في مباراة عادية بدور المجموعات لدوري أبطال أفريقيا موسم 2019/2020، قررت جماهير النادي الأهلي الانسحاب من المدرجات في الدقيقة 40، في مباراة فريقها أمام «بلاتنيوم» بطل زيمبابوي. وعقب هتافات «هنمشي هنمشي»، حدث الأغرب، بمنعهم من مغادرة الاستاد بواسطة قوات الأمن.

إذا حاولت البحث عن السبب، فغالبًا لن تجد سوى مجموعة من المنشورات على الفيسبوك، تروي ما حدث على ذمة صاحبها. وإن كنت تسأل عن موقف الأهلي، فالكابتن إسلام الشاطر عبر قناة النادي الرسمية أبدى اندهاشه الكبير من هذا التصرف، واصفًا فاعليه بالقلة التي لا تمثل جماهير النادي، ثم أمسك أحد الضيوف الميكروفون، وتولى وضع مزيد من البهارات.

لكن أبجديات المنطق إضافةً إلى مشاهد رجال الأمن المندسين وسط الجماهير منذ كأس أمم أفريقيا 2019 تخبرنا بالقصة كاملة؛ الحضور الجماهيري غير مرحب به، وتم إرسال الرسالة أكثر من مرة، لكن بعضًا من الجماهير ما زال يتجاهلها. لذا قررنا مساعدة أصحاب الرسالة بجعل خطتهم أكثر ذكاءً.

الخطة: الجزء الأول والأخير

سارت الخطة وفقًا لترتيب العنوان، وتحديدًا باعتماد المقطع الأول فقط شعارًا لها. تخيل نفسك أحد مدبري هذه الخطة، وتسأل نفسك: كيف نجعله «دوري بدون جمهور»؟ بالطبع، أنت أذكى من بقية المسئولين، وتحاول تجنب الأساليب المتبعة حاليًّا في مضايقة الجماهير، لذلك ستمسك الخيط من أوله.

أول الخيط هو السبب أو الحافز الذي يدفع الجماهير للذهاب إلى الاستاد، وإذا غاب الحافز، فببساطة تصبح المدرجات فارغة. يقودنا البحث وراء الحافز إلى البحث وراء سبب التشجيع، حيث يمكننا تقسيم المشجعين إلى نوعين. الأول هو الذي بدأ تشجيعه مع فترة تألق فريق ما، وكانت لحظات الفوز تلك مغرية كفاية ليصبح مشجعًا للفريق.

أما النوع الثاني والمستهدَف، فهو ذلك المشجع الذي ارتبط بفريقه عن طريق المكان والذكريات. فهو يتنمي لفريق المنطقة أو المحافظة التي يعيش فيها، متأثرًا بذكرياته القديمة مع الأب أو الأقارب في تشجيع نفس الفريق، والذهاب إلى الاستاد. لكن عند لحظة معينة، قد يتحول ذلك النمط الوراثي إلى عبء ثقيل مع تراجع أسهم النادي، ودخوله في رحلة اللاعودة في الدرجات الدنيا.

بنظرة سريعة على ترتيب المجموعات الثلاثة لدوري القسم الثاني، ستجد المتصدرين هم أندية شركات: فاركو، سيراميكا، البنك الأهلي. وبنظرة أخرى على الدوري الممتاز، ستجده يضم تشكيلة من أندية تابعة لمؤسسات مختلفة للدولة، ما بين قطاع البترول والجيش والشرطة. بالطبع كانت هذه الأندية أوفر حظًا بفضل إمكانياتها المادية، وساهمت بشكل مباشر في تحويله إلى دوري شركات، بالإضافة لدخول أندية مثل المنصورة، الترسانة، الأوليمبي، بلدية وغزل المحلة في رحلة اللاعودة.

ترتب على ذلك انهيار شعبية كل منهم – حتى لو كانت ضئيلة من البداية – بمرور الوقت، وبالتالي غياب الحافز الذي تحدثنا عنه دون أن يشعر أحد. أما بقية الأندية الجماهيرية، فيمكن لنقل المباريات بعيدًا مع المضايقات الأمنية أن تفي بالغرض. أضف إلى ذلك التحكم غير المعلَن في مجالس الإدارات، والذي يجعل أحدهم مثلًا يحارب جمهوره مباشرةً، وآخر يسلم بياناتهم عقب هتافات على غير الهوى.

تعديل رقم (1)

ورغم وضوح الرسالة، لم تسرِ عملية الإقناع بالشكل الصحيح، لأن الجزء الأخير من الخطة لم يكن بسلاسة جزئها الأول، أو بالأحرى كان صداميًّا. لذلك سنقترح على المسئولين التعامل مع الجماهير كما يتعامل مندوبو المبيعات مع المستهلكين. بعض التلاعب بالألفاظ قد يكون مقنعًا، فبدلًا من تنفير الجماهير من الاستاد، يمكن أن نجعلهم يحبون المشاهدة من المنزل.

هم يدركون تمامًا أنك تريد أن تعيش الأجواء والدراما من قلب الحدث، لكن لا مانع من تقديم بديل يجعلك تعيش نفس الأجواء مع مزيد من التحكم والراحة. خاصةً أن هذه الدراما في طريقها لتصبح ثقيلة الظل مع تطبيق تقنية حكم الفيديو المساعد «VAR»، التي جعلتنا نشك في كل هدف قبل الاحتفال، لكن وجودك في المنزل قد يخفف عنك الصدمة.

وبناءً على ما سبق، سيكون التعديل رقم (1) خاصًّا بجودة الصورة. لن نسرح بخيالنا بعيدًا ونتجرأ على عمل مقاربة مع الليجا الإسبانية، حيث تُنقَل الصورة بـ 15-20 كاميرا «HD»، بالإضافة لكاميرا علوية تسمى «Sky Cam»، وكاميرات أخرى تابعة لشركة «Intel» لتحويل المشهد من ثنائي إلى ثلاثي الأبعاد «3D»، ناهيك عن حسابات أشعة الشمس والظل لاختيار أماكن وضع الكاميرات بدقة، وغيرها من الرفاهيات التي لو طبقناها لكان العرض مغريًا.

لكن من حسن الحظ، فإن أشقاءنا في الدوري السعودي يسيرون على نهج شبيه بما سبق، حيث تقرر مع بداية موسم 2019/2020 زيادة عدد الكاميرات الناقلة للمباريات إلى 28 كاميرا، مع استخدام تقنية الخريطة الحرارية لتتبع اللاعبين، وإضافة الإحصائيات خلال المباريات. بجانب التعاقد مع منصة إلكترونية «GSA.Live» لمشاهدة المباريات، في انتظار إطلاق تطبيق إلكتروني للهواتف.

أغلب الظن أن المسئولين عن الكرة المصرية سيرددون العبارة المستهلكة المعتادة بعدم وجود المال الكافي، لكن تصريحات المخرج محمد نصر لموقع فيلجول تخبرنا بإمكانية تحقيق ذلك وفقًا لإمكانياتنا.

إن وفرت الشركة الراعية للدوري المصري كاميرات HD لبطولة الدوري بحيث يرتفع عدد الكاميرات في كل وحدة من 6 كاميرات إلى 8 في المباريات العادية ومن 8 إلى 11 أو 12 كاميرا في مباريات الأهلي والزمالك. فلن يكلف ذلك الدولة أكثر من مليون أو مليوني جنيه، وأضعاف تلك الأموال تدفع في أشياء أخرى لا قيمة لها، فماذا إن وظفناها في المكان الصحيح؟
المخرج محمد نصر لموقع فيلجول

تعديل رقم (2)

بالانتقال من مرحلة تصوير القمر إلى مرحلة جودة تصوير أعلى مع زوايا مختلفة، ستتبقى لمسة أخيرة، لتعيش الأجواء وكأنك في الملعب حرفيًّا. على سبيل المثال، إذا حالفك الحظ يومًا في متابعة مباراة لدوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA» من الملعب، فإنك قد لا تتمكن من سماع صوت تحطيم السلة أثناء لعبة «الدانك». أما إذا كنت تشاهد من منزلك، فإن الميكروفون الصغير الموجود أسفل السلة، سيمكنك من سماع الصوت وكأنك من قام بالدانك.

أظنك فهمت اللمسة الأخيرة التي نقصدها؛ سماع كل التفاصيل داخل الملعب. أوضح تقرير لقناة «Vox» أن تحقيق ذلك يتم بواسطة الوحدة المسئولة عن نقل الصوت والمسماة بـ «A1». بداخلها، يتحكم مهندس الصوت بكل الميكروفونات، ويخلط أصوات الكرة، والجماهير، والمعلقين، واللاعبين ببعضها البعض، لتسمع كل تفصيلة، وتزداد قيمة المشاهدة مدفوعة الأجر.

ال parabolic microphone يمينًا، ووحدة A1 المسئولة عن النقل الصوتي يسارًا
ال parabolic microphone يمينًا، ووحدة A1 المسئولة عن النقل الصوتي يسارًا

تسمى الأصوات داخل الملعب بـ «Field Effects»، ويتم التقاطها بواسطة عدد كبير من الميكروفونات، منها الظاهر أمامك في الصورة، والمسمى بـ «parabolic microphone». ثم يظهر الأمر بشكل أعقد في كرة القدم الأمريكية، حيث تمت الموافقة على وضع ميكروفونات على لاعبين معينين من الخط الأمامي للفريقين، لتجد نفسك مستمعًا لصراخ اللاعبين وتوجيهاتهم.

لم يكن هذا الكم الهائل من التفاصيل المرئية والمسموعة سببًا في تقليل عدد الجماهير في هذه الرياضات، لكننا نريد عكس التأثير. وفي الواقع نحن لا نعرف ماذا سنسمع لو نفذنا ذلك في الدوري المصري؟ وكيف سيكون موقف الكباتن حسام البدري والتوأم حسام وإبراهيم؟

لكن المنطق يقول إن هذه تفصيلة ضرورية كي تصبح المشاهدة من المنزل أكثر متعة ويتم تفريغ المدرجات من الجماهير بشكل ناجح وغير مباشر في الوقت نفسه، على افتراض طبعًا أن كرة القدم التي يقدمونها لنا تستحق كل هذا من الأساس.