من حسن الحظ أنه ما زال يظهر في الملاعب، حتى وإن كان على فترات متباعدة، وقح مستهتر يخرج عن النص، ويقترف حماقة القفز عن كل لاعبي الخصم، وعن الحكم وعن الجمهور؛ لمجرد متعة الجسد المنطلق إلى مغامرة الحرية المحرمة.
من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل لإدواردو غاليانو.

يرى «إدواردو غاليانو» أن تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من نور المتعة إلى ظلام الواجب، فمع تحول اللعبة إلى صناعة تم لفظ الجَمَال التي خُلقت لأجله منها.

أصبح الأمر الآن في كرة القدم الاحترافية يتمحور حول التكتيكات الصارمة التي يرسمها كل مدرب للاعبيه، تغيرَّ المزاج العام للجماهير من الاستمتاع بما يدور على أرضية الميدان، إلى محاولة فهم كافة تفاصيل مجريات اللقاء.

تبدو الأمور معقدة عندما تتعلق بمحاولة تتبع 22 لاعبًا، يقومون جميعًا بمئات الأشياء المختلفة للتأثير على الكرة، يقضي المدربون واللاعبون أعمارًا لمحاولة مشاهدة المباريات بشكل أفضل.

يرى كل شخص ما يدور على أرضية الميدان بناءً على خبراته السابقة باللعبة، لكن هل هناك بعض النصائح التي من شأنها أن تجعلك تشاهد المباراة بشكل أفضل؟ دعنا نرى.

1. ارفع عينيك عن الكرة

ندعوك في البداية أن ترى المقطع أدناه، وتخبرنا كم مرة سيمرر الفريق الأبيض الكرة؟

هل عددت بشكل صحيح؟ لن نختبرك أكثر من ذلك، الإجابة الصحية هي 15 مرة، لكن هل شاهدت الغوريلا؟

يُخبرنا محللو « ذا أثليتك» بأنه عادة ما يتنافس لاعبان فقط على الكرة، فإذا انصب تركيزك على هذا الجزء وحده؛ فلن ترى 90% مما يفعله بقية اللاعبين على أرضية الملعب.

الخطط والتعديلات والركض والدوران وأساليب الضغط وكل ما يُسمى تكتيكًا تقريبًا يحدث بعيدًا عن الكرة، حيثُ تتصارع الفرق لخلق المساحات، يمكننا أن نُشَبه ذلك بالغوريلا التي لم تشاهدها في الغالب في الفيديو.

اللاعب الذي يقف على الكرة مهم بكل تأكيد؛ لأنه الذي يقرر ما سيحدث لاحقًا، لكن صحة قرار هذا اللاعب من عدمها تقع في يد بقية اللاعبين؛ لذا إذا تمكنت من رفع عينيك عن الكرة، فسترى اللعبة من منظور الاحتمالات وليس النتائج فقط.

2. تتبع الأشكال الهندسية

لن ترى أبدًا اللاعبين في تلك المراكز التي تظهر على الشاشات في بداية المباريات، ولا حتى عند انطلاقة المباراة.
خوانما ليلو، المدير الفني لنادي السد القطري، وأحد أساتذة بيب جوارديولا.

بعدما تجاوزنا مراقبة الكرة، ما الذي من المُفتَرض أن تنتبه إليه الآن؟

لا ندعوك إلى الإفراط في تحويل كل هجمة إلى مربعات ومثلثات، ولكننا ندعوك لتتبع تغير رسم اللاعبين وفقًا لحالتهم في الملعب سواء دفاعية أو هجومية، وطبقًا لطريقة لعبهم كذلك.

كرة القدم هي رياضة سلسة، حيث نادرًا ما يلتزم اللاعبون برسم خططي بحذافيره، لكن التعرف على كيفية بناء الفريق للعب في مرحلة معينة من الملعب، يمكن أن يساعدنا في معرفة سبب تحرك اللاعبين بشكل هندسي ما يبدو أنه لم يُخلق من قبيل الصدفة، والأهم أنه سيساعدنا على فهم كيف سيؤثر ذلك على فرص الفريق في خلق المساحات؛ وبالتالي إمكانية سيطرته على مجريات اللقاء.

3. راقب الزمان والمكان

هذا ما أفعله أبحث عن المساحات طوال اليوم.
تشافي هيرنانديز نجم برشلونة السابق.

انتهينا الآن من الجزء السهل وهو تتبع الكرة واللاعبين، بقي الجزء الصعب على اللاعبين قبل المشاهدين وهو تتبع المساحات، نصيحتنا الثالثة لك هي محاولة تتبع تلك المساحات بعينيك وستعرف إلى ما تسير مجريات اللقاء.

في الفريق الجيد يعمل اللاعبون مع بعضهم لإنشاء واستغلال المساحات، قبل أن يتكيف الخصم مع وضعياتهم.

ليست المساحات في حد ذاتها هي التي تمثل قيمة، ولكن القيمة تنبع من الفرص التي تتيحها تلك المساحات، وبالتبعية تنعدم إذا ما انعدمت هذه المساحات، تسمح المساحات الكبيرة للاعبين بتحريك الكرة نحو مرمى الفريق الآخر، حتى المساحات الصغيرة توفر لهم الوقت للاستلام، والتحول والتفكير في ما يجب عليهم فعله بعد ذلك.  

4. تابع خطًا واحدًا فقط

إذا كان كل ما ذكرناه قد يُشتت انتباهك، وقد يُفلت منك التفاصيل بدلاً من إلمامك بها، فدعنا نحصره قليلاً.

تحدث معظم الدراما التكتيكية قبل الكرة بخط واحد، حيثُ يريد الفريق الذي بحوذته الكرة العثور على لاعب حر، يُمكن التمرير له لمواصلة اللعب إلى الأمام، تدور هذه العملية في الغالب في مساحة صغيرة حول الكرة بغض النظر عن مكان هذا اللاعب الحر في الملعب؛ فكل ما عليك أن تتابع المساحة في الخط الذي يسبق أو يلي موضع الكرة.

لا داعي للقلق بشأن المناطق البعيدة جدًا عن الكرة، بحسب محللي «ذا أثليتك» فإن 90% من التمريرات الرأسية تكون في مساحة أقل من 20 ياردة حول الكرة.

 

5. لاحظ الدوران والركض

عزيزي أنت الآن في منتصف الطريق، أصبحت لا تهتم فقط باللاعبين ولكن بالمساحات وتوقيت التحركات، أهلًا بك في الجزء الأكثر إثارة في اللعبة.

في أثناء مراقبتك للفريق المستحوذ على الكرة، ومتابعتك للمساحات التي يحاول اللاعبون خلقها، عليك أن تنتظر الركض والدوران، الذي سينقل هذا الاستحواذ من مرحلة الإعداد إلى مرحلة تشكيل هجمة حقيقية على مرمى الخصم.

يمكننا أن نضع حركات كثيرة تحت مُسمى الركض، لكننا هنا نتحدث عن الركض السريع الذي يُتيح خيارات تمرير، مثل الركض الكلاسيكي خلف المدافعين، والذي تميز به هداف الدوري الإنجليزي الموسم الماضي، ونجم ماشستر سيتي «إيرلينج هالاند».

في هذا التكنيك غالبًا ما يسحب المهاجم المدافع معه، وهو ما يخلق مساحة جديدة، حينها دع عينك على أحد أفراد الهجوم الآخرين الذي سيأتي ويهاجم هذه المساحة الفارغة، في الحقيقة هي مجرد مجموعات من الركض، لكنها لا تتعلق بالسرعة فقط، لكن أيضًا بالتوقيت المُنَسق.

6. لعب لعبة الأرقام

نظرًا لأن الكثير من كرة القدم ارتجالية، فلا تتعلق التكتيكات دائمًا بالأنماط التي يتم تدريب اللاعبين عليها، في بعض الأحيان ينحصر الجانب الاستراتيجي من اللعبة في مجرد وجود عدد أكبر من اللاعبين مقارنة بالفريق الآخر في جزء ما من الملعب.

لذا؛ إذا رأيت أحد الظهيرين يتقدم إلى الأمام أو كليهما، فقُم بإحصاء سريع لمعرفة الفريق الذي لديه الرقم الأكبر من اللاعبين في أي من طرفي الملعب، هذا هو المرجع الرئيس للاعبين لتحديد وقت تسريع أو إبطاء الهجوم، قم بتكرار لعبة العد هذه في أي نمط قد تراه في الملعب سيمكنك ذلك من التمكن من فهم ما يحدث على أرضية اللقاء.

يقول«غوارديولا»:

في جميع الرياضات الجماعية، يكمن السر في زيادة التحميل على جانب واحد من الملعب بحيث يجب على الخصم إمالة دفاعه للتعامل مع الأمر، أنت تفرط في التحميل على جانب و تترك الجانب الآخر ضعيفًا، وعندما يحدث ذلك، نهاجم ونسجل من الجانب الآخر.
 

7. اختر لاعبًا وتتبع أثره

يمكن أن تساعدك مشاهدة الأشكال والأنماط في جعل اللعبة أكثر منطقية، لكن لا تغفل أبدًا عن دور الفرد، فكل شخص داخل الملعب لديه ميوله التي تُشكل دوره، وتُحدد كيفية تأثيره على اللقاء.

بمجرد أن تعتاد على مشاهدة الأشياء النظامية التي ذكرناها في الأعلى، ضف على ذلك أن تختار لاعبًا معينًا وتتابعه بطريقة دقيقة سواء امتلك الكرة أم لا.

لا يقتصر دور متابعة لاعب واحد على تسليط الضوء على مهاراته، بل يمكن أن يساعدك ذلك على رؤية النظام بأكمله بشكل أفضل، حيث تظهر الأفكار التكتيكية المختلفة من خلال تحركات لاعب واحد فقط.

8. قُم بعمل تنبؤات

أفضل طريقة للتحقق من مدى جودة متابعتك للعبة هي محاولة تخمين ما سيحدث بعد ذلك، إذا كنت على صواب، فتهانينا أصبحت على دراية جيدة بالتكتيكات، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فربما تكتشف شيئًا مثيرًا للاهتمام جعل السيناريو يسير بطريقة أخرى، وقد تعلمت الآن شيئًا جديدًا.

يمكن أن تتضمن التنبؤات أشياء كبيرة مثل التنبؤ بتغيير الرسم التكتيكي، أو نقل لاعب ما من مركز إلى آخر، لكن خذ الأمور بالتدريج ابدأ بتوقع ما سيحدث في لعبة ما خلال الثواني القليلة القادمة.

على سبيل المثال، كيف يتصرف فريق ما بعد الفوز بالكرة: هل يحاولون اللعب إلى الأمام بسرعة، أو تبديل اللعب إلى الجناح على الجبهة الأخرى، أو التمرير للخلف لتأمين الاستحواذ وإعادة شكلهم؟ قُم بإنشاء إيقاع اللعبة بالكامل في تلك الثواني القليلة، إذا وجدت الأمور على مايرام، فحاول زيادة عدد ثواني التنبؤ، قُم بذلك بدءًا من أي شيء تقريبًا، رمية تماس أو تمريرة إلى حارس المرمى أو لاعب خط وسط يتلقى الكرة، وتتبع التسلسل التالي للعبة.

نهاية، هل سيحدث كل ذلك على هذا النحو؟ لا، بالطبع لا، إنها كرة القدم، لكن مهلًا انظر إليك الآن أنت تشاهد اللعبة بشكل أفضل، تهانينا، لكننا نعلم أنك على الرغم من كل ذلك لا تزال عيناك تبحث عن ذاك اللاعب الذي تحدث عنه غاليانو في البداية.