بعد انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا بيوم واحد، وتحديدًا يوم 25 فبراير/شباط الماضي، كانت إسرائيل تصوت بالحياد خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث الحرب، الذي فشل في إدانتها بسبب فيتو روسي. وقتها لم يكن الموقف الغربي قد حشد أسلحته السياسية والاقتصادية بعد لحصار الدب الروسي الذي أطلق حملة عسكرية «غير مبررة» بحسب الساسة الغربيين. لكن وبعد الحشد الغربي أيضًا، وعلى مدار أيام الغزو، لم يوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي أي انتقادات واضحة لروسيا أو رئيسها.

لكن في الثاني من مارس/آذار خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضغطت الدبلوماسية الأمريكية بكل قوتها على جميع حلفائها الذين لم يدينوا الغزو الروسي بشكل واضح في مجلس الأمن، وعلى رأسهم إسرائيل، لتدفعهم إلى التصويت شبه مجبرين على القرار.

مسؤولون أمريكيون قالوا، إن واشنطن طلبت من تل أبيب بشكل صريح، اتخاذ موقف واضح حيال الأزمة، مع التأكيد على أنها تتفهم الموقف الإسرائيلي من روسيا، مع تشابك المصالح بينهما في سوريا.

انتهى التصويت بما سمته تقارير غربية «عزلة تاريخية» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إذن عزلة تاريخية غير فاعلة بشكل مباشر في الصراع، ماذا بعد؟

مباركة أمريكية

عناوين الصحف الإسرائيلية، تؤكد أن الغرب يأمل أن تلعب حكومة الاحتلال الدور الذي لا يمكنه لعبه إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا، في إشارة للعب دور الوسيط في إنهاء تلك الحرب.

في الخامس من مارس/ آذار الحالي، وبعد حوالي أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا، كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت في يوم إجازة اليهود، السبت، يجتمع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقر الرئاسة الروسية «الكرملين»، لمناقشة الوضع الأوكراني، الذي قال عنه بيان مكتب بينيت، يومها «صراع وجدنا أنفسنا فيه».

يأتي ذلك اللقاء في وقت تنهال فيه العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي وكبرى الشخصيات السياسية، على رأسها الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف، وبعد أيام من وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي بالمارق- أو كذلك سيكون لو استمر في حربه ضد الأراضي الأوكرانية، بينما يكتفي الوسطاء الآخرون، سواء الأتراك أو الفرنسيون باتصالات هاتفية مطولة، لكن أحدهم لم يجرؤ حتى على دعوة بوتين لعقد المفاوضات على أراضيهم. زد على ذلك، تعاني موسكو من عزلة دولية في كافة المجالات تقريبًا، حيث وجدت منتخبها لكرة القدم وأعمال أدبائها وفنانيها، حتى لاعبها للشطرنج، معزولين.

ثلاث ساعات مرت على بدء اجتماع بينيت ببوتين قبل أن ينكشف لاحقًا أن الزيارة المفاجئة وغير المعلنة مسبقًا، علمت بها واشنطن قبل أن تتم. الصحافي الإسرائيلي بارك رافيد قال، إن بينيت تحدث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سولفيان وأبلغه أنه ذاهب إلى موسكو، مشيرًا إلى أن المسؤولين الأمريكيين تشككوا في جدوى تلك الزيارة، لكن في الوقت نفسه، قال مسؤول أمريكي، إن الزيارة جاءت بمباركة أمريكية، كما أكد السفير الأوكراني لدى تل أبيب أن كييف كانت تعلم بزيارة بينيت لموسكو وتدعمها.

أعلن مكتب بينيت عقب الزيارة في بيان أن رئيس الوزراء نسّق الزيارة مع الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، كما أنه على اتصال دائم بأوكرانيا. يومها عقب اللقاء، أجرى بينيت اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، ثم أنهى الزيارة واتجه إلى ألمانيا من أجل لقاء المسؤول الغربي الأقل حدة إزاء الحرب الروسية، مستشارها أولاف شولتز. ثم في نفس يوم الذي زار فيه برلين، يجري بينيت 3 اتصالات هاتفية بزيلينسكي خلال 24 ساعة فقط.

على كل لون

كما هو واضح، رسمت إسرائيل نفسها «حمامة السلام» بين الروس والأوكرانيين، لكن في الوقت نفسه، أو بالتوازي مع رسم تلك الصورة، فقد تم التسويق لها على أصعدة أخرى، بشكل مجاني تمامًا، أنها وقفت إلى جانب «الحق» في مواجهة «العدوان».

ففي الوقت الذي استغل فيه رئيس أوكرانيا ديانته اليهودية في الحرب، تارة من خلال استعطاف الغرب والحديث عن المظلومية، وتارة في الحديث عن «البطولة والصمود في وجه الاحتلال الروسي لبلاده»، فقد اتجه أيضًا لمخاطبة «يهود العالم» من دون غيرهم، ليشكو إليهم قصف روسيا مبنى البث التلفزيوني الحكومي في كييف، موجهًا السؤال إليهم: «ألا ترون الوحشية الروسية!»، في الوقت الذي كانت فيه الدولة التي تدعي تمثيل اليهود «منخرطة» في تلك الحرب، على طريقتها، منذ اليوم الأول، لكن من دون أن تتورط برصاصة واحدة.

رونين برجمان، الصحافي المختص في الشؤون الاستخباراتية، أكد في تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن إسرائيل تلقت طلبًا أوكرانيًا بتوريد الأسلحة إليها منذ اليوم الأول. وفي اليوم الثاني للحرب، أرسلت دولة الاحتلال 100 طن من المساعدات «الإنسانية» احتوت على بطانيات ومواد إغاثية، قبل أن تعلن في الأول من مارس/آذار إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا. هذه المساعدات كانت عبارة عن خوذ عسكرية كالتي ارتداها الرئيس الأوكراني. ثم ذكرت تقارير أن إسرائيل باعت برامج التجسس سيئة السمعة «بيجاسوس» للأوكرانيين، في الوقت الذي رفضت فيه إرسال أنظمة القبة الحديدية لكييف.

يفغني كورينتشوك، السفير الأوكراني لدى تل أبيب، قال لـ«القناة 12» العبرية، إن كل من يحمل الجواز السفر الأوكراني يمكنه المشاركة في الحرب الدائرة، وأن بلاده ستسهل ذلك. بالطبع كوينتشوك يستهدف اليهود من أصل أوكراني حول العالم، وبخاصة في إسرائيل.

لكن وإن بخلت إسرائيل بالصواريخ الدفاعية، فإنها في الوقت نفسه لم تمنع مقاتلين من جيشها من المشاركة في الحرب ضمن صفوف الجيش الأوكراني. وذكرت «يديعوت أحرونوت» أن جنودًا إسرائيليين شاركوا بالفعل في الحرب، ضاربة المثال بالعنصر الإسرائيلي نيكولاي، من لواء جفعاتي في جيش الاحتلال. أضف إلى ذلك جنودًا من كتيبة «نيتسح يهودا» ضمن لواء «كفير» بالجيش، وعدد من عناصر لواء جولاني وشعب الاستخبارات. بعض هؤلاء الجنود قال للصحيفة العبرية، إنه لم يتحمّل الاستماع إلى عشرات النداءات من ذويه المقيمين في أوكرانيا قبل أن يذهب من أجل الذود عنهم.

الحل على الطريقة الإسرائيلية

ربحت دولة الاحتلال العديد من المكاسب جراء تلك الحرب، على رأسها الصورة المرسومة لها على اعتبارها فاعلًا دوليًا صديقًا لجميع الأطراف، وسيكون لها نصيب أكبر من تلك الصورة في حال انتهت الحرب سواء بواسطتها أو بغيرها، إضافة لمكاسب أخرى أبرزها استقدام آلاف اليهود الأوكرانيين إلى الأراضي المحتلة، بزعم أنهم فارون من الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال حملة «ضمان إسرائيل» لاستقدام اليهود الأوكرانيين. فبحسب وزيرة الداخلية الإسرائيلي، أيليت شاكيد، فإن الحملة تستهدف استقدام 100 ألف يهودي من أكرانيا.

وفي الزيارة التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال إلى موسكو، لم تتوقف عند حد الوساطة بين الغرب وروسيا، بل تطرقت الزيارة لبحث ملفات أخرى، مثل الاتفاق النووي مع إيران، كما طلب من بوتين تسهيل نقل 8 آلاف إسرائيلي عالقين في أوكرانيا، ومع استمرار الحرب فإن المكاسب الإسرائيلية بهذا الشأن ستتزايد، لكن في الوقت نفسه لا تمانع أو تتوقف دولة الاحتلال في الضغط من أجل التوصل لحل على طريقتها.

 قبل يومين من الكشف عن تطورات «الوساطة» بين روسيا وأوكرانيا، ولممارسة ضغط على الرئيس فلاديمير زيلينسكي، قالت القناة الإسرائيلية 12، إن المسؤولين الروس أبلغوا نظراءهم في إسرائيل وأطرافًا دولية أخرى، بمعرفتهم مكان إقامة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، لكنها «تمتنع عن استهدافه».

الرئيس الأوكراني تحدث في مقطع مصور مساء الثلاثاء 8 مارس/آذار عن أن بلاده ترفض «الإنذارات الروسية»، لكنه في الوقت نفسه دعا لمفاوضات جدية، لأن بلاده لديها «حلول» بما يتعلق باشتراطات روسيا حول قضية الأراضي الأوكرانية المحتلة، سواء إقليم دونباس أو شبه جزيرة القرم. مع التأكيد على أن زيلينسكي لم يختلف مع الاشتراطات الروسية المتعلقة بحياد أوكرانيا وعدم الانضمام للغرب.

مصادر إسرائيلية صرّحت، بأن «من يشارك في المفاوضات يعلم بأن الكرة في يد الرئيس زيلينسكي»، معتبرة أن دورهم كوسيط بين الطرفين كان من خلال طرح أفكار الغرب على بوتين من أجل الحل، وأن «المفاوضات المباشرة بين أوكرانيا وروسيا في مدينة جوميل البيلاروسية، ركّزت على المطالب الروسية». فيما يبدو يريد المسؤولون الإسرائيليون التلميح إلى أن الأفكار الغربية لم تتعارض بشكل كبير مع الطلبات الروسية.

وفي حديثهم كشف المسؤولون الإسرائيليون، عن أن قادة الغرب، استفهموا من (رئيس حكومة إسرائيل) بينيت، فيما يفكر الرئيس الروسي، وإلى أين سيتجه في حال لم يتم التوصل لاتفاق سريع، مشيرة إلى أن بوتين لن يتراجع، فيما يجب على (رئيس أوكرانيا) زيلينسكي، إبداء «مرونة أكبر للتوصل إلى حل».

ووفقًا للمسؤولين الإسرائيلين فإن لدى دولة الاحتلال قناعة شبه كاملة في اشتراطات موسكو للحل، والتي تنبني على: «التخلي عن منطقة دونباس، وشبه جزيرة القرم، ومنح روسيا تعهدًا بعدم الانضمام لحلف شمال الأطلسي»، مواصلين الضغط على الرئيس الأوكراني قائلين: «الكرة في يديه، عليه أن يختار بين حماية بلاده من الدمار ووقف الحرب، أو الاستمرار كبطل ونجم عالمي وزعيم محبوب مستمر في القتال».