أود أن ألعب كرة القدم حتى 55 عامًا.
تصريح لنجم برشلونة والمنتخب الإسباني السابق ديفيد فيا
إذا كان لديَّ نصيحة واحدة للاعب يعتزل غدًا، فسأقول: عندما تستيقظ ابحث عن شيء لتفعله، أي شيء يساعدك على الشعور بالفائدة؛ لأن أسوأ شيء في الحياة هو الفراغ.
المدرب السابق خورخي فالدانو.

بين شطري التصريحين السابقين تكمن مرحلة مثيرة في حياة الرياضيين. رحلة شاقة تبدأ في الثانية التي يقرر فيها لاعب ما مضطرًّا ألا يعود للملاعب مرةً أخرى.

تبدأ آثار الانسحاب في الظهور تباعًا؛ افتقاد أدرينالين المباريات، ونور عدسات الصحافة والإعلام، ثم الخلوص إلى تساؤلات وجودية: من أنا؟ وماذا أفعل؟ وماذا عليَّ أن أفعل؟

كنت صغيرًا بما يكفي للعودة للعب ولم أرغب في ذلك، ولتجنب هذا الإغراء لم أشاهد كرة القدم لسنوات. إنها مثل المخدرات. يفتقد جسمك للأدرينالين من الناحية الفسيولوجية، من الصعب التوقف، ثم يصبح الأمر صعبًا جدًّا من الناحية النفسية، هل يوجد دواء آخر؟ نعم، لديَّ شغف آخر.
نجم المنتخب الفرنسي ومانشستر يونايتد الإنجليزي«إيريك كانتونا» عن تقاعده في سن الثلاثين.

فقط أعرف كيف أركل الكرة

يمكن للتقاعد من أي وظيفة أن يؤدي إلى شعور الشخص بالافتقار إلى الهوية، ويتفاقم الوضع في حالة الرياضيين بالأخص. في كرة القدم مثلًا أنت تلعب من أجل العيش، وعلى حسب خبراء علم النفس فإن اللعب ممارسة من ممارسات الطفولة، أي إنه يُعد كإطالة لأمد هذه المرحلة في عمر اللاعبين.

يُقال إن الرياضيين يموتون مرتين، الأولى عند التقاعد بلا شك. يعتقد لاعب كرة القدم البرازيلي فالكاو أن أسوأ ما في التقاعد، هو أن لاعب كرة القدم يكون مضطرًّا لمواجهة النسخة التي سيعيش بها بقية حياته.

بصرف النظر عن التأثير الجسدي، وجدت دراسة لـ «FifPro» أن 34% من اللاعبين السابقين الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا يعانون من هشاشة العظام بالإضافة إلى مشاكل  عقلية.

كما وجد استطلاع رياضي لعام 2018 أن نصف الرياضيين المحترفين السابقين لديهم مخاوف تتعلق بالصحة العقلية، والتقاعد يجلب لهم إحساسًا بالخسارة والندم، وهو ما يجعلهم مطمعًا للمستثمرين، الذين يجيدون اللعب على هذا الوتر، وهو ما يُوقع اللاعبين كضحايا في شباك النصابين المحترفين.

لا أعرف لاعب كرة قدم واحدًا لا يشعر أنه تعرض للسرقة المالية على طول الطريق، الكثير من اللاعبين من جيلي تلقوا نصحًا سيئًا. لقد وثقوا في الأشخاص الخطأ ولم يعرفوا أن من يثقون بهم كانوا يسيئون معاملتهم ماليًّا.
أندي كول، هداف نيوكاسل الإنجليزي السابق.

فرص استثمارية زائفة

تحدثت صحيفة«ذا أثليتك» إلى 20 من لاعبي كرة قدم، حول الانهيار المالي الذي أثر على الموجة الأولى من نجوم الدوري الإنجليزي الممتاز، الذين بلغت مسيرتهم المهنية ذروتها في منتصف التسعينيات. أقروا جميعًا بتعرضهم لمحاولات احتيال من قِبل المستثمرين.

يوضح «غاريث فاريلي» لاعب أستون فيلا ومنتخب أيرلندا السابق الذي أصبح الآن محاميًا مؤهلًا، أن الكثير من العوامل المسببة لذلك تظهر عندما يبدأ اللاعبون في التفكير في التقاعد، فبسبب العائدات المتزايدة في كرة القدم، يظهر  المستثمرون الماليون، وهم من وصفهم بأسماك القرش، حيث يتم خداع اللاعبين باستثمارات لم تكن مناسبة للاعب كرة قدم محترف، بواسطة هؤلاء المستثمرين.

يصف فاريلي اللاعبين بأنهم ضحايا السلوك الافتراسي من قبل خبراء منظمين في مجال التخطيط المالي وإدارة الاستثمار.

يُرجع الخبير المالي السابق في وكالة «مازور كرايمر» للاستشارات القانونية، «دانيال هارت»، سبب إفلاس الرياضيين بعد الاعتزال إلى أخطاء المستثمرين الماليين، أو إلى انخداعهم بالفرص الاستثمارية الزائفة.

حسب صحيفة «ذا أثليتك»، فإن الإحصاءات تُشير إلى أن 40٪ من لاعبي كرة القدم يواجهون خطر الإفلاس في غضون خمس سنوات من التقاعد. و30% ينفصلون عن زوجاتهم في غضون 12 شهرًا من التقاعد. و33% يواجهون مشاكل في الصحة العقلية.

يتحدث «جاري نيفل» نجم مانشستر يونايتد السابق عن أنه رغم اتسامه بالحذر، إلا أنه سقط في فخ هؤلاء المستثمرين. «برايتن دين» لاعب شيفلد يونايتد الإنجليزي تحدث هو الآخر عن خسارته ملايين الدولارات في هذه الاستثمارات الكاذبة، على حد وصفه.

والسؤال الآن، إن كان الوضع بعد الاعتزال يبدو هكذا مع اللاعبين الأوروبيين، فما هو الحال بالنسبة للاعبين العرب؟

شعبية وتملق وضربة حظ وإلَّا!

تعرضت لتخبط شديد لأنني لم أخطط جيدًا، وركزت فقط على كرة القدم. بعد الاعتزال اختلف الدخل المادي كثيرًا، لكن الجانب الأسوأ في القصة هو التشتت الذي حدث لي.
محمد شعبان، لاعب الزمالك ومنتخب مصر السابق.

يجد اللاعبون العرب بعد الاعتزال الخيارات محدودة، فإما الاتجاه إلى التدريب أو الإعلام، ذاك إن وجدوا لهذه المجالات سبيلًا.

بدأ في الآونة الأخيرة أنه يتجه بعض اللاعبين العرب إلى الاستثمار، مثل الاستثمار في المطاعم والمقاهي وغيرها، لكن السواد الأعظم من اللاعبين العرب يتجه إلى التلفزيون، معتمدين على ذياع صيتهم، وحب الجماهير لهم، حتى إن لم يكونوا مؤهلين لخوض تجربة الظهور على الشاشات.

فقط يكفيك أن تكون نجمًا تاريخيًّا بشعبية محمد أبو تريكة، أو طارق ذياب، أو ياسر القحطاني، حتى تمتلك مقعدًا في أهم المنصات الرياضية العربية.

وإن كانت جماهيريتك أقل من ذلك؛ فستحتاج إلى مجهود أكبر قليلًا. بعض من الكلمات المنمقة بالإنجليزية أثناء تحليلك لإحدى المباريات، ثم بيع الوهم إلى الجماهير، وبالتالي فأنت من تستحق التواجد على الساحة، حتى ترتأي الجهات المسئولة غير ذلك.

وإن لم تكن من هذا الفريق أو ذاك، فستعاني كما يعاني معظم لاعبي كرة القدم العرب السابقين، فإن لم تسعفك الأقدار بضربة حظ في لقاءٍ ما يُذكر الناس بك، فيُعيدك إلى الشاشات من جديد.

 

ولو فاتك كل ذلك فستضيع في غياهب النسيان. محمد الخليوي أحد أفراد الجيل الذهبي الذي شارك مع منتخب السعودية في مونديالي 1994و1998، والذي تُوفي عام 2013، وترك أطفاله في منزل بالإيجار، ومواطنه مصلح الغامدي، لاعب النصر السعودي السابق، والذي انتهى به الحال بلا مأوى ويعمل على سيارة في شوارع الرياض، وغيرهما من عشرات الحالات المعلنة، ومئات الحالات غير المعلنة التي ضاعت في طي النسيان.

يمكننا القول إن الصعوبات المالية قد تؤدي إلى إثارة هذه المشكلات وتسريعها، ولا يمكن التغلب على مخاطر هذه المشكلة إلى بالتخطيط الجيد والمبكر لحياة ما بعد الاعتزال.

ما العمل؟

تُشير صحيفة «Sports Illustrated»، أن 78% من لاعبي اتحاد كرة القدم الأمريكي يواجهون خطر الإفلاس في غضون عامين من الاعتزال، وأن 60% من لاعبي كرة القدم يواجهون الخطر نفسه في غضون خمس سنوات.

توضح الصحيفة نفسها أن الإحصائيات ليست محل نزاع، إنما يكمن الاختلاف حول الأسباب التي تؤدي لذلك. وفقًا لـ «Sports Illustrate»، فإن جهل اللاعبين هو السبب وراء ذلك، وهي صورة نمطية للرياضيين عامةً في مخيلة الجمهور.

يسجل لاعبو اتحاد كرة القدم الأمريكي أعلى من المتوسط ​​في مقاييس الذكاء. يعاني العديد من الرياضيين المحترفين من مشاكل مالية، ليس لأنهم ليسوا أذكياء، ولكن لعدد من الأسباب الأكثر دقة.

السبب الأول هو الثقة. سواء كانت بالإفراط أو التقليل. بالنسبة للرياضي الذي لا يثق بأي شخص، لن يكون منفتحًا على المشورة الضريبية والقانونية والمالية الجيدة التي يمكن أن تحمي ثروته وتضمن استقرارًا ماليًّا مدى الحياة.

السبب الثاني، هو التركيبة الجسدية والنفسية المختلفة للرياضيين عن الأشخاص العاديين. وجدت الأبحاث اختلافات كبيرة بين الرياضيين وغير الرياضيين عبر خصائص الشخصية مثل التثبيط والعاطفة والعدوانية. خصائص جيدة في الميدان، ولكن ليس بالضرورة الأمثل لاتخاذ القرارات المالية.

السبب الثالث، هو التركيز على الحاضر وليس المستقبل كباقي البشر. تظهر الأبحاث المنشورة في مجلة الحكم واتخاذ القرار أن الرياضيين المحترفين يركزون على الحاضر أكثر من التركيز على المستقبل مقارنة بغير الرياضيين. قد يساعد هذا في دعم عقلية الفوز بالمباريات، ولكن يمكن أن يعيق أي محاولة للادخار والاستثمار من أجل مستقبلهم.

السبب الرابع، هو ميل الرياضيين إلى الاستثمار والتمويل سريع الخطى والمثير مع المشاعر العالية والدراما، كما في الأفلام. في العالم الحقيقي، يكون التخطيط المالي بطيئًا ومنهجيًّا. لا لكن بعض الرياضيين يريدون الدراما.

في النهاية، يعاني الرياضيون ماليًّا لأسباب عديدة، لكن اتهامهم بالغباء ليس واحدًا منها. الرياضيون المحترفون أذكياء وموهوبون بطرق لا يستطيع البقية فهمها؛ لأن ممارسة الرياضة تتطلب مستوى عاليًا من الانضباط والتركيز والذكاء، وهي كل السمات التي يمكن استغلالها في إدارة الأموال. في بعض الأحيان، كل ما يتطلبه الأمر هو التعرف على بعض هذه الحواجز والتغلب عليها، ودخول عالمهم، وتقديم القليل من الإرشادات.