تعاقب على الكويت العديد من الحكام منذ أن أسس الشيخ صباح الأول بن جابر الصباح هذه الإمارة واستمر حاكمًا لها من عام 1752 حتى توفي عام 1762، ليخلفه ابنه عبدالله، وتوارثت ذريته الحكم من بعده إلى أن وصل الأمر للشيخ محمد بن صباح الصباح، بعد وفاة أخيه الشيخ عبدالله بن صباح الصباح، وجعل أخاه جراح شريكًا له في إدارة شؤون الإمارة.

لكن الخلافات اشتدت بين الأخوين من جهة وشقيقهما مبارك من جهة أخرى؛ ويبدو أن الجوانب المالية كان لها دور كبير في ذلك وفقًا للمؤرخين، فقد كان جراح يُضيق على مبارك في صرف الأموال؛ فمع ميل الأخير إلى الحرب والغزو وإنفاقه في ذلك أموالًا كثيرة، كان أخواه يخالفانه في ذلك، كما كان لتقريبهما يوسف الإبراهيم على حسابه، وتولية هذا الرجل مهام عديدة في الإمارة، أثر في إيغار صدر شقيقهما الذي قرر اغتيالهما في نهاية المطاف وتولي السلطة إثر ذلك في مايو/أيار 1896.

مبارك الكبير

أصبح مبارك الأمير السابع للكويت والمؤسس الفعلي لها حتى لُقب ب«مبارك الكبير»، لكنه ظل يعاني من تربص يوسف الإبراهيم بحكمه ومحاولاته المستمرة للإطاحة به، فالإبراهيم كان صاحب سلطة نافذة في عهد الشيخ محمد الصباح بما له من نفوذ اقتصادي ودهاء سياسي، وكان الشيخ مبارك قائد القوة العسكرية بالإمارة، وبعد استيلائه على السلطة حاول أن يطمئن يوسف الإبراهيم فأرسل إليه أن يقدم إليه وأعطاه الأمان على نفسه وماله، فبعث إليه بأنه سيقدم إليه وهرب بسفنه إلى البصرة واستنجد بواليها العثماني حمدي باشا الذي استضافه وأراد إعداد حملة ضد الشيخ مبارك ولكن الأخير لجأ إلى والي بغداد رجب باشا الذي منع إرسال الحملة، ودعمت الحكومة العثمانية موقف والي بغداد.

لحق أبناء القتيلين محمد وجراح، بيوسف الإبراهيم في البصرة، فقدم باسمهما عريضة إلى واليها يطالب فيها بإرثهما من والديهما داخل الكويت من أموال وعقارات وأنعام، وكذلك أملاكهم بولاية البصرة، وطالب ألا يقبض الشيخ مبارك شيئًا من محصول تلك البساتين حتى تبت السلطات العثمانية بشكواهم أو يصدر حكم من محكمة البصرة، وطالب والي البصرة الشيخ مبارك بإعادة الأموال فرفض التسليم بمطالبهم وعرض تسليمهم بعض المال مقابل إسقاط جميع حقوقهم، فقدموا شكوى جديدة ضده وأيدها حمدي باشا وقررت لجنة المحكمة الحجز على جميع أملاك آل الصباح الزراعية بالبصرة حتى يتم البت في القضية نهائيًا، فرفض مبارك القرار وقدم شكوى ضد حمدي باشا وساعده بعض أصدقائه في البصرة ونجحوا في إلغاء جميع الترتيبات، وأصدر السلطان عبدالحميد الثاني قرارًا بعزل حمدي باشا، ووضع مبارك يده على تلك البساتين وربح هذه الجولة.

أصدرت الدولة العثمانية فرمانًا بتعيين مبارك قائماً على الكويت بعد نصف سنة من اعتلائه السلطة، ولكن يوسف الإبراهيم لم يهدأ فجهز من ماله الخاص حملة عسكرية بحرية للقبض على مبارك الصباح وأبنائه جابر وسالم، وتكونت الحملة من أربع عشرة سفينة وعليها سبعمائة رجل مسلح ومعهم أيضًا أبناء القتيلين محمد وجراح الصباح، وفي الطريق قابلوا سفينة لرجل من الكويت فأخذوا عليه العهد ألا يفشي سر الحملة ولا يتوجه إلى الكويت، ولكنه لم يف بعهده، فلما وصلت الحملة وجدت جيش مبارك على أهبة الاستعداد للتصدي لها، فرجعت من دون قتال.

لم يستطع الشيخ مبارك حل مشاكله مع يوسف الإبراهيم الذي ظل مناوئًا له رغم الوساطات العديدة التي تدخل فيها شيخ البحرين وكبار رجال الكويت، فأرسل الشيخ مبارك إلى أعيان أسرة آل إبراهيم للتوسط لكنهم اعتذروا عن ذلك، وظل يوسف الإبراهيم يدبر ويخطط ويقود التحركات ضد الشيخ مبارك حتى نهاية عمره.

عقد مبارك معاهدة حماية مع بريطانيا عام 1899، رغم معارضة الدولة العثمانية التي كانت تحرص على تأكيد سيادتها على الكويت، لكنه تقدم بطلب الحماية البريطانية عام 1897، وانقسم الإنجليز حول هذا الطلب الذي يزيد من أعبائهم العسكرية، لكن التحركات الروسية والألمانية في المنطقة دفعتهم لقبول الحماية، وفقًا لما ذكره الباحث بجامعة القصيم، مخلد بن قبل رابح الحريص.

كما ساءت علاقة مبارك بابن رشيد الذي كان يحكم نجد في الجزيرة العربية، واستمرت كذلك في عهد عبد العزيز بن متعب بن رشيد، وجرت بين الطرفين مناوشات أدت إلى معركة الصريف التي انتصر فيها ابن رشيد، كما أسفر توجه مبارك لبريطانيا عن دعم الدولة العثمانية لابن رشيد وأيضًا تلقى دعمًا كبيرًا من يوسف الإبراهيم، لكن الشيخ مبارك قدم الدعم العسكري للملك عبدالعزيز الذي كان يعمل على استعادة حكمه من آل رشيد، وبحسب الباحث مخلد الحريص، فإن عداء الشيخ مبارك لآل رشيد خفت حدته بعد انتصارات الملك عبدالعزيز عليهم، فرأى أمير الكويت أن يصالحهم ليحافظ عليهم كقوة موازنة في المنطقة ضد الملك عبدالعزيز الذي ظل على علاقة طيبة به أيضًا، واستمر الشيخ مبارك على هذه السياسة حتى توفي في 1915.

الجوابر والسوالم

سيطر على الحكم جناحان من ذرية مبارك الكبير، تبادل أفرادهما تولي السلطة بينهما لعقود، الجناح الأول يسمى الجوابر؛ وهم ذرية الحاكم الثامن، الشيخ جابر الثاني بن مبارك الصباح، والثاني يسمى السوالم وهم ذرية الحاكم التاسع سالم بن مبارك الصباح.

استقلت دولة الكويت في 19 يونيو/حزيران 1961، وقد جاء هذا الاستقلال بعد أن أبلغ المندوب البريطاني السامي في الكويت، أميرَ الكويت، الشيخ عبد الله السالم، نية بلاده الانسحاب من الكويت، وفي المقابل أسس أمير الكويت برلمانًا تحت اسم «مجلس الأمة»، وتم إلغاء معاهدة الحماية البريطانية.

وصدر دستور البلاد وتم توقيعه عام 1962، ونصت مادته السادسة على أن نظام الحكم ديموقراطي وأن السيادة للأمة، وتنص المادة الرابعة من الدستور والمادة الأولى من قانون توارث الإمارة على أن «الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح»، فيما تنص المادة الرابعة من قانون توارث الإمارة على «أنه إذا خلا منصب الأمير نودي بولي العهد أميرًا»، ويتعين على الحاكم أن يرشح شخصًا من ذرية الشيخ مبارك الكبير لولاية العهد خلال سنة على الأكثر من توليه السلطة، ثم يُعرض اسمه على مجلس الأمة ليقر اختياره بالأغلبية.

وجرى العرف بتبادل السلطة بين جناحي الجوابر والسوالم، وتم التزام ذلك العرف إلى عام 2006، حين توفي الأمير جابر الأحمد الصباح، وهو من الجوابر، فخلفه في الحكم سعد العبد الله الصباح، من السوالم، لكن صباح الأحمد رئيس الوزراء، شقيق الأمير المتوفى، أعلن تفعيل المادة الثالثة في الدستور الخاصة بعزل الأمير لأسباب صحية، وأيده مجلس الأمة فاجتمع أعضاؤه وعزلوا الأمير سعد ليتولى الشيخ صباح الإمارة متخطيًا مسألة تبادل السلطة مع السوالم.

ولم يختر صباح ولي عهده من السوالم أيضًا، بل اختار أخاه غير الشقيق، نواف، الذي تلقى مبايعة أعضاء مجلس الأمة في جلسة خاصة حسبما ينص الدستور.

وأسند الأمير صباح رئاسة الوزراء لابن أخيه ناصر المحمد الأحمد، مما مَثل إنهاء حصة السوالم في الإمارة وولاية العهد والوزارة معًا، كما أنهى بذلك تقليدًا متوارثًا آخر عندما عين ابن أخيه رئيسًا للوزراء، بينما جرى العرف أن يكون ولي العهد رئيسًا للوزراء.

بعد هذه القرارات اندلعت تظاهرات شعبية حاشدة تطالب بتعديل قانون الانتخابات في مايو/أيار 2006، وتلقت دعمًا من السوالم، وشارك الأمير فهد بن سالم العلي من السوالم في هذه الاحتجاجات، فتم حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وإقرار تعديل وزاري.

وحين اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011، نزل المتظاهرون للمطالبة بالإصلاح السياسي، وبدا أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الخلاف الداخلي بين الجوابر والسوالم، فتجاوب الأمير مع التظاهرات التي رفعت شعار «الشعب يريد إسقاط رئيس الوزراء»، وعين وزير الدفاع جابر مبارك الحمد الصباح رئيسًا للحكومة وفق معادلة سياسية جديدة لتهدئة السوالم شعارها «لا سوالم لا جوابر»، إذ إن جابر مبارك الحمد ليس من أبناء جابر وسالم بل من ذرية أخيهما حمد، وتولى أعضاء هذا الجناح الثالث العديد من الوزارات المختلف عليها بين أبناء العائلة الحاكمة.

ويقود الدولة حاليًا الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وهو الأخ غير الشقيق للأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح، والابن السادس لأمير الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي حكم الكويت بين عامي 1921 و 1950.