النجاح والتألق عنوانان لازمان لرواد الأعمال البارزين، لكن تميزهم هذا يكون ثمرة أشواط كاملة من العمل الجاد الدؤوب، الممزوج بالكد والمثابرة، ففي هذا المجال لا مكان لأعمال ناجحة على طريقة الخرافات أو الحظ الجارف أو بفضل عصًا سحرية تحول كل شيء في طريقها إلى مادة للثراء.

وعادة ما يشترك معظم رواد المال والأعمال المتميزين في عدد من السمات والخصائص الرئيسة، ينظر إليها الكثيرون باعتبارها الوصفة الناجعة للنجاح والريادة في مجالات الأعمال على اتساع مجالاتها التي تمتد لتشمل جميع مجالات الحياة العصرية.


إشكالية البحث عن وصفة النجاح

وفي هذا الصدد ثمة آلاف المقالات المكتوبة، ومئات الكتب المطبوعة، تدّعي، كلها امتلاك الوصفة السحرية التي تمثل سر النجاح والريادة في مجال الأعمال، بيد أن الحقيقة اللافتة أن القليل من هذه الوسائط هو فقط ما قد يفيد فعلًا في هذا المجال، الذي تشتبك مقوماته ما بين ثوابت ومتغيرات، بعضها داخلي؛ شخصي، نفسي، ذاتي، وبعضها الآخر خارجي؛ بيئي، إجرائي، قانوني.

ومع هذا فإن هناك نقاطًا جوهرية تبدو كسمات مشتركة لرواد الأعمال الناجحين؛ لعل أهمها، الشغف والمثابرة والإيجابية والتحلي بالتحدي. وربما يكون المهم في هذا الإطار هو البحث عن كيفية استثمار هذه السمات الشخصية في استراتيجية أعمال جيدة لكسب لقب الريادة عن جدارة واستحقاق.

وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال الماهية المتعلق بإيجاد الوصفة الخاصة للتوفيق بين كل من الفكرة والتطبيق، ففي مجال الأفكار، كل شيء يعتمد على الحماس، في حين أنه في العالم الحقيقي، كل شيء يعتمد على المثابرة، وفقًا للأديب والفيلسوف الألماني الشهير يقول جوته Goethe.

وإذا كانت السمات الشخصية تلعب، بلا شك، دورًا مهمًا في توجيه الإنسان، تعاملًا وتفاعلًا مع جوانب الحياة المختلفة، فإن رائد الأعمال حتمًا هو شخصٌ متميز عن غيره، في استفادته من أفكار جديدة بالتوازي مع تطويره أفكارًا أخرى قديمة، يقدمها في قالب جديد ويروج لها عبر أسلوب تسويق شائق، هذا مع إجادته التعامل مع مستجدات الحياة، وحرصه الدائم على تطوير ذاته وبناء خبراته وبناء شبكة علاقاته التفاعلية.


سمات قيادية في رائد الأعمال

هذا يدفعنا إلى خلاصة خبراتية حياتية مفادها أن نجاح رائد الأعمال ربما لا يقتصر على عوامل الكدّ والصبر والتفاني في العمل، ولا حتى على الاستفادة من تجارب الآخرين في محيطه ومجال اختصاصه فحسب، بل إن ثمة جملة من الخصائص والسمات لا بد أن يكتسبها رائد الأعمال الناجح خلال مسيرته العملية التي تبدو في الأخير كمغامرة للبحث عن بناء الذات وجمع الثروات.

فرائد الأعمال المتميز يتحلى بسمات قيادية تؤهِّله لإدارة مشروعه الريادي بنجاح، والتعامل الجيد مع فريق العمل، والقدرة على تحفيز الموظفين، وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم بحرية، حتى وإن خالفت رأيه الشخصي، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، وإنما يحمل غنى النقاش، ثراء الآراء وتلاقح الحلول المبدعة للمشاكل الكثيرة.

كما يتوجب عليه أن يتوفر على خصال؛ حسن الإنصات، ورحابة الصدر، والبُعد عن النقد الهدَّام اللاذع، مع منح المساندة والدعم لتجاوز المشكلات والأخطاء الطارئة. هذا إلى جانب الحرص والقدرة على تطوير العلاقات الشخصية مع فريق العمل، فرديًا وجماعيًا، ومؤازرتهم في المِحَن والأزمات، ومشاركتهم مناسباتهم السعيدة لكسب ولائهم إنسانيًا وجهدهم عمليًا.

لكنّ هذه السمات القيادية ليست جبلية فحسب، إذ يجب على رائد الأعمال الناجح أولًا، أن يعمل على تطوير مهاراته القيادية بصورة دائمة، مستخدمًا سلاحي العلم والتدريب، مع التسلح بالصبر والتركيز على تحقيق أهدافه، مرحليًا، الواحد تلو الآخر، في جرأة بلا اندفاع، وتؤدة بلا خور، حتى لا تتحول تلك الأهداف إلى سراب.

واتساقًا مع الطبيعة البشرية واستحقاقاتها الواقعية، فقد تتطلب القيادة الحكيمة لرائد الأعمال تفويض بعض مسؤولياته، وعدم احتكار المهام التنفيذية إلى جانب سلطته الرئاسية، مع حرصه على كل ما من شأنه أن يعزز من تماسك فريق العمل ويقود المؤسسة إلى تحقيق الأهداف المرجوة، بكفاءة وفاعلية.


صفات شخصية لرائد الأعمال

وعلى المستوى الشخصي والإنساني، فإن هناك عدة ميزات خاصة لا بد من توافرها في رائد الأعمال المتميز، بما يعينه على بلوغ أقصى درجات النجاح في حياته العملية، وإنجاز مشروعه الريادي بالشكل الأمثل لعل أهمها؛ حب المنافسة، والحماس، والتماسك، والقيادة المسؤولة، وتحمل الضغوط، والموضوعية، مع الثقة بالنفس، والحدس الثاقب والرؤية المبصرة، وحضور البديهة، والقدرة على المبادأة.

فحبّ المنافسة؛ يولِّد دافعًا كبيرًا ورغبةً في النجاح وتحقيق الأهداف في وقتها المناسب، كما أن الحماس المتزن؛ يؤطر ميزات الحيوية، والتفاؤل، والانفتاح على التغيير، في إطار بنّاء من التوازن المفضي إلى عدم الانجراف وراء الحماسة الزائدة. في سياج من التماسك القوي؛ الذي يُترجَم عبر القدرة على اتخاذ القرار، وتخطي العقبات، مع التميز بالقوة في طريقة التفكير، والحزم في التعامل وحسم الأمور.

كما أن القيادة المسؤولة تدفع بصاحبها نحو السعي الدائم لاكتساب المهارات القيادية، وتزيد من تمتعه بالقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة ولاسيما في أوقات الأزمات. أما المسؤولـيـة والانضباط، فتكون في إطار تحمل مسؤولية القرارات والسلوكيات؛ وبالتالي عدم إلقاء عبء الفشل على الظروف الخارجية، مع التمسك بالنظام وضبط النفس.

الأمر الذي يعزز من أهمية اتسامه بتحمُّل الضغوط؛ من خلال التمتع بالقدرة على تحمُّل الإحباط الناجم عن تتابع الضغوط، ومن ثم التمتع بالنضج النفسي للتعامل مع ما تفرضه الظروف على رائد الأعمال من مواقف متنوعة. على أن يكون ذلك في سياج من الاتزان والموضوعية، فروّاد الأعمال المتميزون هم أشخاص عمليون، ومنطقيون، ومحددون، يميلون إلى خفض درجة ارتباطاتهم العاطفية، كما أنهم لا يشعرون بالحرج من تلقي النقد.

فالثقة بالنفس لديهم تعزز من قدرتهم على الاستمرار، فهم ليسوا بحاجة إلى رضا الآخرين عنهم، ولا يتأثرون سلبًا بالأخطاء أو العثرات السابقة، ولديهم الطاقة العالية مهما زادت ساعات العمل الطويلة وتعددت الأسفار الكثيرة، خاصة مع نمو المؤسسة التدريجي، مع قدرة تحمُّل كبيرة للحفاظ على التركيز واليقظة في الأنشطة اليومية كافة.

وتتعزز تلك الثقة مع التحلي بالحدس الثاقب، فكثير من روّاد الأعمال الناجحين يميلون إلى الاعتماد على حدسهم، والثقة في شعورهم الداخلي عند اتخاذ القرارات، وليس عليهم بالضرورة معرفة كل شيء. هذا مع امتلاك الجاذبية الشخصية، فرواد الأعمال عادة ما يكونون أصحاب كاريزما بامتياز، ولديهم القدرة على إثارة المشاعر القوية والتجاوب في نفوس موظفيهم، وبالتالي تحفيزهم على العمل والإنتاج.

وحتى يكون الحدس ثاقبًا، فإن رواد الأعمال غالبًا ما يتحلون بالـرؤيـة المتبصرة، التي تمثل نقطة البداية بالنسبة لكل مشروع جديد، فرائد الأعمال الناجح لديه حُلم يسعى إلى تحقيقه على المدى الطويل، هذا الحلم هو بمثابة القوة الدافعة للمشروع إلى النجاح، ولن يكتب له النجاح دون التحلي بالمـبـادرة والكفاءة، من خلال صياغة أهداف محددة ووضعها موضع التنفيذ بكفاءة.

ورائد الأعمال الناجح يتحلى كذلك بحضور البديـهـة، والتي تلعب دورًا بالغ الأهمية في عملية صنع واتخاذ القرار؛ والتي لا تبنى على الحقائق أو المعلومات فحسب، بل، أيضًا، بناءً على خبرة رائد الأعمال أحيانًا، ومشاعره اللحظية، مع امتلاك حافزي؛ الحاجـة للإنجـاز، والحاجـة للاستـقـلال.

وإذا كان من الشائع شغف رواد الأعمال بالمغامرة وتحدي المجهول كمعنى لصفة تحمُّل المخاطرة، فإن الحقيقة العملية تؤكد أنهم لا يتحملون سوى المخاطرة المحسوبة جيدًا، فما يبدو للآخرين أنه مرتفع المخاطر من الناحية الاستثمارية، قد يبدو من وجهة نظر رائد الأعمال أقل البدائل المتاحة مخاطرة.

وأخيرًا؛ فإن النجاح في ريادة الأعمال لا يأتي هباءً ولا يتحقق مصادفة، لكنه ينمو ويترعرع وفقًا لخطوات محددة تسبقها ممهدات معينة، يغلفها طموح دافع، وقيادة حكيمة، وقدرة على التعلم من الأخطاء، مع حرص بالغ على تفادي مزالق الحياة، وهذا ما يجب أن يكون نبراسًا عملياتيًا لمن يرى في نفسه استعدادًا لأن يسلك درب ريادة الأعمال عن جدارة واستحقاق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.