في الفترة التي تلت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف 2016، لم يخلُ أي وفد مرافق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخارج من رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت خلوصي أكار. وقد كان أحد التفسيرات المحتملة أن الرئيس يريد أن يثق تمامًا بأن شيئًا لن يحصل في تركيا وهو خارجها، في سياق مشابه لاصطحاب حسني مبارك معه في كل زيارات وزير دفاعه المشير طنطاوي.

لكن الأيام والسنوات اللاحقة أثبتت أن الأمر على خلاف ذلك، وأن الرئيس يثق برئيس أركانه كثيرًا وأنه أحد أهم المقربين منه. وهكذا، استمر خلوصي أكار ليكون أحد أهم أركان الوفد المرافق لأردوغان في زياراته الخارجية بعد بدء تطبيق النظام الرئاسي، ولكن هذه المرة بصفته «وزير الدفاع» لا «رئيس الأركان».

سيرة ذاتية

وُلد خلوصي أكار عام 1952 في مدينة قيصري. تخرج من الكلية الحربية البرية عام 1972 ومن كلية المشاة عام 1973، وتضمنت الأماكن التي خدم بها بعد تخرجه الجزيرة القبرصية بعد التدخل التركي عام 1974.

تخرج عام 1982 من الأكاديمية الحربية البرية، وعام 1985 من أكاديمية القوات المسلحة، وعام 1987 من كلية أركان القوات المسلحة الأمريكية. تعددت بعد ذلك أماكن خدمته ومناصبه، بما فيها عمله كضابط استخبارات في مقر قيادة المنطقة الجنوبية لقوات التحالف في إيطاليا.

عمل بين 1993 و 1994 مديرًا لمكتب رئاسة القوات البرية، وبين عامي 1994 و 1997 مديرًا لمكتب رئاسة أركان القوات المسلحة. رأس في عامي 1997 و 1998 قيادة القوات التركية في البوسنة والهرسك، ثم رُقِّيَ عام 1998 لرتبة عميد وحصل على رتبة لواء عام 2002، ثم فريق عام 2007، ومشير عام 2011.

تولى خلال تلك السنوات قيادة الكلية الحربية البرية، ثم الأكاديمية الحربية البرية، ثم الجيش الثالث بين 2009 و 2011، ثم أصبح نائب رئيس أركان القوات المسلحة التركية بين 2011 و 2013، وقائدًا للقوات البرية بين 2013 و 2015، وأخيرًا استلم رئاسة أركان الجيش في 18 أغسطس/ آب 2015.

حصل أكار على ميدالية القوات المسلحة التركية للشجاعة وميدالية الخدمة الممتازة للقوات المسلحة التركية وميدالية الشرف في القوات المسلحة التركية، كما تقلد كذلك أكثر من 10 ميداليات دولية في عدة مناطق ومن عدة دول.

شارك أكار في برامج أكاديمية وتدريسية مع عدد من الجامعات التركية المرموقة، مثل جامعة الشرق الأوسط التقنية وكلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة وجامعة البوسفور، وهو يتكلم اللغة الإنكليزية بطلاقة.

الانقلاب الفاشل

اختلفت المحاولة الانقلابية عام 2016 عن الانقلابات العسكرية الأربعة التي سبقتها من عدة زوايا، وليس فقط كونها فشلت بينما نجحوا. ثمة عاملان أساسيان ميزا الانقلاب الفاشل عن سابقيه؛ الأول أن المؤسسة العسكرية لم تكن على قلب رجل واحد بخصوصه، وأن القرار لم يصدر من رأسها (انقلاب 1960 أيضًا لم تنفذه قيادة المؤسسة العسكرية، لكن الجيش دان للضباط الانقلابيين).

والثاني أنه كان عنيفًا ودمويًا بطريقة غير مسبوقة، دل على ذلك سقوط 250 شهيدًا وآلاف الجرحى، إضافة لاستهداف رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الاستخبارات، فضلاً عن قصف قصر الرئاسة والبرلمان ومقر رئاسة أركان الجيش وغيرها من المؤسسات.

الخطوات الأولى للانقلاب شملت اعتقال رئيس الأركان في ذلك الوقت، خلوصي أكار. وحسب إفادة أكار والرواية الرسمية التركية، فقد عرض عليه معتقلوه أن يمكنوه من الحديث مع فتح الله كولن لينضم للحركة الانقلابية، بل ويقودها، لكنه رفض. صباح اليوم التالي، ومع فشل الانقلاب وتحرير المسؤولين المعتقلين على أيدي عناصر كولن، ظهر أكار إلى جانب الرئيس التركي وفي رقبته علامة واضحة على حبلٍ كان قد لُف حول رقبته.

كان رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان قد ذهب عصر يوم الانقلاب إلى رئاسة الأركان بناء على معلومات عن تحركات مشبوهة داخل المؤسسة العسكرية وخصوصًا القوات الجوية، أمر أكار على إثرها بمنع الطلعات الجوية يومها، إلا أن ذلك لم يمنع المحاولة الانقلابية ولا مهاجمة قيادة الأركان ولا حتى اعتقال أكار والضغط عليه جسديًا.

في الأيام الأولى بعد الانقلاب الفاشل، سادت تقييمات بأن الرئيس ينوي القيام بتغييرات جذرية في المؤسسات العسكرية والأمنية، وأن ذلك قد يشمل رئيسي الأركان وجهاز الاستخبارات باعتبار أنهما فشلا في كشف الانقلاب قبل حدوثه، إلا أن التطورات اللاحقة حملت قرارات عكس هذا الاتجاه تمامًا.

أبقى أردوغان على أكار رئيسًا لأركان القوات المسلحة، ليشرف بنفسه على عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية ومكافحة عناصر الكيان الموازي داخلها، وهي العملية التي قال أكار نفسه – كوزير للدفاع – إن حصيلتها حتى اليوم فصل 17866 شخصاً من المؤسسة العسكرية بينهم 150 لواء، في كلمته أمام لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان التركي قبل أيام.

همزة الوصل والفصل

منذ انقلاب 1960، وضعت المؤسسة العسكرية التركية نفسها وصية على الدولة والشعب ومؤسساته السياسية بما فيها المنتخبة. دستوريًا، كانت رئاسة الأركان «مسؤولة أمام» رئاسة الوزراء لكنها لم تكن «تتبع لها» وفق النص. وبهذا، أبقت المؤسسة العسكرية نفسها شبه مستقلة، وكان من بين صلاحياتها ومسؤولياتها حماية مبادئ الجمهورية، التي من بينها العلمانية، وهي الذريعة التي اتخذتها لتبرير كل تدخلاتها في الحياة السياسية، والتي كان مجلس الأمن القومي أداتها الرئيسة فيها.

مع العدالة والتنمية، وبعد سنوات طويلة، بدأت رحلة تفكيك الوصاية العسكرية على الحياة السياسية، وهي رحلة تضمنت عدة محطات على مدى سنوات طويلة، كان الأهم من بينها تعديل بنية مجلس الأمن القومي وصلاحياته عام 2013، حيث أصبح ذا أغلبية مدنية وقراراته استشارية، ليست ملزمة للقيادة السياسية.

مع إقرار النظام الرئاسي في البلاد في الاستفتاء الشعبي في نيسان/ أبريل 2017، حلت الرئاسة مكان رئاسة الوزراء في المسؤولية عن رئاسة أركان الجيش، لكن الأمر لم يتعد التعديل الشكلي المرتبط بالانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، بيد أن التغيير الجذري أتى لاحقًا. 

في الـ 15 من يوليو/ تموز 2018، أي في الذكرى الثانية للانقلاب الفاشل وبعد سريان تطبيق النظام الرئاسي، صدر مرسوم رئاسي بـإلحاق رئاسة الأركان وقيادة القوات الجوية والبرية والبحرية بوزارة الدفاع. أكثر من ذلك، عدّل المرسوم بنية مجلس الشورى العسكري الأعلى، وهو الإطار المعني برسم العقيدة العسكرية والخطط والأهداف في المؤسسة العسكرية فضلاً عن قرارات الترقية والفصل، بحيث أصبح ذا أغلبية مدنية. حيث بات المجلس يتكون من الرئيس ونوابه (حاليًا نائب واحد) ووزراء العدل والخارجية والداخلية والخزينة والمالية والتعليم الوطني والدفاع الوطني إضافة لرئيس الأركان ورؤساء القوات. هذه الخطوة تحديدًا كانت تعني بشكل مباشر عكس العلاقات المدنية – العسكرية التركية 180 درجة، بحيث لم تعد المؤسسة العسكرية وصية على القيادات السياسية وإنما خاضعة لها بالكامل.

هذه الخطوة، بكل أهميتها وارتداداتها المحتملة، كانت تحتاج ما يخفف من حساسية المؤسسة العسكرية تجاهها، ولذلك فقد وقع اختيار الرئيس التركي على خلوصي أكار تحديدًا ليكون وزيراً للدفاع في أول حكومة في ظل النظام الرئاسي، والتي شُكلت في التاسع من يوليو/ تموز 2018، أي قبل المرسوم الرئاسي المذكور بستة أيام فقط.

هكذا، يبدو أن الرئيس التركي أراد للتغيير الجذري في المؤسسة العسكرية والعلاقات المدنية – العسكرية في بلاده أن يسير بأكثر الطرق الممكنة سلاسةً، وبحيث تخف حساسية العسكريين من التبعية لمدنيين بالحد الأدنى، ولذلك فقد اختار شخصًا عسكريًا لوزارة الدفاع التي ستتبع لها رئاسة الأركان وقيادات القوات.

بهذه الطريقة، بقيت العلاقة بين وزير الدفاع خلوصي ورئيس الأركان يشار غولار هي نفس العلاقة الهرمية التي كانت تجمعهما سابقًا داخل المؤسسة العسكرية حيث كان الأول رئيسًا للأركان والثاني قائدًا للقوات البرية. وهو أمر كان له أهميته البالغة في تلك المرحلة الانتقالية لضمان التغيير دون مواجهة أو أزمة مع المؤسسة العسكرية، بينما يمكن أن يتغير الأمر مستقبلاً ليكون وزير الدفاع شخصية مدنية بالكامل، دون أن يكون للأمر تداعيات سلبية بالضرورة.

تنامي الدور

بعد الانقلاب الفاشل ثم تعيينه وزيرًا للدفاع، توسع مع الوقت الدور الذي يلعبه أكار داخليًا وخارجيًا، وبات من أقرب المقربين للرئيس أردوغان، وأضاف لسيرته الذاتية إنجازات عدة.

فقد أنجزت تركيا عملية درع الفرات عام 2016 وبدأت عملية غصن الزيتون في 2018 وهو رئيسٌ للأركان، ثم أتمتها ونفذت مؤخرًا عملية نبع السلام في سوريا وعمليات المخلب 1 و 2 و 3 في العراق وهو في منصب وزير الدفاع، إضافة لدعم حكومة الوفاق الليبية، فضلاً بالطبع عن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتطهيرها من أتباع كولن.

كما أن تركيا أنهت خلال هذه الفترة صفقة منظومة إس 400 الدفاعية الروسية، وتقدمت في مشروع مقاتلات إف 35 الأمريكية قبل أن تجمد واشنطن مشاركتها بسبب الصفقة السابقة. يضاف لما سبق، أن القوات المسلحة التركية سجلت نسبة مرتفعة من الاعتماد على الأسلحة محلية الصنع في عملياتها خارج الحدود بلغت حدود الـ %75، حسب المصادر التركية.

بيد أن الدور الذي لعبه ويلعبه الرجل لم يقف عند الحدود العسكرية، وإنما تخطاها بوضوح نحو كواليس السياسة، داخليًا وخارجيًا كذلك، في إشارة واضحة لمدى ثقة أردوغان به واعتماده عليه. أحد أهم الأمثلة على ذلك زيارته مع الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين للرئيس السابق عبد الله غل – الذي تربطه به صداقة قديمة – قبيل الانتخابات الرئاسية في 2018 لثنيه عن قرار الترشح ضد أردوغان.

كما أن التقارير الصحافية ترصد بشكل دائم «لحظات حميمية» بين أردوغان وأكار في المناسبات الرسمية والوطنية، مثل المحادثة التي أجرياها في احتفالية عيد الجمهورية في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت.

في سبتمبر/ أيلول المنقضي، رصدت كاميرات الإعلام وزير الدفاع خلوصي أكار يصوّب بوجه مبتسم الرئيس أردوغان حين أخطأ بذكر اسم حزبه قائلاً «الرفاه» بدل «العدالة والتنمية». اللافت هنا أن المناسبة كانت حزبية محضة، وهي اجتماع «الاستشارة والتقييم» الدوري لحزب العدالة والتنمية، والذي حضر أكار كلمة أردوغان خلاله جالسًا في الصف الأول، على الرغم من أنه ليس عضوًا بالحزب.

وفي فترة تكاثرت فيها الملفات ذات الطابع العسكري في العلاقات التركية – الأمريكية، برز اسم أكار أكثر من اسم وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو كمحاور ومفاوض للأمريكيين، وخصوصًا ما يتعلق بالملف السوري وفكرة المنطقة الآمنة. وحين احتاجت الرئاسة التركية لوقوف أحزاب المعارضة إلى جانبها وقت تهديد واشنطن لها بعقوبات قاسية بسبب صفقة إس 400، زار أكار مختلف أحزاب المعارضة ليضعهم في صورة التطورات في ذلك الملف ما نال استحسانهم.

في المحصلة، انتقل خلوصي أكار بدعم أردوغان له من المؤسسة العسكرية ليصبح وزيرًا مدنيًا من خلفية عسكرية كجسر وحالة انتقالية بين استقلالية رئاسة أركان الجيش وتبعيتها لوزارة الدفاع، لكنه أضاف لرصيده الكثير خلال السنوات الأخيرة، رمزيًا ومعنويًا ليلة الانقلاب الفاشل، وعمليًا وميدانيًا في الملفات التي أدارها منذ ذلك الوقت. كل ذلك رفعه – مثلاً – للمنزلة الثانية بعد وزير الداخلية سليمان صويلو في قائمة تقييم أداء وزراء الحكومة في يوليو/ تموز الفائت وفق استطلاع الرأي الذي قامت به شركة بيار (وإن كانت النسبة ليست مرتفعة جدًا).

بيد أن هناك ما يدعو لتوقع أن يلعب الرجل أدوارًا أكبر في المستقبل، ففي حين تتداول الأوساط الإعلامية والسياسية أسماء عدد من الشخصيات التي يمكن أن تترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وفي مقدمتها أردوغان وغل وداود أوغلو وإينجة وإمام أوغلو وغيرهم، لن يكون من المستغرب أو المستبعد أن يكون أكار أحدهم، في تلك الانتخابات أو التي تليها.

فالرجل إضافةً لسيرته الذاتية التي سبق تفصيلها وما أضافه لرصيده من إنجازات، يحظى بثقة الرئيس أردوغان ورضى جزء مهم من القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية والمحافظين الآخرين بسبب هذه الثقة والإنجازات وكذلك الإشارات المتعلقة بالدين والمحافظة في المؤسسة العسكرية (مثل إقامة الصلوات وبناء المساجد).

أكثر من ذلك، يحظى الرجل بالتأكيد بثقة المؤسسة العسكرية التي ترقى فيها درجةً درجة حتى قادها، ولذلك تحديدًا يمكن القول إن التيارات والأحزاب القومية والكمالية قد لا يكون لديها مشكلة معه كمرشح، وفي مقدمتها حزبا الحركة القومية والجيد، إضافةً لبعض التيارات داخل حزب الشعب الجمهوري.