محتوى مترجم
المصدر
مجلة “تقييم استراتيجي” الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
التاريخ
2016/04/01
الكاتب
كوبي مايكل ويوئيل جوزانسكي

شُكلت السلطة الفلسطينية عام 1994 بمقتضى اتفاقيات أوسلو ككيان «شبه دولة»، لتُمثّل جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وتتحمل المسئولية الكاملة عن الشئون المدنية والأمنية في 14% من مساحة الضفة الغربية (المنطقة أ)، والمسئولية عن الشؤون المدنية فقط (مع تولي إسرائيل للمسئولية الأمنية) فيما نسبته 26% من الضفة الغربية (المنطقتين ب وب+)؛ وتقع نسبة 60% المتبقية من الضفة الغربية تحت السيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية (المنطقة ج).في عام 2016، يعيش حوالي 95% من سكان الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في المناطق «أ» و«ب» و«ب+»؛ بينما يعيش حوالي 100,000 فلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية في المنطقة ج. بالتأكيد من وجهة النظر الفلسطينية، مثلت السلطة الفلسطينية بمجرد تأسيسها أساسًا لدولةٍ فلسطينية مستقبلية. بالفعل، عملت السلطة الفلسطينية، رغم افتقارها لبعض السمات الرئيسية للسيادة، إلى حد كبير كدولة بحكم الأمر الواقع منذ إنشائها عام 1994.استولت حركة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 في حدثٍ قسّم السلطة الفلسطينية إلى قسمين. شكل الانقسام الناتج بين قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس والضفة الغربية أزمة حادة للسياسة والمجتمع الفلسطينيين. فالواقع لا يقتصر على كيانين سياسيين، جغرافيين – وحسبما قد يقول البعض ثقافيين مختلفين – بل أيضًا عنصرين متنافسين.حيث تتحدى حماس، المعارضة لأي وجود للسلطة الفلسطينية أو أي دور كبير لها في قطاع غزة، شرعية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أيضًا، وتشارك في جهودٍ منظمة لتوسيع وترسيخ قواعدها في الضفة الغربية بهدف الإطاحة بالسلطة الفلسطينية. ولكن بالفعل بحلول الوقت الذي استولت فيه حماس على القطاع، كانت السلطة الفلسطينية قد فشلت بالفعل في بعض الوظائف الأساسية للدولة.

يصف مايكل آيزنشتات أداء السلطة الفلسطينية بالفشل، وذلك بسبب «الفاءات الأربعة»: الفوضى، الفتنة، الفلتان، والفساد.

يصف مايكل آيزنشتات أداء السلطة الفلسطينية منذ إنشائها بأنه فشلٌ للدولة، ويعزي ذلك الفشل إلى تسعة عوامل. تقع مسئولية بعض هذه العوامل على عاتق إسرائيل، لكن تفسيره الرئيسي يتعلق بـ «الفاءات الأربعة»: الفوضى، الفتنة، الفلتان، والفساد. ووفق آيزنشتات، استمرت هذه الحالة من عدم الاستقرار في الوجود في الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية عام 2007 بعد استيلاء حماس على قطاع غزة.أثناء سنوات عملية أوسلو، تم استثمار جهودٍ وموارد مكثقة في سبيل تعزيز العملية السياسية، وذلك لتشجيع تأسيس دولة فلسطينية مستقلة. لكن بُذل القليل جدًا من الجهود لضمان أساس إنشاء دولة فلسطينية فعالة في فترة ما بعد اتفاق السلام.رغم الموارد التي خصصها المجتمع الدولي لعملية بناء البنية التحتية، وعمليات تعزيز الديمقراطية والمجتمع المدني والمؤسسات الفلسطينية، لم تنجح السلطة الفلسطينية في ترسيخ وتأمين الأسس اللازمة لإنشاء دولة ديمقراطية فعالة وقابلة للحياة. حتى بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، فشلت السلطة الفلسطينية في بناء حكومة فعالة. بينما كان الانسحاب نتيجة قرارٍ إسرائيلي أحادي الجانب، حدثت عملية الانسحاب ونقل المنطقة التي أُخليت – بما في ذلك البنية التحتية الزراعية التي بقيت – بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.اعتبر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة إشارة على نجاح مقاومة حماس المسلحة لإسرائيل، وانتصار حماس في انتخابات يناير 2006، قد ساعدها على إضفاء الشرعية على عملية استيلائها على قطاع غزة، وطرد السلطة الفلسطينية في يونيو 2007.بينما لا تمثل السلطة الفلسطينية دولة بالمعنى الكامل للكلمة، أعلنت نفسها على هذا النحو، تبنت زخارف الدولة، وأُعلنت دولةً من قبل أغلبية دول العالم وبعض المؤسسات الدولية. تعمل معظم مؤسسات الدولة المعترف بها من قبل دولٍ أخرى في الضفة الغربية، وبطرق عدة، يُعدّ مستوى أداء السلطة الفلسطينية أعلى من نظيره لدى دول مثل الصومال، واليمن، وليبيا، ودول أخرى.علاوة على ذلك، هناك قيود على السلطة الفلسطينية تجعل من الصعب فرض سيادتها بشكل كامل، بما في ذلك وجود إسرائيل المستمر في – وسيطرتها على – بعض أراضي الضفة الغربية، وتعطيل إسرائيل لأداء دولة السلطة الفلسطينية.ومع ذلك، بناءً على الأساسات النظرية المقبولة والمعايير العملية للدول الفاشلة، تظل السلطة الفلسطينية ممثلةً لكيانٍ فاشل. رغم الصعوبات الناجمة عن واقع صراعٍ نشط وعملية سياسية بلغت طريقًا مسدودًا، امتلكت السلطة الفلسطينية الوسائل اللازمة لتطور دولةً وظيفية وبنية تحتية مؤسسية ولتُحسّن بشكل كبير أداء دولتها وأدائها المؤسسي. ولكن بدلًا من ذلك، يطابق سلوك السلطة الفلسطينية وقيادتها طوال 22 عامًا، هو عمرها، نماذج سلوك الدول الفاشلة، وتشبه محاولات مواجهة هذه الإخفاقات ما تم تطبيقه على الدول الفاشلة.

هل يحتاج العالم إلى دولة فلسطينية فاشلة؟

هو السؤال الذي طرحه «آرون ديفيد ميلر»، في إشارة إلى السؤال الذي طرحه هنري كيسنجر بشأن الأساس المنطقي وراء تأسيس دولة عربية أخرى فاشلة، في ضوء عدم استقرار وإخفاق الدول العربية في مواجهة القوة المتنامية لإيران، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية.بالفعل، تشكل الحالة الهشة غير المستقرة في المنطقة في هذه الفترة، والتهديد الكامن في تأسيس دولة فلسطينية فاشلة، تحديًا استراتيجيًا وأمنيًا لإسرائيل ومصر والأردن. والتحدي المتعلق بالدولة الذي تمثلها السلطة الفلسطينية هو موضوع هذه الدراسة.فبعد وصفٍ قصير لظاهرة الدولة الفاشلة وتداعياتها، يُقدّم المقال ويشرح العملية التي بمقتضاها تحولت السلطة الفلسطينية إلى كيانٍ فاشل. ويُختتم بمحاولةٍ لتقدير ما قد يحمله المستقبل.


التحدي الدولي الذي تشكله الدولة الفاشلة

تُحدَّد الدولة الفاشلة من حيث قدرتها الغائبة أو المحدودة على الحكم. ينبع الحكم الضعيف من ضعف الحكومة المركزية الصارخ ونقص احتكار الدولة لاستخدام القوة. يعكس مفهوم الحكم جودة أداء مؤسسات الدولة استنادًا إلى صفات الدولة، والتي تسمح لها بتوفير الأمن (الداخلي والخارجي)، والقانون والنظام، والخدمات التعليمية والصحية، وإدارة الاقتصاد، وتحقيق سيادتها.

امتلكت السلطة الفلسطينية الوسائل اللازمة لتطوير دولةً وظيفية وبنية تحتية مؤسسية، ولكنها لم تفعل.

يُعرِّف تشارلز كول، الذي يميز بين دولةٍ فاشلة ودولةٍ ضعيفة ودولةٍ في حالة مستمرة من الحرب الأهلية، الدولة الفاشلة بأنها «الدولة التي فشلت مؤسساتها وسلطتها داخليًا، ووجهًا لوجه مع العالم بأسره، فشلًا ذريعًا؛ أي، عانت من انهيارٍ حرج».مع اعتباره للدولة الفاشلة تحديًا للنظام الدولي، يشير ويليام زارتمان إلى بُعدي ظاهرة الدولة الفاشلة كما يلي: البعد الحكومي المؤسسي والبعد الاجتماعي.وفق زارتمان، الدولة الفاشلة هي دولة تنهار فيها سلطة الحكومة، وهو ما سوف يتسبب بدوره في انهيار النظام السياسي والقانون بالدولة. يتيح هذا الانهيار لعناصر أخرى (منافسين أو أعداء) فرصة للاستيلاء على السلطة تمامًا أو جزئيًا. يُلاحظ على الدولة التي تمر بانهيار، إصابة مراكز صنع القرار بها بالشلل التام، وانهيار الوحدة الاجتماعية. تكون الدولة غير قادرةٍ على الحفاظ على سلطتها في الجوانب الأمنية أو سلطتها على أراضي الدولة، ومن وجهة نظر الجمهور يتوقف فشل الدولة على قدرتها على إدارة المسائل الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي، تعني الدولة الفاشلة انهيار النظام وانهيار الأساس الاجتماعي للشعب.وفي الدول الفاشلة، تتوسع الجهات التي لا يمكن السيطرة عليها، ما يسمح بدخول ونشاط الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الخارجية التي تساهم في زعزعة استقرار الدولة، فتضاعف الفوضى، وتساعد في تصدير العنف وعدم الاستقرار إلى الدول المجاورة للدولة الفاشلة.يقع العديد من دول العالم في مكان ما على سلسلة الدول الفاشلة. وكل منهم تُمثل حالة فريدة تبعاً للعلاقة بين قوة التهديدات والتحديات في الداخل ومن الخارج، من جانب، ومستوى فاعلية مؤسسات الدولة، على الجانب الآخر. أو كما في نهج فوكوياما «جودة صفات الدولة».كلما انخفض مستوى فاعلية مؤسسات الدولة، انخفض مستوى شرعيتها، وكلما زادت حدة وتأثير الصراعات الخارجية والداخلية، كلما زاد مستوى فشل الدولة. وكلما زاد مستوى فشل الدولة، كلما زادت احتمالية حدوث الانتشار والسيطرة من قبل الأطراف غير الحكومية وغيرها – العنيفة عادةً – التي ترى في نفسها بدائل للدولة.تمثل الخلافات الدينية والعرقية وغياب الروح الوطنية الجامعة سمةً أخرى بارزة للدول الفاشلة. يُعرِّف مايكل هيودسن هذه العناصر بأنها التشرذم السياسي للهوية، وهو ما يعتبره متغيرًا يؤدي بالتعاون مع الفشل الوظيفي لمؤسسات الدولة إلى فشلها. وتمثل سوريا والعراق، بالإضافة إلى ليبيا واليمن، وحتى لبنان، أمثلة ملائمة. فجميع تلك الدول تعاني من الانشقاقات الدينية أو القبلية أو العرقية، ويفتقدوا جميعهم الروح الوطنية الجامعة.تتسم السلطة الفلسطينية أيضًا بسمات مشابهة، رغم أنها فريدة من نوعها. يتماشى هذا الوصف مع تأكيد بنيامين ميلر على غياب التوافق بين الشعب والدولة، وهو ما يسميه «الخلل بين الشعب والدولة»، كعاملٍ في غياب الاستقرار الإقليمي وفي الصراعات الإقليمية والداخلية.

إن التصادم بين الدول الثرية والدول الفاشلة حتمي، فالتنظيمات التي تُصدِّر العنف والإرهاب إلى الدول الثرية لتوليد عدم الاستقرار تعمل في دولٍ فاشلة.

ويعتبر ديفيد رايلي أن التصادمات بين الدول الثرية والدول الفاشلة حتمي، فالتنظيمات التي تُصدِّر العنف والإرهاب إلى الدول الثرية لتوليد عدم الاستقرار تعمل في دولٍ فاشلة. حتى مع عدم وجود حدودٍ مشتركة، تسمح العولمة والتكنولوجيا والقدرة على الوصول إلى ترسانات أسلحة الدول، لهذه المنظمات باستخدام الإرهاب الدولي لزرع الفوضى بسهولة نسبية وبتكلفة قليلة. وبالتالي، حسبما يكتب رايلي، يمكن لـ «الدول الضعيفة، مثل أفغانستان، أن تشكل خطرًا كبيرًا على مصالحنا الوطنية كحال الدول القوية». هذه الرؤية صحيحة بشكل مساوي بالنسبة لسوريا والعراق، حيث أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يمثل تهديدًا دوليًا وإقليميًا، بالإضافة إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، والذي يُصدّر الإرهاب إلى شبه جزيرة سيناء وإسرائيل والضفة الغربية.يعتمد التوازن والنظام العالمي على قدرة الدول على حفظ القانون والنظام داخل حدودها. وبالتالي، كل دولةٍ فاشلة غير قادرة على فرض سيادتها تزعج النظام العالمي إلى درجة ما. وينتج عن ذلك؛ الإرهاب العالمي، والنزوح الجماعي للسكان الذي يصبحون لاجئين، والإبادة الجماعية، وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، والفساد الدولي والمحلي، وارتفاع معدلات الجريمة. أوضحت الأحداث الإرهابية مثل هجمات 11 سبتمبر وغيرها للمجتمع الدولي أنه لم يعد ممكنًا تجاهل ظاهرة الدول الفاشلة مع تهديدها للأمن العالمي.