كلنا كنا عارفين إن المنتخب ده مستحيل يكمل، بس كنا بنعمل إللي علينا.
المعلق «علي محمد علي»

استوقفتني تلك الجملة من المعلق المصري لقنوات «beIN sports» كثيرًا بعد خسارة المنتخب المصري أمام نظيره الجنوب الإفريقي في دور الـ16 لكأس الأمم الإفريقية. لم تستوقفني لأنها من الشخص الذي طالما تفنن في خلق المبررات الواهية لفريق منتخب بلاده في كل مرة يظهر فيهل بشكل ضعيف أمام خصم له،لكن لأنها تصف بشكل مختصر وبليغ – وغير مقصود في أغلب الظن- الوضع الحالي للمنتخب المصري.

لماذا تيقنّا جميعًا مبكرًا أن المنتخب غير قادر على المواصلة؟ لأنه ضعيف فنيًا. وما الذي أوصل المنتخب لهذه الحالة؟ ضعف الإدارة سواء كانت من الجهاز الفني أو الاتحاد المصري لكرة القدم المسؤول عن اختياراته. وماذا عن الروح ودعم الجمهور الذي من الممكن أن يعوض كل ذلك؟ فقده اللاعبون بشكل ساذج.

«بس كنا بنعمل إللي علينا»، أما تلك الجملة فهي الأهم في تعقيب علي محمد علي، لأنها موضع الخلاف الآن. الخلاف حول ماهية ما كان يجب أن يفعله الجمهور من الأساس حتى يكون قد قام بدوره على أكمل وجه. من كان المُحق؟ من انتقد وردة وصلاح بشدة الأيام الماضية أم من هتف لهما في المدرجات؟ من رأى أن البطولة مهمة قومية يجب علينا الاصطفاف لنجاحها أم من عبّر عن رأيه بتراجع أولوية البطولة الآن أمام ما تمر به مصر من ظروف صعبة للغاية؟


لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم

أنصحك أن تأخذ جولة بسيطة في صفحة المنتخب المصري بكأس الأمم الإفريقية على موقع «whoscored» العالمي للتحليل والإحصاء. وإذا لم تكن من هواة تلك التعقيدات الرقمية والروابط المتتالية دعني أنقل لك الصورة هنا.

في 4 مبارايات كاملة للمنتخب المصري لن تستطيع أن تلاحظ تغييرًا ولو طفيفًا في الخرائط الحرارية للاعبين. نلعب بطريقة 4-2-3-1، صلاح وتريزيجيه خرائطهما الحرارية ملاصقة للخط الجانبي وانضمامهما لقلب الملعب استثناءات يتضح من خرائطهما أنها جهود فردية.

«عبدالله السعيد» ما تزال خريطته الحرارية عبارة عن دوائر صغيرة الحجم بينها مسافات كبيرة للغاية في منتصف الملعب غير مغطاة، مما يوحي ببطء شديد في التحرك وربط ثلثي الملعب كما تقول أبجديات مركزه، واكتفاؤه بالقرب من كل لاعب يريد تسليم الكرة فقط.

الخريطة الحرارية للاعب عبدالله السعيد في مباراة أوغندا والمتكررة في جميع مباريات بطولة كأس الأمم الإفريقية عام 2019.

معدلات التدخل واستخلاص الكرة لطارق حامد تقريبًا خمسة أضعاف معدلات زميله في منتصف الملعب محمد النني في كافة المباريات. وعند التأكد من معدل كل منهما في التمرير للأمام ستجد أن طارق حامد أعلى بفارق متوسطه 10 تمريرات في كل مباراة تقريبًا. إذن ماذا يفعل النني في الملعب؟

مهاجم منتخب مصر مروان محسن يلمس الكرة بحد أقصى 5 لمسات داخل منطقة جزاء الخصم في كل مباراة يلعبها. الظهيران بلا طفرات، وقلبا الدفاع بأداء متوسط يتخلله هفوات متكررة.

الأكثر استفزازًا للمشجع المصري من ضعف تلك الإحصائيات هو استمرارها في الأربع مباريات. لا تدخل من المدير الفني ا لأعلى أجرًا في القارة الإفريقية أو من مساعده العالمي ميشيل سلجادو، تلك الإحصائيات تتكرر تقريبًا في كل مباراة بحذافيرها دون إحداث أي تغيير في الملعب!


كرة الثلج لا تتوقف

المشهد الثاني والذي كان قاسيًا على الجماهير هو تعامل اللاعبين معهم بطريقة تشبه كثيرًا تعامل السلطة المصرية معهم الآن، لكن على مقياس أصغر بالطبع. تعامل اللاعبون مع الجمهور، بعد أزمة وردة والانتقادات العنيفة على منصات التواصل الاجتماعي، من منطلق المربي لا من منطلق اللاعب الذي يسعى لإرضاء الجمهور.

ردود أفعال اللاعبين بعد إحراز الأهداف في مباراتي الكونغو الديمقراطية وأوغندا كان مستفزًا للجماهير. اللاعبون ينظرون للجمهور بغضب ويسدون آذانهم بأصابعهم ويطلبون منهم الاستمرار في النقد وكأنهم يربونهم!

تلك الحالة التي بدأها اللاعبون خلقت جفاءً ملحوظًا بينهم وبين جماهير الكرة الحقيقيين الذين لم يحضروا إلى الإستاد، بل ونفورًا من التعاطف معهم كان سببًا في تلك الفرحة التي شعر بها قطاع ليس بالقليل بعد الخروج من دور الـ16.


فرحة الجمهور

المشهد الثالث والذي كان مفاجئًا لأغلبنا كان احتفال الناس وفرحتهم الملحوظة بخروج المنتخب المصري. فهل استفزاز اللاعبين للجمهور ودعمهم عمرو وردة كان السبب الوحيد لذلك؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال دعنا نوضح أمرًا بسيطًا.

قد تكون أحد الجماهير الذين ذهبوا لمشاهدة المباراة في المدرجات وتقرأ المقال الآن. بالطبع تشعر بشيء من الضيق حين تجد من يصفك بأنك «لا تنتمي لجمهور الكرة الحقيقي» أو أنك من الجماهير التي استحقت العودة لبيوتها حزينة لأنها هتفت لوردة في المدرجات.

في الواقع من يقول ذلك هو لا يقصدك بشكل مباشر يا صديقي، ولكنه يسعى لترميز عملية الفلترة التي قامت بها السلطات المصرية إن صحّ التعبير لانتقاء جماهير البطولة. عملية نجحت من خلالها الحكومة المصرية في تخفيض أعداد الجمهور الذي لا تحبه بشكل واضح، جمهور الأولتراس.

الأولتراس هو الجمهور الحقيقي الذي يقصده الناس. الجمهور الذي لديه الوعي الكافي لتحديد الوقت المناسب لدعم اللاعبين، والوقت المناسب لتعنيفهم. والحديث هنا عن وعي المدرجات لا عن الوعي المجتمعي. الأولتراس هم الجمهور الذي لو تواجد بشكله المنظم في المدرجات لما جرُوأ المحمدي على رفع يديه أمامهم هكذا، ولا جروأ صلاح على النظر إليهم بكل هذا الغضب!

غابت هذه الجماهير عن المدرج، فظهرت على السوشيال ميديا وانضم إليهم الجمهور العادي الذي افتقد حماسهم وصوتهم في المدرج. شعروا بالظلم الشديد، وشاهدوا تقصيرًا غريبًا من اللاعبين لم يعتادوا عليه وهم حاضرون في الملعب، فكان الشعور بالفرحة طبيعيًا للغاية عند رؤيتهم لهذه المنظومة الهشة تنهار أمام أعينهم. هم يشعرون أن حقهم قد عاد، وتأكدوا بمدة فقدان المنظومة لوجودهم.


طوفان حقيقي أم مزيف؟

بعد انتهاء المباراة بنصف ساعة تقريبًا،نُشر خبر على موقع اليوم السابع المعروف بقربه من المخابرات المصرية يفيد بقرار من جهات سيادية ببدء التحقيق في ملفات فساد اتحاد كرة القدم المصري. بعدها بساعات قليلة ينشر موقع القاهرة 24 خبرًا يفيد بعلمهم باستدعاء عضو اتحاد كرة القدم المصري أحمد مجاهد من قِبل نيابة الأموال العامة منذ أسبوع للتحقيق في وقائع فساد تخص معسكر المنتخب المصري في كأس العالم بروسيا 2018، ولكن الخبر تم تسريبه الليلة تحديدًا.

بالتوازي مع ذلك أعلن أغلب أعضاء اتحاد كرة القدم المصري استقالتهم. المثير في الأمر أن أشخاصًا منهم مثل مجدي عبدالغني وسيف زاهر من الصعب للغاية أن يتقدما باستقالاتهما بسبب تصريحاتهما السابقة التي تؤكد أن إخفاقات المنتخب لا علاقة لها باستقالة اتحاد الكرة.

يبدو أن الغضب شديد لدى القيادة المصرية الحالية، وأن تلك الاستقالات لم تكن أبدًا برغبة الأعضاء ولا نزولًا على رغبة الجماهير. وسواء كانت تلك القرارات حقيقية أو مؤقتة لتهدئة الجماهير، فمن المُؤسف أن يكون محاسبة المسؤولين عن هذا الإخفاق على هذا النحو وليس وفقًا للوائح واضحة يخضع لها الجميع. فهل كانت السلطات المصرية على دراية بفساد هؤلاء الأعضاء وصمتت على أمل الإتيان بالأميرة السمراء؟

أعادت هذه الأجواء للأذهان مشهد عبدالملك زرزور وهو يتفاوض مع عشري على الإتيان برأس عمران في فيلم إبراهيم الأبيض، حين قال له:

بس لو قلشته، أنا مش هأقلشك. فيكم واحد طابب!.