الشتاء على الأبواب، هذا خبرٌ سار لعشاق هذا الفصل، خاصة الحالمين بنزهةٍ برفقة الحبيبة تحت رذاذ المطر المنعش الذي يجدد الروح. لكن للأسف ليس الشتاء دائمًا بهذه الروعة، خاصة في نظر الأطباء، والذين يعتبرونه موسمًا متميزًا لطائفةٍ متنوعة من الأمراض، خاصةً تلك التي تستهدف الجهاز التنفسي، والتي تبدأ بالإنفلوانزا بمختلف أنواعها، ودرجات شدتها، ومضاعفاتها، مرورًا بالنزلات الشُّعبية، ونوبات الربو الشعبي الحادة التي قد تدفع الكثيرين خاصة الأطفال إلى حافة الخطر، وانتهاء بالالتهاب الرئوي البكتيري، والذي قد يسبب حدوث الفشل التنفسي، والوفاة، خاصةً لدى الشرائح العمرية الصغيرة، أو كبار السن، أو المصابين بالأمراض المزمنة كضعف عضلة القلب أو السكري .. إلخ، والذين يعدُّون بالملايين.

نلوك جميعًا عبارة «الوقاية خيرٌ من العلاج» إلى حد الابتذال أحيانًا، لكنها تفرض نفسها دائمًا وأبدًا الركنَ الركين للممارسة الطبية السليمة. في السطور التالية، سنتحدث عن خطواتٍ سهلة وسلسة، يمكن للجميع تطبيقها، ستجعل الشتاء يمر على صحتنا مرور الكرام. بالطبع لن نتحدث عن المنع التام المُبرَم لكافة أمراض الشتاء المذكورة، لكن على الأقل تقليل فرص حدوثها، وتقصير مدة الدور عند وقوعه، وسرعة الشفاء، وتجنب وقوع المضاعفات الخطيرة.

الطعام أولًا وأخيرًا

يكاد هذا العنوان الفرعي الذي يتحدث عن أهمية الطعام، أن يكون مقرَّرًا ثابتًا في كل مواطِن الحديث عن وقاية صحتنا من الأمراض. الطعام هو وقود خلايا المناعة في أجسامنا، والتي تتولّى الدفاع عنها ضد الميكروبات التي تنقل العدوى، بكل أنواعها.

هناك أطعمة معينة يمكن أن تساهم بشكلٍ فعال في الوقاية من أمراض الشتاء خاصة الإنفلوانزا، مثل الخضروات الورقية بمختلف أنواعها، والتي أظهرت الدراسات أنها تحسن كثيرًا من رد الفعل المناعي ضد الأمراض، ومن جاهزية خلايا المناعة لمواجهة الميكروبات.

كذلك تساهم الأطعمة الغنية بفيتامين سي، مثل البرتقال والجوافة والفراولة والجريب فروت والفلفل والطماطم، في تقوية جهاز المناعة، وتقليل فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلوانزا، وكذلك في تسريع الشفاء من أدوارها عند الوقوع.

والغذاء الصحي المتوازن، المرتكز أساسًا على الخضروات والفواكه الطازجة والأسماك والبيض والألبان قليلة الدسم، واللحوم البيضاء، والحمراء غير السمينة، يفيد الصحة على العموم، ويقلل فرص الإصابة بالأمراض المزمنة التي تؤثر على المناعة والصحة مثل داء السكري.

اقرأ: طعامُك .. الداء والدواء

تجنب الإصابة بالأمراض التنفسية خاصة لمرضى الصدر والقلب

يعتبر المصابون بالأمراض المزمنة خاصة أمراض الصدر، مثل الربو الشعبي المزمن، والسدة الرئوية المزمنة، وكذلك مرض السكر، وأيضًا أمراض القلب، بالأخص ضعف عضلة القلب، أكثر عرضةً من نظرائهم الأصحاء للإصابة بالنزلات الشعبية، والالتهاب الرئوي بمختلف مسبباته ودرجات شدته، وكذلك يمثل الالتهاب الرئوي خطورةً مضاعفة في هؤلاء المرضى، نتيجة الضعف النسبي لجهاز المناعة لديهم، مما يضاعف فرص حدوث المضاعفات التي قد تعرض الحياة للخطر، مثل الفشل التنفسي الحاد، والصدمة التسممية التي تسبب هبوطًا شديدًا في الدورة الدموية.

تلك الشرائح المذكورة من المرضى عليهم، بجانب الالتزام الجيد بالعلاجات الموصوفة لحالاتهم المرضية، والبعد التام عن التدخين بكافة أنواعه، أن يتجنبوا ما استطاعوا الإصابة بأمراض الشتاء، وذلك بارتداء الملابس الثقيلة، والحذر من تقلبات الجو والبرد والحرارة، وبالطبع التغذية الجيدة، والالتزام بتعاطي لقاح الإنفلوانزا الموسمي بشكلٍ سنوي قبل بداية الشتاء، أو في أول دخوله.

اقرأ: وباء تنفسي يضرب أمريكا .. والسجائر الإلكترونية هي السبب

تطعيم الإنفلوانزا الموسمية

فيروسات الإنفلوانزا من أكثر الفيروسات قابليةً للتحور، ولذلك تظهر فصائل جديدة منها كل موسم. في كل عام، يُطوَّر نسخة جديدة من تطعيم الإنفلوانزا الموسمي متوافقة مع الأنواع الأكثر انتشارًا من فيروس الإنفلوانزا حسب كل بلد.

يضع هذا التطعيم جهاز المناعة في وضع الاستعداد لمواجهة فيروسات الإنفلوانزا، ويحسّن رد الفعل المناعي ضدها، وبالتالي فهو إن لم يمنع الإصابة بالإنفلوانزا بشكلٍ كامل، فعلى الأقل سيقلل حدة الأعراض، ومدة الإصابة، وأضعف الإيمان أن يقلل كثيرًا من فرص تطور المضاعفات الخطيرة.

ويُنصَح بهذا التطعيم على الأخص لأصحاب الأمراض المزمنة كما ذكرنا، وكذلك للأطفال من سن 6 أشهر إلى 5 أعوام، ولكبار السن فوق 50 عامًا، وللحوامل، وللعاملين في مجالات الصحة كالأطباء والممرضين، ولمرضى السرطان بمختلف أنواعه.

اقرأ أيضًا: مائة عام على الإنفلوانزا التي أزهقت مائة مليون روح

النشاط المعتدل

يتصور البعض خطأ أن البقاء في المنزل هو الأسلم طوال موسم الشتاء، خاصة عندما يشتد البرد، بينما العكس هو الصحيح. ارتدِ الملابس الثقيلة المتناسبة مع درجة البرودة، واخرج وتحرك، ولو نصف ساعةٍ من المشي، خمسة أيام في الأسبوع. الحفاظ على هذا الحد الأدنى من المجهود المعتدل مفيد للصحة، ويرفع كفاءة الدورة الدموية، فيساعد في ضخ الدم جيدًا في كافة أنحاء الجسم، بما يحمله من مغذياتٍ، ومن خلايا مناعية، مما يساهم في تقوية المناعة. كذلك تُحسّن الرياضة الحالة المزاجية والمعنوية، وهذا يسهم بشكلٍ غير مباشر في تحسين المناعة.

أظهرت دراسة منشورة في الدورية البريطانية للطب الرياضي، أن ممارسة التمارين الرياضية 5 أيام أسبوعيًا، يسهم في خفض فرص الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي العلوي بنسبة تقترب من 50%.

النوم الجيد

ليس معنى النشاط وبذل المجهود أن نُغفِل النوم الجيد، لحوالي 6-8 ساعاتٍ يوميًا، فالنوم الجيد هام للغاية لتجديد أنسجة وخلايا الجسم، ومنها خلايا المناعة، والتي تنشط ضد الميكروبات أثناء راحة الجسم ونومه، مما يساهم في الوقاية من الأمراض الشائعة، وتسريع الشفاء منها إن وقعت. الحرمان من النوم الجيد يمثل ضغطًا سلبيًا شديدًا على جهاز المناعة.

غسل اليدين بشكلٍ سليم

التعود على غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، لمدة لا تقل عن 20 ثانية، بعد العودة من الخارج، أو عند ملامسة أي سطح غريب، لا غنى عنه للحفاظ على صحتنا خاصةً في الشتاء. إن أسطح المكاتب، ومقابض الأبواب والأدراج، والأقلام، ولوحات المفاتيح .. إلخ ما نستخدمه على المشاع في حياتنا اليومية، يمكن أن يكون ملوثًا برذاذ يحتوي على البكتيريا والفيروسات الضارة، والحل الأول والأخير لمنع انتقال مثل هذا إلينا هو بغسل اليدين جيدًا مما قد يكون قد عَلِقَ بهما. ويمكن أيضًا تطهير اليدين أولًا بأول بمعقمات اليد Hand sanitizers، ذات الروائح العطرة، فهي تحتوي على الكحول القاتل لمعظم الميكروبات الضارة.

لا تنسَ المسافة الآمنة

إذا جمعك ظرفُ معين بأحد المصابين بالبرد أو الإنفلوانزا الشائعة في الشتاء، أو كنت تزور مريضًا في المشفى، فاحرص دائمًا على أن تبتعد لمسافة لا تقل عن متر ونصف، إذ إن الرذاذ المعدي قادر على قطع متر أو أكثر والوصول إليك، والأفضل كذلك تجنب المصافحة باليد عمومًا، وفي الشتاء بشكلٍ خاص.

احذر الضغوط النفسية

عندما نكون فريسةً للضغوط النفسية والبدنية بشكلٍ مستمر، فإن غددنا الصماء تفرز كمياتٍ كبيرة من هرمونات الضغط، مثل الكورتيزون، والتي تضعف خلايا المناعة، وتوهن رد الفعل المناعي ضد الميكروبات، مما يجعل أجسامنا عرضةً للإصابة بالأمراض المعدية، وموسم كالشتاء يحمل خطورة مضاعفة.

يخبرنا الطب النفسي أن التفاعل الإيجابي مع أحبابنا، وقضاء الأوقات اللطيفة والضحك الصادق، يساهم بشكل مباشر في تحسين مناعتنا ضد الأمراض الجسمانية، وليس النفسية والمعنوية فحسب.

العلاج الفوري لأدوار البرد والإنفلوانزا بمجرد الإصابة بها

عن الإصابة بأدوار البرد أو الإنفلوانزا شديدة الشيوع في فصل الشتاء، يجب عدم الاستهانة بها، والبدء فورًا بالعلاج الفعال لها، حتى لا تمثل ضغطًا على جهاز المناعة دون داعٍ. يعتقد البعض أن العلاج الفوري هنا يعني تعاطي مضادٍ حيوي، وهذا خطأ فادح شهير، فالمضادات الحيوية لا تحارب إلا البكتيريا، في حين أن البرد والإنفلوانزا أمراضٌ فيروسية، وإساءة استخدام المضادات الحيوية في غير موضعها يقلل من شدة رد الفعل المناعي الطبيعي، كما يسبب الضرر لبعض البكتيريا النافعة الموجودة طبيعيًا في أجسامنا خاصة في الجهاز الهضمي، والأخطر أنه يعرضنا لظهور سلالات من البكتيريا الضارية، المقاومة لكافة أنواع المضادات الحيوية.

اقرأ: مجموعة البرد .. هيا ندمر الصحة ونغذي البكتيريا

واقرأ: سوء استخدام المضادات الحيوية .. انتحار جديد للإنسانية

العلاج الأمثل هنا هو الراحة ما أمكن لحين تحسن الأعراض، والنوم الجيد، والطعام الصحي المتوازن كما بيّنا، ويمكن تعاطي المسكنات المضادة للالتهاب، وخوافض الحرارة للسيطرة على الأعراض، وتقصير مدة الدور.