الوطن الذي لن يثنيك أحد عن استعادته، أنت تدرك أن عمرك يطول من أجل هذه اللحظة، إن كانوا هم قد باعوا الوطن فأنت ستشتريه بنقودك وعمرك وحياتك إن لزم الأمر، الأمر الذي لن يفهموه أبدًا أن «فيجو جاسوميترو» هو الوطن.