في الـ 21 من إبريل/نيسان انطلقت مشاورات السلام اليمنية بين الأطراف المتصارعة، وفدي الحكومة وتحالف «الحوثي-صالح» في دولة الكويت، تحت إشراف الأمم المتحدة الراعية للمفاوضات وبمشاركة جميع أطراف النزاع، وذلك بعد تعذّر انعقادها كما كان مقررًا في الثامن عشر من الشهر ذاتة نظرًا إلى بعض المستجدات التي حدثت وتغيّب الوفد القادم من صنعاء عن الحضور في الموعد المحدد. وعلى الرغم من التفاؤل الذي صاحب بداية المفاوضات إلا أنها لم تكف عن التعثر في كل خطوة تخطوها، في ظل خلاف حول الأجندة والقواعد التي يتم على أساسها الحوار، ورفض لإجراء مفاوضات مباشرة، وتأخر مستمر في جدول المفاوضات، وتعليق لمشاركة الوفود في الحوار.

ومع ذلك، فـ «حوار الكويت» الذي يجري حاليًا لا يزال يمثل فرصةً تاريخية لإنهاء الصراع الذي طال أمده وأثقل كاهل اليمنيين، الذين يتطلعون إلى مشاركة إيجابية من أطراف النزاع في المفاوضات بعد قرابة العامين من حرب دفع اليمنيون فيها ثمنًا فادحًا وفاقمت من معاناتهم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن هناك أكثر من 14 مليون يمني يُعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من ثلاثين ألف بين قتيل وجريح، بحسب المنظمات الدولية والمحلية.


ما قبل مفاوضات الكويت

قبل الإعلان عن مفاوضات الكويت شَهدت الحدود اليمنية السعودية تهدئة بين الحوثيين والجيش الموالي لهم من قوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والقوات البرية السعودية المرابطة على الحدود مع اليمن؛ الأمر الذي تزامن مع دخول وفد من جماعة أنصار الله «الحوثيين» إلى منطقة ظهران الجنوب «السعودية»، بوساطة يقودها زعماء القبائل، لتبادل أسرى الحرب من قوات الجيش السعودي والمقاتلين اليمنيين، الذين خاضوا حرباً وقتالًا عنيفًا بطول الحدود الجنوبية للسعودية، وسط تعتيم وإخفاء جماعة أنصار الله لملامح الاتفاق الذي تم عقده مع المملكة.

يرى «عمار مرشد نايف» الأمين العام لحزب الحرية التنموي، ونائب رئيس تكتل الأحزاب المناهضة للتحالف للشؤون الدولية والعلاقات الخارجية، «إن العمليات العسكرية التي حصلت في اليمن كان نتيجة لإيقاف مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي تدعمه أمريكا وإسرائيل مع مجموعة من حلفائهم، وعندما صدموا بالمقاومة الصامدة من قبل الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية، كان حتمًا أن تبحث السعودية عن حلول في ظل الهزائم المتعددة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك تزعزع الغطاء الأممي من حولها وصدور بيانات عديدة من منظمات واتحادات دولية أوروبية وغيرها، كان لابد من تحرك في اتجاه المعتدى عليه، والمنتصر في الميدان بثباته وتماسكه لأكثر من عام، وأيضًا الضغط من قبل مشايخ وأعيان المجتمع في الجزيرة العربية على النظام السعودي بالجلوس على طاولة الحوار وعدم الاستمرار في معركة خاسرة».

http://gty.im/494074814

وأضاف «مرشد نايف» في حديثه لـ «إضاءات» أن «الخسائر المادية الفادحة، والتي انعكست على الوضع الداخلي للمملكة، أدت إلى هذه الضرورة وهي حتمية اللقاء بممثلي أنصار الله «الحوثيين»، وجلوس الطرفين في ظهران الجنوب للحوار، وكذلك خروج تظاهرات الجماهير المليونية صباح وعصر سبت 26 مارس/ آذار الماضي والذي مثّل استفتاءً شعبيًا واضحًا أكّد على أن الشعب ملتف وصامد مع المقاومة وأن الشرعية هي للشعب وليست لشخص هادي ومن معه، وشكلت رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن مزاعم النظام وهادي غير صحيحة، وكانت الأساس الأبرز للقاء الكويت والبدء في مفاوضات لإنهاء الأزمة».


المشهد اليمني وموازين القوى

منذُ قرابة الأسبوع بدأت المشاورات المباشرة بين الأطراف اليمنية المشاركة في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، لكن لم تفضِ تلك المفاوضات إلى أي حل سياسي حتى الآن، وسط ضغط دولي وإقليمي لإنهاء الحرب وإيقاف العمليات العسكرية التي يقودها التحالف العربي بقيادة السعودية، حيث لا يزال المشهد السياسي معقدًا وفي نفق مظلم وسط تواصل المعارك في الداخل اليمني بين الفصائل المسلحة «الحوثيين وصالح – الجيش الموالي للشرعية والمقاومة الشعبية» في عدد من جبهات القتال رغم إعلان وتوقيع هدنة بين الطرفين يتهم كل منهما الآخر باختراقها.

سيطر مسلحو جماعة أنصار الله «الحوثيون» على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 بمساعدة من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية المرتبطة بصالح.

يسيطر الجيش الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، واللجان الشعبية التابعة للحوثيين، على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات الشمال اليمني بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من محافظتي شبوة والضالع جنوب البلاد. يعتبر علي عبد الله صالح اللاعب الأهم في الصراع على السلطة بين الحوثيين وحكومة هادي، حيث سيطر مسلحو جماعة أنصار الله «الحوثيون» على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 بمساعدة من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية المرتبطة بصالح، قبل أن يعلن تحالفه رسميًا مع الجماعة بعد أيام من انطلاق «عاصفة الحزم». ولا يزال الآلاف من الجنود الموالين لصالح من قوات الحرس الجمهوري، والذي تتكون من حوالي 17 لواء منها ألوية صواريخ ودبابات ومشاة آلية، وتتوزع في المنطقة الوسطى بمحيط ذمار وصنعاء ممتدة إلى الجوف وحرف سفيان، لا يزالون يشكلون جزءًا أساسيًا في القتال الدائر على الجبهات؛ إذ تستعر المعارك في كل من محافظتي مأرب والجوف شمال العاصمة، فيما يخوض الحوثيون معارك عنيفة في محافظة تعز، أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان، مع المقاومة الشعبية والجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي.

http://gty.im/138135589

في المقابل يشرف على المعارك ضد جماعة الحوثي في الشمال اليمني اللواء «علي محسن الأحمر» القائد السابق للفرقة الأولى مدرع والمحسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع السعودية. كان علي محسن الأحمر الرجل الثاني في النظام بعد علي عبد الله صالح قبل أن يعلن الأحمر دعمه وانضمامه لثورة الشباب اليمني ضد صالح في 2011. لاحقًا، وعلى إثر تقدم الحوثيين واستيلائهم على صنعاء اضطر علي محسن إلى اللجوء إلى السعودية قبل أن يعود ليتولى قيادة القتال ضد الحوثيين بعد أن عيّنه هادي نائبًا له. الجدير بالذكر أن الآلاف من المنتمين للإصلاح يشاركون بصورة فعالة في المقاومة الشعبية ضد الحوثيين، وخاصة في مدينة تعز، الذي يقود الدفاع عنها القيادي الإصلاحي البارز «حمود المخلافي» منذ ما يربو على العام ونصف. الجدير بالذكر أيضًا أن الدور الإماراتي المناهض للإخوان المسلمين دفع بمسلحي الإصلاح إلى أن يقاتلوا باستقلالية أو باعتماد على دعم محدود من قبل السعودية.


حوار الكويت: الأهداف والخلافات

لاتزال المفاوضات الجارية في الكويت تسير في الاتجاه المجهول دون إحراز تقدم في مسار العملية السياسية، حيث تمسك وفد الحوثيين وحزب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح المشترك، بموقفه من عدم الدخول في مناقشة ما سمي بـ «النقاط الخمس» إلا بعد وقف كامل لإطلاق النار والطلعات الجوية لمقاتلات التحالف، فيما تمسك الوفد الحكومي بـإجراءات بناء الثقة التي خرجت بها مشاورات مدينة «بيال» السويسرية منتصف ديسمبر الماضي، والمتمثلة في إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المدن .

يطالب الحوثيون بإنهاء طلعات التحالف قبل الدخول في أي تسوية سياسية، في حين يطالب وفد الحكومة بضرورة إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المدن قبل التوصل لاتفاق نهائي.

يرى «د. عبده البحش» المحلل السياسي والباحث في «مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية» في وصفه لسير المفاوضات الجارية في الكويت بين وفد الحكومة اليمنية وممثلي صالح والحوثيين «نستطيع القول إن ثمّة صعوبات تعترض هذه المفاوضات خصوصًا وأن ممثلي الانقلاب يضعون شروطًا تعجيزية لإفشال أي اتفاق، حيث لوحظ عدم جديتهم في الوصول إلى حل سياسي وذلك من خلال سلوك الحوثيين في جولات الحوار الجارية في الكويت، فالحوثيون حولوا هذا المؤتمر إلى فوضى بالصرخات والهتافات والشعارات الخاصة بحركتهم والمستوردة من فلسفة الثورة الخمينية الإيرانية. يدرك الحوثيون تمامًا أن أية مفاوضات، تقود إلى حل سياسي وسلام حقيقي في اليمن، ستؤدي في نهاية المطاف إلى الشراكة الحقيقية مع القوى السياسية اليمنية الأخرى، وهذا ما لا يريده الانقلابيون، فهم يريدون بقاء الأوضاع كما هي عليه الآن حتى لا يخسروا السلطة والثروة التي سيطروا عليها بقوة السلاح والانقلاب العسكري الذي تم في 21 سبتمبر 2014م».

وذهب «البحش» في تصريحه لـ «إضاءات»إلى أنه «من الواضح أن الحوثيين في هذه المفاوضات الجارية في الكويت يلعبون دور الثلث المعطل، الذي يمارسه حزب الله اللبناني، وهذا الدور اتضح في سلوك الحوثيين منذُ الوهلة الأولى للمفاوضات، حيث تعمدوا التأخير عن حضور المؤتمر في موعده وحاولوا أن يفرضوا شروطًا على وفد الحكومة اليمنية، وهذه سابقة خطيرة في تاريخ المفاوضات السياسية، ولولا الضغوط التي مارستها الأمم المتحدة على الحوثيين لما حضروا المؤتمر من الأساس، وبرغم حضورهم إلى الكويت إلا أن نواياهم واضحة في إفشال أي تقدم؛ في استنساخ واضح لسياسة الثلث المعطل التي يمارسها حزب الله اللبناني، والتي تنطلق دائمًا من مبدأ تعطيل دور الحكومة اللبنانية وتعطيل دور الرئيس اللبناني، وتعطيل الحياة السياسية اللبنانية بشكل عام، وهذه السياسة جعلت لبنان ضحية الدور التخريبي الذي يمارسه حزب الله».

وتابع بالقول «إن اليمن سيبقى لفترة طويلة في اضطرابات وعدم استقرار، وسيلعب الحوثيون دور المخرب والمعطل لأية اتفاقات سياسية ولأي حكومة يمنية. كما أن الحوثيين سيجلبون لليمن الحروب الخارجية بسبب سياسة العداء للمحيط اليمني الخليجي، وبالذات المملكة العربية السعودية، ولا يفوتنا الاستفزازات الحوثية التي قاموا بها ضد الجارة السعودية بعد نجاح انقلابهم على الحكومة اليمنية من خلال المناورات العسكرية التي أجروها على حدود المملكة العربية السعودية، والخطاب الإعلامي المعادي للسعودية؛ وهذا يعني أنه لا سلام ولا أمن ولا استقرار في اليمن طالما بقي الحوثيون في صدارة المشهد السياسي اليمني».


اليمنيون في انتظار السلام

http://gty.im/522591312

تتجه أنظار ملايين اليمنيين إلى «الكويت»، لمتابعة محادثات الأطراف اليمنية هناك، أملاً في أن يسكت خيارُ السلام أزيزَ الرصاص، في بلد تعصف بها الحرب منذُ أكثر من عام. المحادثات التي تعتبر الثالثة من نوعها، سبقتها جولتا مشاورات في «جنيف» و«بيال» السويسريتين، لم تتمخض عنهما أي نتائج ملموسة لإيقاف الحرب.

المتفائلون من اليمنيين بنتائج إيجابية لمحادثات الكويت، يرون أن الأطراف المتصارعة وصلت إلى طريق مسدود، وأن قوتها قد أنهكت، وباتت تبحث عن مخرج من الحرب التي طال أمدها كما يرى «د.حمود المليكي»، رئيس دائرة الإعلام العامة والدولية في جامعة ذمار، والذي أردف «إن حوار الكويت هو الفرصة الأخيرة للأطراف المتصارعة للوصول إلى حل يوقف نزيف الدم في اليمن، وأعتقد أن أولويات المفاوضات يجب أن تكون وقف الاقتتال والاتفاق على حل يُرضي كل الأطراف، لأنه لا يستطيع أحد أن يقصي الآخر، وهذا ما أثبتته الأيام وأكدته الحرب التي دامت عامًا كاملًا، ولا بد من تقديم التنازلات وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة، لإعادة الخدمات الأساسية التي افتقدها الشعب بشكل عاجل كخدمة الكهرباء ونشر الأمن المفقود في كل محافظة».