كعادة كل أسبوع جلس السيد «إكس» لمشاهدة مبارة فريقه المفضل، لكن في هذا الأسبوع وبالتحديد في هذه الليلة الأمر اختلف كثيرًا، لأنها ليلة الديربي ونهائي الكأس، فأنا أشجع الفريق الغريم وقد دعاني السيد « إكس »لنشاهد المباراة بمنزله لكي نحظى ببعض إثارة مباريات الديربي!

قمت برن الجرس ولم أستغرق ثانيتين حتى قامت السيدة حرم السيد «إكس» باستقبالي وإرشادي إلى طريق غرفة المعيشة،انتظرت دقيقة على الأريكة المريحة، ثم أقبل السيد «إكس».

سارت المباراة بشكل سريع كحال أغلب مباريات الديربي، 90 دقيقة قمت خلالها بحبس انفعالاتي كي أتجنب إزعاجه وهو يشاهد المباراة بمنتهى الهدوء، وأكاد أجزم أنه لم يرمش بعينه ولو لمرة واحدة طيلة المباراة.

ولكن المباراة انتهت بخسارة فريقي بنتيجة 1-0 رغم محاولات فريقي الكثيرة وطريقة لعبه الهجومية الممتعة بالنسبة لي أمام فريق آخر سجل هدفًا من محاولة واحدة وقام بـ«ركن الباص» طيلة المباراة.

قمت بتهنئة السيد «إكس» بشكل ساخر:

-هنيئًا لكم على الكأس وهنيئًا لكم على هذا «الباص» الجديد.

– إن كنتم تمتلكون هذا «الباص» فلتأتوا به، ولكنكم من الأساس لا تستطيعون حتى اختراقه.

في هذه اللحظة كان صبري قد نفد، فغضبت قائلًا:

– فريقك لم يقدم شيئًا! أي كرة تسميها هذه التي لا تعتمد أصلًا على فكرة كرة القدم وهي تسجيل الأهداف، كان من المفترض أن تكون المباراة 90 دقيقة، ولكني شاهدت 50 دقيقة فقط، لأن لاعبي فريقك كانوا يتظاهرون بالإصابات ويضيعون الوقت، لقد قدم فريقي كل شيء ممتع وقدم الأداء الأفضل، أما فريقك فإنه لم يقدم شيئًا.

انتظرني السيد «إكس» حتى أنهي كلامي وامتص غضبي وقال لي بهدوء:

– صديقي العزيز بعد عشر أو عشرين سنة هل سيتذكر أحد ماذا قدم فريقك من أداء ممتع، أم سيتذكر الفريق البطل ولاعبيه وسيحكي ويتحاكي عنهم رغم أدائهم السيئ الذي لن يذكر بداية من الغد؟!

– ولماذا أهتم بالغد، فاليوم أهم من الغد، إنها مجرد 90 دقيقة ليست أكثر وفريقك يقدم نفس طريقة اللعب المعادية لمتعة كرة القدم بجميع مبارياته، فما هي الغاية في ذلك؟

-الغاية هي البطولات، كم نهائي فاز به كلوب بكرته الممتعة؟! كم بطولة فاز بها أرسنال بالكرة الجماعية الجميلة؟! هل بإمكانك إحصاء عدد بطولات مورينهو على يد واحدة؟ هل سمعت عن مدرب دفاعي مغمور اسمه دي ماتيو فاز بدوري الأبطال مع تشيلسي؟! الكرة الجميلة أيضًا لم تشفع للبرتغال بالفوز ببطولة واحدة طيلة حياتها وتعاقب نجومها، عكس كرة «ركن الباص» التي أتت ببطولة يورو ثمينة.

من هذه اللحظة تحول الحوار إلى مهاترات وأسئلة وجودية وانتهى الحوار بشكل غير مجدٍ كما بدأ، فقررت أن أفكر في صحة كلامه، وأحلل أسباب وقناعات السيد «إكس»، والكثير من أمثال نوعيته في متابعة كرة القدم، ثم استنتجت بعض الأسباب التي حولت هذه القناعات إلى مسلمات.


الفهم الخاطئ

أسلوب الـultra defensive ما نسميه بـ«ركن الباص» نسبة لتصريح جوزيه مورينهو الشهير، وهو أشهر من استعملها مع تشيلسي والإنتر ميلان، هو أسلوب مختلف عن التكتيك الدفاعي، فالتكتيك الدفاعي يعتمد في الأساس على إعطاء فرصة الطرف الآخر لامتلاك الاستحواذ والمحاولة في إبداء رد الفعل مع الهجمات المنظمة وبشكل أكبر يعتمد على قوة التمركز من اللاعبين.

أما الـ ultra defensive فيعتمد على التقوقع في الثلث الأخير في الملعب لإغلاق أي فرصة للطرف الآخر من الوصول للمرمى مع استغلال أي خطأ يؤدي لهجمة مرتدة، ومن هنا جاءت تسميته بالـanti-football.

بمعنى أصح الـultra defensive هي نوع من أنواع التكتيك الدفاعي، وبمعني أوضح ليست كل الفرق التي تلعب بتكتيك دفاعي تقوم بـ«ركن الباص».

فإيطاليا مثلاً وهي أشهر بلد تكتيكيًا، وبالأخص التكتيك الدفاعي، اخترعت خططًا كثيرة، منها الشبيه بركن الباص، مثل الكاتيناتشو، ولكن في معظم تاريخها تقوم إيطاليا بأداء متوازن، ليس دفاعيًا أو هجوميًا.


كليشيهات الجرينتا المزيفة

الجمل الحماسية مثل مقولة مارشيلو ليبي إن الهجوم يجعلك تفوز بالمباريات، أما الدفاع فيجعلك تفوز بالبطولات غالبًا ما تعزز مفهومًا خطأ في عقول العديد من المتابعين على عكس ما قصده صاحب التصريح.

فكم من جملة من هذه النوعية تحظى بشهرة واسعة ومصداقية عالية عند بعض محبي الكرة، بالذات عندما تأتي من أساتذة التكتيك، ولكنها في الحقيقة تصريحات بسيطة عابرة، ولكن الجماهير أعطتها أكثر من حقها.

فمثلاً في كلمة ليبي هل يستطيع إنكار الدور الهجومي لبيرلو وديلبييرو وتوتي ولوكا توني وياكوينتا، وحتى دور الظهيرين زامبروتا وجروسو الهجومي، وهل شفع لمارشيلو ليبي الدفاع في مونديال 2010 من تذيل مجموعة كان بها سلوفاكيا والباراجواي ونيوزيلندا؟


الكرة ليست يوتوبيا

نعم الكرة أصبحت تجارة عملاقة، لكن المشجع الطبيعي ليس له شأن إلا مشاهدة المباراة. أتعجب ممن يمسكون الورقة والقلم ويقومون بإحصاء الثروة المالية لفرقهم، ويتباهون بصفقات فرقهم المكلفة والمبالغ فيها!

هل محبو اليونايتد سيستفيدون من كون ناديهم أعلى قيمة مالية في العالم، أو ستعلي من شأنهم مبيعات قمصان بول بوجبا التي قاموا هم أنفسهم بشرائها؟ هل سيستفيد الجمهور بسيارة رونالدو الجديدة!

الجمهور ليست له مصلحة بأي من ذلك، الجمهور استفادته الطبيعية هي الـ90 دقيقة.

نعم الكرة ليست يوتوبيا، لكنها عالم أقرب لخيالي لذلك كان من الغريب أن يبدأ الجماهير بإحصاء الثروات والأجور.


هوس الأرقام والإحصائيات

بالتأكيد الإحصاء الرقمي أصبح عاملًا مهمًا في التقييم في الكرة الحديثة، لكن بالتأكيد هو ليس مصدرًا وحيدًا للقناعات.

كيف تسير المقارنة بين لاعب سجل 20 هدفًا من أصل 200 محاولة أمام لاعب سجل 10 أهداف من 20 محاولة،

من الممكن للبعض تحليل الفرص ومقارنة الحالة ووضع النسبة، ومن الأسهل للبعض الآخر اعتبار اللاعب المسجل لـ20 هدفًا هو الأحسن والأفضل.

فهناك أشياء كثيرة يقوم اللاعبون بها غير الأهداف والشباك النظيفة وخرائط المجهود البدني المبذول، فالفريق لن يستفيد بلاعب خط وسط يحقق أعلى معدل للجري في كل مباراة، إلا إذا كان يجري بالطريقة والمساحات المحددة المطلوبة منه.

من الممكن أن يقوم مدافع بتسجيل الكثير من الأهداف، ولكن ما فائدته للفريق كمدافع إذا كان أداؤه الدفاعي ضعيفًا وسيئًا عكس نجاحه في إحراز الأهداف.

مقارنات الإحصاء ليست من المسلمات وليست الفارقة في القناعات، هي مجرد عامل مساند لتقييم اللاعبين والأندية.

عندما يرغب الجمهور في إثارة العواطف بينما تقدم له أنت مباراة في الشطرنج على العشب، يجب على أحد الطرفين البحث عن ملعب جديد. لا يرغب 60.000 متفرج من مدينة دورتموند في الجلوس ومشاهدة مباراة كرة قدم، إنهم يريدون الإثارة!
يورجن كلوب

الحقيقة أن أمتع ما في كرة القدم هو بساطتها، ولكن البعض يريد تحويل هذه البساطة لمهام معقدة لا يرى منها إلا الأرقام والإنجازات المادية.

على السبيل المثال، في الكثير من الأحيان يقوم أحد المدربين بالتعب والسهر لليال لكي يترجم دراسته لخطة كروية محكمة وينتهي الوضع بأن تذهب الخطة هباء لأن لاعبًا واحدًا من الـ11 قد سها عن تمركزه الصحيح، لتتحول هذه اللقطة لنقطة حوار وجدال لتمتد بين مشجعي الكرة لساعات وأيامًا وشهورًا، بعض الأحيان يكون الوضع عاديًا وفي البعض الآخر يحول الوضع لجدال عبثي غير مجدٍ وممل.

البعض كالسيد «أكس» يتعاملون مع كرة القدم كعرض أوبرا يتهافت على تذاكره الكثير ليذهب ويرتدي «التاكسيدو» ويضع قدمًا على الأخرى ويجلس بصمت ويستمع لنبرة الصوت القوية المميزة، ثم يخرج من دار الأوبرا ليتكابر ويتعالى على كل من يراه من العامة يستمع إلى الموسيقى المحلية والشعبية غير المحببة لذوقه.

نعم هناك خطط محببة للبعض وهناك خطط منفرة لطريقة كرة القدم للبعض ولكن في النهاية مهما اختلفت الآراء فسواء كانت محببة أو منفرة ومهما اختلفت طريقة وانطباع اللاعبين فهي متساوية، 11 لاعبًا أمام 11 لاعبًا ليسوا 12!

نعم طريقة «ركن الباص» وغيرها من الطرق الدفاعية هي طرق مملة للكثيرين، ولكن هي طرق شرعية تلعب بنفس العدد والقوانين كما الخطط الأخرى تمامًا، هذه ليست المشكلة أبدًا.

المشكلة هي تحويل قناعات الأشخاص للاتجاه المعاكس لشغف كرة القدم وإثنائهم عن الاهتمام بالعنصر الخيالي المعبر عن المثالية في هذه الرياضة، بل إقناعهم بأن هذه الرياضة هي تصوير لحياتنا العملية، هناك الفريسة « الخاسر » والصياد « الفائز »، وعليك أن تختار من أنت بينهما!

تبًا لدروس التنمية البشرية!

المراجع
  1. أبرز أقوال كلوب
  2. Soccer defensive tactics vary
  3. TACTICS