محتوى مترجم
المصدر
مجلة “تقييم استراتيجي” الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
التاريخ
2016/04/01
الكاتب
كوبي مايكل ويوئيل جوزانسكي

تنمية السلطة الفلسطينية ككيان فاشلمنذ تأسيسها في مايو 1994، لم تنجح السلطة الفلسطينية في تشكيل ذاتها ككيانٍ سياسي مستقر، فعالٍ ومستقل. فاقتصادها غير مُنتِج؛ حيث تستمر في الاعتماد على أموال التبرعات من المجتمع الدولي، والاقتصاد الإسرائيلي، والضرائب التي تجمعها إسرائيل لها، وهي غير قادرة على توفير خدمات البنية التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية دون مساعدةٍ خارجية.أصبحت السلطة الفلسطينية حاملة لرقمٍ قياسي عالمي من حيث نفقات الرواتب والمدفوعات التحويلية؛ فمن بين 4 مليارات دولار حصلت عليها في السنوات الأخيرة للاستثمارات، استُخدم حوالي مليار دولار في بناء البنية التحتية، وأُنفقت بقية المبلغ على الرواتب.دفع ذلك الجهات المانحة الأجنبية إلى خفض أو وقف تبرعاتها، وبهذا المعدل، سوف تضرب السلطة الفلسطينية قريبًا سقفًا للديون يمنعها من دفع رواتبها. تظهر اكتشافات أخرى مشابهة في تقرير مراقب الحسابات للاتحاد الأوروبي لعام 2013، والذي تناول الطرق التي استخدمت بها أموال مساعدات الاتحاد الأوروبي. يشير التقرير إلى نقاط ضعفٍ هيكلية مدهشة في مؤسسات الدولة الفلسطينية وفي الاقتصاد، ويدعو إلى إصلاحات هيكلية كبيرة – بالإضافة إلى مناشدة إسرائيل تسهيل حركة الأشخاص والبضائع. يصدر التقرير تحذيرًا بشأن الحجم غير المعقول لأجهزة الدولة، ودفع عشرات آلاف المرتبات لموظفي السلطة الفلسطينية الذين يعيشون في قطاع غزة ويتقاضون رواتب دون القيام بأي عملٍ على الإطلاق.يعتبر جهاز جمع الضرائب التابع للسلطة الفلسطينية غير مطورٍ بشكل كافي، كما أن الجهة الرئيسية لجبي الضرائب للسلطة الفلسطينية هي إسرائيل (بمقتضى اتفاقية باريس)، حيث تحوّل إسرائيل أموال ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية إلى السلطة الفلسطينية بعد أن تجمعها نيابة عنها.

تعاظم الفساد داخل السلطة الفليسطينية بين عامي 2008 و2012، حيث اختفى مبلغ ملياري دولار من المساعدات دون أي أثر.

كما وُجد الفساد الحكومي، المتسم بالمحسوبية الصارخة والاحتكارات تحت سيطرة أصحاب المناصب وأتباعهم، في السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها. حتى وإن قل إلى حد ما (والفضل في ذلك بالمقام الأول لسلام فياض في مدتيه كوزيرٍ للمالية ورئيسٍ للوزراء)، لا يزال نطاقه كبيرًا، ويؤثر بشكل سلبي على التنمية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية.في ديسمبر 2013، نشرت مؤسسة «ميدل إيست مونيتور» واحدًا من أقسى تقاريرها مطلقًا عن الفساد في السلطة الفلسطينية. حيث استخدمت تقرير الاتحاد الأوروبي بشأن فساد السلطة الفلسطينية وذكرت أن مبلغ ملياري دولار من إجمالي المساعدات المُحوَلة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بين عامي 2008 و2012 قد اختفى دون أي أثر. أشار التقرير إلى أنماطٍ للفساد وُجدت في السلطة الفلسطينية منذ يوم تأسيسها، حيث يقوم كبار موظفي السلطة الفلسطينية بمليء جيوبهم بالأموال المقدمة كمساعدات. أصبح الفساد الحكومي في السلطة الفلسطينية سمة ثابتة، مع شغل الأغلبية العظمى من المناصب العليا بها من قبل أعضاء فتح، الذين حولوا السلطة الفلسطينية إلى مصدرٍ للدخل لأعضائها الكبار وأتباعهم.ينتقد ذات التقرير الأجهزة الأمنية، خصوصًا المخابرات الفلسطينية التي جعل أعضائها أنفسهم رجال أعمالٍ ماليين وتجاريين واستخدموا أموال المساعدات في تطوير شركاتهم الخاصة. تنتقد صفحة 11 التوصية التي أصدرها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة، الذي دعا إلى إعادة تأسيس مؤسسات السلطة الفلسطينية وتغيير سياستها المالية. وتحذر الفقرة الختامية بالتقرير من خطورة الفساد، ونصها:

إن الفساد الذي يملأ السلطة الفلسطينية ليس بسيطًا أو محدودًا، فقد أصبح عبئًا يعاني منه المواطنون؛ وسوف يستمر الفساد في إرهاق واستنزاف الشعب، بالإضافة إلى إضعاف موقف السلطة الفلسطينية في عيون المانحين.

عززت سيطرة حماس على قطاع غزة الانقسام السياسي الحادث بالفعل في السلطة الفلسطينية، ما يمثل تحديًا للسلطة الفلسطينية سياسيًا وفكريًا، وأيضًا عسكريًا. يقول البعض إنه في ضوء الانقسام العميق بين الجانبين ليس هناك فرصةٌ لتأسيس دولةٍ فلسطينية. علاوة على ذلك، لا تتمتع السلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، بقاعدة واسعة من الشرعية ويستمران في الحكم رغم حقيقة أن الانتخابات التي كان من المفترض إجرائها عام 2010 لم تُجرى أبدًا، وهناك القليل من المؤشرات الدالة على أنها سوف تُجرى في أي وقت قريب.عمّقت عملية «الجرف الصامد» في قطاع غزة بين يوليو وأغسطس 2014 الصدع بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين حماس والسلطة الفلسطينية. وقد جلبت محادثات وقف إطلاق النار التي أجريت في مصر، بمشاركة وفد فلسطيني مكون من ممثلين عن حماس والسلطة الفلسطينية، كل الخلافات والكراهية المتبادلة إلى السطح. كان عباس سريعًا في انتقاد قائد حماس، خالد مشعل، وأصبح متشابكًا في مواجهة ساخنة معه بقصر أمير قطر. حتى أن الحاجة إلى إعادة البناء في قطاع غزة بعد عملية الجرف الصامد فشلت في أن تكون بمثابة حافز للتصالح بين الأطراف المتنافسة، أو على أقل تقدير، الاتفاق على آليةٍ للتعاون.يقول ميلر أن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وأسلوب الحكم الخاص بالسلطة الفلسطينية يشيران إلى أنهما لم يُنتجا شيئًا سوى السياسة المشوهة، ما يجعل الأمر غير معقول أن نفترض أن السلطة الفلسطينية يمكنها الانتقال بسلاسة إلى دولةٍ فعالة.


أنماط الفشل الوظيفي في السلطة الفلسطينية

يقدم تقريرٌ شاملٌ نشره خليل الشقاقي في فبراير 2014، وأجراه الخبراء الذين فحصوا موقف السلطة الفلسطينية وتوابع انهيارها أو حلها، صورةً بالغة السوء إلى حد كبير. يؤكد التقرير على أن معظم الفلسطينيين يعتبرون السلطة الفلسطينية إنجازًا وطنيًا، ولكنه الكثير منهم يرى أنها لم تحقق هدفيها الرئيسين: أن وسيلة للحصول على الاستقلال الفلسطيني، وبناء مؤسسات الدولة.

علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى قلقٍ متزايد حول قدرة السلطة الفلسطينية على الصمود، والحفاظ على شرعية وجودها، تقديم خدماتٍ للمواطنين الفلسطينيين، والتعامل مع الأزمات، خصوصًا رأب الصدع بين حماس وفتح، وتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة. وبالتالي، يدعو البعض المجتمع الدولي للتخلص من وهم احتمالية إقامة دولة مستقلة ويحذرون من مخاطر ظهور سوريا أو ليبيا أو يمن أخرى على ساحة الشرق الأوسط.

حرص عرفات على الحفاظ على حالة التنافس بين أجهزته الأمنية، حتى يضمن عدم إضعاف نفوذه، مثلما اعتاد أن يفعل أثناء أيام الكفاح المسلح.

يحذر تقرير الشقاقي من النتائج المباشرة لوجود دولة فلسطينية فاشلة، بما في ذلك الانهيار الكامل للقانون والنظام وخسارة دخل قيمته حوالي 3 مليارات دولار تُدفع كمرتبات لعشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية. سيتبع ذلك انهيار القطاع الخاص، والبنية التحتية للكهرباء والمياه، والمحاكم، وأنظمة الرعاية الصحية والمدارس، وهو ما سوف يؤدي بالضرورة إلى زيادةٍ كبيرة في معدلات الجريمة والفقر. وفي ظل هذه الظروف، سوف يصبح القانون حتميًا في يد «الميليشيات المسلحة»، ما سوف يؤدي إلى احتمالية متصاعدة لحدوث تصادمٍ عنيف بين إسرائيل والفلسطينيين. تشير نتائج هذا التقرير أيضًا إلى أن العديد من الفلسطينيين يعتبرون السلطة الفلسطينية كيانًا يخدم مصالح قطاعٍ ضئيل ودائرة صغيرة من النخب القوية المتمتعة بالامتيازات المالية والسياسية على حساب الفلسطينيين العاديين في الشارع.على الجانب الآخر، تمثل السلطة الفلسطينية حالةً فريدة من نوعها: فهي كيان شبه دولة تم تأسيسه بموجب اتفاقٍ بين الجانبين في النزاع.وضعت اتفاقات أوسلو، وهي في الأساس مؤقتة، الأساس النظري المتفاوض بشأنه لتأسيس السلطة الفلسطينية وتحديد أراضيها ومسئوليتها، بما في ذلك هيكلها التنظيمي والسياسي. ولكن منذ البداية، كان واضحًا لإسرائيل ومنظمة التحرير أن السلطة الفلسطينية سوف تكون غير قادرة على بناء ذاتها والتطور دون مساعدةٍ دولية.وبالفعل، استجاب المجتمع الدولي للنداء، وضخ منذ تأسيس السلطة في مايو 1994، مبالغ طائلة. قُدّم معظم المساعدات كمساعداتٍ مالية مباشرة إلى السلطة الفلسطينية؛ بعضها تم تحويلها كدعم مالي لمشروعاتٍ محددة تُدار بشكل شبه حصري بواسطة السلطة؛ وبعضها تم استثماره في مشروعاتٍ تهدف إلى تدريب وتوجيه العاملين في الحكومة والأجهزة الأمنية، سواء في أراضي السلطة أو خارجها.خلال سنوات حكم عرفات، وجد المجتمع الدولي صعوبةً في إجراء أي نوع من مراقبة الجودة على كيفية استخدام المساعدات. خلّد عرفات الثقافة السياسية الثورية وجعل عملية التنظيم المؤسسي والتحول من الثورة إلى الدولة صعبًا للغاية.في الواقع، منذ تشكيلها، أثبتت السلطة الفلسطينية باستمرار عدم جاهزيتها أو قدرتها على تأسيس احتكارٍ للاستخدام الشرعي للقوة في أراضيها – وهي سمة رئيسة مميزة للدولة الناجحة. حرص عرفات على الحفاظ على عدة آليات متنافسة، خصوصًا في مجال الأمن، من أجل منع قوة الحكم من اللامركزية التي سوف تؤدي بأي شكل إلى إضعاف نفوذه. مثلما اعتاد أن يفعل أثناء أيام الكفاح المسلح والمقاومة الثورية، حرص على تقسيم المنظمات والآليات التي أسسها وإبقاءها منفصلة. ونجح في ضمان سيطرته عن طريق آلية «فرّق تَسُد»، وعبر السيطرة بيدٍ حديدية على الموارد. وضع عرفات الأساس المنطقي الذي يتعارض جوهريًا مع الأساس المنظم للدولة، من حيث استدام الفساد، وعدم الكفاءة، ونقص الشفافية، ما فاقم الاغتراب الذي شعر به الفلسطينيين تجاه السلطة الفلسطينية وقادتها.

ظهرت أولى علامات التغيير الإيجابي في سلوك السلطةالفلسطينية فقط بعد تعيين سلام فياض وزيرًا للمالية، ثم رئيسًا للوزراء.

لم يُحدث انتخاب أبو مازن رئيسًا للسلطة الفلسطينية بعد موت عرفات تغييرًا جذريًا في سلوك السلطة الفلسطينية. بل ظهرت أولى علامات التغيير الإيجابي فقط بعد تعيين سلام فياض وزيرًا للمالية، وظهر المزيد منها بعد انتخابه رئيسًا للوزراء. لكن استيلاء حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 عطّل بالكامل أي فرصةٍ كانت أمام حكومة السلطة الفلسطينية للتأثير على الأحداث في قطاع غزة، أجبر السلطة الفلسطينية على تحويل مبالغ طائلة لموظفي السلطة الفلسطينية السابقين الذين يعيشون في غزة ويتلقون الأموال دون مقابل، وألحق خسائر شديدة بميزانية وموارد السلطة الفلسطينية.علاوة على ذلك، ينقص السلطة الفلسطينية الموارد الطبيعية، ويعتمد اقتصادها بشكل كامل على الاقتصاد الإسرائيلي، سواءٌ بسبب توظيف 150,000 عامل (بتصاريح أو بدونها) في إسرائيل والمناطق الصناعية في مستوطنات الضفة الغربية، أو لأن السوق الإسرائيلي هو سوق الصادرات الأهم للسلع الفلسطينية. يرتفع مستوى البطالة وسط الجيل الشاب المتعلم بشكل خاص؛ الزراعة تقليدية وتفتقد الميكنة والابتكار؛ والبنية التحتية الوطنية والعامة غير متطورة.قررّ المجتمع الدولي – الذي أدرك في مرحلة ما أن الأموال الطائلة التي كان يجمعها لصالح السلطة الفلسطينية كانت تسقط في هاوية بلا قرار – تغيير نهجه واتخاذ موقفٍ أكثر صرامةً بالنسبة لاستخدام السلطة الفلسطينية للمساعدات. ووجد المجتمع الدولي روحًا مشابهة لدى رئيس الوزراء فياض، أثناء مدته في منصبه، حيث تم بذل جهودٍ حقيقية لبناء المؤسسات، وتدريب الأجهزة الأمنية، وتحسين آليات إنفاذ القانون وجمع الضرائب.كان ذلك واضحًا أيضًا في وثيقة أساسية كتبتها السلطة الفلسطينية في أغسطس 2009 تحت قيادة وتوجيه فياض. لكن هذه الجهود أبعدت كبار مسئولي منظمة التحرير الفلسطينية وفتح عن مصادر النفوذ والأموال، وحوّلت فياض إلى عدوهم اللدود. نجحوا في القضاء عليه سياسيًا، وأجبروه على الاستقالة.بعد 20 عامًا من الدعم السخي للسلطة الفلسطينية (وهو أعلى تمويلٍ للفرد الواحد تم تقديمه مطلقًا لدولةٍ أو لشعب)، فشلت السلطة الفلسطينية في بناء البنية التحتية اللازمة لتأسيس دولةٍ مستدامة وفعالة.