مُنذ الحادي عشر من أبريل/ نيسان وبعد خلع الرئيس السوداني «عمر حسن أحمد البشير» وتولي الجيش السوداني زمام السلطة بالسودان، تسارعت وتيرة الأحداث ولا يزال الشارع السوداني متمسكًا باعتصامه أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، ذلك الاعتصام الذي بدأه المحتجون مُنذ السادس من أبريل، رافعين شعار «لم تسقط بعد»، ومطالبين بتحقيق مطالب الثورة التي امتدت لأربعة أشهر.

أجرى «إضاءات» هذا الحوار مع عضو لجنة التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عضو تجمع القوى المدنية الموقعة على إعلان قوى الحرية والتغيير «مدني عباس مدني»، للوقوف على تطورات الأوضاع بالسودان ورؤية قوى إعلان الحرية والتغيير للفترة المقبلة بالسودان.


كيف تنظر لما تم تحقيقهُ حتى اليوم؟

ما تم تحقيقهُ حتى اليوم هو خطوات كبيرة على الطريق الصحيح، والثورة لم تكتمل بعد وهناك مسائل كثيرة ينبغي أن تُحدد.

ما هذه المسائل؟

من أهم هذه المسائل التحول إلى سلطة انتقالية ذات طابع مدني وفقًا للرؤية التي تُعبر عنها قوى إعلان الحرية والتغيير.

ما الرؤية والتصور لآليات ترتيب الحكم المدني بالنسبة لكم؟

قوى إعلان الحرية والتغيير بوصفها القوى التي قادت الثورة السودانية، فإنها ستختار ممثلي المجلس الرئاسي، رأس الدولة وسيادتها، من قوى الثورة أما المهام السيادية فيباشر المجلس الرئاسي مهامها وفقًا للدستور الانتقالي المقترح من قوى إعلان الحرية والتغيير.

ويختار المجلس كفاءات وطنية نزيهة في وزارات مجلس الوزراء، كما أن الحكومة التنفيذية ستكون مكونة من كفاءات وطنية في وزارت مجلس الوزراء، فيما يقوم الأخير بتنفيذ المهام المطروحة أمامه للبرنامج الإسعافي للفترة الانتقالية وذلك وفق تصورات قوى إعلان الحرية والتغيير، مع ضرورة تقليص الوزارات بحيثُ لا تتجاوز 17 وزارة برئاسة رئيس وزراء ونائب لهُ.

كذلك المجلس التشريعي الانتقالي يقتصر تكوينهُ على 120 عضوًا بنسبة 40% من النساء، مع ميزانية محدودة مراعاةً للوضع الاقتصادي، ونسبة المشاركة فيه تُحدد ويتم تقسيمها على إعلان الحرية والتغيير والقوى الموقعة على الإعلان.

وماذا عن تمثيل الجيش؟

تمثيل الجيش عبر وزارة الدفاع والداخلية.

رؤية المجلس العسكري، هو مجلس عسكري مع حكومة مدنية، وذلك يتعارض مع رؤيتكم، فكيف يكون الحل؟

بشكل عام نحن نقدر المجهودات التي تمت من قبل القوات المسلحة، ولكن من المهم أن نفهم أن القوى الحقيقية التي قامت بعملية التغيير هي الشارع لصالح نفسه ولصالح القوات المسلحة.

ماذا تعني أنها لصالح القوات المسلحة؟

رمزية المسيرة إلى القيادة العامة للقوات المسلحة ومن ثم الاعتصام كانت محاولة ليسترد الجيش نفسه كمؤسسة قومية ومحايدة والنأي بنفسه عن الصراع السياسي.

لماذا طالبتم بحل المجلس العسكري الانتقالي الحالي؟

نحن لا نطالب بل هو أمر لا يجد أيّ اعتراف حاليًا ونحن نشير إلى تمثيل لهم داخل مؤسسة ذات طابع مدني، أما إذا كانوا يتحدثون عن مقترحات مجالس دفاع فهذا شيء منفصل وليس مستوى من مستويات الحكم الأساسية، ووفقًا للواقع العملي لا معنى لمجلس عسكري حاكم وهذه مسالة تتناقض مع الوضع الدولي والأقليمي، وبيان مجلس السلم والأمن الأفريقي تحدث عن تحويل السلطة لمدنيين وفق إطار زمني مُحدد، وعلى مستوى العالم الانقلابات العسكرية لا تجد قبولًا.

هل من الضروري أن يكون للجيش دور في هذه المرحلة؟

نتفهم أن الجيش لديه أدوار سيادية متعلقة بالأمن والدفاع لكن ذلك بالمشاركة مع القوى المدنية، ويجب أن نفهم أن طبيعة الحكم ينبغي أن تكون نظامًا مدنيًا لأن الثورة الأساسية ليست ضد أشخاص، ولكن من أجل إنجاز التحول الديمقراطي.

لماذا الخطوات التي تقوم بها القوى الآن في دائرة الفعل السياسي بطيئة؟

هناك من يستبطئ الخطوات التي تقوم بها قوى إعلان الحرية والتغيير وهذا أمر مفهوم في إطار حرص الناس على الانتقال من مرحلة استمرت 30 عامًا لمرحلة انتقال ديمقراطي من دون أن يكون بها استعجال، ولدينا رؤية أولية وتصور لمستويات الحكم للفترة الانتقالية.

ما مبررات التأخر إن كان التصور جاهزًا؟

الشيء الأساسي موجود لكننا نتعامل بحذر مع قرارات التعيينات التي تصدر من المجلس العسكري واللقاءات التي تتم مع قوى ليس لها علاقة بالانتقال الذي تم حاليًا، فهذا الانتقال لم يحدث باعتصام القيادة فقط بل ثورة استمرت أربعة أشهر قادتها قوى محددة بجداول ومواقيت، قوى كانت فيها كل المكونات السياسية، المهنية، المدنية، كما أن هناك تصورًا لدى البعض بتركيزهم على الأسماء وهي قضية ليست ذات معنى، التصور الأساسي المطروح من قبل إعلان الحرية والتغيير هو تصور مجلس سيادي يكون فيه العسكريون ومجلس وزراء انتقالي.

ما أسس اختيار الممثلين في المجلس الرئاسي المدني؟

بالنسبة لنا هناك عدة أسس ومعايير وبطبيعة الحال الكفاءة معيار أساسي ومهم، بالإضافة للالتزام السياسي تجاه عملية التغيير، وقوى إعلان الحرية والتغيير ليست مكونات سياسية فقط، بل مهنية أيضًا، الفكرة الاساسية أن الاختيار يتم وفقًا لمعايير ويكون فيها تمثيل أكبر.

وكيف سيتم ذلك؟

النقطة الاساسية لنا أن الأمر الآن يتم من جسم واحد (المجلس العسكري) مع محاولة لإنشاء مجموعات أخرى كانت جزءًا من النظام ومرفوضة. قوى إعلان الحرية والتغيير بالتشاور الواسع مع مكونات الشعب السوداني هي الجهة المطالبة بتشكيل الحكومة القادمة، المتفق على أنها تكون حكومة كفاءات تشكلها قوى إعلان الحرية إذ يجب أن تكون هناك جهة تنظر في هذه الكفاءات فهي ليست عملية تقدم لوظائف شاغرة.

هل هذا يعني أنهُ لن يكون هناك ممثلون ذوو خلفيات سياسية؟

الفكرة الأساسية أنهُ ليس لزامًا أن يكونوا شخصيات حزبية وهي ليست محاصصة، لأنهُ لا يوجد معيار أصلًا تتم على أساسه المحاصصة، فهي لن تكون حكومة انتخابات بل حكومة انتقالية وفي مجلس الوزراء نجتهد في معيار الكفاءة، وبطبيعة الحال إذا كان هناك شخص سياسي كفء فلن يتم استثناؤهُ لأنهُ سياسي بل أن وجودهُ سيكون على أساس معيار مُحدد وهو الكفاءة.

هناك تباين في موقف المجلس العسكري وموقفكم، ما خياراتكم حال تمسك المجلس بموقفه؟

الجيش انحاز لإنجاز شهور متواصلة بذل فيها الشعب تضحيات كبيرة، وأعتقد أنهُ ليس من مصلحة المجلس العسكري ولا من أبجديات التفكير السليم بعد ما بذلهُ الشعب السوداني أن تفرض مجموعة مجموعة أو حزب رأيه، هذا وقت يتطلب إجماعًا وتوافقًا، وميزان القوى لصالح الشعب وليس جهة أخرى.

ما كروت الضغط لديكم؟

الجماهير، ومن أول يوم هو العمل السلمي وليس لدينا حل آخر، وهذا هو ما يحوز على السند والتعاضد الدولي والإعلامي، وبعد كل التضحيات والجهود التي تمت فالشارع السوداني ليس على استعداد لتقبل أيّ شكل من أشكال الاستبداد أو الفوضى.

هل نقول إن محاولات فض الاعتصام رسالة لتجريدكم من أحد كروت الضغط؟

نحن لا نعمل وفق مزاج أو رؤية شخصية وإلا لما استمر الحراك وحقق ما حققهُ من نجاح، فقوى الحرية والتغيير كانت دائمًا متجاوبة مع المزاج العام والرؤية لدى الناس، هناك مطالب مرتبطة بحماية الثورة، ومطالب بتفكيك الدولة العميقة، وأخرى تحتاج لزمن ولن يكون الشارع معتصمًا لوقت طويل، ويجب أن تكون هناك ضمانات لتحقيق المطالب ووجود ضمانات للتحول المدني وفق رؤية الجماهير التي خرجت، سيكون ذلك دافعًا للمضي لخطوات أخرى.

ما الضمانات بالنسبة لكم؟

الالتزام بتحويل السلطة لحكومة مدنية والاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير.

هل أنتم على استعداد لذلك؟

إحدى مشاكل العقل السياسي القديم تحويل المسألة لأسماء وشخصيات، نحن نتحدث عن حكومة انتقالية وعن برنامج انتقالي وقبله عقدنا ورشًا وتصورات حول برنامج إسعافي وسياسات بديلة والمسألة ليست وجود اثنين أو ثلاث من الشخصيات بل الالتزام ببرنامج الفترة الانتقالة القائم على مسألة تفكيك الدولة العميقة والعدالة وتحقيق الحرية والعدالة والنهوض باقتصاد السودان، الأسماء ليست عائقًا أمامنا.

ما العائق الآن؟

لو لم يتم الاتفاق على شكل الحكم ومستوياته لن تُقدم الأسماء. هذه يُمكن أن تكون طريقة الميديا في التعاطي مع الأشياء لكنها ليست الطريقة التي تتم بها الأمور في الواقع.

إذًا لا يوجد خلاف الآن حول شخصية رئيس الوزراء؟

طالما هناك اتفاق حول الأسس والمعايير الموضوعة فلن يكون هناك اختلاف حول من يتم اختياره، وهذه إحدى أسهل العمليات رغم أن البعض قد يرى أنها صعبة.

طول الوقت والفراغ الدستوري ولّد مخاوف من محاولة اختطاف الثورة؟

طبعًا، لكن نُذكر أن هذا التغيير أخذ مسارهُ المتحول في هذا الأسبوع، وسيتم الاتفاق خلال وقت قريب إذ لا تحتمل البلاد فراغًا لوقت طويل.

هناك مطالب مرفوعة منكم للمجلس العسكري، ألا ترى أنها تفويض بمنح السلطة للمجلس العسكري؟

نحن لا نطالب المجلس السيادي فهي من مهام السلطة التنفيذية كإصلاح النظام القضائي والنيابي والعدلة ومسائل تحقيق العدالة الانتقالية وجميعها نقاط واردة في إعلان الحرية والتغيير، أما المزاج العام للشارع هو استناد على تجربة حل جهاز أمن نميري، لكن هل هو كجهاز المشكلة فيه أم في هيكلته وأدائه، جهاز الأمن بحاجة لإعادة هيكلة وأداء كوظيفة ومؤسسة وكجهة ينبغي أن يكون موجودًا.

كيف سيتم الحفاظ على مكتسبات الثورة؟

الضمانات مرتبطة بالشفافية الموجودة بينا وبين الشارع السوداني، فالشفافية حكمت مسار الثورة طيلة الفترات السابقة، ضماننا الشارع ولسنا جزءًا من محاور دولية.

ما السيناريو المستقبلي حال فشل الحراك في تحقيق أهدافه؟

لا أعتقد أنهُ سيفشل فقد حقق حتى اللحظة جزءًا كبيرًا من أهدافه والباقي سيكتمل بعزيمة والجماهير.

ما رؤيتكم للتحول الديمقراطي بالسودان في الفترة المقبلة؟

هي عملية طويلة جزء منها مرتبط بالقوانين، وبتطوير المؤسسات السياسية وأدوارها مع الكيانات المدنية والنقابات وهي مسألة لن تتم بين يوم وليلة ولا بانتهاء العملية الانتقالية، بل هي عملية مستمرة عبر العمل والممارسة.