الهدف هو تحقيق قفزات نوعية بمختلف الرياضات في المملكة بحلول عام 2030؛ لصناعة جيل متميز رياضيًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فضلًا عن تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة، للوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم.
وكالة الأنباء السعودية عن انطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية السعودية.

بمجرّد إعلان الأمير «عبد العزيز بن تركي»، وزير الرياضة السعودي، عن خطة المملكة للنهوض بكرة القدم، والتي تُعد إحدى القطاعات المستهدفة داخل خطة تنويع الاقتصاد السعودي الأشمل، قامت الدنيا ولم تقعد.

لأن هذه القرارات، التي تزامنت مع انتشار أخبار عن إتمام بعض التعاقدات القياسية مع نجوم كرة قدم عالميين للعب بدوري «روشن»، أو اقتراب الانتهاء من صفقات أخرى قياسية، ذكرّت البعض بتجربة دوري السوبر الصيني التي سلكت في مسار مشابه على الورق، لكنّها للأسف لم تنته نهاية سعيدة.

المفارقة هي أن وجه الشبه الأبرز -طبقًا لمن عقدوا هذه المقارنة- هو الإنفاق السخي على استقدام لاعبين عالميين في نهاية مسيرتهم الرياضية، طمعًا في الاستفادة منهم تسويقيًا ورياضيًا.

لكن إذا ما حاولنا عقد مقارنة حقيقية بين التجربتين، تطفو أسئلة جديدة على السطح؛ أسئلة عن الهدف الحقيقي خلف صرف هذه الأموال، مثل هويّة من يُنفق، والظروف التي تحيط بكل تجربة.

وقتئذٍ، ربما نتمكّن من الإجابة على السؤال الأهَم: هل تعيد المملكة العربية السعودية تكرار تجربة الدوري الصيني الفاشلة؟ أم أننا أمام تجربة جديدة تمامًا؟

«فكر وكأنّك صيني»

لدينا 1.4 مليار شخص في الصين ولم نتمكن من العثور على 11 لاعب كرة قدم يمكنهم جعل الفريق يتأهل لكأس العالم، هذا عار كبير.
منشور أحد الجماهير الصينية على موقع «ويبو» الصيني للتواصل الاجتماعي.

في بلد مثل الصين أحلام الرئيس أوامر تُنفَّذ، في 2011، قبل تولّيه رئاسة الصين بعام واحد، كان لدى «تشي چين بينغ» ثلاثة أحلام تتعلّق بكرة القدم وهي التأهُّل لكأس العالم، استضافة البطولة نفسها على الأراضي الصينية، وأخيرًا التتويج بكأس العالم بحلول عام 2050.

بالفعل، في 2015 أصدر المكتب العام لمجلس الدولة ما عُرف وقتئذٍ بالخطة الشاملة لإصلاح وتطوير كرة القدم الصينية، وتضمنت الخطة العمل على عدّة محاور رئيسة؛ مثل: رفع مستوى اللاعب الصيني، إدراج كرة القدم في مناهج التربية البدنية في المدارس، زيادة عدد الملاعب في الصين من 5 آلاف ملعب لـ50 ألف ملعب بحلول 2025، والأهم هو توظيف كفاءات محترفة محلية أو أجنبية لإجراء أبحاث متعمقة حول كل ما يتعلَّق بكرة القدم الحديثة.

كان يناير/كانون الثاني 2016 الإعلان الحقيقي عن هذه الثورة الصينية المزعومة في كرة القدم، ليس لأنّ خطة الإصلاح نجحت سريعًا، لكن لأنّ الأندية الصينية بدأت في سلسلة مفاجئة من التعاقدات مع لاعبين عالميين مثل البرازيلي «أوسكار» والأرجنتيني «كارلوس تيفيز» وغيرهما، صرفت خلالها الأندية الصينية نحو 331 مليون جنيه إسترليني، وحتى تتضح ضخامة هذا الرقم، فقد أنفقت أندية البريميرليج في نفس النافذة نحو 215 مليون جنيه إسترليني فقط.

في الواقع، اجتذبت أسماء هؤلاء النجوم، الذين تم استقدامهم بواسطة كبرى الشركات الصينية التي استحوذت على الأندية، الجماهير نحو الملاعب، حيث ارتفع معدّل الحضور الجماهيري بنسبة تقترب من 30% بداية من عام 2016، لكن مع الوقت خَفَت الزخم حول هذا المشروع الصيني، قبل أن يختفي تمامًا.

ملكيون أكثر من الملك

حتى بعد 50 عامًا لن يتمكنوا من المنافسة، كنت أشعر وكأنني في عطلة لمدة سبعة أشهر، لا أعرف ماذا كنت أفعل هناك.
كارلوس تيفيز، مهاجم منتخب الأرجنتين السابق.

طبقًا لسايمون تشادويك، بروفيسور الاقتصاد الرياضي، استخدم الرئيس «تشي جين بينغ» خطة إصلاح كرة القدم كواجهة لكسب التأييد الشعبي، لكّن النتيجة الأبرز لهذه الخُطة حسب رأيه، كانت محاولة كبار رجال الأعمال إظهار ولائهم لسياسات الدولة المُتعلّقة برفع كفاءة رياضة كرة القدم داخل البلاد، وهذه هي المشكلة الأكبر.

بكل تأكيد، تحتاج عملية بناء قاعدة مواهب في الصين تحديدًا عقودًا كاملة من العمل لعدة أسباب؛ أهمها هو أن جماهير كرة القدم الصينية ليست متعلّقة بكرة القدم مثل تعلقها برياضات أكثر شعبية مثل كرة السلة أو تنس الطاولة، لأن احتراف رياضة متطلبة مثل كرة القدم يعني بداهة التقصير ولو بشكل جزئي في التعليم وهو ما يتعارض كليًا مع الثقافة الشعبية الصينية.

كان «شو جياين»، مؤسس شركة «إيفرجراند» العقارية، أحد هؤلاء الذين تدخلوا من تلقاء أنفسهم لحل هذه الأزمة، عبر سلك الطريق الأقصر، وهو انتداب النجوم العالميين مقابل ملايين من الدولارات، حتى وإن بدت فكرته ساذجة الآن، لكنّها كانت مبررة حينها.

فالرجل الذي يُنسب له الفضل في إطلاق دوري السوبر الصيني «CSL»، والذي يُعد أثرى رجال الصين، ليس مُجرد رجل أعمال عادي، لكنّه أيضًا شخص مُقرّب من الحزب الشيوعي الصيني، ومستشار خاص للرئيس الصيني نفسه.

لذا ربما قرر اللعب على جميع الأوتار؛ تملُّق الدولة من جهة، وعرض عمله التجاري متمثلًا في شركته العملاقة كواجهة لكرة القدم الصينية التي ينتظرها مستقبل مُشرق.

كان قطاع العقارات هو المُحرّك الرئيس للنمو الاقتصادي الصيني منذ مطلع الألفية الثالثة، وهو نفس القطاع الذي امتلك 11 ناديًا من 16 ناديًا بدوري السوبر الصيني، بالتالي مع تفاقُم ديون شركات العقارات الصينية على هامش أزمة العقارات الصينية، تفاقمت ديون الأندية، بل أفلس بعضها.

مقارنة فاسدة

هنا يمكننا أن نصل إلى حقيقة أولى، وهي أنّ تجربة الدوري الصيني تختلف جذريًا عن تجربة المملكة العربية السعودية.

طبقًا لدكتور جوناثان سوليفان، مدير برامج الصين في معهد أبحاث آسيا بجامعة نوتنغهام، لا يجب عقد مقارنة بين ما حدث في الصين وبين ما يمكن أن نتوقّع أن يحدُث في المملكة العربية السعودية لثلاثة أسباب رئيسة:

أولًا، هدف المملكة العربية السعودية من الاستثمار في كرة القدم هو جعلها واجهة للمشروع السعودي الاقتصادي الجديد، عكس الصين التي كانت تسعى لتطوير المواهب المحلية.

ثانيًا، لم توجه الدولة الصينية أندية دوري كرة القدم لإنفاق أموال مجنونة، كل هذا يرجع بالأساس إلى رجال الأعمال من القطاع الخاص الذين دخلوا صناعة كرة القدم، في حين أن المملكة العربية السعودية متمثلة في صندوق الاستثمار هي المُموِّل الحقيقي للإنفاق الذي تنفقه الأندية السعودية.

ثالثًا والأهم، حتى وإن كان ما حدث بتجربة الصين تضخمًا، فالواقع هو أنّ الإنفاق السعودي أكبر بكثير، لا يخضع لنفس القيود المالية التي خضعت لها أندية الصين.

حقيقة، لا يعني ذلك أنّ التجربة السعودية أفضل أو أسوأ من الصينية، لكنها فقط مُختلفة.