ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي منفردًا، دون أن يكون معه وزير دفاعه، يوآف جالانت، كالمعتاد. لم يفت الصحفيين الحاضرين أن يستفسروا من نتنياهو عن سر غياب جالانت، فأجاب بشكل واضح أنه عرض على جالانت عقد مؤتمر مشترك، لكن الأخير اختار الظهور منفردًا. أردف نتنياهو قائلًا إن جالانت اختار ما اختار. لكنه أتبع تلك الجملة بتأكيد، يبدو نشازَا عن سياق المؤتمر، أنه يملك تفويضًا من الإسرائيليين بقيادتهم، وأنه لا يعمل وفق استطلاعات الرأي.

هذه البيانات، وغياب جالانت، تكشف أن هناك شيئًا خاطئًا في المشهد الإسرائيلي الداخلي، وأن هناك خلافات في الكواليس. يطفو بعضها على السطح، لكنه دائمًا ما يكون أقل القليل من تلك الخلافات. مثل الخلاف الأهم بين نتنياهو وجالانت، باعتبارهما قائدي المشهد العسكري والسياسي، ويتوقف على قناعاتهما الكثير من السيناريوهات.

ولم يكن الخلاف أمرًا مفاجئًا، فقد ظهرت بوادره منذ اللحظات الأولى لبدء الحرب الإسرائيلية على غزة. فقد جرى تبادل الاتهامات بينهما بخصوص على من يقع عبء الفشل في منع حدوث عملية طوفان الأقصى من البداية. كما تجلَّى ذلك أيضًا في المؤتمر الثلاثي الذي جمع نتنياهو وجالانت مع بيني جانتس، عضو مجلس الحرب. فقد صافح جالانت جانتس، وتجاهل الاثنان مصافحة نتنياهو.

يأتي ذلك بعد أن كتب نتنياهو تغريدة على موقع إكس، تويتر سابقًا، يتهم فيها أجهزة الأمن بالفشل الاستخباراتي، وأنهم السبب في حدوث السابع من أكتوبر/ تشيرين الأول. ما دفع جانتس إلى مهاجمة نتنياهو بعنف، وحثَّه على التراجع عن تلك التصريحات فورًا. يائيير لابيد، رئيس الوزراء السابق، تلقَّف الكرة وانتقد نتنياهو بدوره، وقال إن تصريحات نتنياهو تجاوزت الخطوط الحمراء. ورغم أن نتنياهو تراجع عما كتبه، لكن ذلك لا يعكس أنه غيَّر قناعاته، والأهم هو استمرار نتنياهو في رفض الاعتراف المباشر بمسئوليته عما حدث.

غياب الاعتراف بالفشل، أدى لاستمرار الخلافات بين الجميع. فمثلًا عقب انتهاء الهدنة المؤقتة وبداية استئناف العمليات العسكرية. اشتعل الخلاف مرة أخرى داخل حكومة نتنياهو بسبب الميزانية المقترحة لحرب غزة. جانتس طالب نتنياهو بسحب مقترح الميزانية الذي يطالب فيه بضخ قرابة 100 مليون دولار من أجل توسيع المستوطنات، وتشجيع الهجرة الخارجية إلى إسرائيل. كذلك تشجيع الهجرة الداخلية للمدن التي يغلب عليها الفلسطينيون، مثل اللد وعكا، ومن ثَم يقيم هؤلاء المهاجرون بؤر استيطان عشوائية.

اعتراض جانتس، وتلويحه بأن وزراء حزبه لن يصوتوا على هذه الميزانية، لم يكن اعتراضًا على أهداف نتنياهو. بل على التوقيت، مؤكدًا أن تلك الأموال يجب أن تُضخ للمجهود الحربي بشكل أساسي. حين تُذكر الأموال، أو الاستيطان، فلا بد أن يدخل بتسلئيل سموتريش على الخط، بصفته وزير المالية والمسئول الأول عن عمليات الاستيطان، قال سموتريش إن منتقدي الميزانية يساعدون العدو، بل تجاوز الأمر لنفي أن يكون هناك انتقاد للميزانية من الأصل، قائلًا إن تلك الانتقادات ليست إلا حملة خداع لتضليل الرأي العام.

الرأي العام الإسرائيلي ليس بحاجة إلى خداع أو توضيحات، الضغط مشتعل في الداخل الإسرائيلي للمطالبة بعودة الأسرى لدى حماس. رغم تأكيدات مجلس الحرب الإسرائيلي أنه غير معني بعودة أي أسرى حاليًّا عبر المفاوضات. وأنه سيعيدهم بالقوة بعد القضاء على حماس. وهو ما يراه الأهالي مزيدًا من التهديد لذويهم. خصوصًا أن الحكومة تتعهد بأنها ستعيد لهم جميع أبنائهم، لكنها في نفس اللحظة تهاجم أماكن احتجازهم، وتتوعد الطرف الذي يملكهم بالقضاء عليه.

يأتي ذلك الضغط الشعبي على جدار متصدع بالأساس. وتتعدد أنواع وأحجام التصدعات فيه. فنقطة تسليح السكان نفسها تُعتبر نقطة خلاف. لكن هذه المرة وقع الخلاف بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ورئيس شعبة ترخيص الأسلحة النارية. فقد قدَّم الأخير استقالته، ما دفع بن غفير لمهاجمته بشراسة؛ إذ جاءت الاستقالة اعتراضًا على قيام بن غفير بإصدار تراخيص لحمل الأسلحة لأعداد ضخمة من المستوطنين دون تدقيق أو استيفاء العديد من شروط حمل السلاح.

وأعلن رئيس الشعبة داخل الكنيست أن بن غفير قد عيَّن أشخاص غير مؤهلين لإصدار تلك التراخيص. لكن بن غفير قال إن رئيس الشعبة هو من لا تنطبق عليه شروط البقاء في منصب مهم كمنصبه، خصوصًا في حالة تعرض البلاد لحرب. لكن رغم استقالة رئيس الشعبة يستمر بن غفير في سياسة تسليح المواطنين بشكل مكثف. تلك السياسة التي أودت بحياة أحد المستوطنين حين ظنه الجنود الإسرائيليون من منفذي عملية القدس الأخيرة، فقتلوه.

ليس هذا هو الخلاف الوحيد الذي يُعد إيتمار بن غفير طرفًا فيه. هناك خلاف آخر بينه وبين جالانت. فقد وقع جالانت، بصفته وزيرًا للدفاع، على مذكرة لاعتقال مستوطنين إسرائيليين قاموا بأعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. لكن سرعان ما غرَّد بن غفير قائلًا بشكل واضح إن هناك من ارتبك، ونسي من هو العدو ومن هو الحبيب. جالانت لم يفوِّت الفرصة ورد فورًا على الرجل متسائلًا بنبرة تهكمية، عن الذي يطبق القانون بيده، والذي يتدخل في الأمن القومي، والذي يضر بالمواطنين.

كما أن رئيس الأركان الإسرائيلي كان في خضم معركة غياب الثقة في الحكومة الإسرائيلية كذلك، حيث قالت القناة 13 الإسرائيلية إن حراسة نتنياهو أعاقت دخول رئيس الأركان للاجتماع مع نتنياهو، في مقر وزارة الدفاع، وأصرت على تفتيشه قبل الدخول خوفًا من أن يحمل جهاز تسجيل. ما أثار غضب الرجل، وتحدث عن ذلك علانيةً في الاجتماع. وكشفت القنوات الإسرائيلية أن ديوان رئاسة الوزراء قد منع أي فرد من المؤسسة العسكرية من الدخول إلى الاجتماعات برفقة أي أجهزة إلكترونية يُحتمل أن تكون أجهزة تسجيل. رغم أنه من المعروف روتينيًّا أن تلك الاجتماعات تُوثق بأكثر من صورة لأغراض أرشفية، ولأغراض عملياتية لاحقًا.

المفاجئ أن نتنياهو يستغل كل تلك الخلافات، بدلًا من محاولة إصلاح الأمر، لكنه يستغلها للترويج الإعلامي ولإلقاء مسئولية الفشل الأمني على كل الآخرين عداه. فمثلًا نقلت القنوات الإسرائيلية عن نتنياهو تصريحًا يقول فيه إنه ربما كانت المظاهرات الأخيرة ضد الإصلاحات القضائية في الأشهر الماضية، والتي شارك فيها عدد من جنود الاحتياط، وهددوا بعدم العودة للخدمة، هي السبب في التشجيع على القيام بهجوم السابع من أكتوبر/ تشيرين الأول.

لكن يبدو أن الجميع على موعد مع محاسبة قاسية بعد توقف آلة الحرب الوحشية التي تقودها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، وسواء انتهت تلك الحرب قبل تحقيق أهدافها؛ القضاء على حماس واستعادة الأسرى بالقوة، أو لم تحقق أيهما، وهو السيناريو الأقرب، فإن كل صور النصر التي يريدها نتنياهو لن تشفع له، ولا لحكومته، وسوف ينهار جدار الحكومة الإسرائيلية المتصدع للغاية.