هدفنا هو حماية السكان الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف لمدة ثماني سنوات. ولهذا سنسعى جاهدين لنزع السلاح في أوكرانيا.. خطتنا لا تشمل احتلال الأراضي الأوكرانية. لن نفرض أي شيء على أحد بالقوة.

بهذه الكلمات، عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سبب العملية العسكرية التي بدأها في أوكرانيا، وذلك في الـ 24 من فبراير/ شباط 2022، وبعد ساعات قليلة من اقتحام قواته للحدود مع البلد الأوروبي.

واختلفت أسباب بوتين قليلًا، وذلك بعد مرور عام كامل على الحرب، إذا تحدث عن قتال روسيا للدفاع عن حدودها التاريخية، وإعادة بناء السلام في «دونباس» و«نوفوروسيا»، ومؤكدًا في الوقت نفسه على أن الأراضي الجنوبية في أوكرانيا هي جزء من مشروعه، تمامًا مثل المنطقة الشرقية.

وبين هذا وذاك، هناك سبب آخر لم يقدر بوتين أو حكومته على التعليق عليه علانية، حتى بعد الاتهامات الدولية المباشرة له، ألا وهو: سرقة الحبوب الأوكرانية منذ بداية الحرب وحتى الآن.

اتهامات أوكرانية

القصة بدأت مبكرًا، وتحديدًا عقب شهرين من الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، إذ اتهمت وزارة الخارجية بالدولة الأوروبية في بيان لها، القوات الروسية بمصادرة المحاصيل من المزارعين في منطقة خيرسون جنوبي البلاد.

نهب الحبوب من منطقة خيرسون، وكذلك منع الشحنات من الموانئ الأوكرانية وتعديل ممرات الشحن، يهددان الأمن الغذائي العالمي. نطالب روسيا بوقف السرقة غير القانونية للحبوب وفتح الموانئ، واستعادة حرية الملاحة والسماح بمرور السفن التجارية.
بيان الخارجية الأوكرانية

وفي نفس الإطار، أعلن مكتب المدعي العام الأوكراني في بيان منفصل أنه فتح قضية جنائية في مزاعم بأن الجنود الروس، الذين يهددون بالعنف، أخذوا في 26 أبريل / نيسان من العام الماضي، 61 طنًّا من القمح من شركة زراعية في منطقة زابوريجيا جنوبًا.

من جانبه، اكتفى المتحدث باسم الكرملين «ديمتري بيسكوف»، ردًّا على سؤال «رويترز» عما إذا كان لدى الكرملين أي معلومات، بـالقول: «لا ، لا نعرف من أين تأتي هذه المعلومات».

وجاءت تلك الاتهامات بالتزامن مع احتلال أوكرانيا للمرتبة الرابعة كأكثر الدول تصديرًا للحبوب بـ 44.7 مليون طن لعام 2021/2022؛ الأمر الذي دفع الأمم المتحدة للتحذير من أن حوالي 1.7 مليار شخص قد يواجهون الفقر والجوع بسبب اضطرابات الغذاء الناتجة عن الحرب.

التخزين في القرم

نشرت شبكة بي بي سي البريطانية، تحقيقًا استقصائيًّا في يونيو / حزيران من العام الماضي، حيث قامت بتتبع الحبوب المسروقة من أوكرانيا، من خلال التواصل مع المزارعين الأوكران إلى جانب صور الأقمار الصناعية وأجهزة التتبع «GPS».

وأجرت الشبكة مقابلات مع 200 مزارع أوكراني، على بعد أميال قليلة من خط المواجهة، والذين أكدوا سيطرة القوات الروسية على 80% من الأراضي والمحاصيل المزروعة، مشيرين إلى استخدامها في أعمال تجارية.

وبحسب التحقيق فإن شاحنتين لنقل الحبوب مزودتين بجهاز لتحديد الموقع الجغرافي، استولت عليهما القوات الروسية، قد أفاد أنهما نُقلتا جنوبًا في بلدة «أوكتيابرسكه» في شبه جزيرة القرم، التي تقع تحت السيطرة الروسية منذ عام 2014.

 تلك المعلومة الخطيرة أكدتها صور الأقمار الصناعية التي التقطت في نفس الفترة، حيث ظهرت أرتال من شاحنات نقل الحبوب في «أوكتيابرسكه»، إلى جانب منشأة التخزين تقع بجوار خط السكك الحديدية، والتي يمكن استخدامها لنقل الحبوب إما إلى روسيا، أو إلى الموانئ في جنوب شبه جزيرة القرم.

كما أظهرت صور الأقمار الصناعية لبلدة دزهانكوي في شبه الجزيرة أيضًا، شاحنات تنتظر على طريق بجوار منشأة لتخزين الحبوب، إلى جانب قطارات شحن في المحطة المجاورة والمتصلة أيضًا بموانئ «سيفاستوبول» و«كيرتش»، حيث يمكن نقل المنتجات إلى روسيا أو إلى الخارج.

تصدير المسروقات

حسنًا لم يتبقَّ سوى خطوة واحدة في تلك العملية، ألا وهي: كيف تقوم روسيا بنقل تلك الحبوب المسروقة من القرم، سواء للتصدير الخارجي، أو الاستفادة بها على صعيد السوق المحلي؟

ذلك السؤال الذي حاولت مجلة «بلومبيرغ» الأمريكية، الإجابة عليه، في تحقيق آخر نُشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي كشفت عن احترافية الشديدة في تنفيذ خطوة النقل تلك عبر موانئ شبه جزيرة القرم.

وبحسب المجلة الأمريكية، فإن منطقة القرم شحنت صادرات أكثر من عشرة أضعاف حجم صادراتها الغذائية المعتادة منذ مارس / آذار 2022، حيث تترد على موائنها أكثر من 30 سفينة، بعضها تكرر تواجدها في القرم عدة مرات.

 

واحدة من تلك السفن، كانت «Amur 2501» التي تحمل العلم الروسي، حيث رصد التحقيق نشاطًا مشبوهًا لها في البحر الأسود، يعتمد على نقل الحبوب من القرم، ثم الاقتراب من عدد من السفن في مناطق بحرية بعيدة، حيث يتعمد طاقم السفينة فصل أجهزة التتبع في كل مرة يبعتد فيها عن شبه الجزيرة.

وتزامنت البيانات السابقة، مع إرسال الإدارة الأمريكية تحذيرًا لـ 14 دولة أفريقية، بشأن شراء الحبوب الروسية – المسروقة من أوكرانيا على حد وصفهم – والتي بطبيعة الحال تتوفر بأسعار منخفضة مقارنة بالسوق العالمي.

وامتدت أصابع الاتهام في تصدير الحبوب المسروقة إلى تركيا، حيث قال السفير الأوكراني في أنقرة: «إن تركيا من بين الدول التي تشتري الحبوب التي سرقتها روسيا من أوكرانيا»، طالبًا في الوقت نفسه من السلطات التحقيق في من يتورط في شحنات الحبوب التي تمر عبر المياه الإقليمية.

الاتهام نفسه تكرر، من قبل السفارة الأوكرانية في بيروت، ولكن هذه المرة للنظام السوري، والتي زعمت أن أحد السفن التي رست في ميناء اللاذقية البحري السوري في أواخر مايو/ آيار الماضي، والمحملة بنحو 100 طن من القمح، كانت قد رُصدت بواسطة الأقمار الصناعية في ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم في التاسع عشر من نفس الشهر.

مبادرة البحر الأسود

تأثير الحرب لم يتوقف فقط عند حد الحبوب المسروقة، بل امتد لسيطرة القوات الروسية على الموانئ الأوكرانية، وبالتالي منع تصدير المحصول المتواجد في الأراضي غير المحتلة، لباقي دول العالم.

الأمر الذي دفع الأمم المتحدة، لتوقيع اتفاقية رباعية مع الجانب الروسي والأوكراني وبواسطة تركية، أطلق عليه «مبادرة البحر الأسود»، واتخذت من إسطنبول مقرًّا لإدارة المبادرة بمشاركة الأطراف الموقعة.

وسمح الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ بدءًا من 1 أغطسطس / آب الماضي، باستئناف صادرات الحبوب والمواد الغذائية الأخرى والأسمدة، بما في ذلك الأمونيا، من أوكرانيا عبر ممر إنساني بحري آمن من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسية، هي: تشورنومورسك، أوديسا، ويوجني/ بيفديني، إلى بقية العالم.

وفقًا للإجراءات الصادرة عن مركز التنسيق المشترك، ستخضع السفن الراغبة في المشاركة في المبادرة للتفتيش قبالة إسطنبول للتأكد من خلوها من البضائع، ثم تبحر عبر الممر الإنساني البحري إلى الموانئ الأوكرانية للتحميل. تم إنشاء الممر من قبل المركز وتتم مراقبته على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لضمان المرور الآمن للسفن. كما سيتم تفتيش السفن في رحلة العودة في منطقة التفتيش قبالة إسطنبول.
الأمم المتحدة

وشهد الـ 18 من مارس / آذار الماضي، تمديد تلك الاتفاقية لمدة 60 يومًا، بعد موافقة جميع الأطراف، في محاولة من الأمم المتحدة لتأمين تصدير الحبوب والمواد الغذائية؛ بما يضمن استقرار أسعارها في السوق العالمي.