وسط أجواءٍ ثورية علت الهتافات والتكبيرات في المجلس الوطني السوداني، أمس الخميس. كان إعلانًا -لا لبس فيه- للرفض القاطع لقرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، أمس الأول، بإعلان القدس عاصمةً لإسرئيل وما يترتب عليه من نقل لسفارة واشنطن من «تل أبيب» إلى القدس. عقد المجلس الوطني جلسةً طارئةً هي الأولى في دورته الحالية، للحديث حول القرار، وطالب النائب «حسن عبدالحميد» حكومة الخرطوم بطرد القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم، فضلًا عن قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها إلى حين التراجع عن القرار لكون القدس خطًا أحمرًا لا يُسمح بتجاوزه.

أما وزير الخارجية «إبراهيم غندور» فاعتبر -لدى حديثه في الجلسة أمس الخميس- أن قرار الرئيس الأمريكي سيؤدي إلى تداعيات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، وتداعيات كبيرة على الداخل الفلسطيني، موضحًا أن القرار سيؤدي إلى زيادة الإرهاب في العالم، وأن القرار يمثل ضربة لعملية السلام في الشرق الأوسط.

ولمزيد من التفاصيل وتداعيات القرار أجرت إيمان كمال الدين الحوار التالي لإضاءات مع سفير فلسطين بالسودان «سمير عبدالجبار».


كيف تنظر إلى إعلان ترامب القدس عاصمة لأسرائيل؟

جملة ما قاله الرئيس ترامب أن هذا الإعلان تأخر كثيرًا وأعاق عملية السلام. وتسويقهُ لإسرائيل على أنها واحة الديمقراطية في المنطقة، ومخالفته لحقائق التاريخ كان بمجمله يعبر تعبيرًا متطرفًا عن إرادة الحركة الصهيونية العالمية. ولا يتفق ما سرده ترامب مع أيّ حقيقة من حقائق التاريخ، ولا يتفق مع القوانين الدولية، ولا يحترم قرارات الشرعية الدولية.

ما الذي يعنيه نقل السفارة للقدس؟

نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى «القدس» شكل اعترافًا أمريكيًا بالقدس بشطريها الشرقي والغربي مدينة موحدة تحت سقف الاحتلال الإسرائيلي، واعترافًا أمريكيًا صريحًأ باسم القدس عاصمة لإسرائيل، كما يعني ذلك إخراج ملف القدس من أيّ عملية تفاوضية مستقبلية، ونقل إدارة المقدسات الإسلامية والمسيحية إلى سلطة الاحتلال، كما أن ذلك يفتح المجال أمام دول العالم لنقل سفاراتها لمدينة القدس، ودعم سياسة الاحتلال بضم الأراضي وتهويد مدينة القدس وتهجير سكانها.

برأيك، ماذا وراء إقدامه على هذه الخطوة؟

حين فشل ترامب في أن يقدم لشعبه والعالم أيّ إنجاز أصبح مسكونًا بالبدع والقرارات الجوفاء، وحاول للأسف الشديد أن يهرب من استحقاقات داخلية أمريكية، وليخطب ود الصهاينة واللوبي اليهودي في أمريكا. عليهم أن ينقذوه من السقوط.

كيف تنظر للدور العربي تجاه القضية الفلسطينية؟

الدور العربي والإسلامي مساند وداعم للقضية الفسطينية. وكل القوى العربية والإسلامية تضع على المستوى الرسمي والشعبي القضية الفلسطينة على سُلم أولوياتها، لكن إدارة ترامب ودولة الاحتلال الإسرائيلي استغلوا ما يمر به الوطن العربي من أزمات.

وفيما يخص الموقف العربي الراهن فالحكم ما زال مبكرًا، لكن ما صدر من مواقف من جميع الدول محل احترام وتقدير من قبل الشعب الفلسطيني وقيادته. وفي طليعة هذه المواقف موقف السودان الثابت والقوي، وما زلنا نتطلع بعشم كبير أن ترتقي وتسمو هذه المواقف العربية والإسلامية إلى مستوى الحدث، وتدرك أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الآن في خطر داهم، وتستحق منّا جميعًا موقفًا ثابتًا وقويًا، لأن القدس بجانب أنها عاصمة أبدية لدولة فلسطين فهي وقف شرعي وملكية خاصة للعرب والمسلمين.

ما هو احتمال قيام انتفاضة ثانية؟

كما قال سيادة الأخ الرئيس (أبو مازن)، في سياق تعليقه على ما جاء في خطاب ترامب، بأن كل الاحتمالات واردة بما فيها قيام انتفاضة أخرى، لأن القدس هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ودرة التاج لكل الفلسطينيين والمسلمين.

برأيك هل القرار هو محض استعراض من ترامب كما وصفه البعض؟

هذا ليس استعراضًا إنهُ قرار سينفذ عمليًا على أرض الواقع، وبدأت بعض الدول التي تدور في الفلك الأمريكي تحذو حذوها، لهذا لا يمكن وصفهُ بالاستعراض، بل مؤمراة ممنهجة ومدروسة وضعتها إسرائيل والحركة الصهيونية ونفذها ترامب.

هل تتوقع أن يتراجع عنه؟

التراجع من عدمه مرتبط بقيمة ووزن ردة الفعل العربية والإسلامية، فإذا لم تتغير ردات الفعل عن تقاليدها القديمة بالاستنكار والشجب وبعض المسيرات والخطب الهدارة، فلا أتوقع أيّ تغير أو تراجع. ما قام به ترامب كان ضربةً قاضية لأيّ عملية سلام، فجوهر ولُب أيّ مفاوضات سلام يرتكز إلى عدة قضايا أساسية في مقدمتها القدس، وقد أطلق رصاصة رحمة على حل الدولتين.

تبريرات ترامب بأن هذا الإعلان يدعم حل الدولتين مجرد كلام لا قيمة له ولا يرتبط بالواقع، عن أيّ دولتين يتحدث وقد سلب القدس وكرر مأساة بلفور المشؤوم. بوعد ترامب الجديد أعطى من لا يملك من لا يستحق. وأكرر هنا ما قاله زعيمنا الراحل «ياسر عرفات» وما يكرره يوميًا فخامة الرئيس «أبو مازن» بأنه لا سلام ولا استقرار في فلسطين والمنطقة والعالم بأسره دون حل عادل ومرضٍ للقضية الفلسطينية يعيد للشعب حقوقه الثابتة والشرعية غير القابلة للتصرف، وفي مقدمة القضايا غير القابلة للتصرف القدس الشريف.

إعلان ترامب بحسب مراقبين هو بداية تنفيذ خطة سلام أمريكية جديدة في الشرق الأوسط، برأيك ما هي ملامح هذه الخطة؟

الصفقة الأمريكية في الشرق الأوسط هي مجرد تسريبات في الإعلام لا قيمة لها، وقد أكد البيت الأبيض على لسان الناطق الرسمي بأن كل ما سُرب غير صحيح ومجرد اجتــهادات إعلامية، وإن صح أن هناك صفقة فقد حكم عليها ترامب بالموت قبل ولادتها بعد قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأهم تبعات قرار ترامب أن الإدارة الإمريكية قد خرجت من دور الراعي لأيّ صفقة سلام محتملة.

ألا تعتقد أن ما حدث هو ثمرة طبيعية لبدء الحوار مع إسرائيل ابتداءً؟

إن كان المقصود بالسؤال اتفاق أوسلو، فهذا الاتفاق منذ أن وُقع ونحن نعلم أكثر من غيرنا أنه مجحف، ولم يؤدِ إلى سلام ولم يلبِ طموحات الشعب الفلسطيني.

لماذا إذن لجأتم إليه؟

في ظل اختلاف موازين القوي كان لابد من اللجوء إلى اتفاق كهذا لكي يعيدنا إلى الداخل الفلسطيني، ولكي لا ينفرد الاحتلال الإسرائيلي بشعبنا الفلسطيني ومصيره، والكل على دراية بأننا وصلنا إلى فلسطين وأنشأنا مؤسسات الدولة الفلسطينية وجعلناها أمرًا واقعًا، وحصدنا الكثير من الإنجازات الدبلوماسية والسياسية، والآن معظم دول العالم تصوت لصالح القرارات الخاصة بفلسطين، وفلسطين عضو في أكثر من 50 مؤسسة دولية، وهذا ما دفع بإسرائيل إلى حالة من العزلة والتخبط. والدليل على ذلك أن إسرائيل حاولت من خلال سيطرتها على الرئيس الأمريكي أن ترد على هذه الانتصارات بإعلان القدس عاصمة لها، ويتضح أن إسرائيل لم تكن بحاجة لذريعة -تبرر- اتخاذ أمريكا لأي قرار .

لماذا لم تناهضوا تشريع سفارة القدس الذي صدر منذ العام 1995م؟

كلما تم الإعلان عن قرار أمريكي أو إسرائيلي وقفنا ضده وقاومناه، وبالرغم من إمكاناتنا البسيطة حصدنا أكثر من 5 قرارات من مجلس الأمن الدولي بشأن القدس، منها القرار رقم 242 الذي يدعو الاحتلال إلى الانسحاب إلى حدود 1967 والقرار رقم 252 الذي يدعو إلى وقف وإلغاء الإجراءات التعسفية بحق القدس.

ألا تعتقد أن ما حدث هو أيضًا نتيجة طبيعية لموقف السلطة الفلسطينية من سلاح المقاومة، وبالتالي تراخي المقاومة؟

نضال شعبنا في مدينة القدس لم يتوقف في الدفاع عن المدينة والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ويسجل أبناء القدس اشتباكات شبه يومية مع قطعان المستوطنين الذين يحاولون تدنيس المسجد الأقصى، وقد دفع شعبنا الصامد في القدس زهرة شبابه شهداء في الدفاع عن المدينة والمقدسات.

أعني موقف السلطة الفلسطينية؟

السلطة الوطنية الفلسطينية هي أحد أذرع «منظمة التحرير الفلسطينية»، ولم تتوانَ لحظة عن المقاومة بكل أشكالها. وما يثار حول سلاح المقاومة، فلم يمسه أحد. ومحاولة تعليق الفشل العربي والإسلامي على شماعة السلطة هذا كلام يجافي الحقيقة، ونحن كشعب فلسطيني لم نسقط أيّ خيارات، بما فيها المقاومة، وقيادتنا ومؤساساتنا وسفاراتنا وممثلون في الأجهزة الإقليمية والدولية يعملون على مدار الساعة، وحققوا إنجازات سياسية ودبلوماسية لا حصر لها.