العيوب الخلقية في القلب من أهم الأمراض التي تظهر لدى الأطفال حديثي الولادة، وقد تؤثر على حياتهم ومستقبلهم بشكلٍ خطير إن لم تُكتَشَف مُبكَّرًا، وتم التدخل جراحيًا وطبيًا للتعامل معها في الوقت المناسب. وتلك العيوب الخِلقية ليست نادرة الحدوث، ففي بريطانيا على سبيل المثال يُعاني منها 1% من المواليد.

عادةً ما يتم اكتشاف وجود العيوب الخِلفية الأخطر أثناء الحمل، ويتأكد تشخصيها بالموجات الصوتية على قلب الجنين fetal echo، أو يُشخَّص في الساعات الأولى بعد الولادة عندما يسمع طبيب حديثي الولادة لغطًا- صوتًا غير طبيعي- بالسماعة صادر من قلب المولود، أو تلاحظ الممرضة أو الأم ازرقاق المولود cyanosis، فيُطلب إجراء الموجات الصوتية على القلب (إيكو) والتي تؤكد أو تنفي وجود المشكلة.

لكن في حالات أخرى كثيرة من العيوب الخلقية، لا تظهر الأعراض الشديدة بتلك السرعة على المولود، ولا تبدأ صحته بالتأثر بالعيب الخلقي بالقلب إلا بعد أسابيع أو أشهر، حيث يتأثر جودة رضاعته أو وزنه أو طوله أو مجهوده… إلخ، وفي تلك الحالات يكون لوعي الأم وحسن مراقبتها لطفلها دورٌ مهم في توجيه الطبيب إلى وجود المشكلة، واكتشافها في الوقت المناسب، قبل أن ينجم عنها تأثيرات صحية دائمة، وهذا ما سنتناوله هنا في تلك المساحة.

مرحلة ما قبل الولادة

كما نعرف جميعًا ونُردِّد كثيرًا، الوقاية خيرٌ من العلاج. ورغم وجود بعض العوامل الوراثية والمرضية التي لا يمكن التحكم فيها من أجل منع حدوث العيوب الخِلقية في القلب، لكن هناك عوامل أخرى يمكن للأم الحامل أن تتجنبها، فتقلِّل فرص إصابة جنينها بتلك العيوب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  • تجنب تعاطي أي أدوية أو عقاقير أثناء الحمل، لا سيَّما في الشهور الثلاثة الأولى التي تتشكّل فيها البنى الأساسية لجسم الجنين، إلا للضرورة القصوى وبأمر الطبيب، وتحت إشرافه، بعد أن يُراجع علاقة هذا الدواء باحتمالية الإصابة بالعيوب الخلقية، وموازنة الضرر المحتمل، بالفائدة الجوهرية للدواء.
  • تجنب الإصابة بالأدوار الفيروسية المختلفة، مثل الحصبة الألمانية، والجديري… إلخ، لا سيَّما في الشهور الأولى، حيث إنها تزيد فرص الإصابة بالعيوب الخلقية لا سيَّما في القلب. ومن أجل هذا فعلى الأم الحصول على التطعيمات المُتاحة كافة قبل الزواج والحمل.
  • تعاطي الفيتامينات والمكملات الغذائية التي يصفها طبيب أمراض النساء، لضمان وصول المغذيات الأساسية التي يحتاجها نمو الجنين في المراحل الأولى الحرجة، لا سيَّما حمض الفوليك، في شهور الحمل الثلاثة الأولى، حيث يلعب الفوليك دورًا في تقليل فرص إصابة الجنين بالعديد من العيوب الخِلقية في القلب وسواها.
  • متابعة سكر الدم أثناء الحمل بشكل دوري، وطلب المشورة الطبية والالتزام الجيد بالتعليمات الطبية في حالة تشخيص الإصابة بسكر الحمل، أو لو كانت الأم مُصابة بالفعل بمرض السكر أثناء الحمل. فارتفاع سكر الدم لدى الحامل من أبرز عوامل الإصابة بالعيوب الخلقية لدى الأجنة لا سيَّما في القلب.
  • الامتناع عن التدخين بشكلٍ تام، وكذلك الامتناع عن تعاطي الكحوليات.
  • يُفضَّل تجنب الحمل بعد سن 35 عامًا، فهذا يزيدُ من فرص الإصابة بمتلازمة داون، والتي كثيرًا ما يصاحبها الإصابة ببعض العيوب الخِلقية في القلب.

مرحلة ما بعد الولادة

هناك العديد من العيوب الخِلقية التي يُمكِن أن تصيب القلب، وهي تختلف كثيرًا في مدى تأثيرها قصير وطويل المدى على حالة القلب، وصحة الطفل، وكذلك في طرق العلاج وتوقيته. ودون الخوض في تفاصيل طبية عويصة، فإن تلك العيوب تشمل الثقوب في أحد جدران القلب، أو ضيق أو انسداد تام في أحد صمامات القلب لا سيما الأورطي أو الرئوي أو ثلاثي الشرفات… إلخ.

ولعل أخطر أنواع تلك العيوب الخلقية هي العيوب المُركَّبة التي تؤثر على نسبة تشبع الدم بالأكسجين، فيُصاب الطفل بالازرقاق والاختناق لأقل مجهود، ومن أمثلتها تبدل تموضع الأوعية الدموية العظمى TGA، أو رباعي فالوت… إلخ.

وتعتمد المؤسسات الصحية الدولية، مثل المركز الأمريكي للوقاية من الأمراض CDC، على جهاز قياس نسبة تشبع الدم بالأكسجين، كوسيلة تشخيصية سريعة ومتاحة للكشف المبكر عن وجود عديد من العيوب الخلقية القلبية المُركبَّة، والتي تُسبِّب ازرقاق الدم نتيجة انخفاض نسبة الأكسجين في الدم. فإذا أكّد الجهاز انخفاض نسبة الأكسجين، يُخضَع الطفل لإجراء الموجات الصوتية على القلب (إيكو)، والذي يُشخِّص العيب الخلقي بدقة.

ودور الأم والأب الأهم في هذه القصة، يبدأ أولًا بزيادة الوعي والمعرفة عن تلك الأمراض من المصادر الموثوقة، ثم الملاحظة الجيدة لطفلهما المولود، للتعرف المبكر على العلامات والأعراض التي تُرجِّح وجود أحد تلك العيوب الخلقية، ومنها:

  • ازرقاق الطفل أثناء الرضاعة.
  • ضيق تنفس الطفل أثناء الرضاعة وعجزه عن إكمال الرضاعة لوقتٍ كافٍ، وكذلك ضيق التنفس لأقل مجهود حركي.
  • تسارع ملحوظ في معدلات تنفس أو ضربات قلب الطفل.
  • تورم الساقين أو البطن أو حول العينيْن.
  • تأخر في نمو الطفل الذهني أو الجسماني، والعجز عن تحقيق الزيادة المتوقعة في وزن الطفل أو طوله بالنسبة إلى سنه.

إذا ظهرت أي من العلامات السابقة، فيجب طلب المشورة الطبية من طبيب أطفال مختص، والذي يمكن بالكشف على الطفل، وسماع أصوات قلبه بالسماعة، أن يشك في وجود العيوب الخلقية القلبية، ومن ثمَّ يوجِّه الطفل إلى مشورة طبية أكثر تخصصًا لإجراء الموجات الصوتية على القلب (الإيكو) وطلب رأي طبيبٍ مختص في قلب الأطفال والعيوب الخلقية.

ومن أهم ما يُنصَح به الوالدان الحفاظ على الثبات الانفعالي والتركيز الذهني بعد تأكيد تشخيص إصابة طفلهما بعيبٍ خلقيٍّ ما في القلب، وذلك ليتمكنا من رعايته بشكلٍ جيد، واتخاذ القرار المناسب لصحته ولمستقبله بعد النقاش الفعّال مع الطبيب.

وفي هذا السياق نطمئن الآباء والأمهات أن بعض العيوب الخلقية بالقلب مثل الثقوب الصغيرة في الجدار بين الأذينيْن أو بين البطيْنيْن، لا تحتاج إلى تدخل طبي أو جراحي، وتلتئم ذاتيًا خلال أشهر أو سنوات.

توصيات للآباء والأمهات في حالات الإصابة

أولًا: النقاش الجيد المثمر مع الطبيب حول الحالة المرضية، ومضاعفاتها، والعلاجات الدوائية والجراحية المتاحة، ومزايا وعيوب التدخل العاجل أو المتأخر. والالتزام بالتعليمات الطبية في ما يخص الطعام والدواء… إلخ.

ثانيًا: ضمان تغذية جيدة للطفل، حيث إن النمو الجيد للطفل يجعله أكثر تحملًا للتدخلات الجراحية إن استلزَمتْ حالته المرضية مثل هذا، وعادةً ما يحتاج الطفل المصاب بعيبٍ خلقي في القلب إلى جهدٍ أكبر من الأم في تغذيته، حيث يُصاب بالإجهاد سريعًا أثناء الرضاعة، فيُفضَّل إرضاعه بعددٍ مراتٍ رضاعة أكثر مع تقليل وقت الرضعة الواحدة، وإلى جانب الرضاعة الطبيعية، يمكن تعويض جسمه ببعض الألبان الصناعية المُعزَّزة جيدًا بالمغذيات المفيدة بعد مراجعة الطبيب المُختص. ويجب التمسك بشكلٍ أساسي بالرضاعة الطبيعية، فهي أقل جُهدًا على الطفل، وأكثر إفادة له بالمغذيات والمناعة والأكسجين.

ثالثًا: مناعة الأطفال المصابين بعيوب خلقية في القلب تكون أضعف من نظرائهم غير المصابين بها، ولذا فالإصابة بالأدوار المرضية المتكررة لا سيما الالتهاب الرئوي البكتيري، شائع لديهم. ويجب بذل الجهد في تجنب هذا، من خلال التدفئة الجيدة لأجسامهم، ومنع اختلاطهم واحتكاكهم بغيرهم من الأطفال أو الكبار، لا سيما في فصل الشتاء الذي يشيع فيه الإصابة بالأمراض التنفسية بمختلف أنواعها.

اقرأ: كيف نقي أجسامنا من أمراض الشتاء؟

رابعًا: في حالة إجراء الطفل بنجاح لعملية جراحية أو تدخل بالقسطرة القلبية لعلاج العيب الخلقي الذي أُصيبَ به، فيجب على الوالديْن المتابعة مع الطبيب بصفة دورية للاطمئنان على حالة القلب على المدى الطويل، إذ قد تظهر بمرور السنوات بعض المضاعفات طويلة المدى للعيب الخلقي أو للإجراء الطبي الذي عوُلِجَ به.