محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2020/9/28
الكاتب
فانيسا لوبو

ما بين جائحة كورونا التي ضربت العالم، والانكماش الاقتصادي المُصاحب لها، والاحتجاجات الواسعة ضد العنصرية، كل هذه ظروف صعبة يمر بها الجميع، فكثيرٌ من الناس يُعانون من قلق وتوتر، ما يؤدي بالضرورة إلى عدم القدرة على النوم والتركيز.

تتحدث «فانيسا لوبو»، أستاذ علم النفس المساعد بجامعة روتجرز، عن آثار القلق والخوف على الرُضّع والأطفال الصغار، فتقول:

اعتراني القلق حيال تأثير الجائحة على الصحة العقلية للصغار خصوصًا، حيث إن كثيرًا من الأطفال تركوا المدارس منذ شهر مارس/آذار 2020، فهم مُنعزلون عن الأصدقاء والأقارب، إضافةً إلى الخوف من الإصابة بالفيروس أو الخوف من العنف بسبب العنصرية، أو العنف في البيت، أو ربما يتركون بيوتهم نتيجة فيضان أو بسبب حرائق الغابات. إنها ضغوطات الحياة الحقيقية.

وثّقت لوبو عقودًا من البحث المستمر عن عواقب وخيمة تحدث بسبب القلق المزمن في الطفولة، لكن علماء النفس حدّدوا طرقًا تُمكِّن الوالدين من تعليم الأطفال كيف يتغلبون على المحن والمصاعب التي تواجههم بفكرة تُعرَف بـ «المرونة».

تأثير التوتر على الأطفال

ليس بالإمكان حماية الأطفال من المحيط الخارجي الذي يُسبِّب التوتر، مثل طلاق الوالدين. حيث إن نشأة الأطفال في بيئة فقيرة، أو في ظل مرض أو فقدان المحبين أو الأصدقاء، فإن بعض الأطفال يُعانون من تجربة الإهمال أو التسلط أو سوء المعاملة الجسدي والعاطفي وكذلك هجر العائلة، لينتهي بهم الحال بلا مأوى ولا مسكن، أو العيش في ظل كوارث طبيعية.

يمكن أن تؤدي المصاعب في مرحلة الطفولة إلى عواقب طويلة المدى، تُغيِّر من تركيبة المخ الذي لا يزال في مرحلة النمو، وكذلك تُضعِف إدراك التطور العاطفي والاجتماعي. ولا يقتصر تأثير المحن والمصاعب على هذا فحسب، إنما يؤثر كذلك على التعليم والذاكرة واتخاذ القرار وأكثر.

تتنامى عند بعض الأطفال المشاكل العاطفية، فيتصرف بعدائية وبسلوك مدمر، بدءًا من العلاقات غير السوية، وانتهاءً بمشاكل مع القانون. وكذلك تؤثر على دوره في المدرسة وتمنحه فرص عمل محدودة وفرص دخل ضعيفة. وكذلك يتزايد خطر احتمال تعرض الأطفال لإدمان الكحول أو المخدرات أو محاولة الانتحار.

القلق المُزمن الذي يتعرّض له الأطفال يُسبِّب مشاكل تمتد على مدى الحياة، مثل النوبة القلبية، والسكتة الدماغية، والسمنة، والسكر، والسرطان.

إذن كيف ينجح الأطفال في التغلب على هذه التحديات الخطيرة، بينما لا يزال كثير من الأطفال في دوامة القلق والتوتر؟

يعمل الباحثون في هذا المجال لتحديد ما الذي يساعد الأطفال في تجاوز العقبات ومواجهة المصاعب المتراكمة. وقد توصّلوا إلى نتيجة أن الدعم و«المرونة» هما أكثر شيء مفيد للأطفال.

تعرف «المرونة» بأنها إعادة الازدهار مرة أخرى، والانتعاش والتعافي بسهولة ويسر من المحن والمصاعب. وهي صفة تُمكِّن الناس بأن يكونوا مقتدرين وبارعين على الرغم من الظروف العسيرة. وهناك الكثير من الأطفال نشأوا في بيئة صعبة لكنهم أبلوا بلاءً حسنًا في عمر مبكر من حياتهم، البعض الآخر يجد مساره الصحيح ويشرق في سن الرشد.

أشارت «آن ماستين» Ann Masten، وهي رائدة في مجال علم النفس التنموي، إلى المرونة باعتبارها «سحرًا عاديًا»، ليس لدى الأطفال الذين يتمتعون بالمرونة قوى خارقة تُمكِّنهم من المثابرة عند تخبط الآخرين، وهي ليست سمة موجودة في الفطرة، إنما نقوم نحن بتعزيزها وتنميتها باستمرار.

العوامل الرئيسية التي تساعد الأطفال على اكتساب «المرونة»

إن نفس مهارات العمل الإدارية التي تخلق النجاح التقليدي، نستعملها في إستراتيجيات المواجهة الحاسمة. وكذلك يجد الأطفال طرقًا تساعدهم على التكيف والتعامل مع العوائق بطرق صحية، وتمنحهم القدرة على التركيز وحل المشاكل والتنقل بين المهام الموكلة إليهم.

في دراسة حديثة أجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 8–17 أعوام، حافظ هؤلاء على التوازن العاطفي بالرغم من سوء المعاملة التي كانوا يتلقونها وكان من الممكن أن تُعرِّضهم إلى الاكتئاب أو المشاكل العاطفية، حيث يعتبر السيطرة على السلوك والعواطف أحد الأسباب الرئيسية لتعزيز المرونة عند الأطفال.

تُعد العلاقات الجيدة هي الأساس في جعل الأطفال أسوياء، حيث تُوفِّر علاقات المودة إحساسًا بالأمان والانتماء على مدى الحياة. إن الحماية والدعم القوي من قبل الوالدين أو المُربِّي ضرورية لتطور صحي. إن اهتمام الاشخاص الراشدين -مثل الأصدقاء والمعلمين والمدربين والجيران والمراقبين- في تقديم الدعم المخلص، يساعد على بناء الاستقرار النفسي وكذلك الاعتماد على الذات والقوة عند الطفل.

وهنا نذكر أيقونة المرونة «روث بادر جنسبرغ» Ruth Bader Ginsburg، والتي نشأت في بروكلين في حيٍ للطبقة العاملة، فقدت أمها، الشخص الداعم في حياتها، بعد إصابتها بمرض السرطان، قبل أن تتخرّج من المدرسة الثانوية. كافحت وتخرّجت لتصبح الأولى على دفعتها في جامعة كورنيل، وأصبحت في النهاية واحدة من أصل أربع نساء تعمل في المحكمة العليا.

ونذكر مثالاً آخر وهو «جون لويس» John Lewis، الذي كان أبوه يعمل مُزارعًا في منطقة ألباما النائية، حيث أصبح رائدًا في حركة الحقوق المدنية، وعمل لمدة 33 عامًا في الكونغرس.

كيف نشجع الأطفال على اكتساب المرونة في البيت؟

هناك عدة طرق تُمكِّن الوالدين من مساعدة أطفالهم في تعزيز المرونة، مثل السماح للأطفال بالتحدث والاستماع لهم بإنصات، وإظهار القبول والاهتمام بهم، والتأكد من مشاعرهم، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

في بعض الأحيان يكون الجواب في السماح للأطفال بإعطائهم درجة من الاستقلالية، والوثوق بهم عند إنجازهم الأعمال الموكلة إليهم، ربما يفشلون في بادئ الأمر لكن هذا يساعدهم في تعلم حل المشاكل بمفردهم أو التعامل مع الغضب، أو الإحباط أو العواطف غير المستقرة. يعتبر أسلوب التنفس الهادئ أداة أخرى تُتيح للأطفال السيطرة على مشاعرهم.

من الضروري أن نلاحظ أن كثيرًا من الأطفال يواجهون عدة مصاعب وليست واحدة فقط، مثل الأطفال الذين يعيشون في فقر مدقع، ربما يكون لديهم والدان غير مؤهلين، ويعيشون في مستوى عالٍ من التوتر، إضافة إلى المعاناة من الجوع وسوء التغذية أو العيش في بيئة مكتظة تحتوي على القليل من المتنزهات، ولا توجد فيها رعاية صحية ومستوى تعليمي مناسب، مع احتمال كبير للتعرّض لسوء المعاملة.

تُساعد التدخلات المجتمعية على الحد من المخاطر، وفي الوقت نفسه تساعد الأطفال في بناء وتعزيز المرونة لديهم. توفر هذه المبادرات ظروفًا أفضل للعيش من خلال توفير السكن بأسعار معقولة، وتحسين مستوى الصحة من خلال الحد من التلوث. وهناك برامج جيدة تُمكِّن المعلمين والوالدين وأبناء المجتمع عمومًا من بناء نظام داعم وراسخ للأطفال المحليين.

اكتسب التعليم العاطفي والاجتماعي في المدارس شعبية واسعة. يُدرِّب المنهج الأطفال على فهم وإدارة مشاعرهم، وتطوير العاطفة لديهم، والقدرة على حل المشاكل واتخاذ قرارات مسئولة.

أثمرت هذه البرامج نتائج ملموسة وحقيقية، حيث أظهر تحليل لـ 270 ألف مُشارِك بأن درجات الطلاب ارتفعت بمعدل 11%. بينما أظهرت دراسات أخرى أن هذه البرامج قلّلت أعداد المتسربين من المدارس ومنْ يتعاطون المخدرات أو منْ ينخرطون في أعمال إجرامية.

أصبح بناء المرونة عند الأطفال أمرًا ضروريًا في الوقت الحالي، فالمجتمع الأمريكي يواجه شغبًا واضطرابات استثنائية في الحياة اليومية. يحتاج الوالدان كذلك إلى حماية صحتهما العقلية كي يوفرا للأطفال دعمًا حقيقيًا، فاكتساب المرونة لا يقتصر على الأطفال فقط.

يعيش خمسة مليون طفل في الولايات المتحدة الأمريكية عدة أنواع من الصدمات كل عام، حيث يعيش الآلاف منهم في قلق وتوتر مزمنين، لذلك في ظل هذه الجائحة العالمية أصبح من الضروري توفير دعم أكثر للأطفال، وتوفير «السحر العادي» بقدر استطاعتنا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.