في الجزء الأول وتحت نفس العنوان، ظننا أن اصطحاب الأطفال، وبصق الممشروبات وغيرها من التفاصيل المكررة داخل كل مباراة – هي بديهيات اعتدنا عليها دون معرفة سببها. لكن يبدو أننا تجاوزنا عن غير قصد بعض البديهيات الأولية التي كانت تستحق تسليط الضوء عليها.

اقرأ أيضًا: كيف تشاهد كرة القدم ولم تخطر ببالك هذه الأسئلة؟

لماذا من الأساس تلعب اللعبة ب11 لاعبًا؟ ولماذا يحصل الفائز على 3 نقاط وليس 4 مثلاً؟ متى بدأت هذه القوانين التي ساهمت في إخراج اللعبة بشكلها الحالي. وبعد معرفة هذين الأمرين، ستصبح جاهزًا للعودة مرة أخرى إلى التعمق بتفاصيل أدق، ومعرفة سبب تفوق صديقك الذي يلعب بقدمه اليسرى على أقرانه ممن يستخدمون القدم اليمنى.

لماذا 11 لاعبًا؟

كان منطقيًا أن تشهد بداية ظهور كرة القدم قدرًا لا بأس به من العشوائية، كحال أي اختراع جديد يحاول أفراد المجتمع فهمه. وبالتبعية لم تكن هنالك قوانين محددة تحكم عدد اللاعبين ومساحة الملعب وبالطبع قوانين المخالفات والتسلل.

بالنسبة لعدد اللاعبين، فقد كان متوقفًا على عدد المشاركين، تمامًا كما كنا نفعل في الشارع. إذا كان العدد 10، فسيلعب كل فريق من 5 لاعبين، وهكذا. أما إذا كان أحد الفريقين يمتلك فائضًا في اللاعبين، فسيتركه على دكة البدلاء. وقبل عام 1871 تحديدًا، كان عدد لاعبي الفريق يتأرجح بين 15-21.

ونظرًا لضعف مصادر توثيق تلك الفترة، تناثرت الروايات دون اتفاق مطلق. وفقًا لكتاب «11 ضد 11» للكاتب الأرجنتيني «لوثيانو بيرنيكي»، والذي ترجمه للعربية المترجم «محمد الفولي»، فإن بداية ممارسة اللعبة في إنجلترا كانت على يد طلاب المرحلة الثانوية بمدارس «إيتون» و«هارو شاترهاوس» . حيث تكون كل فريق من مجموع الطلاب القاطنين بنفس السكن، وبالصدفة كان عددهم 10.

ومع عدم وجود طرق لعب واضحة كان الجميع يهاجم فقط، وشعر اللاعبون بسهولة اللعبة لدرجة الملل. فقرروا إضافة لاعب آخر يقوم بدور حارس المرمى. وحسب الرواية، كان هذا الدور من نصيب المعلمين، لأن ذلك المركز لم يكن مفضلاً لدى الصغار. في النهاية تشكل الفريقين من 11 ضد 11، لكن ظل هذا الرقم معرضًا للزيادة؛ وفقًا لعدد الطلاب في السكن.

هنالك رواية أخرى تفيد بأن الرقم 11 كان مقترحًا من قبل فريق «شيفيلد إف سي» تمامًا كعدد لاعبي الكريكيت، اللعبة الأشهر حينها في إنجلترا، في محاولة منهم لرفع شعبية كرة القدم. وبالفعل سار الأمر جيدًا، وفي الفترة بين عامي 1869 و1891، تم اعتماد عدد لاعبي الفريق 11، وضربة المرمى، الركنيات، استخدام الحكم للصافرة، النسخة الأولى من قانون التسلل(المعلَن عام 1869، وكان يشترط تغطية المهاجم بثلاث لاعبين)، وأخيرًا ضربة الجزاء.

لماذا يحصل الفائز على 3 نقاط؟

بداية موسم 1925/1926 ومع انتشار اللعبة واستقرار قوانينها باعتماد قانون التسلل الجديد(يكفي لاعبين لتغطية المهاجم) والمستمر معنا إلى الآن، كانت الأمور لاتزال تسير ببطء في إنجلترا تحديدًا. كانت اللعبة تتطور على مستوى التكتيك وطرق اللعب، لكن الجماهير الإنجليزية لم تكن تشعر بنفس الحماس تجاه اللعبة.

بين عامي 1950 و 1980، انخفض معدل حضور الجماهير في الملاعب من 40 مليون مشجع في الموسم الواحد إلى 20 مليون فقط. فقدت الجماهير شغفها تدريجيًا، وكان ذلك الموقف بمثابة عنق الزجاجة لهذه اللعبة.

إذا أرت المتعة، عليك بمشاهدة مجموعة من المهرجين، وليس كرة القدم.
ألان دوربان، مدرب ستوك سيتي (1978-1981)

إلى أن أتى اقتراح استبشر به الإنجليز لقلب الأمور، حين قدم الرئيس السابق لنادي كوفنتري سيتي، والمقدم السابق للبرنامج الشهير «Match of the Day»، «جيمي هيل» اقتراحًا لرابطة الدوري عام 1981 بمنح الفريق الفائز 3 نقاط وليس نقطتين، كما كان معهودًا في ذلك الوقت.

وافقت رابطة الدوري الإنجليزي على المقترح، آملة في زيادة حدة المنافسة مع زيادة مكافأة الفائز، وبالتبعية زيادة عدد الأهداف. فظهر التأثير جليًا على أسلوب اللعب، حيث أصبحت الفرق الصغيرة أكثر دفاعية، أما إذا تواجه فريقين من نفس المستوى، فعلى أحدهما أن يكون أكثر شراسة. وبالفعل، قلت التعادلات، أما عدد الأهداف فلم يتأثر بنفس الشكل.

تتابعت الأحداث بعد ذلك وبعد أكثر من 10 سنوات، خرج القانون من بلاد الضباب إلى ما حولها مع تطبيقه في كأس العالم وتصفيات أمم أروربا في عام 1994، ثم إسبانيا ودوري أبطال أوروبا في عام 1995. واستمر القانون حتى يومنا هذا، وساهم بتغيير مسار العديد من البطولات، كان آخرها لقب البريميرليج لموسم 2018/2019 الذي كان سيذهب لصالح ليفربول بدلاً من مانشستر سيتي.

هل اللاعب الأعسر أكثر مهارة؟

وبعد أن انتهينا من التفاصيل المرتبطة بتاريخ اللعبة، بإمكاننا الآن العودة لمتابعة التفاصيل الأكثر عمقًا. وهذه المرة سنذهب للمفاضلة بين اللاعب الأيمن وزميله الأعسر. حيث يشاع بين الجماهير أن أصحاب القدم اليسرى يمتلكون موهبة أو لمسة استثنائية، فهل هذا صحيح؟

تشير الأرقام إلى ندرة من يستخدمون اليد أو القدم اليسرى، حيث تتراوح نسبتهم بين 10% – 20%. وهذه النسبة هي نفسها نسبة تواجد أصحاب القدم اليسرى في كرة القدم. ومن هنا يأتى أول تفسير لأفضلية اللاعب الأعسر. فإذا كانت قائمة فريقك تحتوي على 5 منهم، مقابل 20 من أصحاب القدم اليمنى. يكفي فقط تفوق 2 من 5 لترك انطباعًا جيدًا لديك، أما ال 20 الباقين فبحاجة لعدد أكبر للإقناع.

لكن إذا كنت مصرًا على تفرد اللاعب الأعسر، فقد يلائمك التفسير العلمي القادم. فقد أخبرت الدكتورة «باربرا ساتلر» – المتخصصة في دراسة أصحاب اليد والقدم اليسرى «left-sided people» – قناة «دويتش فيله DW» بأن أصحاب القدم اليسرى يمتلكون قدرة أعلى على إدراك المساحات في الملعب. والسبب في ذلك يعود إلى أن نصف الدماغ الأيمن هو المتحكم في النصف الأيسر من الجسد، بجانب أنه المسئول عن عمليات الحدس، والعاطفة، والإبداع.

أصبح الأمر أكثر منطقية الآن، لكنه سيصبح غير منطقي سريعًا، عندما تدرك أن نفس اللاعب الأعسر فائق الموهبة هو نفس اللاعب الذي يظن الكثير أنه سيء بتسديد ضربات الجزاء. وفي هذا الشأن، قام «بين ليتلون» مؤلف كتاب «Twelve Yards» بدراسة ما يقارب 8 آلاف ضربة جزاء على مدار 20 عامًا ليجد أن قدم المسدد لا تؤثر كما يتخيل البعض.

هنالك عوامل أكثر أهمية كالوقت المتبقي من المباراة، أهمية ضربة الجزاء، ومن ثم تكنيك وهدوء اللاعب المسدد. ورغم ذلك يقول «بين» أن بعض الأندية كانت تخبره بعدم رغبتهم في جعل لاعب أعسر يسدد ضربات الجزاء. وكأن الأمر قد علق في أذهان الجميع، خاصة مع رؤيتهم للخارق ليونيل ميسي وهو يهدرها كأي لاعب عادي.