الرجال عُشّاق، يقدمون طوال الوقت الأحضان والحنان والحب المفرط، والنساء ملائكة، جمالهن يخطف العيون، ينتظرن ابتسامة من الحبيب الحالم، تظهر الموسيقى من مكان ما لا نعرفه، يتفق الجميع فجأة على الرقص على الإيقاع ذاته بطريقة يعرفها الجميع مسبقًا، من المفترض أن تتخيل أنت أن ذلك أمر طبيعي أن تسير في أحد شوارع الهند وأنت تحفظ مسبقًا كل الرقصات الشعبية، بل أنت مستعد للمشاركة في أي وقت.

تلك هي الصورة التي دائمًا ما نراها في سياق الدراما الهندية، لكن ماذا لو كانت القصة في الهند مختلفة تمامًا عما نراه؟ ماذا لو كانت الهند مجرد بيت رعب كبير تلقى فيه النساء أبشع أنواع التهديد والإجرام، وتتلقى الفتيات منذ صغرهن دروسًا عن حماية أنفسهن من الاغتصاب؟ هناك حيث مُدن دراما البهجة والرومانسية ثمة قصة لا نعرفها.


النطاق الشمالي: قصة مأساة!

تعرضت الطفلة المسلمة «أسيفا بانو» في شمالي الهند للاغتصاب والقتل في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، في حادثة كانت الأبرز في تلك الفترة، حيث اختفت أسيفا البالغة من العمر 8 سنوات في يناير/ تشرين الثاني الماضي وقد بحثت الشرطة عنها، ولم يتمكنوا من العثور عليها، حتى ظهرت جثتها في مقاطعة كاثوا بعد تعرضها للاغتصاب والقتل.

وقد علقت الشرطة بعد الفحص والتحري بأن الطفلة تم اقتيادها إلى معبد هندوسي، حيث خُدرت ثم تعرضت للاغتصاب بشكل متكرر على يد مجموعة من الرجال لمدة خمسة أيام متتالية، وقد كان من بين من اعتقلوا جراء هذه الحادثة ثمانية أشخاص، من بينهم مسئول حكومي متقاعد، وثلاثة من رجال الشرطة.

ما هو جدير بالذكر في تلك القضية أن الحادثة وقعت في شمالي جامو، حيث تغلب الطائفة الهندوسية على التشكيل السكاني، وهو ما بدا واضحًا بعد إجراءات الاعتقال، حيث خرجت مظاهرات أمام قاعات المحاكم من قبل المجموعات الهندوسية المتطرفة تطالب بالإفراج عن المتهمين، مدعية أن الحادث لا يستند إلى أدلة واقعية أو حقائق، وأن الأمر برمته مجرد اختلاق لأن الضحية مسلمة.

لكن قصص النطاق الشمالي من الهند كثيرة، والمتورطون فيها كُثر، فقد سبق أن اتُهم أحد أعضاء حزب جاناتا التابع للحركة البهرتية «كولديب سنغار» البالغ من العمر خمسين عامًا باغتصاب فتاة في السادسة عشرة من عمرها، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فاعتقال بعض رجال الشرطة في حادثة أسيفا لم يكن مصادفة، فقد رفضت الشرطة حينئذ تلقي شكوى الفتاة ضد السيد سنغار، فذهبت إلى منزل رئيس الوزراء وحاولت قتل نفسها، وهو ما لفت نظر السلطات إلى الأمر.

وقد نُقل والد الفتاة إلى السجن بعد صدام مع بعض مناصري عضو الحزب البهرتي، ثم نُقل إلى المشفى، حيث وافته المنية، أما بقية العائلة فقد أعلنت عن تعرضها للتهديد من أجل التنازل عن القضية، لتعلن الأسرة بعد ذلك أن مقتل والد الضحية في المشفى كان على يد الأخ الشقيق لعضو الحزب المتهم.

ملاكابور، شمالي الهند، تحديدًا عام 2013 حيث وقعت اشتباكات بين الهندوس والمسلمين، كانت الغلبة فيها لمجموعات الهندوس المسلحة ذات الأغلبية السكانية، لكن المواجهة هناك لم تكن مقتصرة على العنف والقتال وحسب، فقد نال النساء نصيبًا وافرًا من الأمر. حيث روت إحدى الأمهات كيف اقتحم المسلحون الهندوس المنزل وقيدوها ثم تناوبوا اغتصاب ابنتها واحدًا تلو الآخر، وقد صرح المحامي «أحمد خان» حينها بأن عدد حالات الاغتصاب وصلت إلى 50 حالة.

غلفت الخشية قلوب الضحايا وعقولهم، حيث امتنعت الأسر التي تعرضت فتياتها للاغتصاب عن إبلاغ الشرطة خشية التعرض للفضيحة أو القتل على يد العصابات الهندوسية، حيث أفادت الشرطة حينها أن عدد البلاغات التي وصلت لها رسميًا بلغ 5 من أصل 282 حالة، وقد وُجهت الاتهامات حينها إلى القادة السياسيين بوقوفهم وراء تأجيج العنف والاشتباكات.


كيف تصبح الحادثة بشعة؟

كيف يمكننا أن نصنف حادثين متشابهين بشكل كبير، بأن أحدهما بشع وأن الآخر تقليدي يحدث كل يوم، وما الذي يجعل المتهم هنا مذنبًا لن ندافع عنه، وهنا سيكون بريئًا ليس هناك ما يدينه، لربما هوية الضحية هي ما يحدد ذلك!

مساء 23 ديسمبر/كانون الأول 2012، تعرضت طالبة طب العلاج الطبيعي «جيوتي سينغه» البالغة من العمر 23 عامًا للاغتصاب على يد 6 أشخاص أثناء عودتها من السينما بصحبة صديقها في حافلة، مما أدى في النهاية لوفاتها. وبحسب تقرير الـ«بي بي سي» فقد اعتقل ستة متهمين من بينهم سائق الحافلة، وبعدها بأيام عثر على أحد المتهمين مشنوقًا داخل الزنزانة، وقد دفع ذلك بفرضية أن يكون قد شنق نفسه، لكن ذويه صرحوا بأنه قُتل!

لم يخرج أي من أصحاب الميول السياسية حينها ليدافع عن المتهمين الستة، أو يطالب بالحرية لهم، سارت القضية في مسارها الجنائي والقضائي بشكل طبيعي، وبعدها بعدة أشهر، أي في مارس/ أذار من العام 2013 حُكم على المتهمين بالإعدام. و أعلنت الناشطة في حقوق المرأة «رانجانا كوماري» سعادتها بالحكم، حيث اعتبرت أن الحكم رسالة لكل من يحاول الإقدام على جريمة كتلك، لكن رانجانا لم تكن تعرف أن السنوات الأسوأ قادمة.

بإمكانك أن تشعر بالمفاجأة قليلًا حينما تعلم أنه حتى اليوم يستعان بقصة الطالبة جيوتي كأبشع حادث اغتصاب وقع في الهند خلال السنوات الماضية، فبمتابعة التقارير الإخبارية للكثير من وكالات الأخبار الأجنبية، ستجد أنه كلما وقع حادث اغتصاب في الهند، يُردف في نهاية التقرير ذكر حادثة الطبيبة جيوتي كواقعة شهيرة اهتز على إثرها الرأي العام الهندي، على الرغم من أنه بعد حادثة جيوتي بعام واحد، وقع ما هو أبشع في ملاكابور، وسقط بدلًا من الضحية 50، لكن الحادثة لم تُتناول بصفتها حادثة بشعة.

ذلك التفريق المشوه بين الضحايا، ربما هو السبب في استمرار تلك الحوادث بصورة مستمرة وبأرقام كبيرة، وربما سيكون الأمر مُبررًا، فالضحية هنا لا قيمة لها، وأما الضحية هنا فلها من القدر ما يكفي لصنع تمثال.


إجبار النساء على ترك دينهن

شهدت مدينة أوتار باراديش اختطاف العديد من الفتيات القُصر من عائلات مسلمة وإجبارهن على التحول للهندوسية والتزوج من أبناء عائلاتها، ثم تلا ذلك اختفاء هؤلاء الفتيات، وانقطاع أخبارهن تمامًا عن ذويهن. وقد بلغ عدد الحالات في العام 2013 ما يقارب 390 حالة.

وقد كان الكثير من حالات الاغتصاب في تلك الفترة تتبع فيه مجموعات الهندوس مبررات دينية، فمن بين الحوادث الموثقة مهاجمة مجموعة من الشباب الهندوس لمنزل وقتل الرجال فيه واغتصاب فتاة تبلغ من العمر 20 عامًا تُدعى زبيدة أميشا بسبب اعتقادهم أن هذه العائلة تأكل لحم البقر، وحينما سأل المهاجمون العائلة عن إذا ما كانوا يأكلون لحم البقر أم لا، كان الجواب العائلة لا، لكنهم أصروا على الاتهام، وقد كان ما كان بعدها.


حذارِ الاغتصاب

قد يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء أن يجلس الأب والأم وهما يحاولان محادثة ابنتهما عن خطر قد يصيبها في مكان ما لأن هيئتها قد أعجبت أحدهم، على الرغم من كونها طفلة.

سبق أن أجرت البي بي سي، لقاءً مع عددٍ من الآباء والأمهات في الهند، للوقوف على حقيقة ما يتعلمه الأطفال هناك، خشية التعرض لتلك المأساة، وقد تعددت الإجابات، فمنها من كان يتحدث عن تعليم طفلته القوة لتقول لا، وأن تكون شجاعة بما يكفي لتحاول حماية نفسها، وآخرون تحدثوا عن أن يكون طفلهم في المستقبل جزءًا من مواجهة تلك المأساة، وجزءًا من الدفاع عن ضحاياها.

لكن الأمر لن يكون غريبًا أن يُحدث الآباء والأمهات أطفالهم عن تلك الكارثة إذا ما علمنا من أحد الإحصاءات أن الأطفال يمثلون 40% من ضحايا الاغتصاب في الهند، وأن ذلك غير مقتصرٍ على المناطق التي تعاني من مشاكل طائفية، وإنما في جميع المدن الهندية بما فيها العاصمة.


أرقام فلكية

سجّل أحد الإحصاءات الرسمية بالهند وقوع ما يزيد عن 34 ألف حالة اغتصاب في العام 2015، وقد تعددت أعمار الضحايا، بدءًا من أطفال أصغر من 6 سنوات وصولًا إلى من هم فوق ـ60 عامًا.

لكن الأمر ليس مقتصرًا على النطاق الشمالي والنطاقات الحدودية النائية وحسب، فالعاصمة لها نصيب كبير، حيث أظهر أحد الإحصاءات تصدر عدد حالات الاغتصاب في العاصمة دلهي في العام 2013، حيث بلغت 1636 حالة.

وباتباع التسلسل الزمني، فإن التقديرات تشير إلى وقوع 16 ألف حالة اغتصاب في العام 2016 في الهند، أي بما يزيد عن 50 حالة يوميًا، وتشير الإحصاءات كذلك إلى ارتفاع نسب إنجاب الأطفال في الهند عن المعدلات المنطقية في أي مكان آخر، حيث يُولد 112 طفلًا لكل 100 فتاة، على الرغم من أن المعدل الطبيعي هو 105 أطفال لكل 100 فتاة، ويرجح الكثير من الخبراء أن ذلك بسبب ارتفاع معدل الجريمة ضد النساء هناك.

وقد تعددت الأرقام بحسب المدن فقد شهد العام 2013 4 حالات يوميًا في دلهي على سبيل المثال، وكذلك 11 حالة في مومباي يوميًا، وقد بلغ الرقم بحسب الإحصائية 92 حالة يوميًا عبر مختلف المدن الهندية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه هي أرقام الحالات المسجلة، أي أنها الحالات التي أبلغت السلطات المعنية بالأمر.

على الرغم من كل التقدم العلمي والاقتصادي الذي وصلته الهند في مجالات مختلفة، كمجال التقنية وصناعة الأسلحة وغيرها، فإن النسيج الاجتماعي في دولة تقدم للعالم دراما تشي بالكثير من المثالية المفرطة ربما يكون مهددًا بالانفجار والخروج عن دائرة المنطق، إن لم يكن قد حدث ذلك بالفعل، لذلك لا تصدق كل ما تراه عينك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.