يوم الحرب هو يوم الحصاد بالنسبة للشيطان.

«ويليام هوك»

وفقا لتقديرات المبعوث الأممي إلى سوريا «ستيفان دي مستورا» فقد بلغ عدد قتلى الحرب التي دخلت عامها السادس نحو 400 ألف شخص، يشير هذا الرقم إلى أن المسألة السورية هي المأساة الأكبر عربيا في العصر الحديث، وإحدى أكبر المآسي الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. نحاول في هذا التقرير أن نرصد التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لتلك الحرب التي أنهكت الدولة والمجتمع.


الخسائر البشرية

بلغ عدد سكان سوريا قبل اندلاع الثورة نحو 21.8 مليون نسمة، ونظرا لعمليات التهجير والنزوح واللجوء والهجرة، وتزايد أعداد الوفيات والإصابات الناتجة عن الحرب، فقد بلغ العدد 21.2 مليونا بحلول منتصف العام 2015، أي حقق النمو السكاني معدلا سالبا بعد أن كانت الإحصاءات تشير إلى إمكانية وصوله إلى 25.6 مليونا. غادر نحو 45 % من السكان أماكن إقامتهم الأصلية، بحثا عن الأمن والسلامة، نزح 60 % منهم إلى داخل البلاد ، وأقام نحو نصف هذا العدد في بيوت مستأجرة، فيما توزع الباقون على مراكز الإيواء الرسمية وغير الرسمية أو تم استضافتهم من قبل الأقارب والأصدقاء. أما فيما يتعلق بالهجرة للخارج، فقد استقبلت تركيا أكبر نصيب من اللاجئين بنحو 2.5 مليونا، تليها لبنان بـ 1.1 مليونا ثم الأردن التي استقبلت حوالي 630 ألفا، فضلا عن توجه أعداد من اللاجئين إلى بلدان أخرى كمصر التي استقبلت أكثر من مائة ألف والعراق التي لجأ إليها نحو ربع مليون سوري، عوضا عن الأعداد الأخرى التي توجهت إلى بلدان الاتحاد الأوروبي سواء بطرق شرعية أو غير شرعية.

http://gty.im/464246526


انهيار القطاع الصحي

مثل القطاع الصحي مثالا حيا لتلك الصورة القاتمة؛ إذ لحقت أضرار كبيرة بالبنية التحتية، والمستشفيات، والصناعة الدوائية، وتعرض كثير من الكوادر الصحية للقتل أو الخطف أو اضطرت للهروب إلى خارج البلاد، بينما يتركز ما تبقى من وجود للأطباء الأخصائيين في المناطق الآمنة من البلاد كدمشق وطرطوس. فيما تعاني المناطق الشرقية والشمالية – الواقعة تحت سيطرة مجموعات المعارضة أو تنظيم الدولة- غيابا كبيرا لتلك الموارد البشرية. ورغم أن كثيرا من تلك الجماعات قد قامت بإنشاء مؤسسات الحوكمة الخاصة بها ومنها الخدمات الصحية، إلا أن ارتباط تلك المؤسسات بحالة العنف السائدة، فضلا عن ضعف البنية الإدارية لتلك التجارب الوليدة، قد لعبا دورا في نضوب موارد الخدمات الصحية؛ ما أدى إلى انهيار القطاع الصحي. وقد كشفت منظمة الصحة العالمية عن حدوث تراجع كبير في الخدمات الصحية في سوريا بعد تدمير 58% من مستشفياتها سواء جزئيًّا أو كليًّا.

http://gty.im/153186352

بحلول نهاية العام 2015، كان واحد من كل عشرة سوريين، قد تعرض للقتل، أو الإصابة، أو التشوه نتيجة النزاع المسلح. ومع انهيار القطاع العلاجي، وتزايد معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، تشير الدراسة إلى ارتفاع معدلات الإعاقة من 2-5% قبل الحرب، إلى 34 %، وهي زيادة مهولة.


لا تعليم في ظل الحرب

تشير دراسة مطولة أعدها المركز السوري لبحوث السياسات إلى أن نحو 45% من الأطفال ممن هم في سن الدراسة قد تخلفوا عن التعليم خلال العام الدراسي 2014-2015؛ إما بسبب خوف الأهل من الظروف الأمنية الصعبة، أو بسبب زيادة الأعباء المالية، أو نتيجة لدمار وتعطل البنية التحتية للتعليم، فضلا عن موجات النزوح والهجرة، ويلاحظ وجود تفاوت في تلك النسب بحسب الظروف الأمنية للمنطقة الجغرافية، فتبلغ نسبة عدم الالتحاق في الرقة ودير الزور مثلا -وهما واقعتان تحت سيطرة تنظيم داعش- نحو 95%، وفي حلب 74% فيما تتمتع المحافظات الآمنة بنسب أفضل، كدمشق 16% و اللاذقية 17% وطرطوس 0%، ويتجه الأطفال إلى العمل للمساهمة في إعالة أسرهم، أو ينخرط البعض منهم في أنشطة مرتبطة بالعنف.

وبحسب الدراسة فإنه بنهاية العام 2015، بلغ إجمالي الأبنية التعليمية المتضررة نحو 35% من البنية التحتية، كان نصيب حلب هو الأكبر منها، فيما سجلت أدنى نسبة في منطقتي طرطوس والسويداء المستقرتين نسبيا، كما تعاني الكوادر التعليمية من النزوح القسري، أو تعرض بعضهم للقتل والاختطاف.

http://gty.im/473400138

تثور المخاوف من أن ظهور جيل من السوريين الذين حرموا من التعليم و نشأوا في ظل ويلات الحرب سيكون له تداعيات كارثية على مستقبلهم الشخصي كما مستقبل البلاد ككل. فمع فقدان المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب، ستتقلص الخيارات المتاحة أمام أولئك الأطفال للالتحاق بسوق العمل أو ممارسة نشاط تجاري.

والأهم من ذلك أنه وفقا لتحليلات عدة، فإن من أهم الأسباب التي تدفع بالأطفال إلى الانخراط في العمل المسلح -فضلا عن تعرضهم للتعذيب أو تأثير العائلة أو اشتراكهم سابقا في أنشطة سياسية- هو أنهم قد حرموا من التعليم، فهم إما يعيشون في مناطق محاصرة لم يعد فيها وجود للمدارس، أو أنهم قد فصلوا من التعليم لأسباب سياسية.

http://gty.im/458584054


كيف يكسب السوريون قوت يومهم؟

لم تقتصر المآسي التي خلفتها الحرب السورية على الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات فقط، بل كان ثمة تأثيرات اقتصادية واجتماعية متعلقة بتغير نمط حياة أعداد كبيرة من السكان وفقدانهم مصادر الدخل -تشير الدراسات إلى أن أكثر من 50% من السكان فقدوا دخلهم في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات-، وقد أدى العدد الكبير من القتلى والجرحى إلى فقدان الكثير من الأسر لعائلها، بعد أن فقد كثير من السكان ممتلكاتهم وأصولهم الإنتاجية؛ نتيجة التدمير المباشر أو حركات النزوح الداخلي أو الهجرة إلى الخارج، وانهارت البنية التحتية في كثير من المناطق وما ترتب عليها من تشريد العمالة أو تقليصها.

فضلا عن الانخفاض الكبير في مصادر الدخل، فقد أدى ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة إلى محدودية قدرة المواطنين على الإنفاق، فباتوا ينفقون أكثر مما يكسبون. ويمكن القول أن مصادر سبل العيش في المناطق السورية تعتمد على مزيج من العمل والمساعدات الإنسانية، كما اعتمد كثيرون لتأمين متطلبات العيش على إنفاق المدخرات وبيع الأصول والاقتراض من الأقارب والأصدقاء، والحوالات من الخارج.

http://gty.im/77843632

إضافة إلى ذلك شاع ما يمكن تسميته بـ«اقتصاد العنف»، حيث تم تدمير «القطاع المنظم» وتوسيع القطاع «غير المنظم»، وانتشرت عمليات التهريب والأنشطة غير المشروعة كاستخراج النفط وتهريب البضائع «وفقا لتقديرات الأمم المتحدة فقد بلغت نسبة الأفراد المنخرطين في أنشطة غير رسمية في نهاية 2012 نحو 80%»، إضافة إلى انخراط عدد كبير من السكان في النشاط المسلح وارتباطهم بشبكاته الاقتصادية والاجتماعية.


السوريون والمنظمات الإغاثية

يضطر كثير من السوريين إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات الإغاثة المحلية والدولية. غير أن هذه المساعدات لا تفي بالغرض لعدة أسباب أهمها عظم حجم الكارثة الإنسانية ومحدودية الموارد المقدمة، كما أن المنظمات المحلية تفتقر للفاعلية نتيجة عدم وجود برامج عمل واضحة وغياب الكفاءات، إضافة إلى صغر حجمها وارتباط تمويلها بسياسات وأجندات الممولين، فضلا عن المخاطر الأمنية التي يتعرض لها العاملون بهذه المنظمات. أما المنظمات التنموية الدولية فليس لها إلا وصول محدود إلى السكان في الداخل السوري؛ الأمر الذي يلجئها إلى الاعتماد على شركاء محليين؛ ويؤدي تعدد هؤلاء الشركاء وتنوع تبعيتهم واختلافهم إلى صعوبة مساءلتهم من قبل تلك الجهات، وهو ما يؤثر على مدى فاعلية المساعدات المقدمة للسكان.

http://gty.im/511839794


من ينقذ «الجيل الضائع» في سوريا؟

ظهر مصطلح «الجيل الضائع» في الأدبيات الغربية للتعبير عن ذلك الجيل الذي نشأ في أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى وما تلاها، ويمكن إسقاط المصطلح بالضبط على الحالة السورية. ففي ظل حرب مميتة أتت على الأخضر واليابس، فإن هناك جيلا يترعرع في ظل صراع طاحن لا يسلم أحد من تشوهاته الجسدية والنفسية، ويفتقد للحد الأدنى من متطلبات الحياة. فيا ترى كيف يمكن أن ينظر أبناء هذا الجيل إلى أنفسهم أو العالم من حولهم؟، وهل يمكن القول إنه ما زال بإمكان أحد أن يتدخل لإنقاذ «الجيل الضائع» في سوريا ؟.