ها هو العام الدراسي الجديد يكشف ستاره معلنًا عودة الحياة في المدارس، وهذا اليوم تستعد له الأسرة بأكملها وليس الطلاب فقط، وكل الآباء والأمهات يبحثون عن الطرق المثلى لتهيئة أطفالهم لاستقبال العام الدراسي بروح جديدة وطاقة وحماس على أكمل وجه، لكن من الصعب تهيئة الطلاب في المرحلة الانتقالية، خاصةً الانتقال من الابتدائية للإعدادية، فبالأمس كانت المدرسة بالنسبة لهم فروضًا بسيطة وكانوا أطفالًا يلعبون، وكانوا يتعلقون بأصدقائهم ومدرساتهم، لكنهم الآن بدأ كل منهم في التحول والتغيير، ليس في نمو عقولهم فقط، بل نمو أجسادهم، فأصبحوا أكثر نضجًا وأصبح لكل منهم تطلعاته وطريقة تفكيره ووجهة نظره.

فلم يعد يصلح أن تظل الأم هي الرقيب الأول على واجبات ابنها، ولم يعد يُجدي أن توجه ابنتها لكل كبيرة وصغيرة، يجب أن تمشي على التعليمات بحذافيرها كما كان سابقًا، فقد زادت المهام وتشعبت، حيث انقسمت الرياضيات إلى جبر وهندسة، وتشعبت العلوم، وأصبح لكل مادة مدرس، فهي مرحلة صعبة على المستوى الأكاديمي والنفسي، فقد تغير كل شيء حوله، حتى جدران غرفة الفصل الدراسي لم تعد مليئة باللوحات والألوان والرسومات، فكل هذا ينعكس على تصرفاته وسلوكياته، سواء في المدرسة أو في المنزل، وهنا يأتي دور الأهل.


تدعيم الأهل

يلزم الأهل تحضير الطفل لهذه المرحلة من قبل الدخول إليها، بأن تدعم الأم طفلها وتعطيه بعض المهام والمسئوليات حتى يعتمد على نفسه في الدراسة وعمل الواجبات المنزلية، فيجب عليه أولًا الاعتماد على نفسه في أموره الشخصية، كترتيب غرفته بنفسه وتنظيم أدواته وألعابه، ويمكن تدريبه على تحضير وجبة خفيفة لنفسه أو تحضير بعض المشروبات، فكل هذه الأمور يستطيع أن يأخذ بها فاصلًا وراحة بين أوقات المذاكرة حتى لا يشعر بالملل، ويحتار الأهل في تنظيم وقت أبنائهم بين المذاكرة والراحة، ويشعرون بالثقل على كاهلهم من تحضير وجبات خفيفة، ويشعرون دائمًا بعدم الراحة.

كما يجب على الأهل الإصغاء لطفلهم وأخذ رأيه في معظم الأمور حتى يشعر أن له كيانًا مستقلًا، وحتى يصف لهم ما يحدث له من مشكلات في المدرسة، ولذا يجب أن يصاحبوه حتى يستطيعوا التدخل في الوقت اللازم، وقبل فوات الأوان.

وهناك بعض الأسر تشعر بالتوتر الزائد، وأن طفلهم لن يستطيع اجتياز هذه المرحلة بمفرده، ويتتبعونه بطريقة مبالغ فيها، كما لو كان في المرحلة الابتدائية من ناحية واجباته، ويجب عليهم فقط أن يقرأوا الملاحظات التي دونها في الفصل ويتركوا له المسئولية ويتفقدوا طريقة عمله لمهامه فقط، فهناك فرق بين التدخل والمساعدة أو الإرشاد، لذا يمكن للأهل أن يضعوا جدولًا للدراسة باستشارة طفلهم، بأن يحددوا كل يوم مادة من المواد ليذاكرها بجانب ما عليه من واجبات.

أيضًا الاتفاق مع ابنهم على تقسيم اليوم إلى أوقات محددة للمذاكرة ووقت للنوم ووقت للعب والتسلية، وتدوين كل هذا في جدول، ويلتزم هو بنفسه بتسجيل ما نُفِّذ، ويتفقد ما دوّنه هو بنفسه، حتى يتعود أن يصبح رقيبًا على نفسه، وحتى لا نقع في مشكلة عدم اكتراث المراهقين بإنجازاتهم أو تفوقهم الدراسي، يجب زرع الاعتماد على النفس وتنمية ضميرهم من الصغر بدلًا من زرع الخوف من الأبوين أو الترهيب، وأيضًا الانتقاد السلبي الدائم لهم من قبل الأهل يفقد المراهق ثقته في نفسه، ويجعله ينفر من الأهل وينفر من توصياتهم.


ممارسة الرياضة

هناك الكثير من الأهالي يمنعون الطفل من التمارين الرياضية عند دخول الدراسة، ويرجعون ذلك إلى أنه وقت مهدر، ومن الأولى أن يتابع دروسه ومذاكرته في هذا الوقت، ولا يعلمون أنه علاوة على أن جسد المراهق مليء بالطاقة الزائدة التي يجب إفراغها، فقد أثبتت عدة أبحاث أن ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية المختلفة بانتظام تؤثر بشكل مباشر على قوة الذاكرة، حيث إنها تزيد من حجم الجزء المسئول عن التعلم والذاكرة في المخ، لذا فإن التمرين يغير الدماغ إلى الأفضل ويطوّر الذاكرة، ويعمل على حماية مهارات التفكير. وقد أظهرت دراسات أن التدريب مرتين في الأسبوع قد يساعد الأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل على التغلب عليه، وتحسين طريقة التفكير لديهم.

كما يمكنك معرفة المزيد عن (تدريبات ضعف الذاكرة).


دور المدرسة

يأتي دور المدرسة في هذه المرحلة العمرية من أهم الأدوار على الإطلاق التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الطلاب، فأولى مهامها أن ترشدهم وتوجههم إلى فهم ما يحدث لهم من تغيرات فسيولوجية ونفسية حتى يستطيعوا التعامل معها بسهولة، ويتغلبوا على ما يجدونه من مشاكل وصعوبات، كما أنه للمدرسة دور مهم في تنمية العلاقات الاجتماعية بين التلاميذ عن طريق إعداد برامج ترفيهية كالرحلات المدرسية والحفلات والمسابقات والأنشطة المدرسية كفريق الكرة والإذاعة والجوالة وما إلى ذلك، فكل هذا يساعد الطلاب حتى يندمجوا في المدرسة وألا يشعروا بالغربة، وخاصة من فقدوا أصدقاء المرحلة الابتدائية ولم يجدوا نفس الأصدقاء الذين اعتادوا عليهم.

كما يجب أن يكون هناك طرق سهلة للتواصل بين الأهل والمدرسة، حتى يفقد الطالب التوتر النفسي أو الضغط الاجتماعي المستمر، كما نرى أن ظاهرة التنمر بين الطلاب قد انتشرت في الآونة الأخيرة، وكل هذا يؤثر على التلميذ ويعيقه عن التقدم الأكاديمي، لذا من مسئولية المدرسة أن ترشد طلابها عن مساوئ التنمر ولكيفية الدفاع عن أنفسهم ضده.


مرحلة متوسطة

تبدو المرحلة الإعدادية هي المرحلة المحيرة، ليس للأهل فقط، ولكن للطفل نفسه، فلا يعرف هل أصبح كبيرًا ويتعامل مثل والديه ومثلما يرى الكبار، أم أنه مازال طفلًا؟ فيأخذ المراهق التخبط بين التحدث والنقاش كما يسمع أهله يفعلون، وأحيانًا أخرى يكتئب ويسكن ويبكي، وقد يفعل مثلما يفعل الأطفال أو إخوته الأصغر تمامًا، لذلك تستمر مرحلة المراهقة في التقلبات السلوكية بسبب التغيرات الفسيولوجية والنفسية، فكلما اعتاد الأهل إسناد مهام له، كما ذكرنا سابقًا، فعل التلميذ كل شيء بجد واجتهاد لنفسه ولرغبته الحقيقية في النجاح، وليس رضوخًا منه لما يرغب فيه أهله ومعلميه.

ومن ثم بعد الوصول لهذه المرحلة يتحول كائنًا كسولًا لا يريد فعل شيء، ولا القيام بواجباته، بل فقط يردد كلمة لا كثيرًا، ولذا يجب على الأهل تجنب ترك الاهتمام به أو قول: “من الآن وصاعدًا واجباتك المدرسية مسئوليتك وحدك”، وأيضًا عدم التسلط عليه ومعاملته كما كان طفلاً، بل فقط علينا الاعتدال، فخير الأمور الوسط.


نصائح مهمة

  • التركيز على قدرات التلميذ لمساعدته على التكيف ومواجهة أي صعاب في هذه المرحلة والوصول للنجاح.
  • التشجيع المستمر من جانب الأهل والمدرسين لكي يشعر بأنه فرد مهم في هذا المجتمع، حتى يتمكن من إخراج أفضل ما لديه.
  • إرشاده للاستفادة من خبراته السابقة، سواء السلبية بالتعلم منها، أو الإيجابية ببناء خبرات أفضل عليها لتطور شخصيته.
  • تجزئة المهام الصعبة إلى أقسام أصغر، ووضع أهداف قريبة المدى حتى يشعر بالإنجاز.
  • الإنصات إليه على أكمل وجه، والاستماع إلى شكواه ومشاركته في اقتراح حلول لها.
  • مساعدته على التواصل مع من مرّوا بهذه المرحلة، لكي يستفيد من خبراتهم، وسرد حكايات سابقة حدثت لكم وأنتم في مثل عمرهم.
  • المحافظة على الاستمرار في التواصل معه ومواكبته في كل ما يحتاجه على الجانب النفسي أو الأكاديمي.
  • المتابعة والتنسيق مع إدارة المدرسة والمعلمين للاطلاع على ما هو عليه حتى يُسَاند ويُدْعَم باستمرار.
  • احذر المبالغة في لوم الطفل عند إخفاقه ونعته بالفاشل، فالهدف هو بناء شخصيته وليس هدمها.
  • عدم المبالغة في ترهيب المراهق من هذه المرحلة، فالتوتر يؤثر عليه بالسلب وليس الإيجاب.
  • عدم الاستهزاء بأحلامه وآرائه مهما كانت صعبة أو خيالية أو تافهة بالنسبة للأهل، بل يجب التحدث معه وبناء الأحلام معهم ووضع أماني حتى تصبح هدفًا له للنجاح.

وكل عام كل طلابنا بخير، وأتمنى لكم عامًا دراسيًّا سعيدًا مليئًا بالنجاح الباهر والإثمار، وأدعو لجميع الطلاب بالتفوق والتقدم.