بعد أن تناولنا في الجزء الأول من التقرير مبادرات المصالحة قبل مجزرة الفض، نستكمل في هذا الجزء تناول المبادرات التي قدمت بعد الفض، مع محاولة تحليل دلالات هذه المبادرات بوجه عام.

المرحلة الثانية : ما بعد الفض

زياد بهاء الدين

لم تُوقف المبادرات فض اعتصامي رابعة والنهضة، بل جاءت المبادرة هذه المرة من قلب السلطة وللمرة الأولى، وتحديدًا من الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء في 21 أغسطس أي بعد فض الاعتصامات بأسبوع واحد.

وتتضمن المبادرة التي طرحها الدكتور زياد بهاء الدين 12 بندًا، أهمها: نبذ العنف، واستكمال خارطة الطريق بما يضمن مشاركة كل القوى، مع رفض العزل أو الإقصاء السياسي، لكن الرفض للمبادرة جاء من داخل الحكومة، وحتى لا تُحرِج نائب رئيسها، فقد اعتبرت أن المبادرة جيدة لكن التوقيت غير مناسب، وكان ذلك الموقف هو أحد الأسباب لاستقالة بهاء الدين لاحقًا من الحكومة، والتي قبلها رئيس الحكومة حازم الببلاوي في 30 يناير.

البناء والتنمية

حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، هو الآخر عرض أيضًا مبادرة في الخامس عشر من سبتمبر لعام 2013، تضمنت وقف كل صور وأشكال العنف، وإنهاء كل الإجراءات الاستثنائية التي أعقبت 30 يونيو، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف التحريض على الكراهية والعنف والتشويه ضد أي فصيل أو مؤسسة، ووقف المسيرات والتجمعات والمظاهرات والفعاليات الجماهيرية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال شهرين، وفقًا لإعلان دستوري من الرئيس المؤقت، وتعَهُد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعدم التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين، كما يُمنع ترشح الشخصيات من ذوي الخلفيات العسكرية لمنصب رئيس الجمهورية، وتخليد ذكرى شهداء الأحداث التي وقعت عقب 30 يونيو واعتبارهم شهداء ثورة، وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، والإفراج عن الدكتور مرسى ومعاملته كرئيس سابق.

أحمد كمال أبوالمجد

التقى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، بممثلين عن تحالف دعم الشرعية يوم الخامس من أكتوبر، وهم: الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية السابق والدكتور عمرو دراج وزير التخطيط السابق والدكتور عماد عبد الغفور مساعد رئيس الجمهورية السابق، وفقًا لما نشرته جريدة “الشروق” يوم 9 أكتوبر، وأكده بشر لاحقًا.

طرح أبو المجد خلال اللقاء مجموعة من الأفكار والآراء والحلول علّها تُسهِم في حلحلة الأزمة، وتسلّم الدكتور بشر هذه الأفكار والآراء مكتوبة، ووعد بمشاورة بعض القيادات في الجماعة والرد عليها خلال أيام قليلة.

وكان أهم ما تضمنته مبادرة أبوالمجد، هو ضرورة الاستقرار على الحل الدستوري، والسعي فورًا وبجدية تامة نحو التهدئة، ووقف حملات الملاحقة والاعتقال والاعتداء على المظاهرات السلمية، ومعاملة الشهداء والمصابين معاملة واحدة مثل معاملة شهداء ومصابي ثورة 25 يناير.

مبادرة أبوالمجد كانت عمليةً نوعًا ما، فراعت نسبيًا مطالب الطرفين، حيث لم تتضمن توصيف ما حدث في الثالث من يوليو بأنه انقلاب أم ثورة، كما أنها لم تتضمن نصًا مباشرًا عن عودة مرسي، إلا أنها تحدثت عن الحل الدستوري وفقًا لدستور 2012، الذي لا يزال صالحًا برأي التحالف مع الاكتفاء بإجراء بعض التعديلات عليه.

في هذه الأثناء.. كان “التحالف الوطني لدعم الشرعية”، يقوم بالإعداد لمظاهرات في ذكرى السادس من أكتوبر.

المظاهرات عمت البلاد، وأزعجت السلطات الأمنية حينذاك.

بعدها هدأت تحركات أبو المجد، رغم أنه قال مُسبقًا “أن أعضاء المجلس العسكري قد باركوا فكرة المبادرة”، ثم أدلى بعد ذلك بتصريحات صحفية تضمنت نقاطًا لم ترِد في المبادرة من قبل، من شاكلة ضرورة اعتراف الإخوان وتحالف الشرعية بثورة 30 يونيو، والإقرار بخارطة الطريق التي وضعها الجيش؛ وهو ما تسبب في إعلان الدكتور محمد علي بشر رفضه لهذه المبادرة؛ وبرر ذلك، بإظهار الدكتور أبوالمجد انحيازه لطرف على حساب آخر.

في المقابل، قال أبو المجد: “إن قيادات الإخوان في السجون هي من رفضت الوساطة”.

البديل الحضاري

طرح حزب البديل الحضارى، أحد الأحزاب المُنضوية تحت “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، مبادرة للخروج من الأزمة في نوفمبر من عام 2013، تتكون من 3 محاور، الأول ذو طابع “سياسي”؛ لتقريب وجهات النظر بين التحالف والدولة، وكي تبدأ الأحزاب الاستعداد للانتخابات الرئاسية. والثانى يتعلق بـ”العدالة الاجتماعية”، عن طريق دفع الديّة لأهالي الضحايا الذين قُتلوا في الأحداث الأخيرة، وتعويض المصابين. والثالث اقتصادي، حيث سيتم طرح حلول تنقذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها حاليًا، المبادرة لم تتخطى هي الأخرى كونها تصريحات تُنقل في وسائل الإعلام وفقط، سُرعان ما تموت مع غيرها.

محمد علي بشر

تقدم الدكتور محمد علي بشر، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والمكلف من جهتها بالتفاوض، بمبادرة في العشرين من نوفمبر لعام 2013، تقضي بقبول الإخوان، إجراء استفتاء على ما حدث في 3 يوليو،

وقال بشر في حوار أجرته معه وكالة الأناضول:”إن الإخوان على استعداد لقبول استفتاء شعبي على خارطتي الطريق التي أُعلِنت من قبل مرسي في 1يوليو، ومن السيسي في 3يوليو، وأن الاستفتاء سيتبعه احترامًا لإرادة الشعب من قِبل “التحالف”، مهما كانت النتيجة، حتى لو كانت اختيار خارطة طريق السيسي، بشرط توفير ضمانات لنزاهة الاستفتاء. تتلخص في إعادة فتح القنوات الفضائية التي أُغلِقت بعد أحداث الثالث من يوليو؛ حتى تتوفر إمكانية إبداء الآراء بحرية، إضافةً إلى الإفراج عن المعتقلين؛ حتى لا تكون هناك خصومة سياسية مع أحد، وتشكيل لجان تحقيق محايدة في من تسبب في قتل الشهداء، سواء كانوا مدنيين أم عسكريين في أحداث العنف التي أعقبت عزل مرسي”.

إلا أن المبادرة لم تلقَ قبول كغيرها، من قبل قيادات المجلس العسكري.

حسن نافعة

في فبراير 2014، طرح الدكتور حسن نافعة، مبادرة تحت عنوان “خارطة إنقاذ الوطن من محنته”، قال إنه كتبها في السابع عشر من أكتوبر من عام 2013 وقدمها للواء العصار، تتضمن بعض الإجراءات التي من شأنها؛ أن تُمَهِد الطريق لمصالحة وطنية شاملة ونهاية للأزمة الحاصلة، كان ذلك باقتراح تشكيل لجنة حكماء محدودة العضوية، تضُم بعض كبار المفكرين، يُشترط فيهم أن يمثلوا وجهتي نظر الطرفين، ووسيطًا محايدًا، ضمت هذه اللجنة حينها، شخصيات عامة أهمها، الأستاذ محمد حسنين هيكل، والدكتور مصطفى حجازي، والدكتور زياد بهاء الدين، والمستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوا، والأستاذ فهمي هويدي.

مع بدء هُدنة للتهدئة، تتوقف خلالها المظاهرات والاحتجاجات والقصف الإعلامي المُتبادل، كما يتم في المقابل الإفراج عن القيادات، التي لم يَثبُت تورطها في جرائم يُعاقب عليها القانون، واتفاق على تشكيل لجنة تقصي حقائق محايدة ومقبولة من الجميع؛ للتحقيق في ذلك الوقت، على أن تنتهي اللجنة من تقريرها خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، والبحث عن آلية تضمن مشاركة الجميع في الانتخابات البرلمانية ثم في الانتخابات الرئاسية.

إلا أن المباردة لم ترقَ إلى الواقع العملي كمثيلاتها، بالرغم من إصدار حزب الوسط – أحد أطراف التحالف – بيانا – وقتها – يرحب بالمبادرات المطروحة لحل الأزمة السياسية، في إشارة لمبادرة حسن نافعة -، إلا أنها ظلت حِبرًا على ورق، ومجرد أطروحات تناقلتها وسائل الإعلام هنا وهناك، وظلت حتى اللحظة حبيسة الأدراج.

أيمن نور

تشير معلومات سبق وأن سربتها بعض الدوائر السياسية المقربة من السعودية في لبنان، إلى لقاء عقده مسئولين سعوديين نافذين في نوفمبر الماضي، مع المعارض الليبرالي أيمن نور، حيث بررت اللقاء معه حينها، بأنه مقرب من جماعة الإخوان، وكان من ضمن إدارة الرئيس السابق محمد مرسي. وهذه اللقاءات تمت بناء على طلب الأخير.

وما أكد صحة المعلومات.. الكاتب والصحفي البريطاني ديفيد هيرست، في مقال له نُشِر على موقع “هفينتجون بوست”، وحمل عنوان “انقلاب ناعم داخل القصر السعودي”، قال فيه:”إن هذا اللقاء سعى له كبار مستشاري ولي العهد –وقتها- سلمان بن عبدالعزيز، وأن هذا اللقاء ضمن محاولتين رئيسيتين من جانب مسئولين سعوديين للاتصال، وإقامة روابط برموز في المعارضة المصرية لبحث مبادرة مصالحة مع الإخوان.

هيرست أكد على المعلومة السابقة في سياق تطرقه لسيناريوهات تبدل الموقف السعودي تجاه عدد من قضايا المنطقة، معتبرًا أن اللقاء سابق الذكر، يُعَد مؤشرًا هامًا على أن المنظومة السعودية الجديدة، تُفكر في مبادرة مصالحة مع الإخوان المسلمين، لمواجهة الأخطار التي تهدد المملكة وعلى رأسها تعاظم النفوذ الإيراني في باحتها الخلفية، اليمن، التي سيطر الحوثيين فيها مؤخرًا على الحكم.

ماذا تعني كل هذه المبادرات؟

في السياق التي تعددت فيه المبادرات واحتمالات تقديم أخرى جديدة، اختلفت ردود أفعال الأطراف عليها ففي حين عمدت مؤسسة الرئاسة – علي سبيل المثال – في عهد عدلي منصور، للإعلان عن إغلاق باب التصالح مع الإخوان بحجة تزايد أعمال العنف والإرهاب التي حمّلت مسؤوليتها للإخوان. حرص التحالف الوطني على توضيح موقفه من المبادرات في بيان خاص حمل عنوان “موقف التحالف الوطني لدعم الشرعية الثابت من المبادرات المطروحة للخروج من الأزمة المصرية”.

وقد أشار التحالف في بيانه إلى الثوابت التي ينبغي احترامها لقبول أية مبادرة، وهي السعي لتحقيق أهداف ثورة يناير، وإنهاء “الانقلاب”، والعودة للمسار الديمقراطي، واحترام إرادة الشعب في تقرير مصيره، ورفع يد العسكر عن السياسة، وعودة الجيش لثكناته.

إن هذه المبادرات العديدة، التي تقدمت بها شخصيات عامة تارةً، وأحزاب سياسية وجهات إقليمية ودولية تارةً أخرى، سعى أصحابها من خلالها إلى حلحلة الأزمة والوصول إلى حل سياسي، لتجنيب البلاد الدخول إلى نفق مُظلم، كما تفسر هذه المبادرات أيضًا، جوانب كثيرة للمشهد السياسي لما بعد أحداث الثالث من يوليو، حيث تُفيد في التأكيد على حقيقة أن الجيش هو من أجهض معظم المبادرات السياسة للخروج من الأزمة مبكرًا إن لم يكن كلها، كما أصر على إدخال البلاد في هذا النفق المُظلم.

يمكننا أيضًا أن نشير إلى، أن تطور المبادرات من واحدة إلى أخرى، يشير إلى أن سقوط الضحايا والدماء التي سالت في المجازر، الواحدة تلو الأخرى؛ كانت عاملًا حاسمًا في تعقيد الموقف، حتى بدت المبادرات تتجه شيئًا فشيئًا نحو تجميد للصراع وليس حلًا للأزمة، وقد ترافق ذلك مع ضمور حجم وعدد المبادرات بمرور الوقت وخاصة بعد مجزرة الفض.

إن هذه المبادرات تُثبت شيئًا واحدًا بالتأكيد، أن هذه الأزمة الحالية لا يجب أن تستمر بأي حال من الأحوال، وأن استمرارها هو خراب أكيد للوطن والمجتمع.

إقرأ المزيد

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (8) : مبادرات الخروج من الأزمة : من الذي قدمها ومتى؟ (1)

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (1) : المصالحة في مصر : الأسباب والاحتمالات

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (2) : الإخوان والسلطة … تاريخ من المفاوضات والصراع (1)

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (4) : الشيطنة الإعلامية والمصالحة الوطنية (1)

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (6) : العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية : بين المفهوم النظري والواقع العملي

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (8) : مرسي والسيسي بين المصالحة واللاعودة