في الحلقة الثالثة عشرة والأخيرة من الجزء الرابع من المسلسل الأمريكي الشهير «House of Cards»، أو «بيت من ورق» الذي عُرض في مارس/آذار 2016، دار حديث شيّق بين كلير أندروود، زوجة الرئيس الأمريكي فرانسيس آندروود، ونائبته، مع «يوسف الأحمدي» الذي يفترض أنه زعيم «تنظيم الخلافة»، في إشارة واضحة إلى «أبو بكر البغدادي» زعيم تنظيم الدولة، الذي قبض عليه –بحسب أحداث المسلسل– ووضع في معتقل جوانتانامو.

الحوار جاء ضمن مفاوضات بين البيت الأبيض وتنظيم الدولة للإفراج عن أسرة أمريكية اختطفها أعضاء في التنظيم قبيل انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. وجاء الحوار كالتالي:

نائب الرئيس وزوجته كلير أندروود: أنت وأخوك (القيادي في التنظيم) لستما متعصبيْن، ولا حتى سوريين. البغدادي: أهذا ما أخبرتك به الاستخبارات؟ نائب الرئيس: أنت عراقي واسمك الحقيقي (عواد)، ومعلوماتنا تفيد بأنك انضممت لحزب البعث عام 2000، وكنت وكيل وزارة البنية التحتية عامي 2001 و 2002. البغدادي: قولي ما تشائين. سيكذب أخي هذا الكلام، ولن يصدقه سوى أنصاركم. نائب الرئيس: لقد قمنا بعزل البعثيين، وصرت أنت متطرفًا بدلا من كونك سلطويًا، لكنك رجل متعلم. وأنت لا تكترث لا بالإسلام ولا بالخلافة، تلك حجج واهية لتحث جنودك على التطرف. البغدادي: تماما كما تستغلون الديمقراطية والحرية. نائب الرئيس تبتسم: الآن نحن نتكلم بلغة واحدة. البغدادي: الحكومة الأمريكية لا تعترف مطلقا بنظام الخلافة. نائب الرئيس: بالطبع لا.. لكن يمكننا إعادة البعثيين للحكومة. البغدادي: أية حكومة؟ ليس لدينا حكومة في العراق، ولا يوجد حتى عراق، الآن توجد بغداد فقط، وطوائف: شيعة وسنة وأكراد، ونفس الكلام ينطبق على سوريا. نائب الرئيس: لقد حافظتم (البعثيون) على النظام، قبل أن نعزلكم.. ونحن لا يمكننا الآن دعم الحكم الديني، لكن يمكننا إعادة الجيش للحكم. البغدادي: وماذا نفعل بمن جندناهم؟ من المستحيل أن يقبلوا بحكومة علمانية. نائب الرئيس: ستبقيهم تحت السيطرة، بالقوة إن اضطررت. البغدادي: نستخدم سلاحنا ضد من ساندونا ؟! نائب الرئيس: لا يهم.. طالما ستستعيد سلطتك. البغدادي: إذا كانت تلك نيتكم، فلماذا لم تجهروا بها؟ نائب الرئيس: لأنك تدرك أن مثل هذه الاتفاقات يجب أن تتم خلف الأبواب المغلقة.. يجب أن نوهم الناس أننا أوقفنا خطر منظمة الخلافة. البغدادي: لماذا أتعاون معكم؟ (الجملة مترجمة بتصرف) نائب الرئيس: لأننا يمكن أن نهجم على التنظيم وندمره. (الجملة مترجمة بتصرف) البغدادي: سيستغرق هذا سنوات، ولن تستطيعوا تدميرنا بالكامل. نائب الرئيس: ليس بالكامل، لكن من سيتبقى لن يكونوا مهمين.. لكن بدلا من ذلك يمكننا التعاون معا بشكل سري، فتتلاشى منظمة الخلافة، وتعود أنت وجنرالاتك للسلطة.

لا يحتاج الحوار السابق إلى تعليق أو مزيد من الشرح، حيث قدّم من خلاله كاتب المسلسل رؤية البيت الأبيض لتنظيم الدولة، سواء من حيث وصف طبيعة التنظيم أو توقع مستقبله، لكنني هنا أود أن أشير إلى جانب من مقال كتبته في فبراير/شباط من العام 2015، بعنوان: «داعش.. ودولة بادية الشام الغائبة»، حاولت أن أوصّف فيه ماهية التنظيم، وقد جاء التوصيف مشابهًا إلى حد ما لذلك الذي عرضه المسلسل، وأقتبس هنا عددًا من فقرات المقال كما هي:

«مع التواجد الملحوظ لضباط الجيش العراقي السابقين في الهياكل التنظيمية العليا لتنظيم الدولة (وهو ما يفسر جانبًا من تطوره العسكري الواضح)، وسيطرة العراقيين على مفاصله، يمكننا أن نضيف أدلة أخرى على وجود خلطة ديمغرافية – دينية في تكوين التنظيم وطبيعته التي تلعب فيها العشائر دورًا بارزًا.

وكما قيل، فإن وفاء البعثيين العراقيين من نموذج الرئيس الراحل صدام حسين للإسلام ينصرف إلى الإمبراطورية وليس إلى العقيدة، وإلى المجد والسيطرة وليس إلى الإيمان، فيمكن القول إن القاعدة تنطبق على قطاعات لا يستهان بها من القيادات في تنظيم الدولة، على أن تنتقل تدريجيا إلى المقاتلين والأتباع في وقت لاحق.

وفي حالة الوصول إلى مرحلة الدولة التي يسعى التنظيم لإنشائها في غرب العراق وشرق سوريا (بادية الشام) تحت راية الخلافة، من المتوقع أن تظهر أصوات (لاسيما بين المقاتلين الأجانب) من المخلصين لفكرة التنظيم الأصلية، لتطالب بعدم التقيد بالحدود الجديدة والسعي لإنشاء خلافة موسعة، وهنا غالبًا سيتم إقصاء هذه الأصوات وربما إخراسها بالقوة كما حدث عندما تمرد الإخوان (وهم مجموعات قبلية قاتلت لأسباب دينية بحتة، ويختلفون عن تنظيم الإخوان الحالي الذي أسسه حسن البنا) على عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة.

ويعتقد من يتبنون وجهة النظر هذه أن الولايات المتحدة لا تمنع بشكل جدي تنظيم الدولة من السيطرة على بادية الشام، وأن تحركاتها العسكرية لا تهدف للقضاء عليه بقدر ما تستهدف تحجيمه ومنعه من التوسع خارج الحدود التي رسمتها مسبقا فيما يعرف بـ «خارطة حدود الدم»، على أن تستهدف في وقت لاحق أية عناصر في التنظيم تعمل خارج الإطار المسموح به، ليكون الناتج النهائي دولة تشبه المملكة العربية السعودية، تلبث ثوبا دينيا وتلعب في الوقت ذاته الدور المرسوم لها في ظل النظام العالمي الذي يُدار من واشنطن».