«درجة إتقاني للغة الإنجليزية ليست كافية لأقنعكم بما أقول، فعلام أهدر وقتي ووقتكم؟ لا أحد يريد حتى أن يستمع لتفسيري، وقد حاولت أكثر من مرة. ودائمًا ما يكون الردّ أن ليس ثمة فارق يستحق. لذا فأنا أحب اللعب في الثانية عشرة ونصف ظهرًا!».

بتلك الكلمات الساخرة أجاب «يورغن كلوب» مدرب ليفربول الحالي عن سبب ضجره الدائم من إعطاء فريقه الكثير من المباريات في مفتتح الجولة في الدوري الإنجليزي وبخاصةٍ المباراة الأولى عقب التوقف الدولي.

كان لِليفربول نصيبُ الأسد من تلك المباريات. فمنذ قدومِه إلى الأنفيلد، وحتى تاريخ كتابة تلك السطور، لعب ليفربول 13 مباراة افتتاحية عقب التوقف الدولي. وهو ضعف عدد المباريات التي لعبها صاحب المركز الثاني في القائمة نادي توتنهام برصيد ست مباريات!

هل ثمة فارق يستحق كما يزعم كلوب؟ أم أن معارضيه على حق ولا فارق بين العشية والظهيرة؟ هل تؤثر مواعيد المباريات على أداء اللاعبين، ثمّ النتيجة النهائية؟ أم أنها مجرد تفضيلات من المدربين واللاعبين؟

الأمر أكبر مما تظن

من كان يتصور أن تحديد مواعيد المباريات سيخلق تلك الضجة؟ الأمر بسيط وسهل: نوزّع المباريات المتاحة على المواعيد الشاغرة، انحلّت المشكلة!

هذا ما يستقر في أذهان البعض عن الكيفية التي تُوضع بها جداول المباريات. والأمر ليس قريبًا من ذلك حتى. فعلى سبيل المثال، من بين مباريات البريميرليج الـ 380 تُبث 200 مباراة فقط على التلفاز داخل إنجلترا عبر شبكتي النقل التلفزيوني الأشهر: Sky Sports و BT Sport.

توزع تلك المباريات على سبع باقاتٍ، تبثُّ فيها المباريات في موعدٍ محدد باليوم والساعة على مدار الموسم. فمثلًا، تشمل إحدى باقات تلفزيون سكاي بثّ جميع مباريات الرابعة والنصف أيام الآحاد، وعددهم 32 مباراة، وعلى الشبكة الناقلة أن تختار المباريات لتلك المواعيد.

ولكن البريميرليج لا يُلعب وحده. حتى وإن كان بمعزلٍ تنظيمي عن بطولة الشامبيون شيب أو الدرجات الأدنى داخل البلد؛ إلا أن هناك عوامل تتحكم في وضع توقيتات المباريات تتدخل فيها أجهزة الشرطة والبلدية وتفضيلات الأندية ذاتها والتي لا يُضمن أن توضع في الحسبان.

فهنالك حرص دائم على عدم جمع مباراتين لفريقين ينشطان في المدينة ذاتها في اليوم نفسه أو في العطلة نفسها؛ تجنبًا لحالات الزحام الشديد، وتقليلًا لخطوط سير تجمعات الجماهير عبر حركة المواصلات. ولأن بعض تلك الأندية تستمتع بخدمات المضيفين أنفسهم مما قد يُنتج نقصًا في مقدمي الخدمات، ثمَّ العوائد والأرباح.

ولا تنسَ أن هنالك جماهير حاضرة بالفعل في المدرج تحتاج موعدًا مناسبًا يمكنها أن ترتحل فيه بين المدن عبر وسائل النقل في المواعيد المتاحة. وفوق كل ذلك، هنالك المتطلبات التي لا يمكن تجاهلها من قبل أجهزة الشرطة التي قد تتسبب في تأجيل مباراةٍ أو تقديم موعدها كما حدث في مباراة ليفربول والسيتي الأخيرة التي كان مقررًا لعبها في الخامسة والنصف.

بالطبع ليس هذا ما يقصده كلوب، وإن كان لا يمكن إغفاله، ولكن هنالك مساحات أخرى أكثر أهمية تخص اللاعبين أنفسهم. فما هي؟

الموعد والأداء: علاقة محيرة

تخيل أنك لاعب كرة قدم، له نظامٌ غذائي محدد وموعدُ نومٍ ثابت وطقوسٌ أصيلة لما قبل المباراة، فلِأي كفة ستميل؟ المباريات المبكرة التي تجبرك على الإخلال بهذا الروتين بين الحين والآخر أم المباريات المتأخرة في اليوم، التي تتيح لك بقدرٍ ما أن تجهزّ نفسك بشكل جيد للمباراة؟

يرى «ديفيد كلانسي» أخصائي الطب الرياضي واستشاري الأداء، أن تقديم مواعيد المباريات لفترة الظهيرة المبكرة يؤثر على اللاعبين من الناحية الجسمانية والنفسية.

فتغيير أنماط النوم يخلق حالة من عدم الاتزان، كما أن تلك الساعات القليلة المهمَلة من ساعات النوم الطبيعية قد تخلق فارقًا كبيرًا في عمليات الاستشفاء التي يحتاجها اللاعبون، والتي تقوِّضها بالطبع البدايات المبكرة وما يترتب عليها.

وفي مونديال قطر 2022، كانت ثمة مشكلة مشابهة ولكن في مباريات العاشرة مساءً في مرحلة المجموعات، التي كانت تنتهي بحلول منتصف الليل تقريبًا.

وترجع الأبحاث ذلك إلى اختلال إيقاع الساعة البيولوجية للجسم، فهنالك أوقات معينة في اليوم يكون إفراز بعض المواد والهرمونات في أعلى درجاته.

وفي كرة القدم حدِّث ولا حرج! فالساعة البيولوجية تتحكم في رد الفعل والسرعة وغيرها من الوظائف التي تحتاج سرعةً وبأسًا. مما يجعل فترة ما بعد الظهيرة وأول العشية –تحديدًا ما بين الساعة الثالثة والنصف والثامنة والنصف- أنسب وقتٍ لتحصيل أفضل أداء، وهو أيضًا ما يجعل البدايات المبكرة والمتأخرة على حدٍ سواء عرضة لأداء أقل من المتوقع.

لكن الإحصائيات تنقل واقعًا مغايرًا لحدٍّ كبير. فبينما تعتلي مباريات الرابعة والنصف في البريميرليج قمة المتعة الكروية المتمثلة في غلّة أهداف تصل في متوسطها إلى 3.07 هدفًا للمباراة الواحدة، نجد أن موعد الظهيرة المبكرة في الواحدة إلا الربع، يحل ثانيًا بفارقٍ ليس ببعيد يتمثل في 3.03 هدفًا للمباراة الواحدة!

ومما يزيد العجب أن جميع أوقات انطلاق المباريات المسائية باستثناء موعدٍ واحد، هي من بين أقل المواعيد تسجيلًا للأهداف، وهو ما يدحض الزعم القائل بأن المتعة الكامنة في مباريات الليل تحت الأضواء الكاشفة لا مثيل لها.

الخطة المضادة

في ظل كل تلك المدخلات التي يجد المدربون واللاعبون أنفسهم أمامها عاجزين عن تغييرها، دأبت الأندية على تطوير أنظمة التغذية والنوم بما يتناسب مع ما هو متاح لهم بالفعل، حتى وإن لم يكن موافقًا لرغباتهم.

فكما يرى متخصص تغذية الأداء «نيغل ميتشيل» فقد باتت الأندية تتمتع بالأموال والمعارف العلمية الرياضية اللازمة لمواكبة أمور كهذه ومجابهتها. بدءًا من صافرة نهاية المباراة مباشرةً عن طريق التغذية الاستشفائية التي تحفّز الاستشفاء بأسرع وقت ممكن.

وبناء على ما يراه «ميتشيل» فإن مواعيد الظهيرة المبكرة لا يجب أن تُحدث الفارق المهول في الظروف العادية، إذ تشجع الأندية لاعبيها على تغيير روتينهم بين الحين والآخر، عن طريق تعديل كمية الكربوهيدرات التي يتناولونها في بداية الأسبوع، أو تقديم مواعيد الطعام والشراب في اليوم نفسه، وكذلك النوم والاستيقاظ في وقتٍ مبكرٍ.

بالطبع ليست تلك الظروف الأفضل بالنسبة للاعب كرة قدم. ومن ينسى التغريدة الشهيرة لـ«واين روني» حين صرّح عن سبب كرهه للمواعيد المبكرة للمباريات، إذ يضطر لأن يُقحم المعكرونة في جوفه في التاسعة صباحًا!

ولكن ذلك كان في العام 2011، أي قبل عقد كامل، تطورت فيه أنظمة التغذية والحسابات الدقيقة لما يحتاجه اللاعبون قبل المباراة وكان مفتاح فض هذا الاشتباك هو إيجاد توازن دقيق بين موعد الاستيقاظ من النوم والوجبة التي تسبق المباراة.

مع كل ذلك، لا يمكن أن نأخذ أيًا من الجانبين، فكلا الرأيين له وجاهةٌ. الشرطة ومحطات البث تنسق المواعيد في حقل مفخخٍ من الالتزامات والمحاذير والاحتياطات. ويورغن كلوب ولاعبوه يحتاجون لأن يكونوا في كامل لياقتهم في خِضم هذا الصراع المحموم الشرس على اللقب.

غير أن وجاهة رأيه تأتي من اعتراضه على اللعب مبكرًا عقب عودة لاعبيه من التوقف الدولي، من أفريقيا أو من أمريكا الجنوبية أو من أقصى قارة آسيا، وهو ما يتعارض مع كل ما سبق وقيل عن فسيولوجية اللعب مبكرًا.