لا ديون على ألمانيا للناتو
وزيرة الدفاع الألمانية «أورسولا فون دير لاين»

تعد مرحلة إسقاط حائط برلين وتحقيق الوحدة الألمانية مرحلة هامة في تاريخ الدولة الألمانية، فقد سعت برلين بعد الوحدة إلى التكريس لنمط الدولة المستقرة سياسياً واقتصاديا، والتي تطمح إلى دور أكبر على الساحة الدولية، واستمر هذا الإطار الفكري هو المحرك لكافة الحكومات الألمانية، التي سعت في الوقت ذاته إلى توظيف مكامن القوة المتاحة لديها لتعزيز النموذج الألماني.


أسباب الصعود الألماني

أولًا: الاتحاد الأوروبي

لعبت ألمانيا الاتحادية دورًا محوريًّا في توحيد أوروبا، للحيلولة دون تكرار اندلاع حروب بين دولها، بدءًا من تشكيلها «المجموعة الأوروبية للفحم والصلب» بمشاركة فرنسا، وإيطاليا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورج عام 1951، ثم التوصل من خلال توقيع اتفاقية «روما» في 15 مارس/آذار 1957 لأول وحدة جمركية أوروبية عُرفت باسم «المجموعة الاقتصادية الأوروبية»، والتي تحولت بتوالي انضمام الدول الأوروبية إلى الاتحاد الأوروبي بتوقيع معاهدة «ماستريخت» في ديسمبر/كانون الأول 1991، الذي وصل الآن إلى 27 دولة، 17 منها دخلت في منطقة العملة الموحدة «اليورو».

من ناحية أخري استطاعت ألمانيا استغلال انهيار الاتحاد السوفيتي بتوحيد شطريها الشرقي والغربي، ثم بتوسيع الاتحاد الأوروبي لأكبر حد ممكن، كما نجحت في ملء الفراغ الذي تركه سقوط الاتحاد السوفيتي في أوروبا الشرقية، ليصل نفوذها الإقليمي إلي الحدود الروسية، كما كان المارك الألماني عملة معترفًا بها في عديد من دول شرق أوروبا قبل دخول اليورو.

ثانيًا: الانضمام للأمم المتحدة وحلف الناتو

انضمت ألمانيا إلى الأمم المتحدة عام 1973 وأصبحت في سنوات قليلة إحدى أهم دولها، وباتت ثالث أكبر دولة مساهمة في تمويل الأمم المتحدة، وتتحمل عشرة بالمائة من ميزانيتها البالغة 1,6 مليار دولار، ثم زيادة مساهماتها العسكرية في مهام الأمم المتحدة لمواجهة أعباء القضايا الدولية .

وقد انضمت لحلف الأطلسي في 9 مايو/أيار 1955، ولكن طبقًا للقانون الألماني الذي لم يكن يسمح بإرسال قوات عسكرية خارج أراضيها، فإن دورها كان يقتصر على تقديم الدعم اللوجيستي.

اهتمت ألمانيا بتطوير جيشها وزيادة مشاركاته خارج الأراضي الألمانية بوضوح في إطار «حلف الناتو»، ومهام الأمم المتحدة لحفظ السلام منذ حرب كوسوفو ثم أفغانستان.

كما قامت بتطوير صناعتها التسليحية المتفوقة تكنولوجيًّا لدرجة أنها أصبحت ثالث أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث احتلت 11% من سوق تصدير السلاح العالمي في الفترة بين 2006 و2010 (بمبلغ 13,215 مليار دولار) متقدمة على فرنسا التي احتلت المرتبة الرابعة بنسبة 7% (بمبلغ 9,057 مليار دولار)، وبريطانيا الخامسة 4% (بمبلغ 5,018 مليار دولار).


الصعود العسكري الألماني

ألمانيا ستزيد نفقاتها الدفاعية للوصول إلى هدف 2% من إجمالي الناتج الداخلي، الذي اتفق عليه أعضاء حلف «الناتو»
وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين

تمتلك ألمانيا قوة عسكرية هائلة أرهبت العالم أجمع على مدار نصف قرن كامل خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

«فيرماخت» هو اسم القوات المسلحة الموحدة لألمانيا من عام 1935 إلى 1945، وتشمل كلاً من الجيش، والبحرية، وسلاح الجو، وقد تحول ما كان يسمى بوحدات النخبة المسلحة (وهي الجناح العسكري لوحدات النخبة النازية «س س») إلى فرع رابع للفيرماخت، بعد أن تضاعف عددها من 3 أفواج إلى 38 فرقة بحلول عام 1945.

يعتبر الفيرماخت عام 1940 هو القوة العسكرية الأعلى في العالم من ناحية المعدات والتعداد، ويعود الفضل إلى السياسة التصنيعية لألمانيا خاصة بعد وصول «هتلر» للسلطة في 1933 حيث انخفضت البطالة مع حلول الحرب من 9 ملايين عاطل إلى حوالي 30 ألفا حيث عمل أغلبهم في مصانع الأسلحة.


القوة العسكرية الألمانية

جرى حتى الآن إنفاق 26.‏1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ومن المفترض زيادة هذه النسبة إلى 2 في المائة بحلول عام 2024، حسب الاتفاق في حلف شمال.
وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين
  • القاذفة أرادو 234: أول قاذفة قنابل نفاثة في العالم بمحركين والتى تصل سرعتها القصوى إلى 780 كلم/ساعه، ولم تقدر أي طائرة في الحلفاء على اعتراضها.
  • المقاتلة مستريشميت 262: أول طائرة نفاثة مقاتلة في العصر الحديث ذات السجل الحافل الكبير.
  • مستريشميت الصغرى 163: وهي أول طائره ذات دفع صاروخي في العالم (محركين صاروخيين طراز والتر إتش في كي 509)
  • المقاتلة دورنيير 335: أول طائرة مقاتلة بمقعد قفز بالمظلة، وكانت تصل إلى سرعة: 763 كلم/س ومدى: 2060 كلم، وهي أيضا الأولى بطرازها المميز بمروحتيه الأمامية والخلفية لتعزيز الدفع.
  • منظومة الصواريخ هاسيوم 293: أول صواريخ موجهة ضد السفن الحربية.
  • الصاروخ فريتز X: وهو أول الصواريخ الموجهة التي تطلق من القاذفات ويتم توجيهه عن طريق الإشارات اللاسلكية.
  • القنبلهV1: وهي أول قنبلة طائرة بمحرك نفاث يتم إطلاقها من منصات ثابتة أو من القاذفات ويتم توجيهها لتصل لمدى كبير يتعدى الـ286 كم ومن من الصعب جدا اعتراضها بمضادات الطائرات.
  • الصاروخ V2: أول نموذج للصواريخ الباليستية الحديثة في العالم ولم تكن لدى الحلفاء أي وسيلة دفاع ضده يصل مداه إلى حوالى 330 كم وكان يستطيع ضرب لندن فى خلال خلال خمس دقائق فقط من إطلاقه.
  • مشروع طائرة الأخوين هورتين أو Gotha Go 229:أول طائرة شبحية فى العالم، وكان أداء الطائرة مذهلا (السرعة:977 كلم/س، الارتفاع: 15800 متر، مدة الطيران المتواصل : قد يصل الى 4 ساعات و30 دقيقة).

توجه جديد للجيش الألماني

بعد الوحدة الألمانية، انطلقت المشاريع الألمانية العسكرية الضخمة والمميزة، فأصبحت ألمانيا تنافس على احتلال المركز الثالث كمورّد للأسلحة على مستوى العالم خلال الفترة الممتدة بين العامين 2008 و2012، إذ حققت 7% من حصص السوق (9% خلال الفترة الممتدة بين العامين 2007 و 2011)، ويأتي ترتيبها هذا بعد الولايات المتحدة الأميركية التي حققت 30% وروسيا 24%، وهي تتخطى فرنسا التي حققت 6%، بحسب آخر تقرير صادر عن معهد «ستوكهولم» الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

كما يظهر «التقرير حول صادرات الأسلحة للعام 2011» والصادر عام 2012 عن برلين، أنّ صادرات نظم الأسلحة الكاملة شكلت أكثر من 1.2 مليار يورو عام 2011 مقابل 2.1 مليار يورو عام 2010، محققة تراجعاً عوّضته عمليات بيع المعدات والنظم الفرعية (القطع المنفصلة، والذخائر وأجهزة الرادار وغيرها ) مما سمح للصادرات الألمانية بتحقيق مبلغ 5.41 مليار يورو عام 2011 مقابل 4.75 مليار يورو للعام 2010، ما يعادل ضعف كمية الصادرات المسجلة منذ نهاية التسعينيات.

كما زادت قيمة الصادرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي بين العامين 2011 و2012 ثلاثة أضعاف، فارتفعت من 570 مليونا لتبلغ 1.42 مليار يورو، وهي زيادة متصلة بشكل وثيق بالمملكة العربية السعودية التي وقعت عقودا بقيمة 1.24 مليار يورو عام 2012.

شملت هذه العقود بشكل خاص بيع 270 دبابة قتال ليبوبارد (+Leopard 2A7) طوّرتها شركة KMW. ومن الممكن أن يشكل هذا العقد الجزء الأول من برنامج يشمل 600 إلى 800 مدرّعة.


الصعود السياسي الألماني

أنجيلا ميركل

اتسم النظام السياسي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمقدار معين من الاستقرار: على المستوى الاتحادي تم تقسيم السلطة بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD)، والحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) والحزب الديمقراطي الحر. ومع ذلك، فقد يبدو هذا الاستقرار مهددا في الانتخابات البرلمانية في عام 2017، والسبب في ذلك هو سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حيال اللاجئين.

فموقف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) يبدو ضعيفا إلى حد كبير، في حين فاز الحزب المشكل حديثا والمعادي للمهاجرين حزب البديل لألمانيا (AFD) بمقاعد في كل المجالس التشريعية الخمسة، وحصل على 20% من المقاعد في ولاية مكلنبورغ غرب بوميرانيا، في حين خسر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أيضا بعض الأصوات بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.

نتائج الانتخابات الإقليمية تمثل فرصة للتوصل إلى نتائج معينة، فمن الواضح، أن سياسة «الباب المفتوح» نحو اللاجئين التي اعتمدتها ميركل أدت إلى تنامي المشاعر اليمينية في ألمانيا.

على الرغم من حقيقة أن تدفق اللاجئين يجعل الألمان يشعرون بالقلق إزاء دمج القادمين الجدد في المجتمع فضلا عن القلق الأمني، خاصة بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في نيس وميونيخ في صيف عام 2016.

على الرغم من أن حزب البديل لألمانيا (AFD) من المرجح أن يحصل على نتائج جيدة في انتخابات البرلمان في عام 2017، فإنه لا يزال منبوذا لأن الأطراف الأخرى .

فبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في برلين، حيث عانى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من خسائر فادحة، سوف يشدد حزب ميركل على سياسات اللاجئين. إذا وضعنا جانبا أزمة اللاجئين، فالألمان هم في الغالب راضون عن عمل الحكومة، ولا يزالون يعتبرون ميركل المرشحة الرئيسية لمنصب المستشارية في عام 2017.


الاتجاه الألماني نحو الطاقة المتجددة

هناك حرية للتجمع في ألمانيا، لكن لا يوجد مكان هنا للتحريض والكذب ضد أشخاص يأتون إلينا من دول أخرى.

أعلنت حكومة أنجيلا ميركل عما يسمى بـ«Energiewende»، وهو التخلي عن الطاقة النووية، وإدخال الطاقة المتجددة محلها، حيث البدء في إغلاق المحطات النووية المخصصة لتوليد الكهرباء، والسعي إلى أن تصبح نسبة استهلاك الكهرباء في ألمانيا من الطاقة المتجددة نحو 35٪ عام 2020، بعيدا عن حقول الغاز التابعة لـ«غازبروم»، وهو ما سيترتب عليه تقليص اعتماد ألمانيا على الطاقة الروسية على المدى البعيد.

وفي النهاية يمكن القول إن القرن العشرين كان يمكن أن يكون «القرن الألماني» بدلا من «القرن الأمريكي»، إذا ما امتلكت ألمانيا حينها قيادة سياسية، ونظاما ديمقراطيا ناضجا مثلما تمتلكه الآن، فلقد تعلمت ألمانيا من ماضيها النازي الرهيب، وتستعد لتصبح القوة الحقيقية التي يحتاج إليها العالم في القرن الحادي والعشرين.