لترسيخ صورة ذهنية نمطية عن القرون الثلاث للعثمانيين في مصر، وتقديمها للقراء على أنها قرون «احتلال» أجنبي و«ركود» و«اضمحلال» اقتصادي وثقافي وحضاري، تستخدم الكتابات الناقدة للوجود العثماني عدة أدوات لتشويه ملامح العصر العثماني، نعرض لبعض منها، ونُعقِّب عليها بشيء من الاختصار.

1. التركيز على البدايات والنهايات

بداية الوجود العثماني في الشام ومصر يتوافر فيها كل عناصر العمل الدرامي المشوق. هنا يتم التركيز على ما دار في معركة مرج دابق، وخيانة خاير بك نائب حلب للسلطان الغوري وانسحابه خلال المعركة، والخيانة ممقوتة في كل الأحوال، وطومان باي آخر سلاطين المماليك يقاوم مقاومة مجيدة ويرفض الاعتراف بالهزيمة، ويخونه صديقه، ليسدل الستار على إمبراطورية المماليك مع تدلي جسده على باب زويلة.

في النهايات، يتم التركيز على الربع الأخير من القرن الثامن عشر، تجربة للاستقلال يقودها «على بك الكبير»، يعقبها تدهور سياسي واقتصادي على أيدي الثنائي إبراهيم بك المحمدي ومراد بك المحمدي، وقد تضافرت شرورهما وتفاقمت، حتى داهمتهما حملة عسكرية فرنسية عام 1798.

لو أخذنا بالمدي الزمني للبدايات كما يقدمه كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس لتنتهي عام 1522 قبل وفاة المؤرخ بعامين، لتشمل 5 سنوات، وأخذنا بدائرة النهاية التي تبدأ مع محاولة تمرد على بك الكبير عام 1768، لتشمل مدى زمني 30 سنة، لكان المجموع 35 سنة فقط، من مدى زمني 281 سنة.

الدراسة الموضوعية للتاريخ تجبرنا على عدم سحب البدايات والنهايات على كامل العصر العثماني، كذلك التعرف على موقف الأهالي من الصراعات الداخلية، سواء كانت عثمانية/ مملوكية، أو مملوكية/ مملوكية، وأثر تلك الصراعات على حياة الأهالي من العلماء والتجار والحرفيين والفلاحين.

2. الانتقاء

صناعة تقديم الأخبار والوقائع تقتضي توافر شروط عدة، منها: أولاً: الموضوعية، أي البعد عن التحيز واتخاذ مواقف مسبقة، وثانياً: التكامل، أي تتبع الحدث من نشأته إلى نهايته. هذان الشرطان لا يتم العمل بهما في التأريخ للوجود العثماني.

على سبيل المثال، يتم انتقاء قرار سليم الأول بتسفير جماعة من العلماء والقضاة والأعيان وأبناء السلاطين وأرباب الحرف والصناعات من القاهرة إلى إسطنبول، وعرض الأمر بأنه تجريف لثروات مصر البشرية من الصناع والحرفيين، حتى يزعم المؤرخ المملوكي ابن إياس أن مصر بطلت منها نحو 50 صنعة. [1]

المغالطة هنا في التوقف عند قرار الترحيل وعدم متابعة باقي الخبر، وذكر أن هؤلاء المرحلين قد عادوا مرة أخرى، وهذا ما يذكره ابن إياس نفسه، إذ يقول في حوادث جمادى الأولي سنة 927 هجرياً:

وفيه حضر جماعة كثيرة من إسطنبول ممن كان السلطان سليم شاه أسرهم وأخرجهم من مصر، فلما مات سليم شاه بن عثمان واستقره ولده سليمان (القانوني) بعده رسم (أمر) بعود الأسراء قاطبة إلى بلادهم، ورأف عليهم وأظهر العدل فيهم. [2]

هذا الاقتباس يُبيِّن عودة جماعة ممّن خرجوا مع سليم الأول عام 922 هجرياً، لتكون المدة التي قضوها في إسطنبول 4 سنوات. ويبدو أن الحياة في إسطنبول كانت هنية لأولئك الصنّاع والعلماء والأعيان، ولا يعيشون عيشة الأسرى كما يريد ابن إياس أن يُصوِّرها، يؤكد هذا تقاعس عدد كبير منهم عن العودة، حتى أشيع أن السلطان سليمان اضطر إلى تهديدهم بالشنق.

وفي حوادث جمادى الآخر/رجب سنة 927 هجرياً، يذكر ابن إياس عودة دفعة ثانية من إسطنبول:

وفيه قدم جماعة من إسطنبول ممّن كان هناك من أهل مصر، وأشيع أن السلطان سليمان نادى في إسطنبول بأن جميع الأسراء من أهل مصر يرجعون إلى بلادهم، وكل من تأخر منهم شُنق.

بسبب كراهية ابن إياس للعثمانيين يصف منْ رحُلوا إلى إسطنبول بأنهم «أسراء/ أسرى»، ثم يُبيِّن مدي غلظة سليمان القانوني بأنه قد هددهم بالشنق حال عدم العودة للقاهرة، دون أن يتنبه أن عبارته لا تستقيم وتناقض بعضها بعضاً، فهو يصفهم بأنهم أسرى لدى العثمانيين، لكن الأسرى يرفضون العودة، حتى إن السلطان يلجأ إلى تهديدهم بالشنق لإجبارهم على العودة.

ويبقى السؤال مُعلقاً: ما هي الخمسون صنعة التي بطلت من مصر بسبب تسفير سليم الأول لجماعة من الحرفيين؟

اطلعت على مراجع تاريخية قدر المستطاع، فوجدتها تتناول الموضوع نقلاً أو نقداً، من دون أن تذكر اسم حرفة واحدة بطلت من مصر عام 1517.

3. التاريخ السياسي

هناك طريقة خاطئة لدراسة التاريخ بصفة عامة، بـ«القراءة من أعلى»، أي التركيز على التاريخ السياسي والصراعات والمؤامرات بين الملوك والسلاطين والأمراء، إذ تقدم تلك الأحداث الدرامية مادة دسمة تحفل بها كتابات المؤرخين.

يتعارض تاريخ مصر العثماني بالكلية مع طريقة «قراءة التاريخ من أعلي»، إذ لم يكن عصر تقلبات سياسية كبرى، فقد ساده السكون، ولا أقول الركود.

خلال المدة من 1517 إلى 1798 أرسلت إسطنبول إلى القاهرة 133 والياً، أسماؤهم غريبة ومتشابهة، تقتصر على اسم واحد: محمد باشا، أحمد باشا، علي باشا، إبراهيم باشا، مصطفى باشا، داود باشا، سليمان باشا… فأغلبهم من طائفة العبيد المسيحيين الذين كانوا يُؤخذون من بلادهم وأعمارهم تتراوح ما بين السابعة والعاشرة، وفي إسطنبول يتلقّون تربية إسلامية وعسكرية، فإذا شبّوا، عملوا في خدمة الدولة العثمانية، سواء في القوات المسلحة أو مناصب الحكم والإدارة. [3]

ومع الضعف الذي سرى في كيان الدولة العثمانية، تزايد نفوذ المماليك، لتشهد البلاد صراعاً داخلياً عثمانياً/ مملوكياً، ومما يُؤسَّف له أن اليد العليا فيه كانت لأمراء المماليك.

وكأن استئثار المماليك بالسلطة ليس كافياً، فقد دار بينهم صراع مملوكي/ مملوكي، لتشهد قاهرة القرن الثامن عشر سلسلة من الصراعات بين أمراء المماليك.

هذا الكم الهائل من الصراعات بين الولاة العثمانيين والمماليك، ثم بين المماليك، يصيب قارئ تاريخ مصر العثماني بالسأم من هذا التاريخ السلطوي.

تاريخ مصر العثمانية لا تجدي معه طريقة «قراءة التاريخ من أعلي»، بل هو يجبر كل دارس موضوعي له على «قراءة التاريخ من أسفل»، فهو ليس تاريخ باشوات وأمراء، بقدر ما هو دراسة لأعمال هؤلاء الاجتماعية والاقتصادية والعمائر التي شيدوها، والأهم دراسة تاريخ العلماء والتجار والحرفيين والفلاحين وسواد الناس.

لكي نبرهن على ما نذهب إليه، نتتبع أثر الصراعات بين الولاة العثمانيين والمماليك، وبين المماليك/ المماليك، لنرى مدى تأثيرها على حياة الأهالي.

يرى المستشرق الفرنسي «أندريه ريمون» أن تلك الصراعات المحلية لم يكن لها تأثير على حياة الأهالي إلى الحد الذي نظنه، فلم تكن تعني الأهالي بشكل مباشر، إلا في غلق الأسواق والحوانيت إلى حين عودة الهدوء، ومن جانبهم يحاول المتنازعون سرعة إنهاء الخلاف بينهم والمناداة بإعلان الأمن والأمان حتى تعود الحوانيت إلى فتح أبوابها.

يسوق ريمون مثالاً بما جرى في حوادث عام 1711، فقد استمر النزاع لمدة 68 يوماً، من 15 أبريل/نيسان إلى 22 يونيو/حزيران، وحتى لا تؤثر المنازعات على الأهالي، اتفق الأمراء المتحاربون على نقل صراعهم وتسوية خلافهم خارج المدينة، فكان الأمراء يخرجون كل صباح للتصارع في أحد السهول، ثم يعود كل منهم في المساء من طريق مختلف، دون أن يعكر صراعهما صفاء المدينة، إذ ظلّت الأسواق مفتوحة وكل فرد يذهب إلى عمله. [4]

ويقول الرحالة الدنماركي «كارستن نيبور» الذي زار القاهرة عام 1762 إنه حينما ينشأ شجار بين كبار شخصيات المدينة تُغلق أبواب الأحياء والحارات لمنع الناس من التجمهر:

ويقال إن البكوات (أمراء المماليك) يتعاركون دائماً في المدينة وفي الريف، من دون أن يؤدي عراكهم إلى أي شغب بين صفوف البورجوازيين. [5]

4. الحديث عن الركود الاقتصادي

يقولون إن مصر والعالم الإسلامي أصابهما الركود وتوقف قلبهما عن النبض بعدما نجح البرتغاليون في الدوران حول أفريقيا، وتحويل تجارة جنوب شرق آسيا للالتفاف حول إفريقيا بدلاً من المرور عبر الخليج العربي/ الشام، أو البحر الأحمر/ القاهرة/ الإسكندرية.

صحيح أن دولة العثمانيين لم تستعد طريق التجارة العالمي، إلا أن التجار المسلمين سرعان ما أوجدوا شبكة للتبادل التجاري عبر البحرين الأحمر والمتوسط، مستفيدين من الانفتاح الذي ظل سارياً بين بلدان العالم الإسلامي، فلا حواجز ولا أسلاك شائكة، فالغرب أخفق في احتلال القلب الإسلامي، وبقي ينبض بالحياة.

وبفضل اتساع الإمبراطورية العثمانية، ووجودها على ثلاثة أرباع محيط البحر المتوسط، وامتدادها عبر ثلاث قارات، كان يمكن لأي مواطن يتبع السلطان أن يتجول من سهول روسيا ونهر الدانوب حتى المحيط الهندي وسافانا السودان والنيل، ومن بلاد فارس حتى المغرب، وهو خاضع لنفس القوانين، ولنفس التنظيم الإداري، وأن يتحدث اللغة نفسها، ويستخدم النقود نفسها، وهي ظروف مواتية لنشوء حركة تبادل تجاري واسعة النطاق. [6]

وهكذا شهدت بلدان العالم الإسلامي التي دخلت تحت الحكم العثماني تطوراً خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، كان بمثابة النهوض من حالة الضعف التي اعترتها أواخر عهد الدولة المملوكية. انعكس هذا التطور في توسع الزراعة والتجارة ونمو عدد السكان، يساعد على ذلك ابتعاد الدولة العثمانية عن التدخل في شئون حياة الناس، فلا يمكن بأي حال مقارنة وظائف وفلسفة «الدولة السلطانية» بالسلطات التي تحظى بها «الدولة المركزية الحديثة» وتدخلها في شئون البلاد والعباد.

من دلائل ذلك، أن القاهرة شهدت نمواً عمرانياً واقتصادياً فاق القاهرة المملوكية، أولاً: لأنها بقيت نقطة عبور رئيسية للتجارة الشرقية، ولم تتأثر إلا تدريجياً وجزئياً باكتشاف الأوروبيين للطريق البحري بالدوان حول أفريقيا. وثانياً: لأنها احتلت مركزاً محورياً في التجارة العثمانية الداخلية التي ساعد على رواجها حرية تنقل الممتلكات والأشخاص وعدم وجود حواجز. وثالثاً: أسهم توسع الإمبراطورية العثمانية في تنمية الحج إلى مكة المكرمة، الأمر الذي استفادت منه القاهرة ودمشق كثيراً، إذ كانتا موقعين لتجمع قوافل الحج.

للأسباب السابقة، نمت القاهرة عمرانياً واقتصادياً، فتضاعفت أعداد الوكالات التجارية من 58 وكالة زمن المؤرخ تقي الدين المقريزي إلى 360 وكالة في العصر العثماني، وارتفع عدد أسواقها من 68 سوقاً و17 سويقة في زمن المقريزي إلى 130 سوقاً في العصر العثماني، وارتفع عدد سكانها من 150 ألفاً أو 200 ألف خلال نهايات العهد المملوكي إلى 263 ألف نسمة عام 1798. [7]

ويشير المستشرق الفرنسي «أندريه ريمون» إلى ضرورة الاهتمام بحجم التجارة الداخلية بين الولايات العثمانية، لا أن نركز على التجارة مع أوروبا، فالتجارة مع الغرب لم تمثل إلا 14% فقط من حجم النشاط التجاري لمصر خلال العقود الأخيرة للقرن الثامن عشر، فيما مثلت التجارة مع الشرق الآسيوي 36%، واستحوذت التجارة مع ولايات الإمبراطورية العثمانية عبر البحر المتوسط على 50%، يدعمها ضخامة سوق الإنتاج والاستهلاك داخل الإمبراطورية. [8]

أوروبا قبل الانقلاب الصناعي لم يكن لديها شيء لكي تبادله مع الأسواق الشرقية، وقد رفضت أن تستخدم الذهب والفضة في شراء ما تحتاج إليه، يدفعها إلى هذا إيمان بأن الدول القوية هي التي تملك قدراً كبيراً من الثروة في خزائنها. كانت التجارة مع آسيا في اتجاه واحد تقريباً. البديل كان «احتكار شراء» سلع شرقية بسعر بخس. مع الانقلاب الصناعي في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر تحولت أوروبا إلى «احتكار بيع» مصنوعاتها في الأسواق الشرقية وتدمير كل صناعة وطنية. [9]

5. تحليل تناقص عدد السكان

لكي يدللوا على مدى التدهور الذي أصاب مصر خلال العهد العثماني يقولون إن عدد سكانها تناقص حتى وصل إلى مليوني ونصف مليون نسمة.

هذا الرقم الضئيل قدمه العلماء المصاحبون للحملة العسكرية الفرنسية وتقارير القناصل الأوروبيين بالقاهرة، واستهدفوا به البرهنة على مدى التدهور الذي أصاب مصر على أيدي الأتراك المتوحشين، حتى إذا طرقت أوروبا البلاد عادت أعداد السكان إلى النمو.

يُشكِّك أندريه ريمون في تقديرات علماء الحملة الفرنسية والقناصل الأوروبيين، ويرى أن عدد سكان مصر العثمانية لم يتدهور، وإنما ارتفع من ثلاثة ملايين نسمة عام 1500 (بعد سلسلة من الطواعين والمجاعات أشهرها وباء «الفناء الكبير»، أو «الموت الأسود») إلى 4 ملايين و500 ألف نسمة عام 1800.

ويفسر المؤرخ الأمريكي «خوان كول» ارتفاع عدد سكان مصر خلال العهد العثماني بتوفير سلاطين آل عثمان للأمن وإلغاء الاحتكارات الحكومية، ويشير إلى أن تلك الزيادة جرت بين أعوام 1500 و1720، فيما أصاب الزيادة السكانية ركود في القرن الثامن عشر نتيجة شح النيل والأمراض والأوبئة والمنازعات المحلية بين المماليك. [10]

وينبه ريمون إلى أن تقديرات عدد السكان أواخر القرن الثامن عشر يجب النظر إليها في اعتبار تدهور الأحوال الاقتصادية والسياسية منذ منتصف القرن، وما تعرضت له البلاد من كوراث طبيعية. طاعون ومجاعة عامي 1784 و1785. وباء عام 1791. أزمة سياسية من 1786 إلى 1798، لكن هذه الأزمات وعلى حد قول ريمون:

لم تؤد سوي إلى تقليل توسع المدينة (القاهرة)، وإبطاء ازدياد عدد سكانها خلال المدة بين 1517 و1798. وفي عام 1798 كانت القاهرة مدينة أكثر أهمية مما كانت عليه في عصرها الذهبي خلال عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون. [11]

6. العمارة

يعد عهد دولة المماليك، عهد بناة أهرام مصر الإسلامية. ظهرت عمائر آية في الجمال والبراعة والعبقرية الهندسية، مجموعة السلطان قلاوون، قايتباي، السلطان حسن، الجاي اليوسفي، ألماس الحاجب، برسباي، الطنبغا المارداني، قاني باي الرماح.

يقولون إن النهضة العمرانية تراجعت خلال العهد العثماني، وإن المآذن البديعة للمماليك صارت في عهد العثمانيين مدببة الرأس كقلم رصاص لا جمال فيه.

خلال العصر العثماني، ظل الجزء الأكبر من الإيرادات محصوراً داخل مصر، يدخل جيوب الطبقة المهيمنة محلياً، وعلى هذا لم يكن لتغير وضع مصر من «مركز» لإمبراطورية مملوكية إلى «ولاية» عثمانية سوي نتائج محدودة على الموارد المالية لأعضاء الطبقة الحاكمة، وعلى قدراتهم بأن يظلوا قائمين بدور الرعاة في المجال المعماري. [12]

وتُبيِّن دراسة لمحمد حمزة الحداد أن عمائر القاهرة الإسلامية في العصر العثماني يصل عددها إلى 295 أثراً، منها 252 أثراً بُنيت وفق الطراز المصري المحلي الموروث، و43 وفق الطراز العثماني الوافد، لتمثل نسبة 14.6% فقط.

تُرجِع الدراسة بقاء وسيادة الطراز المصري إلى عدة عوامل، منها فلسفة الحكم العثماني في إبقاء الأوضاع على ما عليه، لهذا لم يتدخل العثمانيون في الجانب المعماري ليفرضوا طرازاً معمارياً خاصاً بهم. [13]

7. العلم

يقولون إن الاحتلال العثماني ألقى على مصر أستاراً من الظلمات والجهل على البلاد لمدة ثلاثة قرون، ويدللون على ذلك باختفاء أسماء العلماء الكبار، واضمحلال المدارس الكبرى.

هذا القول فيه من المبالغة والتعميم الكثير، وقد تصدت لتفنيده كتابات عديدة، منها دراسة الدكتورة «نللى حنا»، «ثقافة الطبقة المتوسطة خلال القرن الثامن عشر في مصر»، إذ تكشف عن انتشار عملية نسخ المخطوطات بشكل فاق أعداد المخطوطات التي نُسخت في الفترات السابقة على هذا القرن، وينسحب ذلك على كثير من مجالات المعرفة مثل العلوم والأدب والتاريخ والحوليات وغيرها، بل إن الحوليات التي كُتبت في عصر المماليك وصلت إلينا نسخها التي نسخت في العصر العثماني وليس المملوكي. [14]

بل إن كتاب الجبرتي، الذي يعد من أشهر وأهم مراجع العصر العثماني، يدل عنوانه على النهضة التي اضطلع بها بعض أبناء الأمة: «عجائب الآثار في التراجم والأخبار».

المراجع
  1. ابن إياس، ج 5، ص 207.
  2. ابن إياس، ج 5، ص 394.
  3. للمزيد عن طائفة العبيد المسيحيين انظر: عبد العزيز الشناوي، الدولة العثمانية: دولة إسلامية مفتري عليها، الجزء الأول (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، مطبعة جامعة القاهرة، 1980) ص 120-124.
  4. أندريه ريمون، المدن العربية الكبرى في العصر العثماني، ترجمة لطيف فرج، الطبعة الأولي (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع،1991) ص 108. وانظر أيضاً: محمود الشرقاوي، مصر في القرن الثامن عشر، ج 2، الطبعة الثانية، (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1957)، ص 20.
  5. كارستن نيبور، رحلة إلى شبة الجزيرة العربية وإلى بلاد أخري مجاورة لها، ج 1، ترجمة عبير المنذر، الطبعة الأولي، (بيروت: دار الانتشار العربي، 2007)، ص 111.
  6. أندريه ريمون، المدن العربية الكبرى في العصر العثماني، ص 36-37. أيمن فؤاد سيد، القاهرة: خططها وتطورها العمراني، (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2015)، ص 332. جمال حمدان، استراتيجية الاستعمار والتحرير، الطبعة الأولي، (القاهرة: دار الشروق، 1403هـ/ 1983م) ص 47.
  7. أندريه ريمون، القاهرة تاريخ حاضرة، ترجمة لطيف فرج، الطبعة الأولي (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1994)، ص 195، 201.
  8. أندريه ريمون، المدن العربية…، ص 37.
  9. رؤوف عباس، العالم الحديث والمعاصر، (نسخة من على موقع الدكتور رؤوف عباس، ب. ت)، ص 56، 57.
  10. خوان كول، مصر تحت حكم بونابرت، ترجمة مصطفي رياض، الطبعة الأولي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2013) ص 164.
  11. أندريه ريمون، القاهرة…، 202.
  12. أندريه ريمون، القاهرة…، ص 179.
  13. محمد حمزة إسماعيل الحداد، موسوعة العمارة الإسلامية في مصر من الفتح العثماني حتى عهد محمد على 923 – 1265 هـ/ 1517 – 1848 م، الكتاب الأول، (القاهرة: دار زهراء الشرق، بدون تاريخ)، ص 61.
  14. نيللي حنا، ثقافة الطبقة الوسطي في مصر العثمانية (ق 16-ق 18 الميلادي)، ترجمة رءوف عباس (القاهرة: مكتبة الأسرة، 2004)، ص 133-134.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.