رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، طلب من روسيا منظومة صواريخ إسكندر الباليستية المتنقلة التي يبلغ مداها 500 كيلومتر وتستطيع حمل رؤوس نووية. الطلب جاء صاعقًا للاتحاد الأوروبي، لكنه كان متأخرًا بالنسبة لروسيا. فقد أرسلت روسيا قبل 4 من أيام من ذلك الطلب، 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قاذفتين بقدرات نووية لتجوبا المجال الجوي لروسيا البيضاء تعبيرًا عن دعم بوتين اللامحدود لجارته وحليفته في صراعها ضد الاتحاد الأوروبي.

الاتحاد الأوروبي، 27 دولة، يبحث فرض عقوبات على روسيا البيضاء بسبب الأزمة المصطنعة، على حد وصف الاتحاد. فالاتحاد الأوروبي يرى أن بيلاروسيا نقلت آلاف المهاجرين جوًا ودفعتهم إلى عبور الحدود مع بولندا بطريقة غير شرعية. وطلبت ميركل من بوتين الضغط على صديقه ألكسندر، فأجاب بوتين بأن على الاتحاد الأوروبي مخاطبة روسيا البيضاء مباشرة.

نمد أوروبا بالدفء، وما زالوا يهددوننا بإغلاق الحدود، ماذا إذا أوقفنا تدفق الغاز الطبيعي إلى هناك؟ لذلك أوصي كلاً من القيادة البولندية والليتوانية وغيرهما من الحمقى بالتفكير جيداً قبل التحدث.
رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو

فيبدو أن ألكسندر يحاول عبر المهاجرين الانتقام من الاتحاد الأوروبي الذي هدد بفرض مزيد من العقوبات على بلاده. ذلك الانتقام كلف البشر الواقفين بين حدود بيلاروسيا وبولندا 8 قتلى حتى 10 نوفمبر/ تشرين الثاني. ولا تستطيع الأعداد الغفيرة التراجع أو التقدم، فلا يفصل بينها وبين أوروبا إلا بولندا التي استدعت جيشها وحرس الحدود ونصبت الأسلاك الشائكة، وبيلاروسيا التي تؤكد أنها لم تكن سوى معبر لهم ولن تكون مستقرًا، ولا يحتضن المهاجرين حاليًا سوى البرد القاتل.

وتقوم بولندا بإعادة الأفراد الذين ينجحون في التسلل لحدودها فورًا. رغم أن عملية الإعادة الفورية لطالبي اللجوء تنتهك القانون الأوروبي لحقوق الإنسان. لكن يتغاضى الاتحاد الأوروبي عن ذلك معللًا بأن بولندا تطبق قانون طوارئ يقول بأن الشخص الذي يدخل البلاد بصورة غير قانونية عليه أن يغادرها فورًا، كما تُقيد كافة الحقوق المدنية بموجب قانون الطوارئ، ويُحظر التجمهر والتجمع في المنطقة الحدودية.

أوروبا تعاقب ألكسندر

يونيو/ حزيران 2021 فرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات اقتصادية على بيلاروسيا بسبب التصاعد الجسيم لانتهاكات حقوق الإنسان. ألكسندر أعلن فوزه بالانتخابات في أغسطس/ آب 2020، لكن المعارضة اتهمته بالتزوير فخرجت تعترض فقمعها الرجل بالعنف. وبعد شهور، مايو/ آيار 2021، أبلغ مراقبو الطيران في بيلاروسيا طائرة تابعة لريان إير بتهديد مزعوم عن وجود قنبلة وأجبرها على الهبوط في مطار مينسك، عاصمة بيلاروسيا. هبطت الطائرة فاعتقلت الشرطة براتاسيفيتش أبرز معارضي ألكسندر، وقد كان على متن الطائرة.

كانت تلك الخطوة هي أكثر ما أغضب الاتحاد الأوروبي، ورأوا أن ألكسندر قد تمادى وآن أوان معاقبته. بعد العقوبات مباشرة صرّح الرجل بأن من يظن أن بلاده سوف تغلق حدودها مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا، فهو على خطأ. وأضاف أن من يظن أن بلاده سوف تصبح مستقرًا للاجئين القادمين مع أفغانستان وإيران والعراق وليبيا وسوريا وتونس، فهو على خطأ أيضًا.

تلويح واضح، لم يتراجع الاتحاد عن عقوباته، فحوّل ألكسندر أقواله لأفعال. في يوليو/ تموز 2021 سمحت بيلاروسيا بتدفق للمهاجرين إلى ليتوانيا. ظلت الأزمة شهورًا بين البلدين لكن لم يتراجع الاتحاد الأوروبي، فقرر الرجل مواجهة الاتحاد نفسه. فسمح بتدفق المهاجرين إلى بولندا الدولة العضوة في الاتحاد الأوروبي، والتي إذا دخلها المهاجرون فيعني أنهم قد دخلوا ألمانيا.

ومنذ أغسطس/ آب 2021 والمهاجرون يحاولون التسلل إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا. التسلل كان بمرافقة وحماية كاملة من قوات حرس الحدود البيلاروسية، فقد أظهرت مقاطع فيديو مسربة مرافقة قوات الحدود لأكثر من ألف مهاجر. كما أظهرت المقاطع المسربة المهاجرين محاصرين بين القوات البيلاروسية التي تدفعهم لدخول بولندا، بينما قنابل الغاز والأسلحة البولندية تدفعهم على الثبات في مواقعهم.

بشار الأسد شريكًا

من أجل الحصول على هذا العدد الكبير من المهاجرين كان على سفارات بيلاروسيا تقديم تسهيلات على طلبات الحصول على الفيزا، خصوصًا في الدول التي تشهد صراعات في الشرق الأوسط. ففي سوريا، صاحب النصيب الأكبر في عدد المهاجرين المحاصرين على الحدود، أضحت تكلفة تأشيرة الدخول 60 يورو فحسب، وبأوراق بسيطة نوعًا ما.

رافق تلك التسهيلات إعلانات ضخمة من شركة طيران أجنحة الشام، التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، عن عطلات سياحية بأسعار غير مسبوقة في بيلاروسيا. وفي الفترة بين أواخر سبتمبر/ أيلول 2021 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أجرت أجنحة الشام 54 رحلة إلى بيلاروسيا، رغم أنها لم تنظم أي رحلات لبيلاروسيا طوال العام الجاري.

فمن الواضح أن روسيا كانت تحتفظ ببيلاروسيا كرأس حربة تستخدمها متى أرادت في صراعها مع الاتحاد الأوروبي. فبوتين هو المثل الأعلى لألكسندر، الديكتاتور الذي قضى أكثر من 3 عقود في السلطة حتى أطلق على نفسه باتكا، أبو الشعب البيلاروسي. وكان الرجل قد قبل أن تكون بلاده بمثابة الدرع الحامية لروسيا من هجمات الغرب، والمنطقة العازلة التي يجب أن يمر بها الأوروبيون قبل دخولهم لروسيا.

لم يدخل ألكسندر اختبارًا ضد المعارضة إلا ونجح فيه، ليس بالتصويت ولا بالتزوير، بل بالقمع المباشر. رغم أنه لم يصعد للسلطة إلا عبر الحديث عن ضرورة مواجهة القمع والمحتالين. لكن تلك المواجهة كانت في رأيه يجب أن تمضي على نهج الاتحاد السوفيتي القديم، لذا فهو العضو الوحيد الذي لم يُصدق على اتفاق 1991 القاضي بحل الاتحاد السوفيتي. لكن سقط الاتحاد، وفاز الرجل بانتخابات عام 1994، ولم يتخل عن السلطة من حينها.

بوتين يحكم ويتحكم

ويهيئ الرجل النظام لابنه البالغ حاليًا 17 عامًا ليكون وريثه، حتى لو كان بوضع 32 ألف معتقل في سجونه خلال بضعة أشهر قليلة. أو بإعلان أن بلاده قد تتحول لقاعدة عسكرية موحدة لروسيا وبيلاروسيا حال تعرضت بلاده لعدوان خارجي، أو احتجاجات داخلية قد تهدد استقرار البلاد. فالرجل لا يزال متمسكًا بحلم الاتحاد السوفيتي القديم، كقوة مناوءة للغرب. ولهذا يحتفظ جهاز أمن الدولة لديه، باسمه السوفيتي القديم.

وألكسندر يدرك جيدًا أن أهميته نابعة من أهمية بلاده، ولا تستمد بلاده أهميتها إلا من موقعها كمدخل لأوروبا، وكمجاورة لروسيا. كما يعلم آخر ديكتاتور في أوروبا، على حد وصف الاتحاد الأوروبي له، أن احتجاجات عام 2020 كادت تطيح به لولا دعم بوتين له في اللحظات الأخيرة، لذا فألكسندر يعي تمامًا أن بقاءه في السلطة مرتبط بوجود بوتين في السلطة.

وبوتين قد حرص أكثر من مرة لإبلاغ ألكسندر وأوروبا أن بإمكانه احتلال بيلاروسيا، عبر تنفيذ العديد من المناورات العسكرية المشتركة والمنفردة على أراضي بيلاروسيا. الناتو والاتحاد الأوروبي يدركان تلك الحقائق أيضًا، لذا فالعقوبات الرسمية موجهة إلى بيلاروسيا، بينما المناشدات الودية والرسائل الكلامية جميعها موجهة إلى روسيا عامةً، وبوتين خصوصاً.