سترد إيران على قرصنة بريطانيا الشريرة، ورد إيران سيأتي في الوقت والمكان المناسبين.

كانت تلك تحذيرات المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، للملكة المتحدة؛ ردًا على احتجاز الأخيرة ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق يوم 4 يوليو/ تموز. وفي يوم الجمعة 19 يوليو أعلن الحرس الثوري أنه قام بالاستيلاء على ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني، فسّر البعض سريعًا تلك الخطوة على أنها تنفيذ لتحذيرات المرشد الأعلى لبريطانيا، لكن أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي وقتها بأن الاستيلاء جاء بناءً على طلب من السلطات البحرية الإيرانية لعدم التزام ناقلة النفط البريطانية والتي تحمل اسم «ستينا أمبيرو»، بالقواعد البحرية الدولية.

وأدى خبر استيلاء إيران على ناقلة نفط بريطانية إلى زيادة التوتر في مياه الخليج، التي لم تلبث أن هدأت قليلًا في الأشهر الأخيرة.


البداية

في شهر مايو/ آيار الماضي، كان قد مضى عام على سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، وإعادة فرض العقوبات على طهران فيما أسماه بحملة الضغط القصوى على النظام الإيراني.

كان الهدف الأساسي لحملة الضغط القصوى على إيران التي تقودها إدارة ترامب هي إيصال الصادرات الإيرانية من النفط إلى الصفر، وردت إيران على هذا التهديد بتهديدها لحركة الملاحة في مضيق هرمز، ومن وقتها إلى الآن لم تهدأ الأمور في مياه الخليج، فوقعت حادثتان بالقرب من ميناء الفجيرة و بحر عمان، وجرى الهجوم على ناقلتي نفط تابعتين للمملكة العربية السعودية وأخرى تابعة لدولة الإمارات العربية.

على الفور اتهمت الولايات المتحدة إيران بأنها من تقف وراء تلك الحوادث، وأصرت طهران على نفي الادعاءات الأمريكية تمامًا، لكن الأمور تصاعدت مرة أخرى ودخل في المعركة عنصر جديد عندما أعلنت قوات المارينز البريطانية في جبل طارق عن مصادرتها ناقلة نفط إيرانية عملاقة «غريس 1»، كانت تحمل حوالي مليوني برميل من النفط الخام متجهة إلى سوريا، بررت المملكة المتحدة هذا الاستيلاء بأن الحكومة السورية تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي ولا يمكن نقل النفط إليها.


قرصنة بحرية، وسيتم الرد عليها

اتهمت إيران المملكة المتحدة بأنها تمارس قرصنة بحرية غير مقبولة، ومن حق إيران الرد عليها بشتى الطرق. وصرح وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، بأن ما فعلته بريطانيا مخالف لكل القواعد والقوانين الملاحية. انقسمت التصريحات في إيران إلى نوعين: النوع الأول ذلك الذي صدر من القوات المسلحة والحرس الثوري، المسئولين المحسوبين على التيار المحافظ، والذي كان يتمثل في أنه يجب على إيران الرد بشكل قوي وقاطع.

أما النوع الثاني من التصريحات فاتسم بمزيد من الهدوء وإنكار أن الناقلة الإيرانية كانت متجهة إلى سوريا، وصرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي قائلًا: «نحن سنتبع الطرق الدبلوماسية والقانونية لحل تلك الأزمة، ونأمل في تحقيق النتائج في هذا المسار»، بينما نفى نائب وزير الخارجية، عباس عراقتشي، أن الناقلة الإيرانية كانت متجهة إلى سوريا في الأساس.

وفي نفس السياق، دافع كبير الدبلوماسيين الإيرانيين، جواد ظريف، عن موقف بلاده قائلًا: «إيران ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، ولا توجد أي عقوبات أوروبية على النفط الإيراني».


لابد أن تتلقى بريطانيا صفعة على وجهها

في أغلب الأوقات، عندما يتعلق الأمر بالغرب لا يميل المسئولون في النظام الإيراني إلى الحلول الدبلوماسية، وازداد هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة تحديدًا، فانتقد التيار المحافظ ما أسماه تراخي إدارة روحاني في التعامل مع المملكة المتحدة بعد تلك الحادثة، وطالبوا بردٍ قاسٍ.

تزايدت الدعوات من جانب التيار المحافظ بالقيام برد فعل مماثل لما فعلته بريطانيا، يقول السياسي المحافظ منصور حقيقت بور لـ «إضاءات»: «ما فعلته بريطانيا وقاحة لا يمكن الرد عليها بالطرق الدبلوماسية التي تتبناها إدارة الرئيس روحاني، ولابد من تحويل الخليج (الفارسي) إلى جحيم بالنسبة للسفن البريطانية».

وقد كان..

في وسط صمت تام من الرئيس روحاني وإدارته، أعلن الحرس الثوري عن تحذيره لسفينة تابعة لشركة بريطانية ترفع علم ليبيريا، ومصادرة السفينة البريطانية والتحفط على أفراد طاقمها.

حذر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت إيران من تبعات هذا الأمر، ومن احتمالية العواقب الوخيمة التي ستلقاها طهران، لكنه أكد على إصرار بلاده على التمسك بالحل الدبلوماسي إلى آخر لحظة.


ما هي أسباب الحرس الثوري للاستيلاء على السفينة البريطانية؟

فى بيان الحرس الثوري الصادر يوم 20 يوليو/ تموز، ورد أن سبب مصادرة السفينة البريطانية جاء بعد أن تجاهلت الناقلة تحذيرات البحرية الإيرانية بعد اصطدامها بقارب صيد إيراني. يقول مراد عفيف بور، رئيس هيئة ميناء هرمزكان، لـ«إضاءات»: «تلقت البحرية الإيرانية التابعة للجيش الإيراني إشارات بأن هناك ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني تجاهلت التحذيرات، وكانت على وشك الاصطدام بقارب صيد في المياه الإقليمية الإيرانية، وعليه فقد تم إبلاغنا من قبل القوات البحرية التابعة للحرس الثوري بضرورة سحب الناقلة إلى ميناء بندر عباس».

يشرح الأمر بمزيد من التفاصيل لـ«إضاءات»، الخبير الملاحي الإيرانى جواد حسين هاشمي، فيقول: «إن الناقلة البريطانية كان من المقرر لها أن تدخل مضيق هرمز من الشمال، لكنها أغلقت جهاز التتبع الخاص بها ودخلت من الجنوب، فكان لابد من تحذيرها، وفي حالة تجاهلها لتلك التحذيرات يكون من اللازم على القوة البحرية التابعة للحرس الثوري والمسئولة عن تأمين جنوب وشمال مضيق هرمز، الصعود إلى سطح الناقلة وسحبها إلى المياه الإيرانية».

يؤكد الخبير الملاحي هاشمي على قانونية استيلاء الحرس الثوري على الناقلة البريطانية، بينما ترفض بريطانيا تلك الادعاءات.

يرى بعض الخبراء الإيرانيين في نفس المجال أنه من المحتمل أن تكون السفينة البريطانية قد أغلقت جهاز التتبع الخاص بها خوفًا من مضايقات الحرس الثوري، وهذا يقودنا إلى تفسير قد يتبناه البعض بأن السفينة لم تخطئ في شيء، وأن الاستيلاء الإيراني كان مجرد خطوة انتقامية ردًا على الاستيلاء البريطاني لناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق.


هل سيكون مضيق هرمز جحيمًا للسفن الأوروبية؟

بعد احتجاز القوات البريطانية في جبل طارق لناقلة النفط الإيراني،رأى الجنرال علي فدوى، نائب قائد قوات الحرس الإيراني، أنه لابد من جعل مضيق هرمز بمثابة جحيم للسفن البريطانية والأمريكية.

يوافقه الرأي البرلماني السابق والمحسوب على التيار المحافظ علي أصفهاني، فيقول لـ «إضاءات»: «من حقنا الرد على الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضدنا، وبريطانيا تساعد واشنطن في هذا الأمر، فلابد من مقاومة تلك البلطجة بطريقتنا الخاصة». وعلى ما يبدو أن مستوى التوتر في مياه الخليج قد جعل الولايات المتحدة تخشى تحول الخليج إلى ساحة حرب مع طهران، فطلبت إنشاء قوة بحرية منسقة دوليًا لمرافقة السفن التجارية في مضيق هرمز، ومن المقرر عقد مؤتمر خاص بهذا الأمر في دولة البحرين في شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم.

وفي 20 يوليو/ تموز،وافقت المملكة العربية السعودية على استضافة عدد من القوات الأمريكية، جاءت تلك الموافقة بطلب من الولايات الأمريكية لتعزيز التعاون ضد التهديدات الإيرانية خاصة بعد خبر الاستيلاء على ناقلة النفط الإيرانية. كانت آخر مرة استضافت فيها الرياض قوات أمريكية في عام 2003 أثناء الغزو الأمريكي للعراق.

حاولت بعض الدول الأوروبية والعربية التفاوض مع إيران للإفراج عن السفينة البريطانية،وطلبت سلطنة عمان، التي تتشارك مع طهران في حماية مضيق هرمز، من السلطات الإيرانية التحلي بضبط النفس والإفراج عن الناقلة، لكن يبدو أنه لا استجابة من جانب إيران.

يرى الصحفي الإيراني، المختص بالشئون الخارجية والذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه يمكن حل الأمور في الأيام المقبلة بسهولة في حالة موافقة المملكة المتحدة على الإفراج عن الناقلة الإيرانية، فيقول لـ «إضاءات»: «من وجهة نظري أرى أن المؤسسة السياسية ستوافق على مقايضة الناقلة البريطانية بنظيرتها الإيرانية، فهذه الخطوة ستكون أقصى درجات الدبلوماسية في وجهة نظر المسئولين الإيرانيين».


استعداد للقتال

مع تطور الأمور يبدو أن إيران تستعد لجميع العواقب، ففي صباح اليوم، الإثنين، زار علي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري الإيراني، للإشراف على الاستعداد للقتال بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء المحلية. وفي غضون ذلك، ترأس رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اجتماعًا للجنة الطوارئ لمناقشة آخر التطورات الأمنية في منطقة الخليج، بعد تعرض الحكومة البريطانية لانتقادات داخلية بسبب موقفها المتراخي في مواجهة الأزمة مع إيران.

وعلى صعيد آخر،أعلن التلفزيون الحكومي العماني أن مسئول الشئون الخارجية العمانية، يوسف بن علوي بن عبد الله، سيزور طهران يوم السبت في محاولة من جانب سلطنة عمان لتهدئة الأمور.

وفي حقيقة الأمر سواء كانت إيران محقة بالاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية، وتم إثبات صحة ادعاءاتها، أو أنها فعلت فعلتها فقط لمجرد الانتقام من المملكة المتحدة، ففي النهاية الأمور تزداد تعقيدًا في ظل وضع مشحون بالتوتر، وينتظر الإيرانيون يومًا بعد يوم بقلق بالغ شبح دخول بلادهم في حرب جديدة، لا يستطيعون تحمل تكلفتها الآن.