لم يكن عجيباً حين انتهيت من القراءة أن يلفني صمت عميق وحزين، هذا الحزن الشفيف، الرقيق جرّاء ما فعل الزمان، ليس من باب التشكي وربما من باب الغناء. «سيرة الحب» لأم كلثوم تتدفق في الجوار، وربما بصوت «جورج وسوف» أيضاً، أقصد لا محالة.

لا شك أن قراءة رواية شديدة العذوبة أو بهذه الطزاجة «في غياب بلانكا»، للروائي الإسباني «أنطونيو مونيوث مولينا»، وترجمة شديدة الرشاقة والانسياب للصديقة «أسماء جمال عبدالناصر»، تشبه إلى حد كبير كل هذا الشجن الكامن في الوقت حين يعبرنا بخفة متناهية، أو حين نغدو بعد جرعة عذبة من الحب مأخوذين من فرط السعادة، أو الحنين حين يستدعي لحظات انتظار العيد بأيام الصبا.

وحين داهمني النُعاس قليلاً، شعرت بأن يداً تُطوِّق ذراعي، بأن حكاية تلوح في الأفق أو عالقة في ركن الغرفة تضحك ساخرة، بأن بلانكا لم تكن بعيدة عن هنا أيضاً، بأن لكلٌ منّا بلانكا خاصة به، وماريو خاص بها، ولم لا؟! والحكاية هنا، الراوي والمروي عنه، والمتن، ذاتي بامتياز.

تقاسيم على نغمة واحدة

وأن بلانكا هجرته، مثلما خَشي دوماً أن يحدث.

لعل المعضلة -معضلة الحب عامةً- تكمن في هذه الجملة المفتاح، للرواية هُنا، للذات الكاتبة والقارئة في آن. هو الخوف من الفقد، يتمثل دوماً في نوبات كثيرة، مُتكررة، من الفقد الجزئي، غير المتوقع، القابع دوماً تحت طبقات عديدة من التلهي الحلو جرّاء الأيام، أو التشظي جرّاء حوادث سابقة، خوف الوحدة، تجريب الحب، لوعته، ناره الأبدية، جماله الساحر الخفاق! وحتى ينتهي حبيس لا شيء، لا شيء على الإطلاق وبخسارة تامة، ولو لم تفقد الحبيب، حتماً فقدت جزءًا مُعتبراً من ذاتك، وحتى لو لم تدمع العينُ؛ حتماً سينتحب الجسد! لكن المعضلة الكبرى، أن الحب يبقى على كل حال! خائفاً، مذعوراً، لكنه هنا على الدوام، وهو السؤال الذي اختبره كل المحبين، ولا يزالون قادرين بعدُ على الحب، أو الموت في سبيل لقائه مرة.

الحكاية التي تبدأ من خوف الهجران وحتى يحدث بطبيعة الحال، كانت تمر عبر سردية تحمل المعنى خلف الجُمل بحد تعبير «رولان بارت»، أو ما بعد الجملة، والإشفاق خلف الابتسامة، التفكير الجدي في الهرب، بينما الفم ينطلق بكل معاني الثبات للأبد! لم لا؟! واللحظة في عمر الحب أبدية كاملة، وفي الهجران -لو تحقق- جحيم متكامل، نار لا تنطفئ، وتلهف لا يهدأ، فأنت هنا تقع بين هواجس شديدة الشفافية والحزن لماريو، عن حياته السابقة، وعن خطيبته «خولي»؛ التي لم يحبها يوماً، أو هكذا يظن، لومٌ يأخذ وقتاً كي يختمر، فيتذكر كيف تجاوز صورتها بالكلية، ربما لغرقه في حب الأخرى، لدرجة أن:

فكرته عن الحب لم تنفصل عن وجود بلانكا.

والذي يتعاظم كلما ألحت عليه فكرة غيابها، بالأحرى خوفه من غيابها، وهو ما يثيره العنوان من شجن، أو هكذا أومأت لنا الذات الكاتبة بكثير من التجلي الحر، أو نصب الفخاخ! والأخير يُعاد طرحه مرة بعد مرة، ليس لأنه لم يحب، ربما لأنه لم يستحق الحب، وهو فخ آخر ينصبه الراوي –ماريو- لنفسه، هو ابن الطبقات الفقيرة، منْ لم يعرف سوى الكفاف، والعيش على الحافة، يظن أن بعض الحب، وهم، أو عقاب، ولو لم يكن له في الحب أمر.

أمرّ العذاب وأحلاه

التفاصيل الصغيرة، المُعادة دوماً، المُرتّبة من الحافة إلى تخوم النهر، صور كثيرة يُعيد ترتيبها، بناءها، فتنهار على رأسه، تشوشٌ يُغشي على عينه السراب والأمل الكاذب، عين الماء لمن يلهث من العطش، وعين المحب لمن خانه قلبه، فلا يرى سوى الحبيب، حتى أن بضع دقائق إضافية مع زملاء العمل، تأخذه في متاهة من التعاسة والألم وتأنيب الضمير، لأنه بحسبة بسيطة وجد أن ثلثي اليوم يضيعان في النوم والعمل، ولا جدوى كذلك لما بقي من ساعات اليوم سوى بين يدي الحبيب الناعمة الرؤوفة، ولا جدوى كذلك للعالم/ العمر من دون صوته –أي الحبيب- الرقيق المتلهف، وعيناه الحنونتان.

وهي -التفاصيل- أيضاً التي تؤجج من الحب، ليس من باب جمالها –أي بلانكا- الساحر، أو طعم قبلتها، فحسب، بل تصوره الطفولي -وهو فتى القرية- عن البيت. فكرة البيت هنا تتربع بين عينيه، ولو لم يدرك الحبيب قط! فكان استقبال بلانكا، المُراد على الدوام، يشبه رائحة البيت، يشبه طقوس العود الأبدي، أو حلم العودة بعد طول إياب أو سفر بعيد، ويشبه كذلك حنو وبراءة وملائكية العِناق، رائحة الطعام، ضجيج الأطباق وأدوات المائدة، ويشبه كذلك رائحة الحبيب، حضنه الدافئ، شوقه الذي لا يهدأ مُطلقاً حتى باللقاء فيما اختبر ابن عربي وألف معياره الفخ، لو كان صائباً فيه أو مؤلهاً –بسذاجة- للأحبة، فكان لو هدأ لا يعول عليه! وكانت بلانكا بالنسبة لماريو أسمى طموحاته، وأجمل ما قد يطلع عليه الفؤاد:

فيسقط كل منهما في ذراعي الآخر، في قبلات لاهثةٍ، باحثين عن جسديهما تحت الملابس.

وفق مثاليته اللعينة، قاتله المأجور، وحتى يأخذ الشَرَكَ قدميه وقلبه معاً، يُغدق عليها من المودة والحب من دون حساب، مُتخلياً طوعياً عن الانتباه؛ وهي عادة البدايات دوماً، بالرغم من خيالات حبها السابق، بالرغم من خوفه أن يبطش بهما بعض الحمق في العودة للوراء قليلاً، في مراوغة الأيام وحساباتها، أو في وجه (نارانخو)، تتبع أخباره، ومذكراتها التي لن يطلع عليها سواها! أو العالم بالكامل من دونه، تخطيط بغير هوادة يَحسَبُ كذلك، وأنها قريبًا ستهم بالرحيل.

ويالَغروره حين اطمئن لحب بلانكا.

إذ القلب يا عزيزي؛ بيتٌ يسع –أحياناً- من الحبايب ألف، ولو لم يكن جمعيهم كذلك، ويسع أطيافاً مجردة من الخيالات المتطرفة أو الصادقة، عن الواقع بين يدي جريانه وعمره الذي يستحيل كل لحظة إلى ماضٍ تولى، أو تطرف الذات الكاتبة نفسها في التحليل (كما في رأي الناقد «عبدالله العقيبي»)، لحالة الراوي، الأحداث، والحبيب، معاً! فخاخ لذةٍ للقارئ، يقع بها طوعياً، من دون سابقة إنذار، ومن دون كثير أو قليل من العناء أو التكلف! ترى هل إنكار الأحبّاء أو الحب يفيد بساطة هجرانهم فعلاً؟ قدرتنا الشامخة على تجاوزه؟ أم الإنكار أحياناً –بمراوغة صوفية أخرى- يعني من بين ما يعني، الإعجاب الشديد، التطرف الشديد في الحب والتعلق والغواية؟! والخيالات هنا لمن تنتمي؟! ماريو، القارئ، أنطونيو؟! وكيف الحال وكلنا جميعاً أو بلسانٍ واحدٍ تقريباً، في همسة حب؛ أصبحنا نُحب! وحتى أن العاشقين، كلهم، شابوا ما تابوا.

«أهل الحب صحيح مساكين»

وهو ما يغرق لأجله في هواجس من التتبع وإعادة التصوير، ثَمَّ استنتاج ما قد يحوز قلب بلانكا غيره، هو الزوج، الخائف دوماً، المُتردد دوماً -سوى في حبها، الأمر الوحيد الذي سعى إليه بثبات؛ فخانته يداه والظروف وكل شيء مشابه-، والأحمق في بعض الأحيان، فشله في أن يكون نظيراً متكافئاً لمجايليه من عشاقها، يجعله فريسة سهلة، مرة لتطلعها المفرط لمثال الحبيب السابق -المثقف/ الفنان/ ابن طبقتها أو من يعادلها أو يتفوق عليها ببعض المواهب الأخرى-، العالق بقلبها ولو ادعت غير ذلك، ومرة لأنه غارق ببيروقراطية ضحلة، كونه مجرد موظف! لكنه لم يفتر ولو بعد ملايين السنين من دهشة قربها، اللحظة التي انكشف فيها بصدق على روحه واطلع عليها بشفافية، كانت تساوي النظر لجسدها الناعم، قوامها الفاتن في غمرة السحر، ونشوة الحب، بريقه، وعنفوانه.

وهذا الفضاء الحكائي بين الروحين، وبالمتن، يحيل القلق المنثور بزوايا البيت، والقرية «خايين» إلى مساومات قاهرة، مرة بين تطلعات الفتى المسكين كي يتزين ببعض التحضر، وما يناسب طبيعة بلانكا في التردد بين الطيش والهدوء، التلهف المستعر للفاعلية كي ترضي كبرياءها، أو الانعزال والارتداد لظلام غرفتها، أوراقها، ورائحة البيت والأكل! ومرة، بين القبول بالعجز في مواجهة الحبيب، وشجاعة التخلي المر والصعب. لوحة تصرخ بالألوان وعدم التكافؤ، وصوت يعوي وحيداً في الليل جراء البكاء والألم، قائلاً: «لا أنا أد الشوق… ولا قلبي أد عذابه!».

ولعل هذا يُجلي مساحات شاسعة للرؤية المرتبكة المشوشة، مزيج من التردد والجري المستعر في آن. صورة عن وهم الارتقاء لدى رفاق الطبقة المتوسطة –بالأحرى ما تبقى منها- التي تعفنت بين عبث اليسار من جهة، وسطوة الرأسمال، الفاعل الرئيس في عالم اليوم من جهة أخرى. وسط تباين حاد بين شراسة المدينة والهدوء الخادع للريف، إضافة إلى حفلات تأنيب جماعية تمسح عرق الجبين عن الأبوين في مكانهما الجديد بدار الرعاية الخاصة بالمسنين في مكالمة هاتفية مرة كل أسبوع أو مرتين، احتفاء بفقد تام وحصري من نوع جديد كلياً، لا يشبه ألم الفراق، بل يشبه التواطؤ معه بداية، ربما الاحتفاء الحذر به، من دون التفات للوراء، وعبر الكثير من النذالة أحياناً.

هو ما يحيلنا أيضاً لرؤية العالم المعاصر، ليس من باب لمعان الوظائف والتحقق والأبراج الشاهقة، وإنما من باب التوقف لحظة، لنبصر موضع القدم، هو نفسه ما تضعه الذات الكاتبة كحجر عثرة، لم تكن تطمح لغير الحث على التوقف لبرهة من الوقت، مجرد التفكير حول ما نحلم به فعلاً، ما نستحقه فعلاً، وما نستطيع تقديمه، ومَنْ ومتى وأين مِن أسئلة تبحث على الدوام عن المكان المناسب.

يبدو الحبيب نائياً وقريباً في آن، حتى لا تحسب أنه تبدل كلياً، ربما أصابه بعض التغير فحسبُ، ولو كان بمثابة رحيل متكامل، يظهر في تتبع الحركة والصوت والإيماءة، تفصيلة بحجم إشعال سيجارة من عدمه، يقدم ارتباك الراوي، خوفه على كل أمر آخر، وحتى يظن أن نجاته لم تكن سوى أن يلبي نداء ماضيه الذي يشبهه كثيراً، حد التماهي التام، مجرد لعب متواضع أو رتوش بسيطة للغاية على نفس اللوحة واللون ونفس العزف على الوتر، نغمة واحدة، تتناسق مع ذاتها؛ لأنها لا تملك غير ذلك، وهو النقيض تماماً لما حدث له، بداية من لقاء بلانكا الأول، مهانة، باكية وحزينة كلبوة جريحة، ليستعيد ما يجيد فعله وخط دفاعه الأول تجاه العالم، بالنظام! النظام وحده هو ما يمرر به الأيام ولو على شفا جرف حار، ولو على حافة الإفلاس.

وليستحيل الامتنان تجاهه أو الشفقة، إلى حب، يظل في حيرة منه، شك، وعدم تصديق، وحتى يظن أن بلانكا، استُبدلت بأخرى تشبهها حد التطابق في كل شيء، إلا من بعض التفاصيل التي كانت لتكون عابرة، لو لم يكن في الحب عذاب.

مقطوعة/ نهاية تبدأ للتو

أما القارئ، وهو شريك العمل الروائي بامتياز حسب ما يرى «كايزر»، وربما الوحيد، نحن بالذات، بهويتنا المؤكدة، وربما بحالتنا المدنية/ الرثة، كيف يمكننا ونحن جميعاً مُختلفون أن نكون ضمن العناصر الأولية للعمل الروائي؟ الأمر لا يتعلق بأفراد بعينهم، وإنما بمن يقول الحكاية، السارد الأعظم، وكيف يشبهنا جميعاً، مرة في حالته المعذبة من الحب، ومرات متعددة في كونه تمثيلاً واعياً ومُتحققاً للإنسان المعاصر، مشكلاته، خوفه، تردده، وهي العلاقة القائمة أبداً بين القارئ -نحنُ- وبين الوسيط المكلف بالسرد في الرواية، ولو أن القارئ يحتاج لنفس مرهفة وقلب وقور كي يعرف أن العمل موجه إليه بالذات وإلا فلا يكلف نفسه العناء ومرارة البحث عن مَخرج للبطل/ الراوي.

ولا شك أن صوت الراوي هُنا؛ ولأنه صوت وحيد بداية من العنوان؛ ففي غياب بلانكا، تبقى مهمة الإخبار على عاتقه هو من دون الجميع، وهو ما يعطي العمل تماسكاً وقوة بحيث لا يمكن أن يصبه الترهل على مدار العشرة فصول، ولا حتى أن يقع قارئه المحتمل في حيرة غير ضرورية بشأن التعاطي مع شخصيات العمل وأعمدته والبناء الأول المقصود بالقراءة فعلاً قبل اللغة والمجاز؛ ولأنه كذلك فهو كالحادي مع الأغنام، يريدنا أن نتبعه، أن نسمع صوته الخافت، الملتفت على الدوام، الخائف على الدوام، ابن الفقر والعجز وقلة الحيلة، والهوان البادي في صوته وحركته ووظيفته البائسة:

وكأنه عار أن تكون موظفاً.

كمن يحتاج دوماً لمن يبرر وجوده:

فالاحتياج هو ما يجعل المرء خائفاً ومُذعناً: والحيازة الآمنة للمال كما يفترض ماريو هي ما توقظ وتغذي الجرأة.

أو هو ما يعانيه الراوي من افتقاد أي شعور بالاستحقاق أو القيمة في مقابل ما يحياه الآخرون.

إلا أن ما يحيلنا إليه المؤلف/ الذات الكاتبة في مقدمته، وأحياناً، انطلاقاً من العنوان عن الغياب ومتاهته، غيابه كسارد وغيابه بفعل الانتكاس والتقوقع عبر سرديته الجذابة في ظل كافكا، هذه الشبحية المخلوقة تماماً بما يناسب فكرة التخلي عن ذاتية التجربة، لتكون عبئاً يخص القارئ ذاته أو السارد/ الراوي/ ماريو وحده، شخصية التخييل التي تقمصها المؤلف لبعض الوقت، وحتى يلعنه في النهاية، بتركه حيران آسِفاً، وبين نهايات يحددها كل قارئ على حدة، بل يلقي بظلاله على مؤلفين آخرين، ليس فقط من باب «كما لو» كانت صادقة يقصد أو حقيقية، وإنما «كما لو» أنها تنتمي للغير!

والنهاية التي تبدأ للتو، هي نهاية السرد، بينما يكمل القارئ قصته، أياماً طويلة قد يقضيها في وضع نهايات مفتوحة، وأخرى مشتهاة، كثيراً ما تكون مخيبة للآمال، محبطة نوعاً ما، لكنها ليست تخيلاً كما تُلقي إلينا الذات الكاتبة في مقدمتها الواعية، المتخلية طوعاً عن النهاية، لصالح تأويلات وتصورات قارئها، والسارد، وهوامش المتن، تفاصيله الشاعرية المبنية على أفق عتيد من الظل والأرق والأشباح وخيبة التطلعات وانكسارها، أو تدفقها الغزير في رؤيا السراب. حتى إن هذه القراءة ربما تكتبها ذات أخرى، ليست تخصني وحدي، تخص القارئ بما هو كذلك، القارئ الذي حُبس في سجن النص –طواعية-، فلا يدري أين المخرج، ولا يريد الخروج، مثل مجنونٍ قائلٍ: قالوا لو تشاء سلوت عنها/ فقلت لهم فإني لا أشاء.

الهجر أهون؟!

هذا العزف على وتر النهايات المفتوحة، ولو كانت تنتمي لفضاء الخيال فقط، ولو كانت تمثل بلا شك استحالة منطقية تضرب بجذورها بين روحين، ضياع أمل المضي في حب كهذا، فيقع الفراق الصعب حتماً، فأياً كانت الأسباب، فهو -أي الفراق- مثل الحب والموت، واقعٌ لا محالة! لتدرك النفس تعاستها الأبدية، ومع ذلك لا تملك من أمر نفسها شيئاً، ولا تملك من الحبيب ميثاقاً للعودة، ولا وعداً طفولياً باللقاء، أو مجرد الرؤية! وإذا المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق كما يقول جبران، كان الحب مُجبراً على أن يُعاش بهذه القسوة!

غير مفارق للحب، وغير مبالٍ باللقاء في آن واحد، هو حال ما انتهى إليه صاحب «قصائد إلى لو» وهو نفسه حال ماريو، المحب من دون جدوى. يهمس قائلاً:

لكنك عوّضتني بالفعل. فلم يستطع أحد أن يعطيني الكثير قدر ما فعلتِ أنتِ. جعلتِني أكتشف الحياة، كما لو كنت نائماً طوال هذه الفترة وقمتِ أنتِ بإيقاظي. لولاكِ لشِختُ دون أن أستيقظ أبداً.

ولا عجب أنها نقطة الصفر مرة أخرى، اللقاء الأول المتخيل، الحقيقي، لا يعرف وربما أصبح في شك من وجوده نفسه، ورغبة جامحة في الاختفاء بأثر رجعي؛ لأنه لن يقوى على الأيام، الشوق، الألم والحب، في غياب بلانكا!

وفي لوعة تُحدِثُ ذات الحبيب الذي لن يسمع: انتهينا إذاً؛ ما زلتُ أحبك!