في ظل وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية التي توصف بأنها «الأكثر يمينيةً» في تاريخ الكيان، يتزايد وضوح الأطماع الاستعمارية والمخططات المتطرفة التي يعبر عنها قادة الحكومة علنًا.

وجاءت أبرز هذه التصريحات مؤخرًا على لسان وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال: «لا يوجد فلسطينيون لأنه لا يوجد شعب فلسطيني»، على حد زعمه، وبينما كان يعتلي منصة مرسومًا عليها خريطة تضم فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية، مع عبارة «خريطة أرض إسرائيل» بالعبرية، قال سموتريتش: «بعد ألفي عام في المنفى يعود شعب إسرائيل إلى دياره».

وأثار هذا الأمر ردود أفعال غاضبة في عمَّان؛ فأدانت الواقعة وطالبت المجتمع الدولي بإدانتها، واستدعت السفير الإسرائيلي إيتان سوركيس، وصوت مجلس النواب الأردني، على توصية بطرد السفير كتصرف احتجاجي.

بينما كررت وزارة الخارجية الإسرائيلية التأكيد على التزامها باتفاقية وادي عربة للسلام مع الأردن عام 1994، وشددت على عدم تغيير الموقف الإسرائيلي الرسمي الذي يعترف بوحدة أراضي المملكة.

يذكر أن سموتريتش ينتمي إلى أكثر الأجنحة الصهيونية تطرفًا، وأثار مؤخرًا ضجة بسبب دعوته لمحو بلدة حوارة الفلسطينية من الوجود، وهو من مستوطني الضفة الغربية، وكان يقيم بمستوطنة «بيت إيل» قبل أن ينتقل إلى مستوطنة «نيكوديم» جنوب بيت لحم، وهو من أهم الداعمين لمنظمة «شبيبة التلال» الإرهابية المتطرفة، وهي جماعة مسلحة يهودية تشن هجمات على الفلاحين الفلسطينيين.

الأردن في مرمى الاستهداف

أعادت هذه الواقعة تذكير الأردنيين بوقوع بلادهم في مرمى استهداف الكيان العبري، خاصة في ظل وجود اليمين الإسرائيلي في الحكم، وقد نذر بعض السياسيين الأردنيين جهودهم خلال الفترة الأخيرة للتوعية بمخاطر الحركة الصهيونية على بلادهم.

كما أطلق بعضهم دعوات إلى إعادة مفهوم الخدمة العسكرية وتسليح الشعب الأردني، ومن بين هؤلاء وزير الداخلية الأسبق، سمير الحباشنة، والوزير السابق، الدكتور ممدوح العبادي، وكلاهما يتبنى خطابًا داعيًا إلى الاستعداد لمرحلة الصدام الحتمية بين المملكة الهاشمية واليمين الإسرائيلي.

وكذلك يعد وزير البلاط الأسبق، الدكتور مروان المعشر، من أشهر السياسيين الداعين إلى بناء استراتيجيات اشتباك تعتبر إسرائيل بنخبتها الحاكمة الحالية عدوًّا للأردن على اعتبار أن إسرائيل التي انعقدت معها معاهدة السلام عام 1994 انقلبت على الأردن وعلى السلام وعلى نفسها أيضًا، وأن حكام تل أبيب لا يعترفون بوجود الأردن أصلًا، وبالتالي يجب على النخبة الحاكمة الأردنية أن تقرأ تطورات المشهد وفق هذا الاساس.

كما حذر رئيس الوزراء الأردني الأسبق، طاهر المصري، مرارًا وتكرارًا من مخاطر إنكار هذه التحديات المستجدة تجاه بلاده بعد ظهور الأطماع الإسرائيلية الملموسة والتاريخية التي كانت مؤجلة عمليًّا.

كما أطلق الزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، نداءً لحماية الأردن وأولوية دعمه في كل المجالات، وقال:

تذكروا كيف كانت فلسطين وكيف أصبحت، ولا تنسوا المشروع الإسرائيلي بالاستيلاء على كل فلسطين.. لا تصدقوا الغرب المستعمر ووعوده الكاذبة دائمًا وأبدًا.

وكانت الأطماع الصهيونية في أراضي الأردن حاضرة في كتابات قادة الاحتلال، فرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، مناحم بيجن، في كتابه «الثورة» الذي نشره عام 1950، تحدث عما أسماها «أرض إسرائيل» وقال:

سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين، وكانت تشمل ضفتي نهر الأردن.. تقسيم الوطن عملية غير مشروعة، ولم يحظَ هذا العمل باعتراف قانوني، وأن توقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل وإلى الأبد.

وعادة ما تتسبب تصريحات اليمين الإسرائيلي في إثارة الجدل المجتمعي في الأردن، وإذكاء خلافات حول كون اعتبار المملكة وطنًا بديلًا للفلسطينيين المهجرين، مما يثير دعوات لحماية الأردن من تهديد مفترض تمثله الهوية الفلسطينية، وهكذا يتم النظر إلى الأمر من زوايا محلية ضيقة تثير الحزازات والانقسامات داخل المملكة.

وشهد الأردن موجتين كبيرتين من الداخل الفلسطيني؛ الأولى عقب هزيمة عام 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل، والثانية بعد هزيمة حزيران/يونيو عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية لنهر الأردن.

وكانت الضفة الغربية المحتلة تابعة للمملكة الأردنية حتى عام 1967، ومنذ ذلك التاريخ أصبح نهر الأردن فاصلًا بين المملكة والأراضي المحتلة، لكن إسرائيل لم تتخلَّ عن أطماعها في الضفة الشرقية لنهر الأردن أيضًا.

فإسرائيل تنظر للأردن على أنه جزء منها وليست وطنًا بديلًا للفلسطينيين كما يردد البعض، وهذا ادعاء لا يعدو كونه وسيلة تكتيكية مؤقتة، بينما تظل المخططات الرئيسية ثابتة انتظارًا لوقتٍ مواتٍ لتنفيذها.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين داخل الأردن المسجلين في الأمم المتحدة أكثر من 2,2 مليون شخص، وتُقدر نسبة من لهم أصول فلسطينية بنصف عدد سكان المملكة تقريبًا.

وقد أثار رجل الأعمال الأردني المقيم في الإمارات، حسن إسميك، جدلًا واسعًا في المملكة بعد نشره مقالًا في مجلة فورين بوليسي الأمريكية دعا فيه لضم الضفة الغربية للأردن وتجنيس الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة بالجنسية الأردنية، كحل وحيد ونهائي للقضية الفلسطينية.

واعتبر إسميك، المعروف بتأييده للاتفاقات الإبراهيمية، أن خطته قد توفر على تل أبيب إنفاق 5.6 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.

وأثار هذا المقترح حينها انتقادات بوصفه قد يحول عمَّان إلى وكيل أمني عن الاحتلال في إدارة شئون الضفة الغربية مما يخدم مصلحة إسرائيل ويرفع عبئًا عنها، على اعتبار أنها ستحتفظ بالأرض والموارد وتضع حكومة الأردن في مواجهة السكان.

وشرح الباحث السياسي، موفق محادين، تبني الصهيونية مفهوم التقاسم الوظيفي، الذي يعني أن يفرض القادة العرب سيطرتهم على الفلسطينيين وليس على الأرض، مبينًا أن إسرائيل تنظر إلى الأردنيين والفلسطينيين باعتبارهم سكانًا لا مواطنين وأصحاب أرض.

كيان بلا حدود

تعد إسرائيل كيانًا توسعيًّا بلا حدود سياسية معروفة، لأن الفكرة الصهيونية قائمة على التوسع واحتلال أراضي الغير كلما أمكن من أجل تسكين المزيد من المهاجرين اليهود القادمين من أنحاء العالم.

وأطلقت الحركة الصهيونية العالمية مبادرات عديدة في السابق لتشجيع الاستيطان اليهودي في الأردن، فمنذ عام 1871 أسس الناشط اليهودي، يهوشع يلين، شركة لشراء الأراضي بهدف الاستيطان في أراضي شرق الأردن، وتواصلت المبادرات، وتلقت دعمًا من الثري اليهودي روتشيلد الذي رصد مبالغ مالية من أجل شراء الأراضي شرق الاردن.

وظل المشروع الصهيوني يشمل التوسع حتى ضم المنطقة من النيل إلى الفرات، ولم ترسم إسرائيل حدودًا لها داخل هذه المنطقة بل ظلت تعتمد على التوسع المستمر بقوة السلاح إلى أن رسمت حدودها رسميًّا لأول مرة مع إحدى الدول المجاورة عام 1979، عندما أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف بالكيان العبري، تلاها الأردن عام 1994، حين وقع اتفاقية وادي عربة، مما أضفى الطابع الرسمي على حدوده مع إسرائيل.

لكن الأردن كان في الأصل في صميم المخطط الصهيوني، وكان أيضًا داخلًا في وعد بلفور البريطاني لليهود بإقامة وطن لجمع شتاتهم، إلا أن البريطانيين تراجعوا عن ذلك عام 1922 وأخرجوا أراضي شرق نهر الأردن من خريطة المشروع الصهيوني، مما أغضب الجناح الأكثر راديكالية في الحركة الصهيونية بزعامة اليهودي الأوكراني، زئيف جابوتنسكي، الذي يعد الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، واليوم بعد وصول هذا التيار الأشد تطرفًا إلى السلطة عاد طرح هذا الأمر بكل فجاجة من قِبل رموزه في السلطة.