حماية حقوق الملكية الفكرية جزء لا يتجزأ من حماية حقوق الإنسان العامل، كما أن الملكية الفكرية جزء من الأصول الرأسمالية.

نتناول في هذا المقال موضوع الملكية الفكرية وحمايتها في ضوء القرآن الكريم والسنة المشرفة؛ ونظرة الاقتصاد الوضعي إلى الملكية الفكرية.

الإنسان هو هدف وغاية التنمية في المنهج الإسلامي

الإنسان وفقاً للمنهج الإسلامي؛ هو الوسيلة الرئيسة للتنمية؛ والمطلوب منه الحركة التي تعمر الدنيا. وهو في نفس الوقت هدف عملية التنمية. ومع المتغيرات العالمية أصبح هناك إدراك متزايد بأن المعرفة والمهارات البشرية ورأس المال الفكري تُعد المكونات الرئيسة لاقتصاد الحاضر ومفاتيح النمو للمؤسسات في المستقبل.

والعمل بطبيعته جهد وشقاء؛ ويبذله العامل لحاجة في قلبه؛ وهي المحافظة على البقاء، والرغبة في التمييز. وهذه الرغبة في التمييز هي ضمانة لاستمرار الحضارة الإنسانية. والمنافسة الحرة هي حجر الزاوية في التقدم الحضاري، وهي التي تظهر الكفايات، وهي أساس الابتكار.

وقد ركز المنهج الاقتصادي الإسلامي على عنصر العمل؛ ويتضح ذلك مما يلي:

1. العمل هو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان، وهو وسيلة التملك ووسيلة التنمية أو الإعمار، وتنمية الثروة تكون نتيجة العمل.

2. في مجال إدارة العنصر البشري في ظل الإسلام، يجب على العامل التحلي بالقيم الأخلاقية التي يكتمل بها إيمان المسلم.

قال الله عز وجل:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
(النحل: 79).
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾
(الزلزلة:7-8).

3. إن عملية التنمية بالإنسان وللإنسان. ويوفر المنهج الإسلامي المنطلقات الصحيحة للممارسات التي تهدف إلى تنسيق جهود الموارد البشرية وتوجيهها وإرشادها.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. [1]

4. يعتبر عنصر العمل هو محور الإبداع، ومن واجبات العامل إتقانه للعمل وتجويده؛ فإذا ضاعت الواجبات ضاعت وراءها الحقوق.

يقول الله عز وجل:

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
(التوبة: 105).
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين﴾
(هود: 85، والشعراء: 183).
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
(الأحقاف: 19).
﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾
(الشورى: 38).

ويُستنبط من هذه الآيات ما يلي:

  • من حقوق العامل أن يُمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع كله له.
  • أن تتناسب الحقوق مع ما يُبذَل من جهد وعرق.
  • كلما اتسعت الواجبات في المجتمع تتسع الحقوق.
  • ضرورة ارتباط الموارد البشرية بالقيم الإيمانية والأخلاقية؛ من أمانة، وصدق، وإحسان.
  • إن ضمان حقوق العامل واجب على الفرد والمجتمع والدولة. ومن ذلك حقوق الملكية الفكرية.

أهمية حماية حقوق الملكية الفكرية

تشير الملكية الفكرية إلى إبداعات العقل؛ سواء اختراعات، أو حق المؤلف -مصنفات فنية أو مصنفات أدبية- أو علامات تجارية، وغيرها. وتُعد الملكية الفكرية محفزًا حاسمًا للابتكار والإبداع، وهما بدورهما مفتاح لتحقيق التنمية المستدامة.

ويوصف الإنتاج بالإبداع عندما تتوفر فيه إحدى صفتين:

  • الإحداث؛ بمعنى ظهور الإنتاج أو الأفكار إلى حيز الوجود؛ أمام الوعي الإنساني لأول مرة في لحظة معينة.
  • عملية الصنع أو التكوين؛ عندما تتمثل الفكرة في وجود مادي جديد للشيء. إن خلق المنفعة يكون عن طريق العملية الإنتاجية، وهي ناتج عمل الجسم أو العقل؛ فالمُنتَج يكون سلعة أو خدمة أو فكرة.

ولكي يتحقق الإبداع فلا بد من عدم وجود عوائق لانطلاق الأفكار، وأن يكون غاية الإبداع هو السبق في حل مشكلات معينة؛ بأفكار تتسم بالجدية والحداثة؛ مع ضرورة عملية، وجدوى اقتصادية لهذا الفكر الجديد.

ويقوم الاقتصاد القائم على المعرفة على الاختراع والابتكار؛ وفي هذا الاقتصاد فإن السلعة الرئيسة هي المعرفة.

والمعرفة Knowledge؛ تعتبر ناتجًا وعنصر إنتاج، حيث يدخل في هذا العنصر تأثير الفن الإنتاجي بوضوح. والفن الإنتاجي هو نفسه التكنولوجي، ومن حيث تأثير التكنولوجي على الاقتصاد؛ فإن الاقتصاد لا يهتم بالتكنولوجي في ذاتها، ولكن من حيث تأثيرها في الحياة الاقتصادية.

ويرتكز الفن الإنتاجي أساسًا على الاختراعات، ولا يكفي الاختراع العلمي، بل لا بد من تطبيق الاختراع في الميدان الاقتصادي. وكما يقال فإن تاريخ ارتفاع مستوى المعيشة هو نفسه التقدم المستمر في الفن الإنتاجي. وتعتبر حماية حقوق الابتكار والإبداع من أهم أسس العدالة؛ لتحقيق التنمية؛ التي تركز على البحث والتطوير.

وفي موضوع حقوق الابتكار والإبداع عرف الفقهاء «الحق» بأنه ما ثبت للشخص من ميزات ومُكنات، سواء كان الثابت شيئًا ماليًا أو غير مالي. وحق الاختراع أو الابتكار هو اختصاص شرعي حاجز، يمنح صاحبه سلطة مباشرة على نتاجه المبتكر -أيًا كان نوعه- ويُمَكَّنَهُ من الاحتفاظ بأن يُنسب إليه هذا النَّتَاج لنفسهِ. [2]

وحق الابتكار يشمل الحقوق الأدبية، والحقوق الصناعية والتجارية أو ما يسمى الملكية الصناعية؛ كحق اختراع الآلة، أو مبتكر عنوان تجاري معين نال شهرة. كما عُرِف بحق الإنتاج العلمي. ويعتبر تسمية هذه الحقوق بحقوق الملكية الفكرية أفضل؛ للعديد من الأسباب، أهما أنها تشتمل على الحقوق المعنوية والمادية.

وغالبية الفقهاء والنظم المعاصرة تعتبر أن حقوق الملكية الفكرية ضمن المال والأصول الرأسمالية، وهي تحتاج إلى حماية.

حماية حقوق الملكية الفكرية في القرآن والسنة

يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
(الأنفال: 27).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾
(النساء: 29).
﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾
(الكهف: 49).

ويُستنبط من هذه الآيات وغيرها من الآيات؛ ما يلي:

  • أن الشريعة الإسلامية ربطت هذه القضية– حماية حقوق الملكية الفكرية– بالإيمان بالله، تعالى، والعقاب الأخروي.
  • إن حقوق الملكية الفكرية تدخل ضمن الأمانات، وتحكيم الضمير الإنساني للمسلم بصفة عامة في كل أعماله.
  • سرقة تلك الحقوق يدخل ضمن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنها نِتاج جهد وعمل ذهني وبدني.

ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

من حَمَلَ علينا السلاحَ فليس منا. ومن غَشَّنا فليس منا. [3]
من غش فليس مني. [4]
المُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ، كلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ. [5]

ويُستنبط من هذه الأحاديث ما يلي:

  • التعدي على حقوق الملكية الفكرية يدخل ضمن الغش المحرم؛ الذي يتعارض مع الدين والخُلق.
  • المتشبع الذي يحصل على فضيلة ليست حاصلة، وقيل المتشبع هو المتزين بما ليس عنده، فالادعاء بإنتاج علمي معين دون وجه حق، يعتبر إثم عظيم.

نظرة الاقتصاد الوضعي إلى حماية الملكية الفكرية

تعتبر الخصائص السلبية للبيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية ضمن أهم العوامل المؤدية إلى التخلف الاقتصادي Economic Underdevelopment، ويقصد بالتخلف الاقتصادي بصفة عامة؛ الانخفاض النسبي في مستوى النشاط الاقتصادي لمجتمع ما، ويطلق عليه حالة الفقر الاقتصادي النسبي، ويُعبر عنه عادة بالانخفاض النسبي في متوسط الدخل الفردي الحقيقي.

ومن أمثلة الخصائص السلبية للبيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية: [6]

  • تحديد مركز الفرد الاجتماعي مسبقاً؛ من دون اعتبار للقدرات الذاتية.
  • النظرة السلبية للعمل؛ فكلما بذل الفرد جهدًا أكبر انخفض مركزه الاجتماعي.
  • عدم استخدام المجتمع للحساب الاقتصادي الرشيد في إدارة وتسيير الوحدات الإنتاجية.
  • تمييع وتداخل المسئوليات، وسرعة تغيير القيادات الإدارية، وحالة التوقعات المرتفعة State of Rising Expectations؛ بسبب وجود فجوة بين القدرات والإمكانيات المتاحة من ناحية، والطموحات من ناحية أخرى.
  • وجود أنظمة توزيع غير عادلة.
  • الفجوة الثقافية؛ بسبب وجود قيم ومبادئ في المجتمع ككل لا تتمشى مع العصر، والقفزة الثقافية؛ بسبب وجود قيم وعلاقات في شتى مجالات الحياة مستوردة من مجتمعات متقدمة نسبيًا؛ لا تتناسب مع ظروف الدول المتخلفة اقتصاديًا.

ويؤكد ذلك؛ أن عولمة النظام الغربي لحماية حقوق الاختراع والملكية الفكرية في عالم يعاني من سيطرة بعض القوى والدول، تمثل هجومًا مباشرًا بل واعتداء على الحقوق الاقتصادية للفقراء. وأصبحت براءات الاختراع تمثل رأس مال في السيطرة على الأسواق.

ورغم أن براءة الاختراع لا بد أن تكفل مكافأة للإبداع واستعادة الأموال المستثمرة في البحث العلمي والتطوير، فإن الحماية لا يجب أن تكون أولوية على مصالح المستهلكين في هذا العالم الذي يتسم بعدم العدالة في التوزيع، وبعدم توازن في التنمية. وعلى سبيل المثال؛ فقد أدى التوسع في اتفاقية حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة (TRIPs) في حماية حقوق المستثمرين إلى نتائج سلبية على اقتصاديات الدول الأقل نموًا. [7]

والخلاصة: أنه بمقارنة المنهج الإسلامي بالمناهج الوضعية؛ في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية؛ يتضح ما يلي:

  • أن المنهج الإسلامي في التنمية يهتم بالجوانب الإيمانية والأخلاقية للعاملين، وهو ما تفتقده النظم الوضعية.
  • يركز المنهج الإسلامي على التنمية البشرية والتعليم والتدريب، وحماية حقوق العاملين، وتحفيزهم وتشجيعهم وتمكينهم.
  • حقوق الملكية الفكرية تدخل ضمن حقوق الإنسان بصفة عامة، ويدخل التعدي عليها ضمن الغش والغرر والتدليس والكذب والسرقة والإضرار بالآخرين. وقد نهت الشريعة الإسلامية عن كل هذه الأمور، وتدخل ضمن الكبائر.
  • وتعد حقوق الملكية الفكرية ضمن الأموال بالمعنى الواسع، وتحتاج إلى حماية. وقد حرمت الشريعة الإسلامية أن ينسب أي فرد لنفسه ملكية إنتاج علمي من دون وجه حق، ويأخذ ذلك حكم من يتعدى على ملكية وأموال الآخرين.
المراجع
  1. متفق عليه.
  2. أنظر: ناصر بن محمد الغامدي: حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي والآثار الاقتصادية المترتبة عليها، دراسة منشورة على موقع: https://almoslim.net، تاريخ النشر: 17 ربيع الثاني 1438هـ.
  3. حديث أبي هريرة: مسلم برقم 101.
  4. من حديث أبي هريرة: رواه مسلم في صحيحه برقم 102.
  5. متفق عليه: من حديث أم المؤمنين عائشة: مسلم في صحيحه برقم 2129، والبخاري في صحيحه برقم 5219.
  6. عبد الحميد الغزالي: حول المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية (المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1409هـ = 1989م)، ص 21 – 32.
  7. Trade Related Intellectual Property Rights (TRIPs).