وصل الإسلام إلى الهند عن طريق التجار، فانتشرت مجموعات صغيرة من معتنقيه في مدن الساحل الغربي للبلاد، لا سيما قرب الموانئ التجارية وأقاموا بعض المساجد ومارسوا شعائرهم بحرية. وكانت لهؤلاء التجار منزلة عند الحكام الهنود لأنهم من أسباب الازدهار الاقتصادي في تلك البلاد، وانجذب الهنود للدين الذي يساوي بين الناس على عكس الأديان والمذاهب الرائجة في الهند والتي اشتهرت بتقسيمها أتباعها إلى طبقات.

بدأت الحملات العسكرية الكبرى في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، إذ فتح القائد محمد بن القاسم الثقفي غرب البلاد التي يقع أغلبها اليوم في باكستان. ولما تولى الخليفة عمرُ بن عبد العزيز الحكم، راسل بعض ملوك الهند ودعاهم إلى الإسلام، فاستجاب بعضهم له، وتوسعت رقعة الدولة الأموية سلمًا في عهده الذي استمر لسنتين فقط.

واستمر التوسع الإسلامي في الهند تدريجيًا. ففي عهد الدولة الغزنوية، توسع السلطان محمود الغزنوي (ت: 417هـ – 1030م) في شمال البلاد وغربها وسيطر على ولاية جوچارات. وخلال حكم دولة الغوريين، مد شهاب الدين محمد الغوري (ت: 602هـ – 1206م) سلطانه إلى أقصى الشرق فيما يعرف اليوم بـ«بنجلاديش». تلاه دولة المماليك ثم الخلجيين الذين وصلت في عهدهم حدود المسلمين إلى وسط وجنوب شبه القارة الهندية حتى ذهل السلطان علاء الدين الخلجي (ت: 716هـ – 1316م) من الاتساع الضخم لدولته، وأُطلق عليه لقب «الإسكندر الثاني»، ليأتي عقبه الدولة التغلقية التي تعرضت لغزو المغول أكثر من مرة حتى سقطت على يد جيش تيمورلنك المغولي فتمزقت أوصال المملكة إلى دويلات مختلفة، وتعرضت لغزو الممالك الهندية في الجنوب الشرقي وعصفت بها الخلافات والنزاعات العسكرية.

وبعد ذلك تعاقب على حكم البلاد آل خضر واللوديون وحاولوا ضم ما استطاعوا من الإمارات المتنازع عليها إلى حكمهم إلى أن غلبهم المغول المسلمون من أحفاد تيمورلنك على السلطة، فأقاموا أكبر دولة إسلامية في شبه القارة امتدت من عام 1526م إلى 1857م، ووصلت حدودهم إلى أقصى اتساع ممكن، فعمت معظم أرجاء الهند وباكستان وأفغانستان في عهد السلطان أورانكزيب، ثم أصابها الضعف تدريجيًا حتى أسقطها البريطانيون تمامًا وأنهوا حكم بهادر شاه، آخر سلطان مسلم، بعد فشل الثورة ضد الإنجليز عام 1857م.

وقد كانت الهند قبل دخول الإسلام إليها مجرد تعبير جغرافي لا يجمع أهلها عرق ولا لغة ولا ثقافة واحدة بل ممالك متحاربة، ولعب المسلمون دورًا كبيرًا في توحيدها وتشكيل حضارتها وبناء دولة قوية ذات نظم أحدث فيها.

التاريخ يكتبه المنتصرون

تعرض الهنود في ظل الاحتلال البريطاني لشتى أنواع الإذلال والاضطهاد وكان للمسلمين نصيب أكبر من القسوة بصفتهم الحكام السابقين الذين تم انتزاع السلطة منهم، فعندما اندلعت ثورة الهند توحد كفاح سكان البلاد من الأديان المختلفة ضد المحتلين تحت راية السلطان المسلم، فكان الهندوس جزءًا لا يتجزأ من هذه الثورة وضحوا بدمائهم من أجل استعادة الحكم الإسلامي الذي توحدت الدولة تحت رايته طويلًا ونشأت أجيال هندوسية عديدة لم ترَ حكمًا غيره في بلادها.

لذلك لجأ البريطانيون إلى زرع العداوات بين أكبر طائفتين دينيتين وصنع نخب هندوسية متعلمة كارهة لمواطنيهم المسلمين أشد من كراهيتهم لجنود قوات الاحتلال، وأطلق اللورد تشارلز كانينج، نائب الملك البريطاني في الهند، حملة منظمة ضد الزعماء المسلمين المحليين، بعد توليه منصبه عام 1858 وحصل على موافقة بذلك من البرلمان البريطاني وعمل على ذلك في سنوات عهده حتى عام 1862، وعمل من تلاه على هذا المشروع الذي استهدف خلق هوية هندوسية جديدة.

وعمل جيش من الباحثين والكتاب ضمن تلك الحملة التي ما زالت آثارها باقية حتى اليوم؛ فعلى سبيل المثال تعد واقعة هدم السلطان محمود الغزنوي لمعبد سومنات أحد أهم الوقائع التاريخية التي تثير الجدل حاليًا، لأنه كان أهم معبد هندوسي في ذلك الوقت، وتشكل تلك الواقعة مبررًا لاضطهاد الأقلية المسلمة في الهند، وقد أثيرت تلك القضية خلال فترة الاحتلال البريطاني، ووجدت من يتبناها باستمرار.

ووفقًا للدكتورة نُها مصطفى محمود، رئيسة قسم اللغة الأرديَّة بكلية الدراسات الإنسانيَّة بجامعة الأزهر، فإنه لا يوجد أي أدلة تاريخية على مزاعم هدم المعبد إذ غزا السلطان محمود الغزنوي (971م – 1030م) تلك المنطقة بدوافع إستراتيجية، لأنه كان مقرًّا لإعداد الجيوش الهندوسية لغزو مملكة غزنة التي يحكمها، فالتحريض على غزو مملكته كان يتم بدوافع دينيَّة، وكان إذا هَزَم جيشًا من الجيوش الهندية ادعى الزعماء الدينيون للهندوس أن هزيمتهم على يد محمود الغزنوي وقعت بسبب سخط الإله سومنات على هؤلاء المهزومين، ولم يكن السلطان يعير مثل هذا الكلام اهتمامًا إلى أن اتضح أهمية الأمر فقرر غزو منطقة جوچارات التي تضم المعبد.

وتشير الباحثة إلى أن البريطانيين تلقفوا الكتابات التي توافق مآربهم وروجوا لها كحقائق تاريخية مثل «تاريخ فرشته» لمؤلفه محمد قاسم هندوشاه، وهو ينتمي إلى الطائفة الشيعية الإثناعشرية، وقد ردد هذه الادعاءات لأول مرة بعد مرور حوالي ستة قرون من فتح جوچارات دون أن يسبقه إلى هذا الزعم أحد انطلاقًا من دوافع مذهبية، إذ اتهم الغزنوي بتحطيم المعبد وممارسة الاضطهاد الديني، رغم أنه ثبت في المراجع القديمة أن المعبد ظل قائمًا يؤمه الهندوس بعد دخول الإسلام عام 1025م، كما ورد فى كتاب «أحوال الرحلة من جـُوا إلى سومنات» الذي كتب باللسان السنسكريتي سنة 1038م، أي بعد 13 عامًا تقريبًا من الفتح الغزنوي، وكذلك كتاب «سومنات: أصوات متعددة للتاريخ» للمؤرخ الهندي المعاصر، رومِلا تهابر، بعد دراسة معمقة للمخطوطات والنقوش الأثرية.

وخلال فترة الاحتلال ظهرت الجذور الفكرية لليمين الهندوسي المتطرف الذي اتخذ طابعًا قوميًا متشددًا معاديًا للمختلفين معه دينيًا، كما ظهر اتجاه آخر استوعب المسلمين وتزعمه غاندي الذي حاول توحيد طوائف الشعب تحت زعامته رغم نزعته الدينية الواضحة، فمثلًا اختار غاندي تأييد الحركة الإسلامية التي كانت تنادي بعودة الخلافة العثمانية لأنه استهدف كسب دعم الجماهير المتأثرة بهذه الحركة وتوجيهها لدعم مشروع «الساتياجراها» (المقاومة اللا عنفية) ومقاطعة مؤسسات الاحتلال وتجارته في الهند في محاولة للضغط عليه للرحيل ومنح البلاد استقلالها.

والمفارقة أنه كان هناك اتجاه قومي ثالث يتبنى العلمانية ويحذر من دخول الدين إلى السياسة يتزعمه محمد علي جناح، فقد كان رافضًا لفكرة العمل على إحياء الخلافة ويدعو إلى دولة قومية محايدة دينيًا، لكنه أدرك بعد ذلك عدم إمكانية تحقيق هذا الأمر بسبب ارتفاع مستوى التعصب الديني بين الهندوس، فأعلن أن الخلاف بين الطائفتين متجذر وأنهما في الحقيقة أمتان مختلفتان، وتبنى أفكار الشاعر المسلم محمد إقبال التي تنص على المطالبة بوطن مستقل للمسلمين، وتحقق ذلك عام 1947 وأصبح جناح أول رئيس لباكستان.

ومؤخرًا بعد صعود التيار الهندوسي المتطرف، شهدت الكتب والأعمال السينمائية ووسائل الإعلام التي تشوه تاريخ الحقبة الإسلامية في الهند رواجًا كبيرًا، بدعم من الحكومة اليمينية المتطرفة، فخطابات رئيس الوزراء ناريندرا مودي وأركان حكمه لا تكاد تخلو من مهاجمة التاريخ الإسلامي والإساءة إلى الحكام السابقين للبلاد، ويركز الخطاب الهندوسي المتشدد على تقديم روايات مغايرة لتاريخ البلاد تظهر الحضارة الهندية كـ«حضارة جريحة» نفسيًا لم تتعاف بعد من آلام هذه الحقبة البعيدة والترويج ليوتوبيا لم تكن موجودة من قبل في أي زمن من الأزمان، حيث يتم تصوير تاريخ البلاد القديم قبل دخول العرب كجنة خيالية يحلمون بعودتها بعد التخلص من التأثيرات الثقافية الإسلامية «الدخيلة» من وجهة نظرهم.

بينما أعاد العلمانيون الهنود مراجعة خطابهم السياسي لمواكبة هذا الصعود اليميني الشرس الذي شوه الفترة الإسلامية، وجادل العلمانيون بأن الروايات المبالغ فيها عن الانسجام الهندوسي الإسلامي قد ساعدت في تغذية صعود حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف والسماح لليمين بالادعاء بأن المشروع العلماني قائم على سجل من الأكاذيب التاريخية.

ويوجه اليمين المتطرف اتهامات إلى الهندوس العلمانيين بأنهم يتبعون سياسة «استرضاء المسلمين» الأمر الذي يدفع أصحاب الاتجاه العلماني إلى فتح دفاتر التاريخ لتقديم قراءة تعطي مساحة أكبر لدراسة مواطن الخلاف والصدام بين المسلمين والهندوس عبر القرون الماضية وتقديم رؤية أكثر تفصيلًا عن تلك الحقبة.

لمواجهة التيار اليميني الجارف الذي يعمل في اتجاهين؛ فيحاول إقناع المسلمين الهنود بأنهم غزاة ودخلاء ومحملون بخطايا تاريخية ثقيلة، وإقناع الهندوس بأنهم ضحايا لهؤلاء الغزاة عديمي الرحمة الذين شنوا حملات عسكرية همجية لمحو حضارتهم القديمة.