محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/10/11
الكاتب
سارة العتيبي

دخلت المملكة العربية السعودية الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وكأنها متحفزة لقتال ما. لم يظهر وفدها كممثلٍ لبلدٍ تم إصلاحه أبدًا، على الرغم من مرور أكثر من عام على جهود التجديد الجذري. وبدلًا من ذلك، اعتلى وزير الخارجية عادل الجبير وزملاؤه المنصة في ظل العلاقات المتوترة مع ألمانيا وكندا، وتحقيق الأمم المتحدة حول جرائم الحرب في اليمن.نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدان وزير الخارجية الألماني – آنذاك – زيجمار جابرييل المغامرات السعودية في الشرق الأوسط. وجاءت تعليقاته «المخجلة» – كما وصفتها الرياض – في أعقاب استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي أعلن عن قراره بشكل مثير للريبة خلال زيارته للمملكة. استدعت المملكة العربية السعودية سريعًا سفيرها من برلين. وبعدها بشهور، قُلِّصت العلاقات الاقتصادية، وظلَّت كذلك حتى انعقاد الجمعية العامة.كان التعاطف وحده هو رد الفعل الكندي حيال الناشطين السعوديين، عندما غرد حساب الشؤون العالمية الكندية عبر تويتر برسائل تضامن مع المعتقلة سمر بدوي المدافعة عن حقوق المرأة. أصدرت وزارة الخارجية السعودية ردًا شديد اللهجة، مدعيةً التصدي لمحاولات «التدخل» في شؤون المملكة الداخلية. وأعقب ذلك سلسلة من الإجراءات الانتقامية: استدعاء سفراء، وإلغاء الرحلات الجوية من وإلى كندا، وإنذار نهائي للطلاب السعوديين في الجامعات الكندية للعودة إلى الديار. وذهب موال للسعودية على تويتر إلى حد التلميح لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول في تورنتو. هذه هي الظروف التي اجتمع خلالها الوفدان السعودي والكندي في الجمعية العامة للأمم المتحدة!إلا أنه من المهم جدًا الالتفات إلى أن المملكة العربية السعودية كانت تحبط تحقيقات الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب الدائرة باليمن. أُصيبت أرواح الآلاف من المدنيين اليمنيين بأضرار نتيجة قتال التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين. أكثر المشاهد الحاضرة في الذاكرة هي غارة جوية على حافلة مدرسية أوائل أغسطس/ آب أسفرت عن قتل أكثر من 40 طفلًا. سيُدين أي تحقيق جاد وشفاف التحالف بارتكاب جرائم حرب. لا عجب إذن من أن الرياض سارعت بقوة إلى منع ذلك، وأصدرت خطابًا دبلوماسيًا قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة يحذر من أن أي دعم للتحقيقات قد «يؤثر سلبًا» على التجارة مع المملكة العربية السعودية. وبالبحث في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان سجل المملكة أبعد ما يكون عن النقاء، بيد أن الدبلوماسيين السعوديين دافعوا عن ردود الفعل الأخيرة تجاه «التدخل» الغربي، ومن الواضح أنهم لم يترددوا في تهديد الدول من دعم إجراء تحرك أكبر من جانب الأمم المتحدة تجاه اليمن، نتساءل إذن كيف استجاب الغرب لمثل هذه الضغوطات؟


«سوء تفاهم بسيط»

المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»

أعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، عن أسفه خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة تجاه الخلاف بين بلاده والرياض، وبرر هذا الصدع بكونه مجرد «سوء تفاهم». سارع «الذباب الإلكتروني» الموالي للسعودية للتعليق على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ارتفعت قراءات الوسم العربي «ألمانيا تعتذر للمملكة العربية السعودية». يُزعم أن ماس كان «مدفوعًا» من الصناعة الألمانية التي تضررت نتيجة للإجراءات الانتقامية من جانب المملكة العربية السعودية.جاء تقارب ألمانيا مع المملكة العربية السعودية على حساب الحليف الغربي كندا. ناشدت وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند جمعًا من السفراء الألمان في أواخر أغسطس/ آب «أملًا في الحصول على الدعم» في الدفاع عن حقوق الإنسان بغض النظر عن «العواقب». ومع ذلك، لم تتم الاستجابة لدعوة أوتاوا للحصول على الدعم بشكل كبير من برلين في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فريلاند وكندا صامدتان

ازداد رصيد فريلاند (وزيرة الخارجية الكندية) أمام العجز الألماني. و أوضحت وزيرة الخارجية الكندية «التزامها الخاص» تجاه المرأة التي تناضل من أجل حقوقها. كما شددت على الالتزام تجاه اللاتي لديهن «علاقة شخصية مع كندا» في إشارة إلى سمر بدوي، التي تعتبر شقيقة زوجها إنصاف حيدر مواطنة كندية.من المتوقع أن تعاود السعودية الرد. في كلمة ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية، اعتبر الجبير أن «التطاول» الكندي يتعامل مع المملكة وكأنها «جمهورية موز». لكنه أضاف في عرض لشفقته على نظيرته الكندية: «من السهل جدًا إصلاح العلاقات، اعتذري واعترفي بخطئك». رفضت فريلاند مؤكدة أن الخضوع لمثل هذا الطلب من شأنه أن «يجرد كندا من إنسانيتها».لم تعكس السياسة الكندية بعض المرونة، ما من شأنه تطوير الأزمة إلى حد فرض عقوبة رئيسية وفعالة ضد النظام السعودي على مبيعات الأسلحة. وكانت كندا قد قلصت سابقًا طلبية المركبات المدرعة من 928 إلى 742 – بناء على مخاوف سابقة لا علاقة لها بقضايا حقوق الإنسان – استمرت مبيعات الأسلحة الكندية بشكل طبيعي، دعا معارضون إلى إلغاء الاتفاق تمامًا في ضوء عنف الرياض، لكن وحده الوقت كفيل بإخبارنا عما إذا كانت فريلاند وحكومتها سيطابقان الخطاب بالإجراءات الملموسة أم لا؟

النفاق الغربي بشأن تحقيق الأمم المتحدة في اليمن

قدَّم التصويت على تمديد تحقيق الأمم المتحدة بشأن اليمن مثالًا واضحًا على نهج «خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف» للتعامل مع المملكة العربية السعودية. على الرغم من التهديدات السعودية بقطع التجارة مع الدول لصالح إطالة التحقيق، إلا أنه تم تمرير الاقتراح بأصوات من كندا والاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع صحيفة سكاي نيوز، اعتبر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت أن السلوك السعودي في اليمن «غير مقبول على الإطلاق». وشدد على الحاجة إلى عملية سياسية لحل النزاع، في مقابل «الحل العسكري» للتحالف الذي تقوده السعودية.إلا أن هذا الدعم يُكَذِّب السياسة الغربية الراسخة تجاه المملكة العربية السعودية، خاصة في مجال الدفاع. بعد دقائق من انتقاد هنت لجموح السعودية في اليمن – ارتُكبت حتمًا بطائرات بريطانية وقنابل – دافع بقوة عن 4.6 مليار جنيه إسترليني في أسلحة بريطانية رخصت للمملكة منذ عام 2015. لا يهم معارضة 63% من المواطنين البريطانيين لتسليح المملكة العربية السعودية، وكمبرر قال هنت بـأن «هذه القنابل لم تُلق في شوارع بريطانيا».يجسد أقران هنت الألمان بالمثل هذا الموقف المتناقض. بعد أيام من اختتام الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتشرت الأخبار بمضاعفة المستشارة أنجيلا ميركل لمبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. لا يتعارض هذا فقط مع دعم ألمانيا للتحقيق، بل يخالف الوعد الذي قدمه ائتلاف ميركل الحاكم في وقت سابق من هذا العام بحجب الأسلحة عن جميع المقاتلين في حرب اليمن، وهو اقتراح يؤيده 80% من الألمان. كما خرقت إسبانيا وعدها – التي ألغت في السابق بيع 400 قنبلة موجهة بالليزر إلى المملكة – أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. عند سحب هذا الخط المنافق، سمحت القوى الغربية بفعالية بانتهاكات حقوق الإنسان التي تسعى إلى فضحها الآن.

اقرأ أيضًا: الأزمة السعودية الكندية: من أشعل الفتيل الأول؟


مفترق طرق أخلاقي ومسار للتقدم

أنجيلا ميركل
أنجيلا ميركل
يجب على الغرب اتخاذ قراره بشأن المملكة العربية السعودية. لا يمكن لألمانيا وكندا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها الاستمرار في تملّق حقوق الإنسان في المنتديات الدولية، بينما تبيع الأسلحة إلى مجرم حرب معروف. إنهاء المبيعات، أو على الأقل الحد منها، لا يحترم وجهة نظر غالبية الغربيين فحسب، بل هو الصحيح أخلاقيًا. تعيش اليمن واحدة من أعظم الأزمات الإنسانية في عصرنا. مع تضاعف مبيعات الأسلحة الألمانية إلى المملكة، تضاعفت حالات الكوليرا في منطقة الحديدة في اليمن ثلاث مرات. تقدر منظمة «أنقذوا الأطفال» أن أكثر من خمسة ملايين طفل يواجهون المجاعة. الاعتقاد بأن حرمان التحالف الذي تقوده السعودية من الأسلحة التي يستخدمها في اليمن لن يساعد في تخفيف معاناة الشعب اليمني هو أمر خاطئ.مع ذلك، حتى في مواجهة الرأي العام والإحصاءات الجادة، أثبت الغرب تعنته. هناك حاجة إلى معارضة شعبية أكثر صراحةً. ويجب على الأفراد المعنيين إصدار مزيدٍ من الضوضاء على وسائل التواصل الاجتماعي: فقد نشأت حركة حقيقية ضد مبيعات الأسلحة تحت وسوم #StopArmingSaudi و#YemenCantWait. وتحتل منظمات مثل «حملة مناهضة تجارة الأسلحة»، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا، لها وشركة ACAT France موقع الصدارة في هذه الحركة، إلى جانب ناشطين مثل سام والتون و أندرو سميث. وبالنسبة إلى عضو البرلمان، فإن قراءة رسالة أو تغريدة من أحد المكونات هي أكثر تأثيرًا من تقرير أكاديمي آخر. ومع تزايد هذه الأصوات، سيكون من واجبهم الاستجابة. وإلى أن يأتي هذا اليوم، تبرز صورة الأمم المتحدة كمكان للعبارات الجوفاء.