بريق استثنائي يتراقص في عينيْ كل أم عندما تسمع تلك الجملة السحرية: «هذا الطعام/الفاكهة/العصير غني بفيتامين سي». لهذا ستقدمه إلى أطفالها طوعًا أو كرهًا، شاعرةً بأنها قد أكملتْ لهم واجبَ الأمومة، وأتمّتْ عليهم نِعَم التغذية والمناعة. لكن هل يستحق فيتامين سي، والأطعمة الغنية به كل تلك السمعة الحسنة؟الأسئلة والأجوبة التالية سترد على هذا السؤال.

1. ما فيتامين سي؟

اسمه العلمي حمض الأسكوربيك، وهو فيتامين يذوب في الماء، فلا غرْوَ أن يتوافر بكثرة في العديد من الفواكه الغنية بالمياه كالجوافة، والكيوي، والحوامض كالبرتقال، وكذلك يتوافر في بعض الخضروات الورقية مثل البروكلي، والسبانخ.

2. لماذا يجب تناول الأطعمة الغنية بفيتامين سي؟

لأن أجسامنا غير قادرة على إنتاجه، ولا يمكن أيضًا تخزين احتياطياتٍ منه في خلايانا. فلا بد أن نحصل عليه حصريًا، وأولًا بأول، من المصادر الخارجية، وأهمها الطعام بالطبع.

3. ما الجرعة اليومية المطلوبة من فيتامين سي؟

هناك مدىً واسع من الآراء في هذا، وكذلك تختلف حسب الجنس والعمر والوزن وبعض الأحوال الخاصة كالحمل والرضاعة. عمومًا، فمتوسط الجرعة اليومية للذكر البالغ 90 – 100 ملجم، وللأنثى 75 – 80 ملجم.

4. ما أهم المصادر الغذائية الغنية بفيتامين سي؟

قائمة عريضة من الفواكه والخضروات الطازجة الغنية بفيتامين سي. البرتقال والجريب فروت والكنتالوب والفراولة والجوافة، والطماطم، والبروكلي، والسبانخ، والفلفل، والبطاطس… إلخ. جديرٌ بالذكر أن الطهي، يقلل من نسبة فيتامين سي الذي نحصل عليه من تلك الأطعمة، حيث إن الحرارة تتلف هذا الفيتامين.

5. لماذا فيتامين سي؟

فوائد عديدة يقدمها هذا الفيتامين متعدد المواهب لأجسامنا:

أولًا: يعتبر من مضادات الأكسدة، والتي رغم تباين الآراء حول مدى فائدتها، فلا خلاف على أنها بقدرٍ ما تحسن وظائف المناعة، وتطيل عمر خلايا الجسم، وتقلل فرص الإصابة بالأمراض المزمنة، ومضاعفاتها.

ثانيًا: يلعب فيتامين سي دورًا مركزيًا في تصنيع بروتين الكولاجين، البروتين الأكثر تواجدًا في جسم الإنسان، والذي يعتبر أهم المكونات في الأنسجة الضامة، التي لا غنى عنها لشكل ووظائف الجلد والعضلات والأوتار والأربطة.

ثالثًا: يساهم في حماية القلب من الجلطات، عن طريق تحسين أيض الكوليسترول، وتقليل الضار منه، وكذلك الإسهام ولو بشكلٍ طفيف في السيطرة على ارتفاع ضغط الدم.

رابعًا: يقلل فرص الإصابة بالنقرس، حيث يحدّ من تكون حصوات حمض اليوريك، ويقلل نسبته في الدم.

خامسًا: يحسن من مناعة الجسم ضد الأمراض، بالحفاظ على سلامة الجلد، خط الدفاع الأول، وسرعة التئام جروحه، وكذلك عن طريق تحسين عدد وكفاءة كرات الدم البيضاء.

سادسًا: تقليل فرص الإصابة بأنيميا نقص الحديد، حيث يسهم في زيادة امتصاص الحديد من الجهاز الهضمي.

وما ذُكِر هو غيضٌ من فيض.

6. متى يجب تعاطي فيتامين سي كدواء؟

حالات مرضية معينة، يكون تعاطي جرعات كبيرة من فيتامين سي جزءًا من علاجها، أولها بالطبع، مرض الإسقربوط الناجم عن النقص الشديد في فيتامين سي. هناك حالات وراثية نادرة، يسهم تناول فيتامين سي للرضع والأطفال الصغار، في السيطرة على أعراضها ومضاعفاتها، مثل مرض تراكم حمض التيروسين الأميني في الدم tyrosinemia.

بالنسبة للكبار، فهو يساهم في علاج ضعف الإبصار لدى العجائز نتيجة تحلل بؤرة العين مع تقدم العمر، وكذلك في علاج خشونة المفاصل. كما أنه يقي – كدواء وكمستحضرات موضعية – من ضربات الشمس وحروقها بالجلد، ومن تجاعيد الشيخوخة.

كذلك يساهم في علاج التسمم بالرصاص، وارتفاع الكولسترول، وضغط الدم، ومرض النقرس، وآلام الأطراف.

أما ما يتردد عن إسهامه في علاج أنواعٍ عديدة من السرطانات ومنها سرطان الجلد، والتئام كسور العظام، والوقاية من الإجهاض، وموت الأجنة بالرحم، إلخ، فلا أدلة علمية تدعمه.

7. هل فيتامين سي هو الحل الأمثل لنزلات البرد؟

يؤسفني أن أسبب بعضَ الإحباط لأمهاتنا العزيزات في تلك الفقرة. في النصف الثاني من القرن العشرين، ساد اعتقادٌ طبي – دون أبحاث كافية – أن تناول كميات ضخمة من فيتامين سي يساهم بشكلٍ جذري في الوقاية من، وعلاج نزلات البرد. أثبتت الأدلة العلمية اللاحقة أن الاعتقاد السابق يحمل من المبالغات أكثر مما يحمل من الحقائق، ففيتامين سي مفيد بلا شك في هذا السياق، لكن ليسَ له التأثير الساحر الذي يتصوره البعض.

بالفعل يمكن لجرعات كبيرة من فيتامين سي أن تساهم بجانب الراحة، والغذاء الجيد، والمشروبات الدافئة، في تسريع الشفاء من دور البرد بنسبة 10 – 20%، وتقليل شدة الأعراض كذلك. لكن أثبتت نتائج عشرات الدراسات، أن تناول جرعات كبيرة من الفيتامين للوقاية من نزلات البرد، لا يستند على أساس علمي.

اقرأ: مجموعة البرد .. هيا ندمّر المناعة ونغذي البكتيريا.

8. ما الذي يحدث عندما لا نتناول الكمية المطلوبة من فيتامين سي؟

يسبب نقص فيتامين سي ما يعرف بمرض الإسقربوط scurvy، والذي قد تظهر أعراضُه خلال أسابيع قليلة في حالة النقص الشديد في فيتامين سي لأقل من 10 – 20 ملجم يوميًا. تبدأ أعراض المرض بالشعور المستمر بالإجهاد، والغثيان، ثم يبدأ العرض المميز في الظهور، وهو التهابات واحمرار اللثة بالفم. ما تلبث الحالة أن تتطور إلى نزيف تحت الجلد، وصعوبة في التئام الجروح، وتفاقم آلام المفاصل، وضعف بالأربطة والأوتار، وانتفاخ، ونزيف مستمر من اللثة، وأنيميا نقص الحديد. ويمكن أن تصل شدة المرض في حالات نادرة من الإهمال الصحي الجسيم إلى الوفاة.

لحسن الحظ، لم تعد الإصابة بهذا المرض منتشرة كالقرون الماضية، عندما كان مشتهرًا بين البحارين لمسافاتٍ طويلة. فالتغذية أفضل عمومًا في أكثرية أجزاء العالم، وأيضًا يتوافر فيتامين سي دوائيًا بأسعار معتدلة في دولٍ كثيرة، ويتم تعزيز العديد من الأطعمة به، مثل ألبان الأطفال. لكن تهدد ظروف المجاعات والحروب المحتدمة بعودة غير محمودة لهذا الداء.

9. هل هناك آثار جانبية للإفراط في فيتامين سي؟

لحسن الحظ، هذا الفيتامين قليل السُّميَّة، ومن الصعوبة بمكان أن تحدث أضرار جانبية مباشرة له عند الحصول عليه من خلال تناول الطعام، لأن هذا يتطلب أكل كميات ضخمة. لكن يمكن – نظريًا – حدوث تلك الأضرار عند تناول أقراص أو فوَّارات فيتامين سي الدوائية بإفراط.

تتركز تلك الآثار الجانبية بالأساس في بعض اضطرابات الجهاز الهضمي مثل الإسهال، والمغص، والميل للقيء، أو تآكل طفيف في الأسنان، أو حدوث حصوات مكونة من أملاح الأوكسالات بالكليتين، حيث إن الفائض من فيتامين سي يخرج عبر البول على هيئة أوكسالات.

وهناك ضرر خاص بالمرضى الذي يعانون من تراكم الحديد بأجسامهم كمرضى أمراض الدم كالثلاسيميا، حيث يزيد فيتامين سي من امتصاص الحديد، فيفاقم الحالة. غير ذلك، لا تقُم أدلة قوية على آثارٍ جانبية خطيرة، فالأبحاث التي ربطت بين الإفراط في فيتامين سي، والإصابة ببعض السرطانات لا تبدو على درجةٍ عالية من المصداقية.

أيضًا توجد بعض الأدلة المتعارضة حول علاقة فيتامين سي بالأدوية الكيماوية للسرطان. فبعض الدراسات تتحدَّث عن أنه يحد من فعالية بعض تلك الأدوية، في حين تتحدث أُخَر عن أنه مفيد للمرضى، حيث يقلل مقدار الضرر الذي تتعرض له الأنسجة الطبيعية غير المصابة بالسرطان.

الخلاصة 

الحصول على فيتامين سي من الطعام الغني به هو الطريق المثلى للحصول على أكبر قدرٍ من المكاسب منه، وتجنب حدوث الأضرار.