دائمًا عندما يطرح سؤال: من هو أغنى لاعب كرة القدم في العالم؟ يقفز إلى ذهن المرء عدد من الأسماء المحددة. يأتي في مقدمة تلك الأسماء الثلاثي «ليونيل ميسي، كريستيانو رونالدو، نيمار». حيث يحصل الثلاثي على الأجور الأعلى في أوروبا.

يقترب أجر الأول من 39 مليون يورو سنويًا بخلاف ما يحصل عليه من عقود الرعاية، فيما طالب رونالدو إدارة ريال مدريد بوصول راتبه إلى 30 مليون يورو قبل أن يرحل ليوفنتوس ويحصل على ما يريد. وأخيرًا وليس أخرًا يأتي نيمار الذي يتحصل من إدارة باريس على ما يزيد على 36 مليون يورو.

المفاجأة ليست فقط أن لقب أثرى لاعب في العالم يأتي من خارج تلك القائمة الثلاثية، بل لك أن تتخيل أن اللقب ينتمي للاعب لم يشارك بعد في مباراته الرسمية الأولى. أضِف لذلك أن اللاعب المشار إليه لا يمتلك شهرة تضاهي تلك الخاصة بنجوم الصف الأول. وهو ما يعني أن ثراءه لا يرتبط أبدًا بما يتحصل عليه سواء من أجر في ناديه، أو من عقود الرعاية إن وجدت في حالته أصلًا، ولكن هناك سببًا آخر.

في يناير/كانون الثاني الماضي، نشر موقع الوكالة الألمانية «دويتشة فيله» تقريرًا عن لاعب شاب مغمور، لا يزيد عمره على عشرين سنة، ولا يمتلك جماهيرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. اسمه «فائق بلقيه»، ويتميز بأمر واحد فقط وهو أن ثروته تزيد على كل لاعبي الكرة.

تُرى من هو فائق؟ ومن أين أتى بكل تلك الأموال التي ربما تزيد على ثروة ميسي ورونالدو سويًا؟


في أرض السلام

في البداية وقبل التعرف على فائق، دعنا نأخد جولة سريعة نتعرف فيها أولًا على سلطنة بروناي، هذا البلد الذي ينتمي إليه بلقيه ويرتدي شارة قيادة منتخبه.

بروناي، أو أرض السلام كما يطلق عليها، هي دولة آسيوية تقع على الساحل الشمالي لجزيرة بورنيو في جنوب شرقي القارة. وهو بلد صغير لا تتجاوز مساحته 5.76 كم مربع، ويسكنه قرابة الـ 500 ألف نسمة. غير أنه بلد غني جدًا بالموارد الطبيعية، إذ تعوم السلطنة على بحر من البترول والغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي جعل قرابة الـ99% من صادراتها تتكون من المواد الخام النفطية التي تقوم على استخراجها وتكريرها شركة «بروني» الحكومية.

هذه الموارد الطبيعية الوفيرة جعلت من بروناي إحدى أغنى بلدان العالم كله، ومنحت أغلب سكان السلطنة مستوى فارهًا من المعيشة بحيث تتكفل الحكومة بمصاريف التعليم والصحة والخدمات العامة.

تحكم السلطنة الصغيرة أسرة ملكية منذ أكثر من 600 عام، وتمتلك هذه الأسرة ثروة مالية خرافية، يكفيك معرفة أن موقع فوربس كان قد أدرج السلطان في المركز الرابع ضمن قائمة أغنى ملوك العالم بثروة تقدر بـ20 بليون دولار، كما يمكنك مطالعة صور حفل زفاف ابنته الذي عقد في قصر ملكي مكوّن من 1700 حجرة!

ولكن ما دخل لاعب كرة قدم كفائق بلقيه بكل تلك المعلومات عن الأسرة الحاكمة؟ الرابط يتضح بمجرد معرفة اسم سلطان البروناي، إنه السلطان «حسن بلقيه» عمّ اللاعب فائق جفري بلقيه!


أزمة السلطان وميلاد الأمير

لهواة القصص المثيرة عن كيفية إنفاق الأشخاص شديدي الثراء أموالهم دون ضابط أو رابط، هناك عشرات الحكايات الخرافية على شبكة الإنترنت حول السلطان حسن وشقيقه الأصغر جفري.

حيث تحكي مجلة «فانيتي فير» الأمريكية كيف أحب السلطان شقيقه جدًا، وكانا يتسابقان طوال الليل بسيارات الفيراري، ويقتنيان سويًا أفخم اليخوت والطائرات، ثم يسافران لشراء أكبر الفنادق وأشهرها في لندن وباريس. حتى تلك الأخبار التي طالت السلطان عن فضائحه الجنسية والحفلات الماجنة التي يقيمها كان الأمير جفري شريكًا أساسيًا فيها، أو ربما كان منظمًا لها.

كانت علاقة الثنائي على ما يرام حتى عام 1998، حين هبط سعر النفط في بروناي، ولاحظ السلطان انخفاض حاد وصل لبلايين الدولارات في ميزانية شركة الاستثمار التي يديرها جفري.

في تلك الأثناء، صعد شقيقهما الثالث الأمير «محمد بلقيه» صاحب التوجهات الدينية إلى الواجهة، ونصح السلطان بإبعاد جفري عن مقاليد الحكم وتجميد أرصدته والتحفظ على ممتلكاته داخل السلطنة. وهو ما تم.

اضطُر الأمير جفري لقضاء تلك الفترة خارج البلاد، حيث احتفظ ببعض مدخراته بعيدًا عن أيادِ السلطان، كما أرسل أسرته إلى إنجلترا لتكون بمأمن عما يدور في بروناي، تلك الأسرة التي استقبلت مولودًا جديدًا في عام الأزمة نفسه وسموه فائق، الأمير فائق بلقيه.


لاعب كرة قدم وسليل الأسرة الملكية

شاءت الأقدار أن يكون الرحيل نحو إنجلترا سببًا مباشرًا في اكتشاف موهبة فائق، فقد اختبر الأمير الصغير هناك عددًا من الأنشطة حتى استقر على كرة القدم، إذ يقول بأنه أحب الكرة منذ اللحظة الأولى وقد شجعه والداه دومًا على التدريب لأجل تحقيق حلمه بأن يصبح لاعبًا محترفًا.

ساعد فائق أيضًا في فترة الطفولة والمراهقة السيد «دينيس والس»، وهو لاعب كرة سلة محترف سابق، كما أنه زوج خالة فائق ووالد صديقه الأقرب وابن خالته «عكاشة». إذ يحكي الأمير كيف زرع دينيس في نفسه القيم الرياضية منذ الصغر، فأحب التحدي والإصرار على الفوز واحترام الخصوم.

انضم الثنائي: فائق وعكاشة لناد محلي بسيط في بلدية هامبشير جنوب إنجلترا حيث كانا يسكنان، وفي أحد الأيام أراد دينيس أن يخطو الولدان خطوة أعلى، فقام بتقديمها لـ«بول مورجان» المدرب بنادي AFC Newbury ثم طلب منه أن يدرج اسميهما بأقرب قائمة اختبارات ناشئين.

يقول مورجان في تقرير نشره موقع بليتشر ريبورت إن دينيس لم يخبره بعلاقة فائق بالأسرة الملكية في بروناي، فقد أراد ذلك الأخير أن تمر الأمور بشكل اعتيادي. كما يؤكد المدرب الإنجليزي أن فائق وعكاشة كانا قليلي الكلام ويحترمان النظام والتعليمات، وقد أُعجِب بقراراتهما في الملعب ولمس فيها ذكاء قلما يحظى به اللاعب الناشئ، فقرر أن يضمهما لفريقه.

لعب فائق كمهاجم، بينما شارك عكاشة في وسط الملعب. وقد نجحا في حجز مقاعد أساسية بالفريق بعد أن أثبتا جدارة. لكن في موسم 2008-2009 لفت الثنائي نظر كشافي المواهب بشدة. كان ذلك بعد مباراة ودية جمعت كتيبة مورجان بشباب أكاديمية ساوثهامبتون -الأكاديمية صاحبة السمعة الطيبة في إعداد المواهب – حيث تألقا للدرجة التي دفعت مدربو الأكاديمية بطلب انتدابهما من مورجان لمدة ثلاث سنوات. وبالفعل انتقلا سويًا.

بحلول عام 2013، كان أرسنال قد أنهى مفاوضاته وحصل على توقيعهما، وهناك في لندن بدأت تتشكل مسيرة فائق تدريجيًا، خصوصًا عندما نجح في تسجيل الأهداف مع فريق تحت 15 عام. لم يمضِ وقت طويل وكان تشيلسي قد نجح باستقطابه، ثم انتقل في مارس 2016 لنادي ليستر سيتي وما زال إلى الآن مرتبطًا بعقد معه وينتظر تصعيده إلى الفريق الأول. شارك فائق أيضًا مع منتخب بلاده بروناي، حيث ظهر هذا العام وهو يرتدي شارة قيادة المنتخب في مباراة جمعته بنظيره التايلاندي، وقد تألق الأمير الشاب ونجح في صناعة إحدى أهداف المباراة.

في الوقت ذاته الذي تتشكل فيه مسيرة فائق، كان والده قد نجح عبر السنوات الماضية في إصلاح علاقته مع أخيه السلطان، واسترد كثيرًا من ممتلكاته بحيث يقدر رصيده الحالي بنحو 10 بلايين دولار، ولهذا السبب فقط أطلقت الصحافة على فائق لقب أغنى لاعب في العالم.


على انستجرام

لا يمتلك فائق عددًا هائلًا من المتابعين لحسابه على موقع انستجرام، فقط 127 ألف متابع. وأغلب ما ينشره هناك هو صور من تدريباته مع الأندية التي لعب لها كما لمنتخب بلاده، بالإضافة إلى صور لوالده الأمير جفري وعمه السلطان حسن.

لكن في الوقت ذاته، تعبر بعض الصور عن الحياة الفارهة التي يتمتع بها الأمير الصغير، فينشر بين الحين والآخر صور للخيول التي يقتنيها والده، ومجموعة النمور البيضاء التي يعتني فائق بها، بالإضافة لحضوره عددًا من المناسبات الملكية بالطبع.

فائق مقل للغاية في ظهوره الإعلامي، ولا يحب أن يقدم نفسه بصفة الأمير ولا أن يتحدث عن ارتباطه بالعائلة الملكية، بل يسعى لبناء مسيرة في عالم كرة القدم كأي ناشئ آخر، سوى أنه يتميز عن أي ناشئ آخر بثروة أبيه وعمه الضخمة.