ابن طرابلس بيكره ابن الجنوب، وابن البقاع بيكره ابن بيروت، هيدا البعبع الطائفي قبرناه هون بالساحات، كل لبنان اليوم نازل على أرض لبنان، هيدا الخطاب اللي عم ينسمع اليوم، الخطاب الموحد، خطاب العالم الواعية
متظاهرة لبنانية

ولد ميشال نعيم عون في فبراير/ شباط 1935 بجنوب العاصمة اللبنانية، بيروت. التحق بالمدرسة الحربية سنة 1955، وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية. حمل بداخله طموحاً يفوق طموح الكثير من زملائه ضباط المدفعية، فحصل على دورات تدريبية في المدفعية بباريس ثم الولايات المتحدة، التحق بعدها بمدرسة الحرب العليا في باريس، ثم حصل على رتبة ركن في الجيش اللبناني.

استمر عون في الترقي ضمن سلك الحربية حتى وصل إلى منصب العميد عام 1984، وقد شارك خلال ذلك في عدة مهام عسكرية مهمة من تاريخ لبنان الحديث؛ كانت له مشاركة ضمن الفوج الثالث من المدفعية على الحدود الجنوبية خلال المواجهات العسكرية عام 1967، وفي 1982 كان عون قائد اللواء الثامن المُدافع عن قصر بعبدا خلال فترة الاجتياح الصهيوني للمدن اللبنانية، وانتهى به المطاف بعد ذلك بعامين كقائد للجيش اللبناني، ومن هنا بدأت الأمور تتغير بشكل كامل في مسار حياة عون.

ينتمي عون إلى الطائفة المارونية، وهو رجوع تاريخي يمكن أن يرتبط قليلًا بحالة التناقض التي أثيرت حوله في كل مرة كان يحصل فيها على منصب جديد في لبنان، فنظام الطائفية الذي كان يحكم الأمور في لبنان بداية من 1860 إبان الحكم العثماني، كان مقدمة للنشأة الطائفية التي تكونت على أساسها لبنان كدولة كاملة. كانت جماعات النفوذ الماروني المسيحية على وفاق مع المصالح الفرنسية التي رغبت في إنشاء وطن يجمع المسيحيين في الوطن العربي، وكانت الجماعات المارونية هي الأكثر نشاطًا وتحركًا في ذلك الصدد.

 لكن البيانات المعلنة في ذلك الوقت رفضت الإشارة إلى أي شكل من أشكال الطائفية الدينية كسبب من أسباب التأسيس، وبدأت أحاديث التأسيس كلها تذهب إلى نقطة الأصل الفينيقي والجزء الشعبوي من القصة، خاصة وأن المكون الدرزي في لبنان كان يمتلك نفوذًا يعادل تقريبًا النفوذ الماروني، لذا بدأت الأفكار كلها تذهب ناحية «اللبننة»، أي تحويل الجميع بكافة طوائفهم ودياناتهم إلى لبنانيين دون النظر إلى انتماء آخر، وقد جرى ذلك على المسلمين والمسيحيين في آن واحد.

في السطور المقبلة، سنحاول فهم سبب الشعبوية المبالغ فيها التي أظهرها عون فيما بعد، كصاحب منصب سياسي لا يستهان به.

مصالح سياسية وسنوات المنفى

كان عون يرى في نفسه دائمًا جزءاً من المشروع التحرري للبنان، وهو مشروع يقوم على التخلص من التواجد السوري في الأراضي اللبنانية، وقد كانت موقعة قصر بعبدا والتي كانت مصيرية لدرجة أنها هددت التواجد اللبناني بكامله، كانت هي المنعطف في حياة عون، وقد ظهر ذلك واضحًا عام 1988 حيث تشكلت حكومة عسكرية برئاسة عون وكانت عبارة عن 3 وزراء مسيحيين و3 مسلمين، وقد حصل سليم الحص حينها على الدعم السوري على الرغم من نهاية ولايته، لتأييد هذه الحكومة، مما خلق أزمة وجود حكومتين في لبنان كلتاهما تصارع من أجل البقاء.

حتى وصل الصراع بين فرض النفوذ السوري والاستقلال اللبناني عام 1989 غايته بهجوم حافظ الأسد على قصر بعبدا ووزارة الدفاع، واعتمد عون حينها في المواجهة على وحدات من الجيش اللبناني بالإضافة إلى ميليشات حزب الكتائب اللبناني بقيادة سمير جعجع وبعض الدعم من صدام حسين، لكن الأمور في نهاية تلك المعركة الطاحنة، استقرت لصالح نظام حافظ الأسد.

ظهر عون وسط ذلك كقائد وطني شعبوي مهم، فهو الممثل للحراك اللبناني للتحرر والاستقلال في مواجهة التدخلات الخارجية، على الأقل بالنسبة للعوام من الشعب اللبناني، لكنه وفي مواجهة حراك المصالح السياسية لم يكن سوى عنصر يمكن الإطاحة به، إذا ما استدعت الحاجة لتبديل الأوراق.

ففي عام 1989 وقع الأطراف في لبنان على معاهدة الطائف، والتي استهدفت بالأساس إيقاف الحرب الأهلية الدائرة، ولم يكن رفض عون للاتفاقية كافيًا لجعل الأمور تتغير، فقد تكشف فيما بعد أن بنود الاتفاقية تنزع عن القيادة السياسية في لبنان كافة الصلاحيات، وكانت تلك بمثابة الضربة الأولى والأهم، حتى جاءت معارك حرب الإلغاء في 1990 والتي دارت بين الطوائف المسيحية بقيادة سمير جعجع لحزب الكتائب اللبناني، وعلى الناحية الأخرى عون بالقوات المسلحة اللبنانية، وذلك بسبب رغبة عون في نزع سلاح الميليشيات.

لتكون هذه هي الضربة الأقسى والأعنف في مواجهة عون قبل أن يلقى آخر صفعة قبل المنفى، حيث هاجمت قوات حافظ قصر بعبدا مرة أخرى، مما دفع عون هذه المرة إلى الهرب والاحتماء بالسفارة الفرنسية لمدة 11 شهراً، قبل أن يقرر الرحيل إلى فرنسا والبقاء هناك فيما عرف بمدة النفي الأطول، حيث بقى هناك 15 عامًا.

عودة جديدة وحلفاء جدد

في 2005 وبعد ما انقلبت الأوراق بشكل كبير على العنصر السوري بسبب التقلبات الجديدة في الولايات المتحدة، عاد ميشال وحاول المشاركة في العملية الانتخابية في لبنان، فوقع اختياره على التيار المناهض لسوريا في لبنان، لكنهم فشلوا في الاتفاق على تحالف انتخابي يعطي لكل طرف عدد المقاعد التي يرغب فيها، ومن هنا قرر عون التحالف مع ألد أعدائه ليحصل على المكاسب السياسية التي يرغب فيها، وأعلن أن نسيان الماضي وفتح الصفحات الجديدة مع الأطراف السياسية المختلفة هو أفضل طريق للتغلب على الأزمة.

دخل عون في تحالف مع أتباع سوريا في لبنان، على الرغم من أنه كان من أهم العناصر التي ساهمت في التصديق على قرار 1559 في مجلس الأمن عام 2004 لإخراج القوات السورية من لبنان، فكان تأسيس التيار الوطني الحر على يد عون، الذي قرر أن يدخل بتياره ضمن تحالف مع حزب الله.

استمرت التناقضات تغلف مواقف عون الطامح في الوصول إلى منصب يرضي طموحاته السياسية حتى عام 2008 حين رغب في الترشح للرئاسة، لكن لم يحظى بالتوافق المطلوب وقتها، وكان كرسي الرئاسة من نصيب ميشال سليمان.

استمرت محاولات عون للحصول على ذلك المقعد الشاغر حتى عام 2016 وكان من حظه أن قرر سمير جعجع العدو السابق دعم ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، وقد كانت المحاصصة الطائفية التي تتبعها لبنان في ذلك الوقت هي الخطوة الوحيدة المتبقية أمام عون ليصل إلى ذلك الحلم، وقد حققه بالفعل، وظل رئيسًا لجمهورية لبنان حتى اليوم.

ومنذ أن بدأت الأحداث في الاشتعال في مدن لبنان بكافة أرجائها، ويشاء القدر أن يكون عون جزءاً من ذلك الحدث، على عكس ما كان يتمنى دائمًا، فيبدو أنه كما استفاد من الماضي من حراك المحاصصة الطائفي في لبنان، ربما سيدفع ثمنه الآن مع الآخرين.

بهذه الدرامية كانت مسيرة الرجل القابع بقصر بعبدا، والذي تطالب الثورة برحيله تحت شعار «كلن يعني كلن». تطالب الثورة بإسقاط الطائفية ونظام المحاصصة، الذي أتى بعون إلى السلطة، فهل تنجح الثورة في كتابة تاريخ جديد للبنان أم يستمر عون ورفاقه في السطو على مستقبل اللبنانيين؟