التدخل العنيف المتعمد يستوجب البطاقة الحمراء، والعرقلة من داخل منطقة الجزاء عقابها وبدون تردد هو ركلة جزائية. لمسة اليد من الممنوعات، والسباب من المحرمات، أما قاعدة التسلل فأصبحت معلومة بشكل واضح للقاصي والداني من متابعي اللعبة.

الكثير من القواعد ترعرعنا ونحن نرى اللعبة تسبح بداخلها، لدرجة أننا لم نعد بحاجة لتذكرها بين الحين والآخر؛ لأننا لا ننساها من فرط تكرارها أمام أعيننا أسبوعًا تلو الآخر.

وعلى الرغم من ذلك، وصلت الأخطاء التحكيمية والقرارات المشكوك في صحتها بين الجمهور والتهم بالرشوة والفساد في الأعوام الأخيرة إلى حد غير مسبوق. حينها فقط جن جنون الجميع، وأصبح الكل يبحث وبلا توقف عن حل لتلك المعضلة. وفي تلك اللحظة تحديدًا من تاريخ اللعبة ظهرت تقنية الفيديو.

لكن يبدو وبعد مرور أكثر من عامين على تطبيق التقنية في أغلب الدوريات المعروفة التي نتابعها، أن الأمور لا تسير بتلك الطريقة الوردية التي تخيلها الجميع في بادئ الأمر، لينقسم حال الناس بين فصيل مؤيد وآخر معارض، أو بمعنى أدق، بين جماعة تكره المتعة وأخرى مناهضة للعدالة من وجهة نظر أحد الفصيلين عن الآخر.

ليبقى السؤال المهم هنا: هل هناك حقًّا من يكره أيًّا من المتعة أو العدالة في الأساس؟

الإجابة: قطعًا لا

لا وألف لا، من الصعب أن يكون هناك أي كائن بشري سليم العقل يناهض المتعة أو يرفض تطبيق العدالة من الأساس، بل في حقيقة الأمر أنهما متصلتان وبشكل رئيسي بالطبيعة البشرية. الجميع يبحث عن المتعة والكل يرغب في تطبيق العدل، لكن الفارق الحقيقي يكمن في الفروق الشخصية بين الأفراد، والتي يحدد على أساسها الأولويات التي يرغب المرء في تحقيقها.

فعلى سبيل المثال، حرمت التقنية قبل عامين «رحيم ستيرلينغ» من هدف قاتل في اللحظات الأخيرة من مباراة ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لفريقه مانشستر سيتي، على حساب فريق توتنهام هوتسبير، ودمرت احتفالات جماهير السيتي بالملعب آنذاك بعد انفجار هيستيري صاحب الهدف بالمدرجات. الجميع يتذكر صدمة «بيب جوارديولا» وقتها ولقطته وهو جالس على ركبتيه ممسكًا برأسه وهو في حالة عدم استيعاب.

أصبحت تلك اللحظة أيقونية بالنسبة لتاريخ اللعبة. تمثيل صارخ للحزم في إيجاد العدالة على حساب الاستمتاع بمشاعر صعود فريق للدور القادم بعد هدف قاتل في اللحظات الأخيرة.

ما حدث لم يعجب العديد من النقاد، والمحللون الرياضيون لم يكونوا موافقين على ما يحدث، وعلى رأسهم «جون نيكلسون»، صاحب كتاب «Can we have our football back» والذي وصف التقنية بأنها غير إنسانية، وتفقد اللعبة أساسها، متحدثًا عن أن جمال اللعبة الحقيقي يكمن في عدم كمالها من الأساس، وأنها معيبة في جوهرها.

استطرد قائلًا إنه ليست حقيقة أن ألعاب أخرى كالكريكيت والتنس والرجبي أصبحت معتمدة في قراراتها على تقنية الفيديو دليلًا على ضرورة نجاحها في كرة القدم، لأن تلك الألعاب في أساسها مبنية على تعرضها لتوقفات عدة، على عكس كرة القدم التي تتسم بسرعة اللعب وعدم التوقفات إلا للضرورة، وأنه لا يوجد مبرر على الإطلاق لإيقاف اللعب لخمس دقائق في بعض الأحيان كي نراجع لعبة واحدة بالفار.

نقد غير عادل

وهو في حقيقة الأمر كذلك، وظلم بيِّن للفار لمجرد الإتيان بسلبيات تدحض إيجابياتها دون تفكير عميق حول مدى تأثير تلك السلبيات مقارنة بإيجابياتها.

العالم ما قبل الفار كان يشهد مباريات تصل إلى ما بعد الدقيقة 90 بدقائق عديدة دون مبرر. لاعب يتفنن في إضاعة الوقت، ثم يظهر بعد المباراة لكي يتفاخر بذلك، وآخر يدعي الإصابة بين اللعبة والأخرى، أو آخرون يصابون بالفعل وهو الأمر الذي يستوجب إيقاف اللعب وإضاعة الكثير من الوقت الرسمي للعبة.

بجانب أن اتهام التقنية بقتل المتعة في المطلق هو اتهام يشوبه العديد من الشوائب، والسبب في ذلك أن هناك فرقًا تتلذذ بقتل اللعبة من الأساس، بعدم السماح لنفسها قبل منافسيها بلعب الكرة. فلسفة الكرات العالية دون بناء واضح للهجمة والتي مقتها الجميع.

بل إن مقتها أصبح بمثابة ثقافة متوارثة على مدى تاريخ اللعبة قبل حتى أن تظهر فكرة الفار إلى النور، بدليل أن مقولة شهيرة كـ «إذا أراد الرب أن نلعب كرة القدم في السحاب، لكان قد وضع العشب في الأعلى» لـ«برايان كلوف»، لم تصدر بالتأكيد من رجل كان يستمتع بوقته مع اللعبة حينما قالها.

اللعبة ليست كاملة

لكن أكثر شيء قد نتفق مع «جون نيكلسون» فيه، هو حديثه عن جوهر اللعبة وعدم كمالها. الكمال في العموم شيء من الصعب الوصول إليه، قد يكون شيئًا بحث عنه الجميع، لكن ضل سعي الكثيرين في محاولات البحث عنه، هذه نقطة نحن نتفق معها بشكل شخصي، كذلك الزميل العزيز «توني إيفانز من الإندبندنت»، عندما وصف التقنية بأنها «بريكست كرة القدم».

والسبب وراء ذلك التشبيه من وجهة نظر الرجل يكمن في أنه في خضم سعي جميع من هم حول اللعبة إلى الكمال، فأصبحنا نطالب بالتغيير السريع والفوري لكل ما هو ليس على أهوائنا أو آرائنا، نحن نريد عدالة تحكيمية فورية، حسنًا فلنستخدم الفار، وستقل الأخطاء، لكن هل هناك أحد سيستطيع دفع فاتورة ذلك التغيير؟ والتي هي بسيطة، فقط سنغير شكل اللعبة إلى الأبد!

وهي بالضبط المشكلة التي وقع فيها الجميع هنا، الكل أرادها، لكن الكل فشل في فهم تأثيرها، وفي طريقة تطبيقها، ثم توقف الجميع لبرهة غير مدركين للكارثة الحقيقية التي أمامنا، وهي أن فكرة العدالة التحكيمية المطلقة تلك ومع كل الأسف غير قابلة للتطبيق.

لأنه بتطبيقنا للفار أصبحنا نرى كل شيء كما لو كنا نراه للمرة الأولى، هل كان يخطر على بال أي أحد أن تقنية الفيديو ستغير من وجهة نظرنا ناحية آلية تطبيق قوانين التسلل مثلًا؟ هل من المنطقي أن يتم إلغاء العديد من الأهداف، فقط لأن المهاجم يتسلل بعدة ملليمترات بسيطة للغاية، تكاد تكون لا تذكر بكتفه مثلًا؟ هل تلك هي العدالة التي بحث عنها الجميع؟ الإجابة من وجهة نظر توني بالطبع لا.

شعلة مضيئة في نهاية النفق

لكن وعلى الرغم من اعتراض العديد على التقنية وسبل تطبيقها، فإنه لا يمكن إنكار مدى التحسن في اتخاذ القرارات الذي وصل إليه الحكام بعد تطبيقها، والسبب وراء ذلك بالطبع يكمن في الفرصة الثانية التي أتاحها حكم الفيديو لزميله بالساحة كي ينظر إلى اللعبة محل الشك لأكثر من مرة، ومن أكثر من زاوية، الشيء الذي قلص من نسبة الوقوع في الخطأ بشكل ضخم.

فبحسب جريدة العلوم الرياضية، ارتفعت نسبة القرارات الصحيحة في المباراة من 92% إلى 98% تقريبًا بعد استخدام تقنية الفيديو، وهو تحسن ضخم لا يمكن التشكيك به، صحيح أنه جاء معه العديد من القرارات الجدلية حول آلية اتخاذ القرار الصحيح نفسها، فإن ذلك التحسن سيعطي دفعة نفسية ومعنوية ضخمة للحكام لم تكن موجودة عندهم من قبل، والسبب وراءها بالتأكيد أن نسبة وقوعهم في الأخطاء، وتحديدًا الجسيمة منها، باتت معدومة تقريبًا.

هذا الأمر سيمحو وبشكل ضخم الصورة النمطية السائدة عن ضمير الحكام الذي قد يباع ويشترى بالمال لصالح فرق بعينها، الأمر الذي يؤلم جميع من يزاول تلك المهنة تقريبًا.

«من ذلك الأحمق الذي يريد أن يصبح حكمًا رياضيًّا؟» جملة قالها حكم سابق لصحفي من الغارديان يُدعى «مايكل هان»، في تقرير رائع سرد فيه مواقف عدة وقع فيها الكثير من الحكام جعلتهم يتركون تلك المهنة في سن صغيرة قبل حتى أن يمارسوها بدرجات الاحتراف، وعلى الرغم من تعدد المواقف التي تعرض لها الحكام في تقرير «هان»، بين ضغط جماهيري، وآخر إعلامي أو مهني، فإن السبب الرئيسي كان واحدًا تقريبًا: لا أحد يريد أن يشكك في ذمته، حتى حكام كرة القدم. 

في النهاية، نحن لا نستطيع الجزم بأن التقنية فاشلة أو ناجحة في المطلق؛ لأن تلك النقطة تحديدًا ستخضع للعديد من القياسات التي ستختلف بين شخص وآخر، لكن ما نستطيع تأكيده في اللحظة الحالية، أن تقنية الفيديو فتحت الأبواب لتغيرات كبرى لم تكن متوقعة وقت تطبيقها، وتلك التغييرات الكبرى ستصطحب معها تغيرات أكبر في المستقبل، ستغير من شكل اللعبة إلى الأبد عما نعرفه الآن.