ظل مرض السرطان مرضًا صعب التشخيص والعلاج على مر الزمان، ومع تطور فهمنا لمرض السرطان عبر الزمان، بداية بالتكهنات غير المثبتة وانتقالًا للعلم المثبت، استطاع البشر تطوير عدد من الآليات والتقنيات لتشخيص المرض والاكتشاف المبكر له، وكذلك استطاعوا تطوير المزيد من التقنيات الأكثر فعالية في علاج المرض، تلك التقنيات التي أدت إلى تحسن نسب البقاء والشفاء من المرض، حيث ارتفع معدل البقاء لمدة 10 سنوات إلى 50% من الحالات التي يتم تشخيصها بالسرطان مقارنة ب 25% فقط في سبعينات القرن الماضي في المملكة المتحدة.


الاكتشاف المبكر لمرض السرطان

أثبتت الأبحاث أنه من الممكن تقليل معدلات الوفاة بسبب السرطان عند اكتشاف الحالات وعلاجها في وقت مبكر، ويمكن تصنيف الجهود التي يتم بذلها لاكتشاف المرض مبكرا إلى عنوانين رئيسيين: التشخيص المبكر، و المسح/التحري. وفي حالة غياب التشخيص المبكر ومجهودات المسح، غالبا ما يتم تشخيص المرضى في مراحل متأخرة جدا حيث يكون العلاج غير ممكن/مجدٍ.

http://gty.im/484401836

التشخيص المبكّر

يتم ذلك عن طريق زيادة الوعي بالأعراض/العلامات المبكرة للمرض، والتشديد على ضرورة اتخاذ الإجراءات الطبية في أسرع وقت ممكن للتأكد من التشخيص المبكر للمرض ومن ثم البدء في العلاج في وقت مناسب. ويعتبر التشخيص المبكر ذا أهمية كبيرة خاصة في حالات عدم توافر آليات فعالة للمسح، أو في حالة عدم وجود خدمات الفحص كما هو الحال في الكثير من الأماكن قليلة الموارد. وتشمل الأعراض المبكرة للسرطان ظهور الأورام، والنزيف غير المبرر، وظهور قروح لا تستجيب للعلاج، وعسر الهضم المستمر وغيرها.

المسح/التحري

يشير المسح إلى استخدام اختبارات بسيطة على قطاع واسع من المواطنين من أجل تحديد الأفراد الذين لديهم المرض محل البحث، لكن لم تظهر عليهم الأعراض بعد، ومن الأمثلة على ذلك، سرطان الثدي الذي يتم البحث عنه باستخدام التصوير الإشعاعي للثدي. ينبغي إجراء برامج الفحص فقط عندما تكون الموارد (الأفراد والمعدات، الخ) كافية لتغطية معظم المجموعة المستهدفة،وعند وجود مرافق لتأكيد التشخيص والعلاج والمتابعة للأفراد ذوي النتائج غير الطبيعية، وعندما يكون انتشار المرض عاليًا بما فيه الكفاية لتبرير جهود وتكاليف المسح. بناءً على الأدلة المتاحة حاليا فإن برامج الفحص الشاملة ليست ذات جدوى اقتصادية، ولا يمكن تنفيذها إلا في حالات سرطان الثدي (باستخدام التصوير الإشعاعي للثدي) وعنق الرحم (باستخدام فحص خلايا عنق الرحم)، وتُجرَى حاليا العديد من التجارب لتطوير نماذج أقل في التكلفة ومن ثم يكون من الممكن تنفيذها في مجتمعات ذات موارد أقل.

يعتبر اختبار فحص خلايا عنق الرحم أول فحص تم استخدامه على نطاق واسع في عمليات المسح لتشخيص سرطان عنق الرحم، حيث اكتشف مطوِّر الفحص «جورج بابانيكولو» أنه من الممكن استخدام ذلك الفحص في التشخيص المبكر لسرطان عنق الرحم وقام بنشر تلك المعلومات عام 1923م، لم يلقَ ذلك الفحص قبولا من الأطباء في بداية الأمر، حتى قامت جمعية السرطان الأمريكية باستخدام ذلك الفحص على نطاق واسع في ستينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت انخفض معدل الوفيات الناجمة عن سرطان عنق الرحم في الولايات المتحدة بنحو 70%.


التطور التاريخي لأساليب العلاج التقليدية للسرطان

اعتقد العديد من الأطباء والعلماء القدامى أن مرض السرطان غير قابل للعلاج، وكان منهم أبقراط وجالينوس اللذان ظلت أفكارهما عن أن المرض غير قابل للعلاج مسيطرة على أسلوب التعامل مع المرض لعدة قرون، الأمر الذي أدى إلى عدم اهتمام العديد من الأطباء بمحاولة البحث عن علاج للمرض على الرغم من تقدم الطب في العديد من الحضارات. كان تطور علاج السرطان بطيئا بدرجة كبيرة، فقد أدرك القدماء أنه لا يوجد علاج ناجع للسرطان بعد انتشاره، وأن التدخلات العلاجية في تلك الحالات أحيانا أكثر ضررا من المرض نفسه. مع تطور فهمنا للمرض خلال القرون الأخيرة، فقد تطور علاج السرطان تطورا كبيرا، وخاصة خلال السنوات الأربعين الأخيرة بعد توقيع الوثيقة الوطنية للسرطان عام 1971م من قبل الرئيس الأمريكي نيكسون.

العلاج الجراحي

منذ القدم، تم اعتماد الجراحة كأسلوب معروف لعلاج الأورام السرطانية، فقد تضمنت كتابات جالينوس وصفًا لعلاج جراحي لسرطان الثدي في حالة إذا كان من الممكن إزالة الورم بالكامل في مرحلة مبكرة من المرض وكانت الجراحة حينها بدائية وتحتمل العديد من المضاعفات. لم تبدأ الجراحات في التطور بشكل ملحوظ إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين، خاصة مع ظهور التخدير الكلي عام 1846م على يد طبيب الأسنان ويليام مورتون الذي كان أول من استخدم الإيثر كمادة مخدرة في العمليات الجراحية.

http://gty.im/482211903

خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، قام ويليام ستيوارت هالستيد، أستاذ الجراحة بجامعة جونز هوبكينز، بتطوير عملية الاستئصال الجذري للثدي متأثرا بدراسات الجراح الإنجليزي ويليام سامبسون هاندلي، حيث لم يكن مقتنعا بأن سرطان الثدي ينتقل دائما عن طريق الدم، ومن ثم فقد كانت اعتقاده أن إزالة النسيج السرطاني تماما كافية للشفاء، ومن ثم كان الاستئصال الجذري (الذي يزيل الورم السرطاني وما حوله من أنسجة وعضلات) هو النمط الشائع في عمليات السرطان لمدة قرن تقريبا، حتى وصلنا إلى سبعينيات القرن العشرين، حين أثبتت التجارب الإكلينيكية/السريرية الحديثة بعض الجراحات الأضيق نطاقا (التي تزيل نسيجا أصغر) تتمتع بنفس الفعالية لمعظم النساء المصابات بسرطان الثدي ومن ثم بدء التوجه لتطوير عمليات أضيق نطاقا لمعظم السرطانات للحفاظ على أكبر قدر ممكن من أنسجة الجسد الطبيعية. أما حاليا، فإن معظم السيدات المصابات بسرطان الثدي، يخضعن لعمليةٍ لإزالة الورم الأولي تسمى «استئصال الكتلة الورمية» ومن ثم يستكملن العلاج بواسطة الإشعاع، بما يتفق مع التوجه السائد من محاولة التقليل من حجم الأنسجة المطلوب استئصالها في مختلف أنواع السرطان بالاعتماد على العلاج المشترك (الكيميائي/الإشعاعي/الجراحي)، كما يتم حاليا اختبار العديد من التقنيات التي تعمل على تدمير الأورام السرطانية دون إزالتها، كالجراحات البردية cryosurgery التي تستخدم التبريد كوسيلة لقتل الخلايا غير الطبيعية، أو الليزر الذي يستخدم أحيانا في تدمير سرطان عنق الرحم، أو الاستئصال بالتردد الحراري الذي يستخدم الحرارة الناتجة عن تيار كهربي بتردد متوسط في حرق/إبادة النسيج المراد تدميره والذي يستخدم في علاج أورام الكبد والرئتين.

العلاج الإشعاعي

http://gty.im/459771178

في عام 1896م أعلن أستاذ الفيزياء الألماني فيلهلم رونتجن عن اكتشاف الأشعة السينية، وخلال سنوات قليلة بدأ استخدام تلك الأشعة في علاج السرطان، حيث ظهرت أول المؤشرات على أن التعرض للإشعاع يوميا لعدة أسابيع قادر على زيادة احتمالية شفاء المريض بدرجة كبيرة في فرنسا بعد شهور قليلة من اكتشاف الأشعة السينية. اعتاد الكثير من الأطباء قياسَ شدة الأشعة المنبعثة من أجهزة العلاج الإشعاعي على أذرعهم لتحديد الشدة المطلوبة، حيث كانوا يقومون بضبط شدة الأشعة على الدرجة التي تتسبب في التهاب الجلد بدرجة بسيطة تشابه ما يسببه التعرض للشمس لفترة طويلة، لم يكن من المعلوم حينها أن الأشعة السينية قادرة على التسبب في الإصابة بالسرطان، ولذلك ليس من المستغرب أن العديد من أطباء الإشعاع في الفترات الأولى قد تعرضوا للإصابة بسرطان الدم في حياتهم جراء تعرضهم للإشعاع بشكل مستمر. وقد ساعد التقدم العلمي في مجال الفيزياء الإشعاعية وتكنولوجيا الكومبيوتر خلال الربع الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين على تطوير قدرتنا على استهداف الأنسجة السرطانية بدقة أكبر وباستخدام تقنيات أقل تدميرا للأنسجة المجاورة مما يحسن من نتيجة العلاج، كتقنية العلاج الإشعاعي المماثل Conformal radiation therapy والتي يتم فيها مسح الورم السرطاني من جميع الجوانب ويتم حساب كمية الأشعاع اللازمة لتدميره من الجهات المختلفة ويتم استخدامها، وكذلك استخدام أشعة البروتون Proton Radiation بدلا من الأشعة السينية مما يتيح تحكما أفضل في توصيل الطاقة للنسيج المطلوب تدميره وحماية الأنسجة المجاورة، ومن تلك التقنيات أيضا تقنية العلاج الإشعاعي المجسم stereotactic radiation therapy والتي تستخدم لتوجيه جرعة كبيرة من الإشعاع بصورة دقيقة لورم صغير جدا، وكثيرا ما تستخدم في أورام المخ.

العلاج الكيميائي

http://gty.im/168653116

خلال الحرب العالمية الثانية، وُجد أن المقاتلين الذين يتعرضون لغاز الخردل mustard gas يصابون بتغيرات سامة في خلايا نخاع العظام، كان الجيش الأمريكي يعمل على تطوير أسلحة كيميائية جديدة في تلك الفترة، وفي خضم ذلك العمل تم اكتشاف إحدى المواد التي تدعى خردل النيتروجين nitrogen mustard والتي اكتُشف أنها قادرة على محاربة الليمفوما، وقد اتخذت هذه المادة كنموذج للعديد من المواد التي تستخدم في محاربة السرطان سريع النمو عن طريق تدمير الحمض النووي الخاص بالخلايا السرطانية. بعد بضع سنوات من الاكتشاف السابق، أوضح سيدني فاربر أن استخدام الأمينوبترين (الذي اشتق منه الميثوتريكسيت الذي يستخدم بكثرة حاليا في علاج السرطان) قد أدى إلى تحسن بسيط في حالات الأطفال المصابين بسرطان الدم الحاد، حيث يقوم ذلك المركب بإيقاف أحد التفاعلات الكيميائية الضرورية لنسخ الحمض النووي. في عام 1956م تم علاج أول حالة سرطان منتشر باستخدام الميثوتريكسيت، وتم تسجيل الحالات الأولى من الشفاء من ليمفوما هودجكين وسرطان الدم الليمفاوي الحاد عن طريق العلاج الكيميائي في ستينات القرن الماضي، كذلك تم تسجيل حالات شفاء من سرطان الخصية في العقد التالي. وأثبت العلاج الكيميائي قدرة جيدة على التحكم في عدد من السرطانات الأخرى حتى وإن لم يقم بشفائها. يتم حاليا العمل على تطوير عقاقير/أدوية العلاج الكيميائي في عدة مسارات مختلفة منها:

  • تطوير عقاقير أكثر قدرة على استهداف الخلايا السرطانية بشكل دقيق، ومن ثم تقليل الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي.
  • تطوير عقاقير لمعالجة وتفادي الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي.
  • تطوير عقاقير للتغلب على الحالات المقاوِمة للعلاج الكيميائي.

في بدايات القرن العشرين، كانت الأورام السرطانية الوحيدة الممكن علاجها هي الأورام الصغيرة غير المنتشرة والتي يمكن إزالتها جراحيا بالكامل، ثم بدأ استخدام الإشعاع لمقاومة الأورام الصغيرة والبقايا التي لم يتم إزالتها جراحيا، وأخيرا جاء العلاج الكيميائي ليقضي على الأورام السرطانية الصغيرة التي لا يمكن استهدافها جراحيا أو إشعاعيا، كما يتم استخدامه أيضا كعلاج مساعد بعد الجراحات للقضاء على أي خلايا سرطانية متبقية في الجسم.

Footer
Footer
المراجع
  1. Cancer survival statistics
  2. Early detection of cancer
  3. The History of Cancer
  4. Cancer History
  5. About proton beam therapy
  6. Stereotactic radiotherapy for brain tumours
  7. Temporary Remissions in Acute Leukemia in Children Produced by Folic Acid Antagonist, 4-Aminopteroyl-Glutamic Acid (Aminopterin)