يظن البعض أن من يقاتل الآن في فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني هم مجموعة من الإسلاميين الأقحاح، فالصورة الشائعة هي أن جنود «طوفان الأقصى» هم مقاومو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لكن هذا باختصار ليس صحيحًا، فالمقاومون يضمون بين صفوفهم مقاتلين مسيحيين من ضمنهم أبناء عائلة عياد في غزة على سبيل المثال التي اشتهرت بتقديم المجاهدين والشهداء في الحروب الأخيرة، وعائلة الطويل أيضًا، وكذلك فصائل كاملة يسارية.

هذه هي اللوحة الحقيقية لـ«طوفان الأقصى» التي لن تشاهدها في الإعلام الغربي، وهي لوحة تضم كل ألوان الطيف الفلسطيني، جنودًا إسلاميين ومسيحيين ويساريين يعزفون نغمة مقاومة من أجل التحرر الوطني؛ نغمة لم تهدأ ولم تستسلم حتى الآن بعد أن ألقت دولة الاحتلال عليها ما يعادل أكثر من ربع قنبلة نووية.

السؤال إذًا هو إذا كانت حركة «حماس» التي تحكم قطاع غزة هي حركة متطرفة دينيًا، ومحاصرة للحريات الشخصية، وتسيطر على القطاع بالحديد والنار وهي أقرب ما تكون إلى «داعش» كما يصورها الإعلام الغربي، فكيف لها أن تُقنع يساريين ومسيحيين أن يشاركوا معها في القتال؟

يدفعنا هذا إلى أن نطرح السؤال الصعب ونجيب عليه بأقصى قدر ممكن من الموضوعية، وهو السؤال حول الطريقة التي تدير بها حماس القطاع منذ سنوات، لنكتشف هل هي حركة إسلامية متطرفة سلطوية قمعية تحاصر الحريات الشخصية بالفعل أم لا؟ ثم سنخترق بجرأة ملفات مثل الديمقراطية وحرية التعبير والحريات الشخصية وحقوق المرأة ونرى بعيدًا عن التحيزات المسبقة كيف تعاملت حماس مع تلك الملفات في حكمها.

حرية التعبير

دعونا أولًا نلقي نظرة على التقارير الدولية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحرب الأخيرة قد كشفت عن التحيز الغربي المسبق ضد الحركة وضد المقاومة الفلسطينية عمومًا، ما يعني أن أغلب تلك التقارير هي في موضع الشك من ناحية تعاطيها مع الحركة من البداية.

في تقرير منظمة العفو الدولية عن فلسطين لعام 2022، يقول التقرير بوضوح في بدايته إن السلطات سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة مستمرة في فرض قيود غير مبررة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات وتجمع المواطنين، لكن مع الدخول أكثر في التقرير نكتشف أن أغلبه موجه ضد انتهاكات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أكثر بكثير من حماس في غزة.

في الجزء الخاص على سبيل المثال بالتعذيب وسوء المعاملة المكون من ثلاث فقرات، نجد حالات تعذيب وضرب وإهانة وحرمان من الحقوق الأساسية موثقة للمحتجزين في الضفة الغربية محكية بالتفاصيل، وعلى الجانب الآخر وعلى الرغم من أن التقرير يذكر أن هناك أكثر من 160 شكوى ضد الشرطة في غزة مقابل 130 شكوى ضد سلطات الاحتجاز في الضفة الغربية.

لكن التقرير حين سرد حوادث يثبت من خلالها الانتهاكات في غزة، ذكر حادثة واحدة وهي وفاة ناصر أبو عبيد في المستشفى بعد نقله من مركز احتجاز تديره حماس. وانتقد التقرير السلطات في غزة أنها لم تحقق بشكل جدي فيما أسماه التقرير مزاعم التعذيب والإهمال الطبي أثناء اعتقال ناصر. 

دعونا نلقي نظرة على تقرير آخر لمنظمة العفو الدولية لعام 2017، اعتمد على المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، ويذكر التقرير بوضوح أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كانت مسؤولة في هذا العام المذكور عن 81 اعتداء على الحريات الإعلامية، في حين كانت حماس مسؤولة فقط عن 20 اعتداء من هذا القبيل. فإذا ما سلمنا جدلًا بصحة معلومات هذا التقرير، فإن ما يوضحه التقرير أن حماس على الأقل كانت أكثر تقدمًا في هذا الملف من السطلة في الضفة. 

في الواقع، لم تكن غزة في حكم حماس خالية بالطبع من حوادث للتصدي للمظاهرات على سبيل المثال، فبعيدًا حتى عن الأحداث التي تذكرها التقارير الغربية عما تقول إنه انتهاكات لحرية التعبير أو احتجاز لصحافيين هناك، توجد حادثة واضحة، وهي فض المظاهرات التي خرجت تحت شعار «بدنا نعيش» في عام 2017، وهي المظاهرات التي كانت تحتج على سوء الأحوال المعيشية، وهو الأمر نفسه الذي تم مع المظاهرات التي خرجت في أغسطس (آب) 2023 احتجاجًا على انقطاع الكهرباء، والتي وصفتها وكالة أسوشيتد بريس حينها بأنها «عَرَض نادر للاستياء من حماس». 

لكن هنا أمر ينبغي التنويه إليه، وهو أن التركيز الكامل من المنظمات الحقوقية والإعلام الغربي وبعض الصحف العربية على أي انتهاك يشتبه في أن الإدارة في غزة ارتكبته لم يقُد إلى الكشف عن حوادث انتهاك شديدة العنف متكررة، وهذا أمر بالغ الأهمية في سياق مقارنة حماس مع بقية أنظمة الحكم العربية التي لا يمكن في معظمها للناس حتى أن يفكروا في تنظيم احتجاجات فضلًا عن أن ينظموها ويتم تفريقها بالهروات فقط واعتقال عدد صغير من روادها لوقت قصير.

على جانب آخر، يخبرنا طارق معمر وهو ناشط فلسطيني يساري من غزة يعيش في بروكسل الآن، ولكن عائلته مازالت في القطاع تعيش تحت نيران العدوان الصهيوني، أن حماس شهدت ثورة في تعاطيها مع المجتمع منذ حرب 2014 التي رأت بعدها الحركة كيف صمد الشعب معها بشكل أسطوري، ففكرت بعدها أن هذا الشعب يستحق أكبر قدر ممكن من الحريات والانفتاح، وهذه الثورة في التعاطي بحسبه هي التي تسببت في حالة الالتفاف الشعبي حول خيار حماس في المقاومة الآن، فمنذ تلك الحرب اقتربت حماس أكثر من مجتمعها الفلسطيني.

يخبرنا طارق أن خلال السنوات الأخيرة قبل انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، كان القطاع مكانًا مليئًا بالتعدد ومشبعًا باحترام الرأي الآخر على عكس ما يروجه الإعلام الغربي، وأصبح بإمكان المواطن العادي انتقاد حماس علانيًة داخل القطاع، وكان الناس يمارسون هذا النقد في الصحف وفي الراديو.

الراديو بحسب طارق هو أكثر وسائل الإعلام رواجًا في غزة، وبه ستة محطات محلية، وهي متنوعة منها ما يتبع لحماس وما يتبع لحركة الجهاد وما يتبع للجبهة الشعبية (يسار) وأخرى للجبهة الديمقراطية (يسار) وأخرى للمستقلين، وفي السنوات الأخيرة كانت هناك برامج صباحية مهمتها معالجة مشاكل الناس، وكانت حماس تتعرض لانتقادات شديدة في تلك البرامج، وقد أبدت حماس سعة صدر في هذا الأمر إلى أبعد حد بحسب طارق، بل وكانت كثير من مشاكل المواطنين تحل على الهواء مباشرة، وهذا ما لم يكن يعهده المجتمع من قبل بحسبه. 

يخلص طارق في حديثه معنا إلى أن الالتفاف التام الذي تتمتع به حماس الآن داخل قطاع غزة من كل الأحزاب والقوى عائد إلى تطورها في السنوات السابقة، إذ بدأت حماس تجربتها في الحكم برؤية منغلقة في حكم غزة، لكنها سرعان ما راجعت نفسها وتطورت بخطوات كبيرة في طريق فتح الحريات أمام المجتمع.          

إن المعلومات سابقة الذكر إذا جمعناها معًا ستخبرنا باختصار أن حماس التي تحكم في ظروف استثنائية من الحصار والمقاومة لا تؤدي فقط في ملف حرية التعبير أفضل من معظم أنظمة الحكم حولها، رغم ما يمثله فتح باب تلك الحرية من خطورة محتملة على وضعها في إطار ظرفها الخاص، ولكنها أيضًا تسير بخطوات واضحة للأمام في هذا الملف، في وقت تشير فيه كل التقارير العالمية إلى تراجع مؤشر حريات التعبير بشكل مخيف للوراء في العالم.

أما على صعيد حرية الاعتقاد في غزة، فإن حماس بحسب الدكتور عدنان أبو عامر، عميد كلية الآداب ورئيس قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة الأمة للتعليم المفتوح بغزة، تقدم نفسها منذ وقت طويل باعتبارها حركة إسلامية ذات فكر وسطي تحترم حرية المعتقد، وأنها لا تكفّر أحدًا ولا تقتل أحدًا على أساس هويته الدينية، ويتحدث علماؤها الدينيون دائمًا عن أن الحريّة الدينيّة مكفولة لأي إنسان، ويستندون في ذلك إلى الآية القرآنية التي تقول: «لا إكراه في الدين».

ولعل نظرة على حادثة «قانون الزندقة» تكفل لنا رؤية واضحة للمشهد، فحين طالب رئيس مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني خالد الخالدي سن قانون ضد الزندقة بسبب ما قال أنه انتشار للأفكار المنحرفة في العقيدة بين المسلمين في فلسطين، خرجت آراء كتاب مقربين من حماس ومحسوبين عليها تقول إن مثل تلك الأفكار تعيدنا إلى عصور محاكم التفتيش، بل ووصف يوسف فرحات مدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة الدعوة إلى قانون الزندقة بأنه فضيحة فكرية، وأن هذا الأمر أشبه بما كان يحدث في العصور الوسطى بأوروبا من قطع لرؤوس الناس بسبب آرائهم الفكرية، بينما قال أحد رموز حركة حماس في الضفة الغربية وهو مصطفى شاور رئيس رابطة علماء فلسطين، إن الفلسطينيين ليسوا بحاجة لقانون زندقة، وإن الطريق الوحيد لمواجهة الأفكار المخالفة للإسلام هو الإقناع والحوار وليس العقوبات.

جدير بالذكر هنا أن هناك أنظمة عربية تصف نفسها بأنها بعيدة تمامًا عن الإسلام السياسي لكن المواطنين يتعرضون للعقوبات بسبب نشرهم لآراء مختلفة عن السائد في الأمور الدينية.

الديمقراطية

يذكر تقرير حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 2022، الصادر عن المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية، أن «الرئيس محمود عباس باقٍ في منصبه على الرغم من انتهاء ولايته الرئاسية، في حين لم يقم المجلس التشريعي الفلسطيني بمهامه منذ عام 2007، كما قامت السلطة الفلسطينية في عام 2018 بحل المحكمة الدستورية، وأن الرئيس محمود عباس هو الذي أرجأ إلى أجل غير مسمى الانتخابات الوطنية في عام 2021».

وعلى جانب آخر، يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 بكلمات واضحة أن السلطات الفلسطينية فشلت في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، إذ إن الرئيس عباس قد أجلها مرة أخرى في عام 2021، بينما كانت آخر انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2006.

على جانب آخر أشار تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط بتاريخ 7 مايو/ أيار 2021 إلى أن قرار محمود عباس بتأجيل الانتخابات جاء بعدما تبينت لفريقه إشارات واضحة بأنه سيحظى بهزيمة مؤكدة، وأن السبب الرئيسي في ذلك القرار كان استطلاعات الرأي التي أشارت إلى «زيادة فرص حماس بتحقيق انتصار كاسح» أمام قوائم فتح المنقسمة، وإلى أن النتيجة ستكون تكرارًا لانتكاسة انتخابات عام 2006، وكانت حماس بحسب هذا التقرير قد بذلت العديد من الجهود لإقناع الرئيس عباس بالتراجع عن قرار تأجيل الانتخابات الديمقراطية حينها لكن دون فائدة.   

على كل حال، تتجاهل تقارير الصحافة الغربية كل تلك الحقائق تجاهلًا تامًا، فنجد على سبيل المثال مقالًا في فورين آفيرز التي اشتهرت عادة برصانتها، وهي تستقي معلوماتها عن مدى شعبية حماس في غزة من خلال مقابلات أُجريت في عام 2023 شارك فيها 790 شخصًا من الضفة الغربية و399 شخصًا في غزة، ومن خلال هذا الإحصاء صغير النطاق، تبني المجلة الأمريكية تصورًا كاملًا تقول من خلاله إن «سكان غزة ليس لديهم ثقة كبيرة في حكومتها التي تقودها حماس»، مع العلم أنه وفقًا لهذا الإحصاء الصغير الذي كونت من خلاله المجلة تصورها عن كيف يفكر كل سكان غزة كان 44% من المشاركين لا يثقون على الإطلاق في سلطات حماس، في حين بين ما سماه التقرير وفق إحصائه الصغير «آراء سكان غزة» أن 52% يعتقدون أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئًا على الشعب الفلسطيني وأن 67% يريدون استقالة الرئيس عباس. 

الحريات الشخصية وحقوق المرأة

في عام 2009، كانت هيومن رايتس ووتش قد طالبت سلطات حماس في غزة أن تتوقف عن فرض قواعد الزي الشرعي على الطالبات الفلسطينيات من خلال الأوامر غير الرسمية لإدارات المدارس، ولم يكن هذا التقرير لهيومن رايتس ووتش متعسفًا إذ إنها انتقدت في نفس التقرير منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في مدارس فرنسا وألمانيا.

وفي عام 2013 أيضًا، كانت الشرطة في غزة قد بدأت في التعرض للشباب ذوي قصات الشعر الغريبة مما أثار بعض الانتقادات الحقوقية، لكن سرعان ما أعلن مسؤولون من حماس أن تلك الحملة الشرطية قد توقفت رغم عدم الموافقة على هذه السلوكيات.

لكن ينبه طارق معمر إلى حقيقة تاريخية في مسار الأحداث هنا، وهي أن واحدة من التغييرات التي طرأت على الحركة بعد التحول الذي صاحب عام 2011 والمراجعات الداخلية آنذاك، هو تخليها التام عن فكرة فرض الحجاب في المجتمع وهي الفكرة التي عارضتها كل القوى العلمانية في القطاع. يذكر طارق أيضًا أنه في السابق كانت حماس تمنع الشباب من الذهاب إلى البحر إلا بملابس تغطي أسفل الركبة تسمى باللكنة الفلسطينية «شباح» ولكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الأمور، كما أنها في البداية كانت تمنع النساء غير المحجبات من العمل في الوظائف الحكومية لكن منذ حرب عام 2014 صار هناك متسع كبير في هذا الصدد.

وفي عام 2016 ظهرت في مقطع فيديو لحماس فتيات غير محجبات يدعون للتصويت للحركة خلال انتخابات جامعة بيرزيت، كما أن مجلة التايم الإنجليزية قد نشرت مقالًا غير معتاد من الصحافة الغربية بعد انطلاق طوفان الأقصى تقول فيه إن هناك اختلافًا واضحًا بين حركة حماس وداعش عكس ما يصوره الإعلام الغربي، وأن واحدة من الفروق الجلية هي تسامح حماس مع النساء غير المحجبات في مناطق حكمها.

على جانب آخر، اشتمل بند حقوق المرأة في تقرير منظمة العفو الدولية الخاص بفلسطين لعام 2022 على فقرة واحدة تحدثت كانت تدور حول العنف المنزلي، وذكرت فيها حادثة واحدة لأختين ادعى التقرير أن السلطة في غزة منعتهما من متابعة شكاوى العنف الأسري الخاصة بهما ضد والدهما بعد هروبهما من المنزل من خلال منعهما من الوصول لجهات التحقيق للإدلاء بشهادتهما. 

لكن مع تتبع أصل تلك الحادثة نجد تقريرًا منشورًا على منصة درج عن القصة للحقوقي الفلسطيني مصطفى إبراهيم بتاريخ 31 أغسطس (آب) 2022، ولا نجد أي ذكر في المقال لسلطات حماس باعتبارها لعبت دورًا ضد الفتاتين، ويذكر التقرير أن درج قد علمت «أن الفتاتين موجودتان في أحد بيوت الإيواء الخاصة بالنساء اللواتي يتعرضن للعنف، تحت حماية الشرطة، لكن يبدو أن الضغط على الفتاتين نجح في تقويض محاولتهما بالتحرر من سطوة والدهما علمًا أنهما شابتان بالغتان وليستا قاصرتين لكن يبدو أن هذا الأمر لم يحُل دون إجبارهما على العودة». 

لم يُشِر التقرير بحال إلى أن سلطات غزة هي من مارست الضغط على الفتاتين أو منعتهما من استكمال الإجراءات القانونية ضد من وصفته الفتاتان بأنه أب معنف، وكان النقد الوحيد الذي وجهه التقرير ضد السلطات في غزة هو أن الموقف الرسمي ضبابي ولم يصدر تصريح رسمي مفصل عما حدث، وأن جهات إنفاذ القانون تبدو مترددة من اتخاذ موقف صريح لحماية الفتاتين بسبب ضغط الرأي العام الذي يلوم الضحية بحسب التقرير.

ولربما يكون واحدًا من أهم المعلومات في كل تلك القصة أن سلطة حماس التي يتهمها الغرب بأنها لا تفرق شيئًا عن داعش والقاعدة، لديها ملاجئ للنساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري، وتقوم شرطة القطاع بحماية تلك الملاجئ.  

وفي عام 2022 نشرت أستاذة النوع الاجتماعي في جامعة ساسكس، جورجا بالدي، دراسة بحثية مطولة فيما يخص مسألة حركة حماس وحقوق المرأة بعنوان “Re-Thinking Islam and Islamism: Hamas Women between Religion, Secularism and Neo-Liberalism”، وقالت فيها إن حماس تاريخيًا أعطت دائمًا دورًا مهمًا للنساء داخل الحركة ومؤسساتها الخيرية، وأنها تنظم منذ عام 1998 مؤتمرًا سنويًا للتفكير في حقوق المرأة ومكانتها داخل الحركة.

وتخلص الباحثة إلى أن حماس لم تخجل من تبني قيم قد يصفها البعض بالليبرالية أو الغربية لدعم حقوق المرأة الفلسطينية، وتؤكد الباحثة في هذا الصدد أن الحركة تبنت دومًا شكلًا معتدلًا من الإسلام وأنها حاربت المتطرفين، وبحسبها أيضًا فإن النساء المنتميات لحماس أصبحن أكثر وجودًا بشكل ملحوظ في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

تقتبس أيضًا جورجا بالدي جملة قالتها لها إحدى النساء المنتميات لحماس فيما يخص مسألة الحجاب: «لا يمكنك إجبار شخص ما على القيام بما تعتقد أنه صحيح. نحن نسعد بالطبع حين ترتدي امرأة الحجاب، ولكننا لا نجبر أحدًا»، وقد أخبرت إحدى الفتيات المنتميات للحركة جورجيا بمفارقة مهمة وهي أنه قبل 50 عامًا في العالم العربي والإسلامي، لم تكن النساء يرتدين الحجاب مثل اليوم، ومع ذلك كان دورهن آنذاك ينحصر في المنزل وكان عدد قليل منهن قد حصلن على شهادات جامعية، أما اليوم فالمزيد من النساء يرتدين الحجاب لكنهن على أرض الواقع أكثر حرية، إذ إنه بإمكانهن اليوم الحصول على التعليم والعمل خارج المنزل والسفر.

على جانب آخر كان أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية في رام الله خليل شقاقي قد أصدر ورقة بحثية بعنوان ” Can Hamas Moderate? Insights from Palestinian Politics during 2005-2011 Khalil Shikaki” تدرس السياسة الفلسطينية في الفترة بين عام 2005 إلى 2011 وعلى الرغم من أن تلك الورقة كانت تستبطن الانتقادات لحماس ولكنها تذكر أن السلوك الرسمي لحكومة حماس خلال تلك الفترة المذكورة ظل لبيراليًا نسبيًا، وعلى الرغم من أن الحركة تتحفظ من ناحية شرعية إسلامية على تعيين النساء رئيسات أو قاضيات لكنها شجعت المشاركة الكاملة للمرأة في التصويت والمظاهرات.

حقوق المواطنين المسيحيين

ربما من المفارقات التي تستحق الانتباه أن تقرير الحريات الدينية في العالم الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022 يمتلئ في الجزء الخاص بالضفة الغربية وغزة بانتهاكات إسرائيلية ضد المسيحيين، ولعل من أهم هذه الانتهاكات شكاوى رؤساء الكنائس المسيحية في القدس بشأن تعرض المسيحيين للعنف والمضايقات من المتطرفين اليهود وتدنيس وتخريب الممتلكات المسيحية، فضلًا عن محاولات المنظمات الاستيطانية الاستيلاء على ممتلكات الحي المسيحي في البلدة القديمة.

على الجانب الآخر يعترف تقرير وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية التي تصنف حماس «منظمة إرهابية» بأن حماس تظهر تسامحًا مع المسيحيين في غزة وفق شهادات الجماعات المسيحية في القطاع، وأنها لم تجبر المسيحيين على الالتزام بالشريعة الإسلامية.

وبالعودة للورقة البحثية سابقة الذكر لخليل شقاقي، فإن حماس التي واجهت الجماعات المتطرفة دينيًا في غزة، أيدت مبدأ المساواة بين جميع المواطنين سواء مسلمين أو مسيحيين كما أنها نظرت إلى المسيحيين باعتبارهم شركاء محتملين في ائتلافات الانتخابات البرلمانية والبلدية، وسارعت دائمًا للتنديد بأي هجمات تشنها الجماعات المتطرفة ضد المسيحيين في القطاع، وإن كانت حماس بحسب الورقة التي تغطي الفترة الزمنية من 2005 لـ 2011 لم تمتلك القوة الكافية للتحقيق في تلك الهجمات بالشكل المطلوب.

إن هذه المادة ليس المقصود منها إظهار حركة حماس باعتبارها حركة من الملائكة تدير غزة بلا أي أخطاء، ولكن في ظل الحملة الإعلامية العالمية ضد المقاومة الفلسطينية التي تشيطن حماس وجب التدقيق العلمي في تاريخ حكم الحركة للقطاع والذي يُظهر بوضوح أن الحركة تتحرك بسرعة كبيرة في اتجاه تحقيق المزيد من الحريات مقارنة بالأنظمة التي تحيط بها رغم استثنائية الظرف الذي تعيشه، وتأتي أهمية ذلك في وقت تستمع فيه أجيال أصغر من الجمهور العربي لمؤثرين غربيين وعرب حتى يتحدثون عن الحركة باعتبارها حركة متطرفة دينيًا وإرهابية تقمع كل الحريات في قطاع غزة.